سجن انفرادي بقلم ألفة الرويسي تونس




رافقني السجان إلى زنزانتي. وقفت وراءه وهو يفتح بابا حديديا ضخما يصدر صريرا يصم الآذان. ثم دفعني بفظاظة وهو يغمغم بكلام لم أفهم فحواه.
كانت زنزانتي حالكة الظلام. تقدمت بخطى وئيدة وأنا احاول تحسس الارض تحت قدمي حتى لا أدوس احد المساجين فقد كنت اعتقد انها تعج بهم وانهم نيام وانه علي توخي الحذر حتى لا اثير غضبهم ولأتقي شرهم.
لكن سرعان ما تفطنت الى انني كنت بمفردي في ذلك القبو المظلم بعد ان جبته طولا وعرضا دون ان ارتطم باي جسد ملقى على الارض او حتى قطعة اثاث.
أيقنت انه حبس انفرادي بقبو لا تصله اية نقطة ضوء ولا تهوئة ولا اي صلة بالحياة.
بعد.ايام تعكرت حالتي الصحية بسبب الرطوبة وعدم الاكل فقد كانوا يحضرون لي طبقا يدفعونه من فجوة في الباب فاتلمسه في العتمة واحاول أن اشتم رائحته لأعرف محتواه فاكتشف انه عبارة عن كتلة لزجة لا رائحة ولا طعم لها فادفعه نحو الفجوة ولا أتناوله ابدا.
لكن بعد ايام قليلة صرت احتاج لان أرغم نفسي على الاكل حتى أظل على قيد الحياة.
لم ادر كم مر من الوقت ولا كم من يوم او اسبوع انقضى قبل ان استفيق ذات يوم على صوت أنين.
اصابني فزع شديد ثم سألت صاحب الصوت من يكون فلم يجبني ولكنني ادركت انه سجين مثلي يعاني من ألم ما.
كان صوت انينه ولهاث انفاسه يتناهى الى مسمعي ولكنني لا استطيع ان اراه في الظلام.
حاولت الوصول اليه وانا ازحف واتحسس المكان وامد يداي في الهواء علني اصل اليه لكن دون جدوى.
جبت المكان ولم أفلت اي شبر منه ولم اصل الى بغيتي وظل الصوت المبهم يصل الى مسمعي دون ان أتمكن من معرفة صاحبه.
فكلما سألته لاذ بالصمت وكف عن الانين حتى إذا ما صرفت عنه تفكيري وانشغلت بمصيري المجهول عاد يئن من جديد ويلهث وتتسارع انفاسه قبل ان تخفت وتخمد وتتلاشى لبرهة لتعود من جديد وتثير حيرتي وتساؤلاتي.
في احدى المرات عندما احضر السجان الطبق. همست :"ارجوك ان رفيق زنزانتي لا يكف عن الأنين ويحتاج الى المساعدة و..."
صمت السجان قليلا قبل ان ينخرط في نوبة قهقهة عالية وهو يردد :"اي رفيق ؟!"
ثم فتح الباب ووقف وهو يمسك مصباحا ابهر عيني وجعلني اغطيهما بيدي وقال :"نم وكف عن الهراء لا رفيق لك هنا."
ثم اجال ضوء المصباح في المكان وكان قفارا لا يوجد به سواي.
كنت بمفردي اكور جسدي وانا أضم ركبتي الى صدري وانظر اليه وفي ذهني تتردد جملة :"الزنزانة مسكونة بالأشباح"
سجن انفرادي بقلم ألفة الرويسي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 09 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.