لقاء الغرباء ....بقلم هيثم الأمين / تونس


// نصوص أفرزتها و أنا عالق في فم الفراغ: نص 8 من 14//

لقاء الغرباء
------------
في محطة الحافلات
و أنا أعدُ حقيبتي الوحيدة بسفر أخير
رأيتها تقف
امرأة أعرفها كما أعرف وجهي الحزين حين يفاجئني على صفحة المرآة
امرأة، ذات صباح، أطلقت على صدري الرحيل و مضت.
أنا، إلى حد اللحظة ،لا أدري كيف حدث ذلك
كل ما أعلمه أني
حين أردت الفرار منها، ربما، أو مني
تقلص رصيف المحطة المشاغب
فصرنا وجها لوجه!!
و لا أدري كيف خذلتني يدي و هرولت نحوها لتصافحها!
هي...
وقفت كتمثال
و كأنها لاىتعرفني!
قلت ، و لا أدري كيف قلت: مرحبا... اشتقت جدا إليك و...
قاطعتني
و قالت:
من فضلك، أنا لا أتحدث مع الغرباء.
و مضت!
أ قالت حقا غرباء؟!
قالت غرباء و نسيت
تأففها من دخان سجائري و هي تكتب
بطلاء أظافرها البنفسجي
اسمها على صدري
نسيت
جلدي المبلل بعطرها و هي تطعمني تعبها اليومي
و شجار أصابعنا في صحفة الفشار
و عناق باقي أصابعنا تحت اللحاف
نسيت
علب التونة أو السردين مع الهريسة أكلتنا اليومية في آخر الشهر
و قهوتنا الوحيدة التي نتشاركها، لأسباب اقتصادية، في المقهى الفاخر
و نسيت
كل أسماء الأطفال التي ابتدعناها من اسمي و اسمها
و لون غرفة نومنا
و سيراميك الحمام و حجم التلفاز و رغبتها في إلغاء المطبخ من قاموس حياتنا!!!
أ حقا قالت غرباء؟!
و كيف نكون غرباء
و نحن ارتكبنا الحماقات معا
ارتكبنا الحزن معا
ارتكبنا السهر معا
و ارتكبنا الحب معا؟!
كيف نكون غرباء
و أنا أخزن في ذاكرتي كل الشامات التي على جسدها
و هي تحفظ كل ندوب جسدي؟!
نعم، لقد كنا غرباء
و هل يعني شيئا أني كنت أحفظ مواعيد دورتها الشهرية و أنسى مواعيدي المهمة؟!
و هل يعني شيئا أن تحفظ، هي، مواعيد نوبات اكتئابي و كل أسباب غضبي و تنسى مواعيد دورتها الشهرية؟!
قالت غرباء و مضت!!
و يدي، التي هرولت لتصافحها، ها هي تدس وجهها في جيبي و تبكي
و ها أنا أدس وجهي في صدر حقيبتي الوحيدة و أبكي
و ها هي، من بعيد، تدس وجهها في صدر القادم الذي كانت تنتظره
و ربما تبكي!
لقاء الغرباء ....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 16 نوفمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.