تلك المرأة الثرثارة بقلم حواء فاعور سوريا


لأني ممتلئة بالأسئلة حد التخمة ..
اصاحب الليل الأعمى واسهر حزني بأناقة ..
أحاول لملمة شتاتي بجهد بالغ ..
الذات المشتتة عبء أثقل من جمع الكون بسماواته وأراضيه ..
وكتفي مدور وصغير ويحمل مشروخا ..كل ذلك
اغالي واتجبر في بخس ذاتي وتقديسها ..واكون طفلة الرصيف وعامل البناء وفلاح الأرض والراقصة والأم والعاشقة والثائر والثورة مع خليط مزعج من رغبات وغرائز لا تشبهني ..احاول تنميقها في فيترينة هذا العالم المكسوة بالغبار ..
من خلفها أطالع الحب والخيبة ..
الفشل والنجاح ..
الهزيمة والنصر ..
الفضيلة والذنب ..
الخيانة والوفاء ..
الايمان والكفر ..
الحزن وزيف فرح ..
يا إلهي كلهم مكسوون بالغباش ..
ولاماء في عيني اسكبه على الزجاج وامسحه بآخر عدد من جريدة اليوم.
ماذا لو عاد كل شيء إلى جاهليته الأولى ؟!
لكم سيكون جميلا وفطريا ووحشيا وقبيحا ..
لكم سيكون أوضح ..
والميل لأحد الجانبين لكم سيكون أسهل ..
ماذا لو لم اكن امرأة ؟!
كنت سأخرج الآن مباشرة الى الشارع واركض ..اركض جدا واستلقي على الرصيف وانا أمد خيوطا من شعاع عيني الى السماء ..
ولكم سينبجس من صدري عيونا دافقة..ومرتعشة ..
صافية كشفافية ابتسامة رضيع
مشوبة كأول نفس غريب خارج الرحم ..
او ..
كنت سأطعم هذا الكلب الذي يعوي الآن خارجا وربما أصيره صديقا ..
ماذا لو ان معرفتي باللاجدوى ..أصابها العمى
حتما لن اعالجها لتبصر ..أقسم
آه ما أجمل ان يعود كل شيء إلى عمائه الأول ..
فلا يكون هناك مخدر ينسيني أن اوثق طول الجرح وعدد غرزه .. وموقع الثقب في المعدة بالضبط ولون النزف
ان أتعمق في عين الطبيب و اعايش اختلاجاته وثقته
واحس بألم كل ذاك دفعة واحدة
اتجرعه كآخر رشفة في قعر كأس ..
لست أخشى الذهاب أبدا ..
بل ليس علي ذلك قبل أن المس ذاتي بالضوء ..واعرف لغز النكتة البشعة التي ندور فيها ..
ليس قبل أن اضحك حزني كله ..واعرف معنى الحياة
ليتني أستطيع إطلاق النار على الثرثارة بين اللواتي بداخلي
التي لا تكف تهمهم وتسأل
تتنهد وتشهق ..
وتعالج كل شيء بلاشيء وكل شيء ..
تحلل وتمحص وتحفظ أبسط ابسط الاحساس .. فتبكي دموع الطفلة على الرصيف ..
ويؤلمها ظهر عامل البناء .ويحرقها تشقق كفي الفلاح ولاتنام باكرا ..
يبرع خصرها بجذب الوجع أكثر من الراقصة
وتفقد وتثكل وتتوحد مع الألم وتفنى وتصمدبدل تلك الأم ..
تعاني الغياب ويكويها الشوق ..وتتلقفها اللهفة بين نبض ونبض ..
ويسكنها الصدى كالعاشقة ..
وتغضب وتنتفض وتصرخ فهي الثائر وتتلقى الرصاص بصدر مشرع
وتنسف وتغتال وتسرق من قبل الغربان كالثورة وتفشل ..
ذريعا تفشل ..
لوأني اتماسك وأضغط الزناد ..لارحتني من تلك المرأة الثرثارة التي تصرخ داخلي عميقا ..
ونمت دون علامات استفهام تحيط بقلبي ..
ودون مشاعر غامضة وضبابية ..
مالذي تعنيه طقوس الولادة ..؟!!
لماذا نتزوج ؟!
نموت لماذا؟!
لماذا نراهق لوقت طويل ..؟!
لماذا نحن عاجزون ان نكون ذواتنا ؟!
ولا نردم الهوة السحيقة بين الذات والحياة
ربما لو عاد كل شيء الى جاهليته الأولى يكون كل شيء اسهل ..كأن يولد الشخص أعمى فلا يبالي بما لم يعرفه يوما ..
تلك الطهارة البهيمية غير المعقولة أفضل جدا ..
تلك المرأة الثرثارة بقلم حواء فاعور سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 23 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.