ستة نصوص من ديوان كنت أرى للشاعرة ميرفت أبو حمزة
أهكذا يكون الحب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيتها البعيدةُ بُعْدَ روحي عن متناولِ يدي
أيُّها المنفى المنفيُّ في ذاتي
يا مدينةً أغلقَتْ كلَّ شوارعِها
وفتحَتْ أزقتَها للمارقينَ
آهٍ كم تبعُدينَ عني الآنَ
وكأنه زمنٌ ضوئيٌّ يا بلادي
زمنٌ بمسافةٍ منتهية
فالمسافةُ انتهتْ حيث ابتدأَتْ
أشعرُ ببُعْدِ روحي يقهرني
وأنتِ تتنكرينَ
كأعجميةٍ لا تفهمُ لغتي
لي فيكِ أحبةٌ
ما زالوا قابضينَ على جمرِ رجوعي
كنتُ قد ظننتُ أنني شبحٌ
فقد جعلتِيني شبحاً
أنا أتنفسُ الآن
وهذا اللحمُ حيٌّ
أعصرُهُ فينِزُّ الجرحُ
الوجعُ ، هذه الأيامَ ، يرومُ جسدي
جسدي يتآلفُ كثيراً مع وجعي
الوحيدِ الذي ما زال وفياً
حين خنتِني..
تخيلي .. لم يتركني مرّةً
ولم ينَمْ ليلةً واحدةً بدوني
يا أيتها السماءُ
التي لا تعترفُ بحدودِ البشرِ
تمنحُ لونَها وعمقَها لكلِّ البحار
لكلِّ العيون
ثمةَ بردٌ يجتاحُ دمي
ثمةَ كلامٌ يتكسَّرُ على عتباتِ فمي
ها قد مضى الشتاءُ ، وربما صيفٌ سيمضي
فكم مِنْ شتاءٍ سيؤوبُ
كم من شتاءٍ سيقصدُ هذا الصيفَ بسببي..؟!
عينايَ غائمتانِ
هاطلتانِ ..صافيتانِ كينبوعٍ
لا فرقَ ..
افتحي نوافذَكِ أيتها البلادُ
وإلّا فأنتِ قبرٌ ..
أنتِ قبرٌ ، وأنا قد أموتُ الآن
جسدي لا يحبُّ أن يُدفَنَ في العراءِ يا دمشقُ ..
فهل تفهمين ؟!
صوتُكِ عصفورٌ في قفصٍ
صوتُكِ يعشِّشُ في رأسي
صوتُك صرخةٌ
فأطلقيه ودَعْكِ ممّا نتجَ في رأسي ..
صوتك رصاصةٌ أخيرةٌ
وأنا تساقطَتْ كلُّ أصابعي
أشعرُ برغبةٍ كبيرةٍ في البكاء في الغناء ..
هل ما زلتِ تحبينَ الغناءَ يا دمشقُ٠٠؟
كم من بكاءٍ تهدَّجَ حزنُهُ
فوقَ صدري ..
أيتها الآلهةُ التي تجرّدَتْ من ألوهتها
كعذراءَ سبَّها القومُ ..
لم أرَكِ عاريةً كهذا العامِ
من مزق ثوبَكِ الأبيضَ ؟
من أوثقَ ذراعيك فوق سريرِ النكبة
حين كنتُ آتيكِ وآوي في حضنِكِ المفتوحِ
يا أُمّي العذراءَ ، فتنهمرين بالقبل ..
فُكّي وثاقَكِ .. فُكّيهِ ، وكوني المُحالَ ..
فالآلهةُ لا تُمَسُّ ولا تُرى
والعذارى لا يُدَنَّسُ طُهرُهُنَّ
عيناكِ بعيدتان كسماءٍ ..
عيناك غيمتانِ ..
عيناك بِركةُ وحْلٍ وأنا شمسُكِ
أرفعُ ماءَكِ وأعيدُهُ ديمةً بيضاءَ ..
