آلان و البحر ...بقلم أحمد مصطفى / سوريا
آلان و البحر
أسمي آلان ، أنا لست شخصية ورقية صاغها خيال كاتب ما ، بل كائن من لحم و دم وبعض الأحلام ، لم أكن اعرف من الحياة إلا زجاجة الحليب التي كانت تحضرها أمي ، كنا نتبادل ابتسامتين فكلانا نال مراده.
البحر لم يخطر ببالي قط ، كل ما جرى هي لحظات استغاثة ، فلم أكن أعلم إلا أن أقول : بابا ... ماما...
هاتين الكلمتين تعلمتهما ، فبابا : يعني أكياس السكاكر التي يحضرها أبي و هو عائد من العمل ، حتى لم أكن أعلم إنه يشقى كثيرا ، فكل ما أعرفه إنني أهرول نحو الباب و لا تطال يداي المقبض لأفتح و أنا انظر إلى الأكياس قبل النظر إلا ضحكته ، و ماما : تعني أن الحليب سيكون قبل النوم في أوانه ، وتعني أغان جميلة و هي تهدهدني.
لكن اليوم صرخت كثيرا فلم يسمع احد صرخاتي ، ابي و أمي كم عاتبتهما فلم يلبيا ندائي ...
و إذ بيد بيضاء تحملني و ترفعني حيث لا أدري إلى أين.
هنا اشعر براحة أبدية فكثير هم الأطفال أمثالي ، وهنا الكل يضحكون و لا احد يلوم الآخر بسبب بوجوده
لا احد يغار من الآخر بسبب جمال ثيابه ، ولا قطع الحلوى التي نادرا ما كان يتذوقها.
كل ما يحزنني هي أمي ، وهي تقلب ثيابي القديمة و تبللها بدموعها مع نحيب مسموع ، و أبي الذي يشق الرياح الباردة بصدره لعل النيران تخمد ، وهو يمسح عينيه بكم قميصه ، و هو يقول : آلان ولدي.
لا فقر هنا ، كما في الأعياد هناك حيث والداي قلقان كيف سيوفران ثياب العيد لنا، ولا قلق من المستقبل و الموت، فالموت الذي بات مألوفا لا أثر له هنا.
هنا ، لا نخاف من تهدم الجدران و أصوات القنابل.
اسمي آلان ، حتى إنني لم أكن أعلم أن هذا اسمي حتى سمعت على القنوات و هم يقولون : أن آلان طفل كوردي كان وجهه يمزج البحر و الرمال.
أدركت إنه أنا ، لكن لما لم يفعلوا شيئا قبل أن نتجاوز البحر ، ربما كنت ما أزال في حضن أمي ، ربما لم يكن أبي سيحزن هكذا.
اسمي آلان طفل ما ،حتى إنهم حاروا في اسمي ، البعض قالوا : إيلان ، والبعض قالوا: آيلان.
لكن كل المسميات كانت تشير علي ، فأنا الوحيد الذي كان يلبس قميصاً أحمراً في ذاك اليوم ، و أنا الوحيد الذي ملأ الرمل و الماء فمه .
لم اضع وجهي في الرمل تجنبا لرؤية عاري ، ولكن كي لا أرى عاركم الصامت.
هذا أنا آلان
آلان و البحر ...بقلم أحمد مصطفى / سوريا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
18 مايو
Rating:
ليست هناك تعليقات: