نصّ معتوه ...بقلم هيثم الأمين / تونس




بعيدا عن الشّعر؛
بعيدا عن شخير الطريق الاسفلتيّ الذي يأخذ قيلولته،
وسط المدينة،
غير عابئ بطنين درّاجة ناريّة تسعل بقوّة؛
بعيدا عن دهشة العصافير و هي تتابع آخر أخبار الشّجرة،
الشجرة التي كشفت خصرها لفأس شبق؛
بعيدا عن صراخ الضوء و العتمة
و هما يتزحلقان على ظهر العالم
و بعيدا عن غسّالة الملابس المعطّلة
أجلسُ،
في منتصف الحكاية،
طاولةَ قمار عليها مضمار لسباق الحلزونات
و يتحلّق بها مراهنون فقراء يشتمون، ببذاءة، نساء أصحاب الحلزونات
و يحلمون بالفوز ببيضتين و رغيف خبز و زجاجة نبيذ؛
الفقراء لا يملكون مالا ليراهنوا في سباقات الخيول
و لهم وقت كافٍ ليتابعوا سباق حلزونات حتّى النّهاية
و أنا لي كلّ الوقتْ
لأُجمّع وجهي كلعبة "بازل"
فربّما إن ركّبتُ وجهي كاملا
أستطيع أن أقرَأَني فأفكّ لغز الرّجل الذي يشبهني.
دِرْرررررر.. دَكْ دَكْ دَكْ... دَكْ... دَكْ
"تبّااااااااا
هذه الغسّالة ما عادت تصلُحُ لشيء"
يقول عامل الصّيانة !!
 فيعانق حبل الغسيل الملاقط
و يبكي.
عندما عبر الفأس كلّ خصر الشّجرة،
كانت أصابعي تعدّ الصالصة الحمراء بقطع الحبّار
و تشتمُ
كلّ من اتهموا قصائدي بأنّها بنات ليلْ
و أنّها غجريّات تمتهن النشلْ
و تشتُمُ رئيس البلديّة الذي يدير بيت دعارة
و الذي أصدر مرسوما باعتقال كلّ قصائدي.
"لا فائدة من القصائد التي لا تجعل امرأة تعاني من تدفّق الحليب
تهدأ قليلا"
يوشوش فستان قصير زهريّ اللون لـ"فيزون" أحمر
و هما يستلقيان على نصبة "فريب"
يتثاءب الطريق الاسفلتيّ الذي استيقظ للتّو
و يسحب نفسا عميقا من مدخنة مصنع عرجاء
و يقول:
لا فائدة من القصائد
التي لا يستريح في ظلّها كلّ هؤلاء الذي يمتطون أقدامهم
و يركضون نحو الموت ليكسبوا رهان الحياة.
تضطرب العصافير من سقوط الشّجرة،
الشجرة التي مازالت تلهثْ
و تنشب أغصانها في الأرض لتُعلم الفأس أنّها، قريبا، ستصل لذروة نشوتها
فيقول عصفور عجوز
و هو يدندن لحنا جديدا:
الأسوأ لم يأت بعد !
و يراهن عصفورا شابا ادّعى أنّه لا بدّ للشجرة من أن تنهض مجدّدا
على دودتين و ثلاث قمحات.
فوق كتفي المعطوب،
يجلسُ شِعر بدينٌ
و يضحكْ
ثمّ يقول لي ساخرا:
سأنّصبُك ربع شاعر
إن صفٌّق نصف الجمهور
لنصّك المعتوه العاري من امرأة جميلة.
نصّ معتوه ...بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.