ها أنا أبكي ، وما من مناديلَ بين يدي ..
ها أنت تبكين ، وأنا منديلُكِ البعيدُ ..
كنتُ قد وضعتُ عينَيْكِ دليلي
غفى الدليلُ .. شردَ الدليلُ
فأين الدليلُ مني..؟
عيناكِ آياتُ اللهِ ..
واللهُ امْتَحَنَتي بالبعد عنكِ
عيناكِ عُمُرٌ وعمرٌ وعمرٌ
ها قد نفذ مني العمرُ ..
آهِ من صخرِكِ كيف زحفَ فوق صدري ..
آهِ من هواءٍ لم يعُدْ مُلكي ..
إني أترقّبُ الطريقَ إليكِ ..
الطريقُ يترقّبُ عودتي ..
وعودتي تعطَّلَ رِكْبُها ..
ها أنا أعيشُ الآنَ في حضرةِ موتي ..
والأرْزُ هنا أخضرُ
الأرز هنا مثلي احترق
الأرزُ موطني حين كنتِ المنفى
المنفى يتغذى من دمي
ودمي يتعلمُ الآن حكمةَ النَّزْفِ الطويلِ ..
يا بحرَ دمي العميقَ
أُزْجُرْ موجَكَ كي يهدأً
يا موجاً يتماهى فوق رملِ نزفي ..
آنَ لكَ أن تتكسَّرَ فوق زبَدِ الوقتِ المُراقِ ..
يا بيروتُ .. يا أمي وأبي ..
نبضي باتَ أعرجَ فدمشقُ بترتْ ساقي!
ها أنا أتعكَّزُ الآن غرقي ..
غرقي منشغلٌ بعد كُرَيَّاتِ دمي ..
وهذا الصَّدَفُ المنحدرُ
على الجانبِ الآخرِ من جنوني
يطلِقُ آخرَ لؤلؤةٍ ويُقصيني
فآوي إلى ضفةِ المنطقِ
وكأنَّ المنطقَ غولٌ يبتغي صبري ..
يا شُطآنَ جراحي
أشعرُ بثآليلَ غريبةٍ تغزو جلدي ..
أشعر بحكّةٍ شرسةٍ وأظافري قلَّمَها الغيابُ ..
العطشُ صار حجَّةَ الملحِ ..
وملحُكِ جفَّ قربَ جثامينِ المسافرينَ المنتظرةِ ..
كلَّ ليلةٍ يجمعونَ حطبَ الوعودِ ..
يصنعون منه قارباً بمساميرَ حيَّةٍ ..
وأنا ليس بوسعي إلا أن أكتبَ قصتي
على قواربِهِمُ المتشققةِ
ليس بوسعي إلّا ..
أن أحِيْكَ لها شراعاً من ياسمين
ها هو قاربُنا المثقوبُ صار قصةً ..
كلما قرأه الوقتُ غرقَ بماءِ عينَيَّ وأبحَرَ
=========================
نقابٌ لما بعدَها
وعورةٌ إذا ما تكشَّفَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياةُ بئرٌ عميقٌ
وكأنِّي يوسفُهُ..
وكأنَّ مَنْ حَولِيَ كواكبٌ
وأنا سماواتٌ تبورُ ..
وكثيراً
ما أشعرُ بأنَّ البشرَ كلَّهُم
صاروا إخوتي ..
كلُّ الأشجارِ التي أعرفُها
كلُّ الأشجارِ التي كنتُ أنتمي إليها ..
التي ما زلتُ أنتمي إليها ..
والتي اجْتَثُّوني منها ..
كان لها ظِلالٌ طويلةٌ .. طويلةٌ
كتنُّورةِ أُمِّي ..
أمِّي كانت تُفصِّلُ تنورتَها
حسبَ مقاسِ الحزنِ ..
وعندما بدأوا بالحركةِ العمرانيةِ ..
كنتُ شجرةً قصيرةً ..
أمي قصَّتْ تنورتَها ..
