تقرير إلى الرب...للشاعر المصري الكبير محمد آدم

 تقرير إلى الرب

ايها الرب الخارق للعادة تماما
لم أخذتني أنا من بين كل غنمك
كنت لك أرضا
و سماء
ذاكرة
و نواقيس
كنت لك النهار الذي يمشي على قدمين
و الليل الذي يقف وحيدا في العراء
و الشجرة
التي تقف وحيدة علي النهر
المراة
التي تنتظر عارية عودة الابن الضال
كراسة الاخطاء في المدارس الابتدائية
أحلام الفتيات اللواتي يطاردن الفراشات في السكك
ضحكات الشمس الطيبة فوق حصيرة الزمن
غناء تلك الوردة
و انكسار الروح فوق سلك شائك
في دواليب الغياب
في يوم ما
كنت لك الآب
و الابن
و الروح القدس
في قلب مكة المحاطة بالجبال و الغرابيب السود
تقطعت رجلاي بين الاشواك
مشيت في الطرقات المكللة بالحسك
و الدم
علي أبوابك المدرجة بالتواريخ و الجماجم
كتبت اسمي لعلك تري
أو تحس
و بين جبال القدس العتيقة توكأت علي احلام الرعاة
و جبانات اليعازر
ويوسف النجار
نزلت الي كافة الأودية
و وقفت علي نهر الاردن
فوق بحيرة طبرية
و رأس يوحنا المعمدان شاهدت
و نزلت إليه في غرف السجن
و سمعت أغنياته التي كتبها هناك
علي الصخر
و رايت دمه المسكوب بعناية و هو يسيل في الشوارع
كلماته التي تتنطط على الارض كالفراشات
أحزان ثوبه المنقوع في الدم
و ضحكات هيروديا النفاذة
جربت النوم في الشوارع
و تسلق جذوع النخل في الليل
بحثت عن عجل هارون الذهبي
فلم أبصر سوي غيمة عالقة تتأسف عليه
سألت عن موسي هناك
فوق طور سيناء
قالوا لي
لم يمر من هنا في يوم من الأيام و كما قال لي فرويد الملعون من قبل
ما كان هناك من موسي قط
و رغم كل شىء صعدت إلى أعلي نقطة فوق الجبل
بقدمين ضالتين
و قلب غائص في الميتافيزيقا
انتظرتك هناك عند الفجر
كل رملة اخذنها هناك في حضني
و أخذت أحكي لها عن خديعة السراب
و فنطاس الوحدة المجنحة
أكلت من الشجر الناشف
و حبات الخروع
ليس لي من سفر خروج لأصل اليه
و لارتبة جنرال في جيش الراسمالية المتوحشة
لأحمل لك فوق رأسي كافة العملات الورقية
و رصيد أمريكا اللبؤة
من الذهب
و الماريجوانا
لا
و لم ألبس في يوم من الأيام قميصا مزررا
و لا كنت حتي عربة ركشا
لم أذهب الى طاقية الهندوسي الملفوفة بالصلوات
إلى زارا
أو كرشنا
في الليل
أطفأت كافة قناديلي المعبأة بالسل
و أخذت ألملم أغنياتي من علي الطرق
و ما تساقط من كلماتي
على الصخر
و قلت سوف اذهب الي فراشة ضالة
طرقت كافة الأبواب فماردت علي
قلت أصرخ بأعلي صوتي  وأسأل
أين الله ياأخت
طاردتني الكوابيس في السكك
حتي الاحلام
تركتني هي الأخري و نامت على الجسور
سحبت أبقاري الجافة
و أغنامي الميتة
إلى صحراوات العالم
و رحت أسأل نفسي
تري
أين اختفي كل هذا العشب
أين ذهبت كل تلك المراكب السكرانة
التي كانت راسية
علي البحر
لا طائر هناك ليطير بجناحيه
و لا شمس هناك لتسقط ظلها علي
تري
ماذا فعلت لك انا أيها الرب
لتتركني على رصيف الحياة
الخالي من المارة
تماما.
أنت خلقتني شاعرا يا إلهي
فلم اتوه في السكك
لم اضع يدي في جيبي و لم  أعثر على أي شىء
قلت
أذهب وراءك في المدن
و البلدان
دخلت كافة المنافي
و صعدت الي كافة السفن
كل السفن كانت تنظر الي و تهرب مني
حتي السفن الغرقانة
رمت لي حبالها الصوتية المجففة
و ذكرياتها المالحة
عن الشمال
و الجنوب
عن الزمن الرخ
و الزمن القابل للذوبان
في الماء
قرأت عن فاوست
و برتولدبرشت
أخذت معي شكسبير ذات ليلة عاصفة
الي المقصلة
أو المعتقل
اردت ان أغير ثيابي و شكل كلماتي فما استطعت
أردت أن أجلس بمفردي على دكة خشبية
و لا يشغلني أي شىء
سوي ان اغير ملابسي  في الصباح
و مثلما تفعل هذه الوردة كل يوم
وحيدا صعدت الى الجلجثة
بلا رغيف خبز واحد
لم يكن هناك أحد ليبكي علي
أو امرأة هناك لتراني
لم ترسل الي سوي خنافس الزمن
الذي يتنفس على عتبة العدم
و هو يمسك بصناراته المبوبة
علي حقائق التاريخ
و كلب أهل الكهف
و هو يغني بأغنياته المجنزرة
علي كونشرتو العدم الراسخ والأرض الخراب
و ديانات السيراميك
هل سمعت في يوم من الايام عن باراباس ياالله
و ماذا فعلت بعد أن صلبوه نيابة عن السيد
هناك
على الجلجثة
أحيانا اسير في الشوارع و أبكي
أري ظلمة الليل فأصاب بالرعب
لا لشىء
الا لانني أرى العالم الذي صنعت كريها
و بلا فائدة
كان خطأ فادحا
لماذا خلقت الشر و أنت تحدق اليه بعينين مزورتين
و تعرف أنه مكيدة مدبرة
ألم تكن تستطيع أن تجز عنقه
أن تقلم اصابعه
أن تحوله بضربة فأس واحدة
الي لاشىء
أم أن الشر مقصود لذاته
و أن الخير مجرد قصبة عمياء؟
في الليل
قلت أجرجر عرباتي المصفحة
و أذهب بها الي البحر
و انا
و منذ يومين لم أجد لقمة خبز واحدة
ليس في جعبتي سوي فردة حذاء
و بقايا تواريخ ميتة
عن سونيتات شكسبير
وبعض قصائد ويليام بليك
لقد مات فخر الدين الرازي مسموما
و تبعه ابن رشد الي المحرقة
و مات الحلاج على خشبة بائسة
في شوارع الكرخ
و في اللاذقية ألقوا بطواسين الحلاج
إلى رجال ماركس
و انجلز
ليعلقوها هناك على المشانق
و تحت أسرة البيمارستا نات
و ربطوها بالحبال
و مزقوا لها ثوبها العتيق
الرث
و أخذت المجدلية جلباب يسوع الرث
و في ليلة شبه مظلمة
فشخت له ساقيها علي الآخر
و قالت له
سيدي
أنظر
الرب هاهنا
الرب هاهنا
و أشارت إلى عشبة نابتة كانت بعيدا في العراء الطلق
هل لك أن تحبني ياسيدي
أنا لك بمفردك
بعد كل تلك الغيلان التي اكلت قمح حقلي
و خبزي
انا احببت قمرك المضىء
حليب جسدك المر
رائحة انفك التي تجعل حتي العصافير
تتوقف عن الغناء
و تخر راكعة علي الارض
كلما انظر الي خلايا جسدك أصاب بالدهشة
و ينتابني الذهول
و أفقد صواب نفسي
انا رايت الله فيك
و من خلال جسدك انت
و بين ساقيك تتجمع شرائط اللذة
و طبوغرافيات المعرفة
أنا فردة حذاء ناشفة
في قدم الريح
أنا اعرف خرائط نفسي جيدا
و سفني واقفة هناك فوق الجبال
و علي المنحدرات
أسقي أشجاري بينابيع الالم
و أتربع علي حدقة الصخر
الجاف
أنا
ماذا أفعل بالزمن
و كيف أربطه في طرف حذائي
و أتجول به عاريا
على الطرقات
أو أخذه في رحلة خلوية الي المستنقعات
لكي نجلس فوق خريطة من الاردواز
و لا نفعل أي شىء
سوي أن ننتظر كسرة خبز ناشفة
من جواميس النهر
او وطاويط الوحدة الساخرة؟


تقرير إلى الرب...للشاعر المصري الكبير محمد آدم Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.