ميثولوجيا بقلم هيثم الأمين تونس






النّهر الذي مزّق جلد المدينة
كان في الأصل بحّارا
أمرته ساحرة الجبل
بأن يسبح في الطين
من أعلى الجبل إلى شاطئ البحر
لبظفر بعروس البحر
و لأنّه وصل متأخّرا جدا لشاطئ البحر
و لأنّ عروس البحر لا تزور الشاطئ إلّا مرة واحدة في الحظ
كان يكّرر السّباحة في الطين
و يبكي
فخُلق المجرى
و مازال ذلك البحّار، حتّى بعد موته، يسافر في المجرى
و يبكي
و يحلم بلقاء عروس البحر.
الجسر الممدّد فوق النّهر
كان في الأصل كفّ امرأة
عجزت عن تقطيب الجرح الظاهر في جلد المدينة
و لأنّ حبيبها لا يتقن السّباحة
مدّت كفّها فوق النّهر ليعبر إليها
و لكنّ القمر الغيور اكتشف الأمر فطعنه بشعاع ضوء
و أسقطه في النّهر
و مازالت تلك المرأة، حتّى بعد موتها، تمدّ كفّها فوق النّهر
و تنتظر أن يعبرحبيبها إليها.
المطر، أيضا، قبل هذا، لم يكن مطرا
فذات عناق بين عاشقين،
رجل من عرق ساخن و عذراء من عرق بارد،
اكتشفت البيوت،
التي كانت حينها لا تعتمر أسقفا،
قصّة حبّهما
فدفنتهما حيّين في عمق الأرض
الأرض التي تشقّقت من فرط الحزن عليهما
و من شقوق الأرض تسرّبا غيمتان نحو السّماء
غيمتان كلّما تعانقتا بكيتا كثيرا
فتسقيان الأرض المشقّقة لتبتسم
و تعاقبان البيوت التي لا تعتمر سقفا.
أمّا القطارات التي تركض على طول الغربة و عرضها
و لا توصل، أبدا، إلى الوطن
هي نُصُبٌ تذكارّية لرجال عاديين أحبّوا الوطن
فأسقطهم، من جيبه، الوطن على أرصفة المنافي
و عاشوا يركضون على طول الغربة و عرضها
باحثين عن وطن.
ميثولوجيا بقلم هيثم الأمين تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.