دمية قشْ .....بقلم هيثم الأمين / تونس



عندما كنت طفلا
لم أصنع لبنت الجيران دمية قش لتمارس عليها الأمومة
رغم أنّ القشّ و الخرق و بنات الجيران
كانوا متوفّرين
و لكنّي كنتُ مشغولا بأشياء أخرى
كمحاولة الطيران مثلا
و محاولاتي لإنقاذ العالم
العالم الذي ما كنت أعرف عنه أكثر ممّا أعرفه عن بنات الجيران اللواتي ألتقيهنّ صدفة.
في مدرستي
لم أدسّ الشكولاتة و زهور الأقحوان في محفظة زميلة لي
و لم أقطع المسافة بين المدرسة و بيتنا
مع زميلة لي
فأكون حارسها الأمين
أو منقذها من ملل الطريق الطّويلْ
فقد كنت مشغولا جدا
بالتقاط كلّ شيء منسيّ على الطّريق:
قطع معدنيّة، علب أركلها ككرة على طول الطريق،
رولمونات العجلات لتكون عجلات لعربة التروتينات،
براغي، 
"رايون" العجلات التي تتخذها جدّتي خِلالا لتثبيت الحولي
و أحاول، دائما، التقاط ظلّي.
في زمن مراهقتي
لم يكن عندي الوقت لأكتب رسائل حبّ لصديقة ما
و الشّعر كان سرّي الذي أخجل منه.
فقد كنت مشغولا، أيضا،
كنت أتابع أخبار القضيّة
و أقلب الأنظمة العربية كلّ يوم
و أتعلّم كيف أُذهبُ رائحة السّجائر عن أصابعي و فمي
و أتعلّم أيّ المقاهي يمكنها أن تمنحني قهوة لذيذة مع اعتناء جيّدْ.
بعد عشرين عاما من زمن مراهقتي
أحببتُ طفلة كبيرة؛
طفلة كنت طفلها الكبير
و لكنّ طفلتي كانت أحلامها أكبر بكثير
من دمية القش،
من الشكولاتة و من زهور الأقحوان
و كانت أكبر من رسائل الحب
و القصائد
و أنا
كنت ذلك الطفل الذي مازال يحلم
بأن يصنع دمية قش لبنت الجيران
و بأن يدسّ الشكولاتة و زهور الأقحوان في محفظة زميلته
و بأن يكتب رسائل الحبّ لحبيبته و الشّعرْ.
اليوم
صرتُ دمية قش
و يحدثُ أن تسيل الشكولاتة من أصابعي
و أحيانا
يزهر الأقحوان في قصائدي.
دمية قشْ .....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 19 مارس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.