الحذاءُ بقلم صابر العبسي تونس


الحذاء الوحيدُ الذي كنْت أحْلم
منذ الطّفولة أن أرْتدي مثْلَهُ
لم يكنْ غيْر تذْكار
ميلادِ حبّك لِي
لأظلّ إلى أبَد الدّهر مُهْرًا
أُهرْولُ خلْفك،
خلْف سرَابك،
من دون أنْ أتجسّد
أوْ أنّني قد أُرَى
صرتُ أحْضرُ
كلّ الجنائز،
كلَّ الولائْم،
كلّ المجازر،
كل المحَافل،
ها إنّه الآن دُوني
بفقْدانك المرّ
تحْتَ الخزانة أبّهة يتمشَّى
بلاَ قدميّ
يطقطقُ مسْتوحشًا
يرْكلُ البابَ والجدرانَ،
ويكسر مرآة وجهيَ ، بلّوْر نافذتي،
ثمّ يقْلب هزْءا عليّ
السّريرَ،
الأريكةَ،
والطّاولَه
يجنْدلني
ويدقّ بكعبيه جمجمتي،
وهْو ينْبشُ فيّ
وحوليَ عنك أسًى
بينَما كنْتُ في الركْن أقْضمُ سبّابتي
كنْتُ أحْلمُ منذُ الّطفولةِ أنْ أرْتديه
الحذاء الّذي باتَ موْعظةً
كلّما وطئتْ قدمايَ به الأرْضَ
من خطوتي تنْبري الطّرقاتُ إليك معبّدةً
الحذاء الذّي قُدَّ من جلْد ذئْبٍ
إذا ما تمشّيْتُ في حجْرتي
المزْهريّة راعفةً تتشقّقُ،
فيما السّتائرُ هاربةً تتوارَى،
وكل الملاَحف تثْغو على السّهل،
والأسْطوانَةُ تهْفُو إلى الطّيران
الحذاء الذي فرّ،
من حجرتي وحْدَه
يتمشّى وحيدا إليك بلا قدميّ،
الحذاء الذي كنتِ أهديتِه لي
لكي أبد الدّهر مهْرًا
أظلّ أهرولُ خلْفَك،
خلْف ظلالك،
لكنّني يا شقيّةُ معذرةً
قبل أنْ ألْتقيك،
لأفْركَ رمّان صدْرَك
أَوْ أنْ أشمّ قرنفلَ ظلّك معْذرة
يا شقيةُ
ذاك الحذاءُ الوحيدُ الّذي كُنْتُ أمْلكُ
من مسْجد النّور في بلْدتي سرَقُوهُ
وها إنّني هاهنالك في الركن
أقْضمُ في وحْشَةٍ راحتي
إصْبعًا،
إصْبعًا
الحذاءُ بقلم صابر العبسي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.