ألف سبب،لتكون حزينا ..بقلم عثمان حمو/ سوريا
/ ألف سبب،لتكون حزينا/
في الشمال العالي
في الشمال الكردي البعيد
في قرية ضائعة بين الضباب
و حقول القمح
و الأنهار.
حيث سيارة المخفر تزور القرية في العام مرتين.
و سيارة المفتش التربوي تزور القرية في العام
مرتين.
كانوا يعلموننا في المدرسة،
" قال باسم: لا تقطعي الشارع يا رباب
فالسيارات تمر "
في القرية البعيدة،البعيدة.
كانوا يعلموننا الإشارات الضوئية
احمر أصفر اخضر.
في كوكب
من تراب و فراشات و خراف
و ينابيع.
في قرية تنام على ضوء لمبة " الكاز"
و الفوانيس خافتة.
حيث الأمهات تقايضن الباعة المتجولين
الجبن و الصوف و البيض
بالملح و الحناء و القماش و خيوط التطريز.
في الشمال الكردي العالي
حيث الأمهات تخضضن اللبن
في القراب الجلدية مع بدايات الفجر،
و الفتيات تجمعن روث الحيوانات،
و تصنعن أقراص " الجلّة"
حتى الظهيرة.
و الآباء يجلسون بلحى مدببة
بجوار جدران الطين
يدخنون التبغ الثقيل
و نحن كنا نتعلم
في المدرسة،
التي زجاج نوافذها من أكياس السماد.
" لا تقطعي الشارع يا رباب،فالسيارات تمر"
و نتعلم إشارات المرور
في الصف الأول
أحمر أصفر أخضر
أية سيارات،يا رباب
و نحن نكتب وظائفنا المدرسية على ضوء
لمبة الكيروسين.
" باسم يرسم
رباب تقرأ
ماما تكوي
بابا يقرأ الجريدة"
يا له من عالم مثالي يا رباب
لم تعيشي المحنة
عندما كان المعلم يطلب الفرجار،و يطلب الأدوات الهندسية
لم تعيشي المحنة
عندما يبقى التلميذ على طاولة الدراسة
كل النهار.
بحذاء ممتلىء بالماء و الوحل.
يا له من عالم مثالي يا رباب
معلم لا يفتش في شعرك عن القمل.
لا أحد يسأل،
عن الشباب الذين يذهبون للخدمة العسكرية
و يعودون في التوابيت.
كل الأكراد حزانى
يرقصون بعيون حزينة
و يضحكون بعيون حزينة
لديك ألف سبب لأن تكون
كرديا حزينا.
ألف سبب
يجعلك تلفّ البطاتية على جسدك
لتبدو كشرنقة الفراشات
لا ترغب في الإستيقاظ
تنظر من فتحة الستارة
إلى الغيمة الرمادية الكبيرة
الواقفة خلف زجاج النافذة
كضرع بقرة.
لا ترغب بالذهاب إلى العمل
لا ترغب بالذهاب إلى المدرسة
لا ترغب في فرشاة أسنانك
في تمشيط شعرك.
لديك أسباب كثيرة
لتكون حزينا
كأن تنتظر في موقف الباص
و فجأة، يغادرك وطن.
تركض،تركض،ترمي كل الأكياس البلاستيكية في الشوارع
و تركض خلف وطن،غادرك في باص.
لديك ألف سبب لتكون حزينا
مثلا،
عندما كان يطلب معلم المدرسة واجبك المدرسي
بلغة لا تفهمها،
فتتضاءل خلف التلاميذ كالحلزونة
و تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعك.
أن تكون كرديا،
فلديك ألف سبب لتكون حزينا
تلعق جرحك كالذئب وحيدا
كما في القصص الحزينة.
لديك الف سبب،لتكون كرديا حزينا
لم ينصفك التاريخ،و لم تنصفك الجغرافيا
لم تنصفك الشجاعة،لا العرف،لم ينصفك الإيمان، و الناموس.
أنا الكردي
أنا صابغ الأحذية
عامل الإسمنت، الغريب في بيت أبي
الغريب في تراب ولادتي.
نادل المطعم الذي ولد بلا هوية،و بلا وطن.
الفرباطي،الذي لم يقتل أحدا
بتهمة الدين و الملّة و اللغة و العرق.
القرباطي،
الذي فتح أبواب بيته لكل الهاربين و المشردين،و فتح ابواب القدس.فرميتموه خارج بيته.
انا الكردي الهارب من كل الحروب و كل المجازر .
القرباطي،
الذي إستوى على عرش الشعر
صابغ الأحذية
الذي هندس مقامات الموسيقى
و رتب أوتار العود
زرياب الوجع الطازج أبدا
لديك الف سبب لتكون كرديا حزينا
تضع رأسك على صدر غريب
لا تعرفه،لتبكي.
أن تركض في السهل الفسيح
حصانا بلا ذاكرة.
بلا هدى و بلا طريق.
ان تكون طفلا
فقد كل أهله تحت أنقاض الكيمياء و التفاح.
ان تكون جنديا،
فقد ذاكرته في الحرب،
و فقد ساقه في المعركة
في نهار ربيعي مشمس مزدحم بالأزهار.!؟
عثمان حمو.12.07.20
ألف سبب،لتكون حزينا ..بقلم عثمان حمو/ سوريا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
25 يوليو
Rating:
ليست هناك تعليقات: