لم أكن موجوداً عندما أخذوا إفادتي بقلم مروان علي الكردي سوريا


لم أكن موجوداً عندما أخذوا إفادتي
لم أكن هناك عندما وقّعوا بإسمي
أسفل قائمةٍ طويلة
من المواصفات
والعادات والتقاليد
ولون الشعر والعينين والبشرة
والإنتماء
وأكاد أجزم أنهم كانوا مترددين وقلقين
قبل أن يعطونني مئة وثمانين سنتمتراً
حيّزاً في هذا الكون الشاسع
لم أكن موجوداً في أغلب الأحيان
دائما وُجِدَ البديل المناسب
يُجيب
يَمتثِل
ينحني
ويصفّق للخطابات دون تذمر
كان على أحدهم أن يتلطّف بقول "نعم"
عندما كنت أصرخ ثائراً ب "لا"
لم يسألني أحدٌ طوال ثلاثين عاماً
عمّا أريد..
لم تُوضَع على طاولة سنيني أي خيارات
جميع من عرفتهم كانوا مفصِّلين
وانا المرتدي الوحيد
سواء ناسبني المقاس أم لا
الآن..
وبعد أن طبختِ الغربةُ آلامي على نارٍ هادئة
وبعد أن أيقنتُ أن لا أحد يبقى
وأن الإنسان معرّضٌ للترك دون سبب واضح
أصبح بإمكاني أن أطالب بموتٍ على مقاسي
أختارهُ بكامل إرادتي من الكاتالوج
موتاً غير جماعي كالذي في بلادي
موتاً عزيزاً كأن أموت واقفاً
موتاً يليق بمئة وثمانون سنتمتراً من الصمود
وثلاثون عاماً من الحرمان
موتاً هادئاً
بين يدي أنثى جميلة
تهدهدني كطفلٍ صغير
أضع رأسي في حِجرها
وأنام
كما لم أنم من قبل
مطمئناً مبتسماً ساكناً
وهكذا
بدون أي أعراضٍ سابقة
وبدون سبب مقنع
لا أستيقظ
أبداً.

لم أكن موجوداً عندما أخذوا إفادتي بقلم مروان علي الكردي سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 23 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.