فرضيّات لحياة ثالثة ......هيثم الأمين / تونس



بعد مائة عام من الآن
سيصير عمري عشرين عاما في حياة ثالثة
بما أنّي
سأفرّ من نافذة حياتي الآنية في سنّ الخمسين
و في سنّ السّبعين
سأغادر من الباب الخلفيّ لحياتي التالية
ربّما بسبب خطإ طبيّ
يقترفه طبيب غاضب من حبيبته و هو يجري لي عمليّة لاستئصال الكبد
لأنّي أسرفت، طول حياتي، في احتساء الكثير من الفودكا
فكوخي،
الذي يقرفص، كمتسوّل، على مشارف غابة روسيّة،
ليس فيه مدفأة
و هذا يجعلني أحتسي الكثير من الفودكا
لأشعر بالدّفء قليلا،
لأكتب،
و لأتمكّن من النّوم، وحيدا، دون خوف.
أو، ربّما، سأغادرها من الباب الخلفيّ، أيضا
بسبب أزمة قلبيّة
تصيبني في نزل صغير للعشّاق في بولندا
بين أحضان امرأة شابّة جميلة ستسهلكني بالكامل
فأنا
لا أضاجع النّساء في بيتي
احتراما لمشاعر صديقتي،
التي تقيم معي، في بيتي، منذ ثلاثين عاما،
و الطّاعنة في المرض.
في حياتي الثالثة،
و بعد مائة عام من الآن
سأكون شابّا عشرينيّا.
قد أكون شابّا إيطاليّا وسيما
يشتغل مع والده في مطعم صغير
في مدينة صغيرة على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط
 مطعم يعدّ "البيتزا" بكلّ أنواعها
و "السباڤيتي" بغلال البحر مع قطع الفطر
ربّما، سيكون اسمي "ماريو".
ستكون لي درّاجة هوائيّة
أوصل بها الوجبات "الديليفري"
و أطارد بها حبيبتي "كاترينا"
و في أيّام العطل،
سأذهب للشاطئ مع "كاترينا" الحلوة
أين سنتبادل قبلاتنا العميقة
و نحلم بالسّفر حول العالم.
في حياتي الثالثة،
و بعد مائة عام من الآن
سأكون شابّا عشرينيّا.
ربّما، سأكون شابّا أسمر البشرة و بشنب صغير بقطن حيّا فقيرا من أحياء "مومباي"
سأكون قويّ البنية و صوتي عذبْ و أعمل في بيع الغلال.
سيكون اسمي، على الأرجح، "باها" و يعني الجميل
و في الغابة الصّغيرة التي نسيت أن تحتطبها فؤوس البنايات
سألتقي بحبيبتي " أرانيا"  والتي يعني اسمها الغابة الوفيرة
و هناك، سنوزّع بعض الغلال على القرود
و على الأرانب
كرشوة حتى لا يخبروا الآلهة بسرّنا الصّغير.
هناك، في الغابة الصّغيرة، سأقطف زهورا جميلة و أزيّن بها شعر "أرانيا"
و  سنتراشق بماء الجدول  الصّغير
و على ضفّته سأغنّي الحبّ لحبيبتي
و سترقص لي "أرانيا" كآلهة صغيرة
و حين يتعبنا الرقص و الغناء و الركض
سنستلقي، جنبا لجنب، على العشب الغضّ كنهديْ "أرانيا"
أشبك أصابعي بأصابعها،
أقبّل يدها الصّغيرة،
و أعدها بأنّي سأحقّق كلّ أحلامها حين أصير من مشاهير "بوليود"!
في حياتي الثالثة،
و بعد مائة عام من الآن
سأكون شابّا عشرينيّا.
و لكن...
قد لا يحالفني الحظّ مرّة أخرى
فأكون عشرينيّا طاعنا في كلّ شيء
عاطلا عن العمل،
أقضي يومي بمقهى في مدينة أو قرية من مدن أو قرى شمال إفريقيا
أدخّن سجائر مهربّة
- يدّعي المسؤول عن شركة التّبغ الوطنيّة أنّها تسبب السرطان -
أرتشف من قهوة هذا و ذاك،
أشرب البيرة لأتبوّل أقصى ما يمكنني تبوّله على تراب الوطن،
أدخّن "الزطلة" لأضحك، بغير سبب، دون أن يتّهموني بالجنون أو بقلّة الأدبْ
و أخطّط لسرقة حليّ جارتنا المهاجرة التي تركتها أمانة عند أمي
لأبيعها للصّائغ اليهوديّ بعشر قيمتها
ثمّ أقتني، بما كسبته، تذكرة للموت قد تحملني لشواطئ الشّمال
هناك، في تلك المدن، أنا أظنّ، رجما بالغيب، أنّ الفقراء لا يفترسهم الجوع على الرّصيف!
لحظة من فضلكم!
لا تغادروا الآن،
لقد نسيت أن أخبركم أنّ إسمي سيكون حتما
"صالح سعيد"
فهنا،
كلّنا صالحون و سعداء و نعشق الوطن...
فرضيّات لحياة ثالثة ......هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 22 نوفمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.