سفر مزعوم....بقلم هيثم الأمين / تونس



عَزَمتُ على السّفرْ؛
لهذا اخترت مسافة بعرض ضفيرتين و حلم؛
لا بدّ للمسافة أن تكون عريضة جدّا هكذا
حتّى لا أضطر للعودة إلى البداية
لأفسح المجال أمام اتّجاه معاكس رمى به، في المسافة، طريق عابث ليعبرْ
و كذلك عرض المسافة يصلح لتناور فيها أصابعي دون حاجة للكتابة.
و لأنّي عزمت على السّفر،
فقد أوصيت حذائي الوحيد بأن يأخذ نفسا عميقا بعد كلّ خطوة
حتى لا يحمل ثقلا اضافيا على ظهره
فربّما لا نهاية للمسافة
و حتما، لا مجال للعودة أيضا.
البارحة، و لأنّي عزمت على السّفر،
خطت من رأسي حقيبة سفر
و فصّلت من تجاويف قلبي جيوبا سرّية لحقيبتي و مناديلَ للوداع.
في حقيبة سفري،
وضعتُ:
وجها سعيدا
قد أحتاجه لصورة عابرة،
أرجوحة و أغنية راقصة
فلا أحد يدري كم طفلا سألتقيه في سفري،
كؤوسا كثيرة و صحونا مزركشة
من أجل ولائم قد يقيمها غرباء على شرف حضوري الباهت،
شراشف حمراء و أخرى خضراء
تحسّبا لصباحات مكرّرة أكون مضطرّا فيها لأبدو جميلا،
دفترا دوّنت فيه كلّ العناوين التي طردتُ منها
و سأدوّن فيه كلّ العناوين التي سأطردُ منها
فربّما تصيبني المسافة بالزهايمر
فتكون لي احداثيات واضحة لعبوري
و في الجيوب السرّيّة لحقيبتي
خبّأت مطرا خفيفا من أجل الاستحمام،
مفاتيح كلّ البيوت التي تمنّيت أن أسكنها،
عرائس بحر مهاجرة فقدت عذريّتها،
طوابير طويلة من النمل
و صورا نسيت مناسباتها و أصحابها.
في سفري المزعوم
لن أحتاج لأخذ زاد معي
و سأكتفي بوحمة قطعة الشكولاتة التي خبّأتها أمّي وراء أذني اليسرى على ما أظن
و لن أحتاج ماءً أو نبيذا
و سأكتفي بلعق خدّي كلّما اشتدّ بي الحزن و المسافة
فأطفئ ظمئي و أسكرْ.
من أجل سفري
دفعت لجارنا النّجار جذع زيتونتنا و مجموعة قصصيّة للأطفال
ليصنعَ لي منها حصانا خشبيّا و أجنحة
فقد يثور حذائي في وجه خطواتي
أو، ربّما، يمرض أو يتعب
فتكون لي وسيلة أخرى لمواصلة السّفر
و لا أكون مضطرا للبحث عن خان في امرأة عابرة لأرتاح فيه...
سفر مزعوم....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 03 مارس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.