جارتي السّكّر بقلم هيثم الأمين تونس
أنا لستُ مجنونا
و لستُ من أصحاب الخطوة
حتّى أنّي لم أجرّب، يوما، ممارسة الإسقاط النجمي
و لكن
أحيانا، يحدثُ أمر غريب معي
كلّما عبرتُ بوّابة النّوم إلى خارج الهُنا
يحدثُ أن أنتقل للعيش بمدينة لا أعرفها... و لا تعرفني
أترك قريتنا الصغيرة
و بيتنا الواسع المشرف على ثلاث زيتونات و نخلة
و أنتقل لأقطن بالطابق الرابع
في بيت ضيّق جدا
على مقاس وحدتي تماما
إلى هنا،
قد يبدو الأمر عاديّا جدا
أو عاديّا فقط
و لكن
كلّما عبرتُ إلى هناك
يكون الطّقس صيفا!
للبيت، الذي على مقاس وحدتي، شرفة
شرفة تفتح ذراعيها لشرفة مواجهة
كعاشقين يحلمان بعناق طويل، شرفتي و الشرفة المواجهة،
لولا زقاق بعرض ثلاثة أمتار يحرّم عناقهما.
عندما أعبر بوابة النوم
تكون قريتي قد ارتدت ليلا طويلا
و لكنّ الصباح يكشف عن ضوئه للمدينة التي لا أعرفها... و لا تعرفني
و لأنّه الصّباح
أجلس في شرفتي
أدخّن و أشرب قهوتي
فتشرق من الشرفة المواجهة لشرفتي
جارتي في قميص نوم سُكّري
تلوّح لي بابتسامة
و تقول: صباحك سكّر
جارتي، ربّما، تعرفني
ربّما تعرف أنّي خجول جدا
لهذا
هي لا تغضب منّي حين أكتفي بالردّ بإماءة من رأسي
أو باقتضاب بأن أحرّك لها أصابعي
جارتي
تحبّ أن تُطعم العصافير فتافيت السّكر
تحبّ، أيضا، أن تُطعم حبل الغسيل ملابسها الدّاخليّة و قمصان النوم... و كلّها بلون السّكّر!
و تحبّ جدا أن تناديني: يا سكّر!
ربّما، جارتي، سليلة السّكّر!!
جارتي،
التي يبدو بيتها على مقاس وحدتها،
تحبّ الجلوس، عصرا، بكامل أنوثتها، في شرفتها
و أنا، أيضا، أفعلْ
تضع سمّاعات في أذنيها و ترتشف، ربّما، قهوة
و أنا... أرتشف، من بعيد، أنوثتها و أدخّن
و لكنّنا، أبدا، ما ثرثرنا
فآذان الزّقاق كبيرة جدا.
في المساء،
تكون جارتي مشغولة جدا
زائر غريب يأتيها فيمنع عنها الشّرفة
و أنا، الذي لا أجد نصفي السّفليّ كلّما كانت جارتي مشغولة جدا،
أقف، في شرفتي، بنصفي العلويّ فقط
أتلصّص على جارتي التي لا أراها و أدخّنْ!
وحده
صراخ جارتنا العجوز و هي تعارك دجاجاتها
و تشتم نعجتها الهزيلة لأنّها لم توفّر عليها ثمن خروف العيد
يعيدني إلى قريتنا
و إلى بيتنا الفضفاض جدا
و يترك جارتي السّكّر في بيتها الذي على مقاس وحدتها.
جارتي السّكّر بقلم هيثم الأمين تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
20 مارس
Rating:
ليست هناك تعليقات: