أبي، لا تمت إلى روح الطفل الكردي غيلان /أيلان ..بقلم الطيب صالح طهوري / الجزائر
أبي، لا تمت
اإلى روح الطفل الكردي غيلان /أيلان
-------
ليس روحا ما أرى..إنه دخان كثيف يحتل داخلي..
ليس نبضَ قلب ما أسمع..إنه رمي التراب على جسدي..
ليس كلاما ما أقول.. إنها دموعي وقد ابتُلَّت بجفاف الحياة
إيه، يا أنت الذي في البعيد أنا.. في القريب هنا..
كيف أجمعني قطرة من نداك؟..
كيف لي أن أضم إليك يدي زهرة في مداك؟
كيف أخرجني من ترابك؟..
كيف،وهذي الخطى سبقتني إليك هناك عميقا عميقا؟..
***
إنه البحرُ..
تلك قواربه..ضمأ في المتاه..
كنت طفلا هناك ..بعيدا..
كانت الأرض قمحا تَموَّج في جسدي..
عشبة عانقتها يدي..
تفاحة جذبتني إلى صمت حمرتها..
فراشا غزيرا يرفرفني..
وعصفورة من شذى..
كنت أجري..لم يكن جسدي..
كان أخضر أخضر هذا الجدار الذي ضمني..
فجأة، نهضت قنبلة الوقت..
سيف أتى..
كان نوما ثقيلا ثقيلا..
كان نوما على هذه الأرض من بحرها للمحيط الملوث، منذ قرون أحاديةٍ..
صارت الأرض حمراء بي..
حملتُ يدي..قدمي كلَّها..واتجهت إليه وحيدا وحيدا..
أيها الواحد الأحد المشتهى..انت أقرب مني إليك عليك احمني..
كنت أمشي بكاء هديرا..
وأمي مشت..إخوتي وأبي..
كان صيفا علينا لنا..
رأينا المنازل فينا تطير إلى ردمها..
رأينا الحقول سواقي من دمنا في النهار الذبيح..
رأينا القرى جثثا تتواصل حتى نهاية أحلامها..
صرة صرة صرة سارت الطرقات بنا..
وكنا على شاطئ البحرِ..
كيف وصلنا إليك هنا؟ سألنا علينا..
دفعنا الجيوب إلى كفها.. وركبنا..
صارت الأرض زرقاء زرقاء فينا..
أكلنا قليلا من النوم..بعض رغيف الديار أكلنا..
تلاعب موج بنا..ثم موج وآخر..
كان أبي أسفل البحر..كفيه كنتُ..
أبي، لا تمت..
لكنني مت أيضا..
إخوتي ..أمنا..
***
على الرمل كنتُ..
على الرمل صدري..ووجهي..يداي..
لا أرى أحدا غيرني..غير هذي الرمال التي تتوزعني..
كنت ابعد مني علي كثيرا كثيرا..
لم أكن جثتي..جثثا أكثر مني كثيرا رأيت..
رأيت المدى صخرة تتدحرج بي..
رأيت الجبال تعود إلى بدء تكوينها..
رأيت القرى نهر أحجارنا..
لا ماء لي..
لا رغيفَ..ولا دفترا يكتبني..
لا كتاب يطالع عينيَّ..
كانت الأرض سوداء سوداء..
كانت كما كل هذا البشر..
***
أيها الأحد المبتدا/ المنتهى..
لا طريق إليكَ..
رأيتَ يدي ، غصنَها.
رأيت الفؤوس، المناشيرَ..
لكنني لم أجدك هنا..
أين كنتَ؟ أجبني..
لا وجهَ لي..محتني الوجوه التي سيجتني بأوهامها..
لا كف لي..قطعتُ يدي، زندها..
لا خطوَ..لا قدمين هنا..
لا جدار أضم إليه دمي..
لا شمس لي..
لا زهرة تتفتح بي..
لا نهار أرى
شجرا من غبار أراني..
وأنتَ..
أراك القفار القفار..هنا..
***
أنت يا غيلان الدمشقي هناكَ..بعيدا..
أنت يا غيلان الدمشقي هنا..
أراني..
أمد يدي..
لكنها لا تعود إليَ..
ولا ..لا أعود
سطيف:08/05/2020
أبي، لا تمت إلى روح الطفل الكردي غيلان /أيلان ..بقلم الطيب صالح طهوري / الجزائر
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
10 مايو
Rating:
ليست هناك تعليقات: