كعادتك ......بقلم هيثم الأمين / تونس


// نصوص أفرزتها و أنا عالق في فم الفراغ: نص 7  من 14//

كعادتك
----------
هل ستعود إلى البيت
وحدك
تجرّ خلفك، كعادتك،
 بقاياك
إلى فراش امرأة
منذ عشرين عاما و أنت تمارس معها الجنس
امرأة
لا تعرفها
 و هي أيضاً
لا تعرفك
امرأة خلقتها من ضلع خيالك الأعرج
لتمارس معها اللّعبة كلّ ليلة
ثمّ تقبّل أطفالك النائمين في حلمك
أطفالك الذين لم يكبروا
منذ ليلتك الأولى مع امرأة فراشك؟!
هل ستعود إلى البيت
وحدك
حاملا ، كعادتك، بين كتفيك
رأسك
رأسك الغاضبة من كلّ شيء و منك
رأسك الضّاجّة كمحطة قطار في قلب لندن
و المتدحرجة طول الوقت بين الأفكار و بينك؟
هل ستعود إلى البيت
كعادتك وحدك
حاملا على ظهرك
تعبك
و تعب كل من تعرّوا أمامك من تعبهم
 و كأنّك تعشق انحناءة ظهرك؟!
هل ستعود إلى البيت
و كعادتك
على صهوة فراغ من سلالة هجينة
و بكفين مخضبين بمصافحات العابرين
و أنت تغني، كعادتك، اغنيتك المفضلة "يا مسافر وحدك و فايتني"
أو
و أنت تدندن اغنيتك الحزينة " في مونبرناص مات خويا يا بويا"
و ترتّب مزاج عينيك على مزاج نساء يقفن متباعادات على الرصيف كما الأشجار
تلقي على كل واحدة منهنّ التحيّة
و تمضي
لأنّك لا تملك إلّا الكثير من سنابل الإفلاس التي مازلت تحصدها من حقول البطالة؟!
هل ستعود إلى البيت
و بينما تعبر من الرصيف إلى الرصيف
ستلوّح، كعادتك، بذراعين مذعورتين في وجه القطار  الجاحظ الأضواء
القطار المتّجه صوبك، مباشرة، كرمح
القطار الذي
لا أحد يراه غيرك
ثم
و كعادتك
ستبكي طويلا لأجل جثّتك العالقة بوجه القطار المطموس الأضواء
القطار الذي
لا أحد يراه و لا حتى أنت؟!
الآن، ستعود إلى البيت
و كعادتك
ستحمل معك الكثير من أصابعك لتوزعها على كل الأطفال الذين  أقسموا لك أنّك خلقت لتكون أبا رائعا لو أنّك...
تزوجت قبل عشرين عاما
أو قبل خمس سنوات
فالأطفال يظنون، دائما، أنّ الأطفال لا يولدون  خارج الضوء
و أنت، كعادتك، ستبسم بحزن في وجه الرصيف
الرصيف الذي
مازال يدوّن على بلاطه أسماء كلّ الأطفال الذين يولدون في صميم العتمة
و طبعا
أنت لن تنس ، كعادتك، أن تقدم إصبعا إضافيّة لذلك الطفل الذي
ينتظر كرسيا متحركا لأحلامه المقعدة
و الذي مازال،  عند كل عودة، يسألك
هل كان سيشبهني طفلك؟!
الآن، تعود الى البيت
خلسة
حتى لا يخبرك ذاك الستينيّ المصاب بسرطان الدم
ما يخبرك به كل عودة:
 سرطان الدم ليس سببا كافيا للموت.
ثم يضحك من وجهك الحزين!
و أنت عائد الى البيت
ستمرّ، كعادتك، على شجرة الكالبتوس الوحيدة
تلك التي مازالت مذ عرفتها تقف على الطريق العام و تعرّي جذعها للحطابين العابرين على عجل
و معا، و لبعض الوقت، ستغنيان
" Dans le port d’Amsterdam "
الآن، أنت في البيت
تشغّل التلفاز الذي لا تشاهده و لكن، فقط، لتقنع به اللصوص أنّك في البيت
تتفقد قلبك الذي مازلت، كعادتك، تتركه في الثلاجة
تحتسي الكثير من الليل
و تقفل، كعادتك، بابك حتى لا تتسلل القطة إلى فراشك
فلا تتلصص على أحلامك لأنّك تخشى أن تثرثر بها لكل قطط الحي
أنت في البيت
و كعادتك
تخلع عنك المرأة التي خلقتها من ضلع خيالك الأعرج
تضمّ إليك جثتك الوحيدة مثلك
و تركبان معا القطار الذي لا يملّ دهسك
القطار الذي لا أحد يراه غيرك
و تسافر إلى النوم
و هناك، ربما، تجد بيتا لك!
كعادتك ......بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 16 نوفمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.