تعطّل المذياع بقلم خضرة محمد الجزائر


لا أعرفُ كيفَ سأبدأُ الآن!
حسنًا..أتساءل
كيف للشروخِ أن تكونَ عميقةً لهذا الحدّ؟!
كيف لها أن تكون طويلةَ أمدٍ هكذا؟!
إنّني أنزفُ هنا، أنزفُ دمعًا، عُمرًا، وذكرى؛ دونَ حبرٍ، دونَ ضاد.
تعطّلَ المذياع، توقّفت الأغنيةُ جراءَ ذلك، وأُصِبتُ بالصّممِ بعدَ ذلك أيضًا.
قبل ساعة، شهدتُ انفصال غَيمتَيّنِ عن بعضِهما بعد التحام، وكما تسري العادة، زارت رأسي آلافُ الأسئلةِ السّاذجة..
تُرى كم من التحامٍ يؤدي للانفصال في أواسطِ هذه الغيوم؟!
أيحدثُ ذلك بدافعِ القناعةِ أم الفطرة؟!
حسنًا..
المطرُ الذي ستنجبهُ تلك الغيّمةُ بعد انفصالها منذ ساعة والتحامها بآلافِ الغيومِ العابرة؛ حلالٌ أم حرام؟!
يا للهول!
ما هذه الأسئلة؟! أتُطبّقُ الأحكامُ على من في السماء أيضًا؟!
هُراء، حقًّا هراء.
لا علينا، نقطة، لنرجع للسطرِ الآن.
غريب!
إنّ اللغةَ تفرضُ علينا قيودها أيضًا! مكبِّلةٌ ومُكبَّلة!
بخيلةٌ كذلك، بخيلةٌ جدًّا، بقدّرِ ما كذب العربُ بأن اتفقنا!.
"طفولتي تبّكي" هذا آخرُ ما قالتهُ الأغنيةُ قبل أن يتعطّل المذياع.
لا أعرفُ إن استرجعَ صحته، لا أقدرُ أن أعرف، إنّني مصابةٌ بالصّمم.
حرام، إنّ الأغاني حرامٌ كبير، لن استمعَ لها بعد الآن، فبسببها تعطّل المذياع.
صحيح!
أنا صماء، لن أقدرَ على سماعِ شيءٍ الآن، لن تكتمل الأغنية في أذني على الأقل.
إذن.. سأكتب.
لا، اللغةُ قيّدٌ وراءَ قيّد.
حسنًا.. سأصبحُ غيّمة.
لا..لا حرام!.
لا علينا.. سأبكي طفولةً وبعض من ذاكرة.
في الحقيقة، هذا أيضًا غيرُ جائز.
--
هُراء، هراء..صارخةً قالت، رَمت القلمَ بعيدًا، ثم أحرقت الأوراق.
قرّرت أنها لن تحاولَ الكتابةَ بعد الآن، لن تتحول إلى غيّمةٍ ولن تُمطرَ أيضًا.
لكن فجأةً! فتحت الدُرج، وأخرجت ورقة، بحثت عن القلمِ الذي رمته، وبدأت تكتب، أنها لن تكتب أبدًا.
بعدَ دقائق، أغراها لونُ حبرِ القلمِ على بياضِ الورقة، كتبت أكثر، وبشكلٍ أوسع، عن الضادِ، عن الغيّمِ، عن الموسيقى وعن حرامٍ أكبر أيضًا.
يا للّهَول!
يا للّهول! إنّها قيّدٌ وراءَ قيّدٍ حقًّا!.
من؟
...
تعطّل المذياع.
تعطّل المذياع بقلم خضرة محمد الجزائر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 11 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.