بكاء شجرة لوز.....بقلم هيثم الأمين / تونس
و تصرخُ حناجرهم في دمي؛
أنا المتعدّدُ كأسباب الحزن،
الفرد كما الهزيمة الأخيرة
و المتجسّد كخطيئة لا تُنسى؛
تمتلئ رأسي
بجنود، متعبين، تعجّ مسامعهم بالاعترافات الأخيرة للقتلى
و بلهاث الهاربين من ضفّة الحرب إلى ضفّة التيه،
بضجيج قطارات، أثملها طول المسافة و الحشد الغفير من الرّكاب، تترنّح على طريق العودة إلى نقطة خارج الخريطة
و بكلّ الموتى الذين أصابتهم حياة البرزخ بالدّوار
فانفلتوا منها عبر شقوق الذاكرة
و عبر ثقوب الأحلام الضيّقة كصراخ مكتوم.
تصرخُ حناجرهم في دمي؛
فأصرخُ في وجهي بغضب:
لا دم، اليوم، عندي لأُطعمهُ لصلبانكم الزّاحفة في عروقي !
أنا الـ "آخر" جنائزي،
أنا الـ " أوّل" الهاربين منّي
و أنا الـ "قاتلي" الباحث عن قاتله.
تصرخُ حناجرهم في دمي؛
و لا حانات، في المدينة، لأستفرغ فيها صراخهم
و النّوافذُ جدرانٌ "أوفى من السّموأل"
و لا عنب يلوّح، من الحقول، للطائرات الورقيّة مع وعد باقتراب مواسم العصر.
لا شيء يُشبهُني في دمي؛
دمي الأسود كبقعة نفطْ،
دمي اللزج كبكاء أشجار اللّوز،
دمي المتخثّر كالمستنقعات،
دمي الهارب منّي كهروبي منّي
و دمي الذي تصرخُ فيه حناجرهم !
كفّي أكبر من مسرح
و كلّي أصغر من مشط في حقيبة يد لامرأة صلعاء
و جيش من الفئران يقرضُني من أوّل البكاء إلى آخر البكاء
و فمي امرأة عاقر لا ينجب القصائد؛
وحده دمي يغلي،
وحده دمي ينجب أكياسَ الهلع كما تنجب أكياس القمح آلة حاصدة دارسة في مزارع القمح بأمريكا
و أصابعي تكره لون دمي،
تكره صراخه فوق الورقة و تحت الورقة و في دمي
و تكرهني حين أصير شجرة لوز باكية.
صراخهم في دمي يعصف بي؛
يسأل الجمهور الذي لم يأتِ:
من هم؟ !
فيتنحنح المذياع العالق في ورطة الكلام.
تسأل الفزّاعة التي أبرمت اتّفاق صلح مع الغربان:
من هم؟ !
فتضحك فئران الحقل
و يبكي دمي كشجرة لوز أو أكثر...
مرحبا سيّدتي،
هل رأيت شخصا ما يهرب بدم طازج،
دمٌ دون نوافذ
و يصرخ؟ !!
تُجيب: مجنون !!
و تمضي...
من سرق دمي يا أشجار اللوز؟ !!!
بكاء شجرة لوز.....بقلم هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
22 يناير
Rating:
ليست هناك تعليقات: