مسمار عاطل عن العمل ....بقلم هيثم الأمين / تونس


اليوم، لم أذهب إلى العمل !
ليس بسبب الحجر الصّحيّ،
ليس لأنّي لا أملك كمامة أضعها على وجهي حتى لا تتعرّف إليّ فايروسات الكورونا
و ليس لأنّي استيقظت متأخّرا جدّا ككلّ يوم
و ليس بسبب اجازة مرضيّة
و لكن لسبب آخر، لم أذهب، اليوم، إلى العملْ.
في البداية،
سأوضّح لكم طبيعة عملي؛
أنا أعمل مسمارا،
نعم، كما قرأتموها لتوّكم،
"مسمارا"
و ليس سمسارا أو أيّ شيء آخر.
أنا أعمل مسمارا في صالون في قصر لسيّدة أعمال،
و كلّ صباح،
و بمجرّد وصولي،
أثبّتُ قدمّي داخل ثقب في جدار الصالون
ثمّ أعلّق برقبتي خيطا يشدّ طرفيْ إطار،
في الإطار صورة،
الصورة لرجل و امرأة في حالة سعادة،
خلفيّة الصّورة جبل سعيد
و عند قدمَيْ الجبل يجلسُ بحر سعيد، أيضا، يربّي الأسماك و المراكب
و يصفّق لنورسين يتعلّمان الرّقص.
المرأة التي في الصّورة،
تبدو و كأنّها سيّدة القصر
ربّما، قبل ربع قرن أو أكثر !!
المرأة التي في الصّورة لا تبدو سليطة اللسان،
لا تبدو امرأة بخيلة
و تدخّن كثيرا
و لا تبدو، أبدا، امرأة وحيدة تستهلك الكثير من مضادّات الاكتئاب !
الرّجل الذي في الصّورة
لم أره قط !!!
لم أره حتّى في الحافلة التي تبدو كيوم الحشر
و التي أستقلّها للعودة من الحيّ الذي أعمل فيه إلى حيّنا الذي لا يملك اسما
ربّما، لأنّ حيّنا طفل شوارع أنجبه الوطن من أمّ غير حكوميّة !!
قبل سنتين،
على السّاعة العاشرة و النّصف تحديدا،
جلس في الصّالون شابّ يشبه الرّجل الذي في الصّورة !
حتّى أنّ الصورة نفسها جعلت تتحسّس تفاصيلها لتتأكّد من أنّ رجل الصورة مازال هناك
يقف،
في حالة سعادة،
ملاصقا للمرأة التي تقف في حالة سعادة
و خلفهما الجبل السّعيد.
حتّى سيّدة القصر، كادت تصيبها السّعادة حين شاهدت الشّاب الجالس في الصّالون !
و لأنّ عملي مملّ جدا،
فأنا، في الغالب، أنام أثناء الدّوام
و لهذا لا أعلم ما حدث بعد ذلك !
لقد استيقظت مذعورا حين ذبح شيء ما عنقي !
كانت رقبتي تنزف بغزارة
و الإطار مدكوك تحت قدَمَيْ سيّدة القصر
و لم يبق شيء، تقريبا، في الصورة إلا نورس وحيد
و سيّدة القصر  تنتحب كمن فقدت طفلها الوحيد !!!!!
.جرحي النّازف جعلني أصرخ
و صراخي جعل سيّدة القصر تفطن لحضوري
فانهالت عليّ ضربا بسيف أنتيكا كان معلّقا تحت الصورة !!
و منذ ذلك اليوم
و أنا لا أذهبُ إلى أيّ عمل !
فأنا لا أُجيد إلّا مهنة المسمار
و كلّ الجدران ترفض أن تشغّل مسمارا دون رأس
و دون قدمين.
لهذا
لم أذهب اليوم،
أيضا،
إلى العمل.
مسمار عاطل عن العمل ....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 29 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.