أهْدَتْ ما بقيَ منها للغرباءِ
ليخيطوا قمصاناً ..
وأنا بقيتُ بلا ظلالٍ ..
الحياةُ حيلةُ العمرِ ..
هذا العمرُ طويلٌ جداً ..
هذا العمرُ قصيرٌ ..
هكذا كحلَقَةٍ مطاطيةٍ
كان يلتفُّ حول عنقي ..
ما زال يلتفُّ حول عنقي ..
وكأنه مشروعُ انتحارٍ مؤجَّلٍ ..
وجْهِيَ عمرٌ لا عمرَ له
رابيةٌ اجتاحَها جرادُ الفَقْدِ ..
وجْهِيَ ريفٌ مزَّقَتْهُ شوارعُ المدينةِ ..
وَجْهِيَ البحرُ ..
وأنا الغارقةُ في وجهي ..
كلُّ من سافرَ فيه أخَذَهُ الموجُ ..
أخذَهُ الدوّارُ ..
عاد نَسْياً مَنسِيَّاً..
بدونِ ذاكرةٍ أو تذكرةٍ
لا شاطئَ لا مرسىً ..
وحدَهُما عينايَ يعقوبيّتان
والشِّراعُ تمزَّقَ حزنُهُ ..
وَجْهِيَ خريطةٌ مدفونةٌ
في رملٍ ذاتيٍّ
وأنا شرَّدَتْني الحياةُ
أبحثُ في الحياةِ عني
عن ما بعدِها
بعد أن أضعتُ وجهي.
===================
وأحتضرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دنوتُ ، وما دنوتُ
وما استطعتُ لمسَه
أو حتى تصوُّرَه
كفكرةٍ مزدحمةٍ
هربَتْ من رأسٍ فارغٍ ..
ذاكَ الهواءُ الرطبُ فوق البحرِ
حين يعبرُ نحو موطني ويتركني
ليستبيحَ كلَّ حوّاسّي
ها أنا
سفَرٌ في رحلةٍ مؤجّلةٍ
سفرٌ وشيكٌ شائكٌ
يتقاطرُ في وحشةِ الأمداءِ
ليمُدَّني بمدادِ دمعٍ دامٍ
أنزفُ كلماتي في رعشةِ الموجِ
وأحتضرُ
حتى يجفَّ
بَلَلُ اللغةِ التي تقمَّصتْني
فأهجوها
بما تيسرَ من موتٍ
أنا يا بحرُ غربةٌ وغرابةٌ
في الوعيِ والَّلا وعي
أعبرُني..
كنفَقٍ مسَّهُ فراغٌ
تصفرُ فِيَّ الريحُ .. تصفرُ
ضائعٌ..
كموجةٍ علَّقَها الصخرُ تذكاراً
أو ربما نسيَها النهارُ
في مُطْلَقِ الاحتمالاتِ
ليقطُفَ التائهونَ ملحَها
لا أعلمُ يا بحرُ
متى أندلقُ مني
أو إلى أينَ سيأخذُني انسكابي
قلقُ الترحالِ يعصرُني ..
في زُرْقةٍ تشتبهُ بعمقِها
على السماءِ السابعةِ
فيشتبهُ الغرقُ
على كلِّ الغرقى الغارقينَ فِيَّ
المأخوذينَ بفتنةِ الموتِ
الموتِ المنفى
المنفى البعيدِ
حين يلمعُ في ظلِّ وَحشتِهِ
ووحشة المنافي
وأين يأخذني سؤالُ الماءِ
بلونه الضبابيِّ
ورائحةُ الشكِّ صحراءُ تحاصرُني
أرجأتُ نفسي
وانكفأتُ على ذاتي ألملمُها ..
ومشيتُ فِيَّ
ما استطعتُ وما استطعتُ..!
محجوبةً في داخلي عني..!
محجوزةً فيّ ..!
محجورةً
يومئُ الفناءُ كلَّ لحظةٍ إليّ..
هنا
تدخلُ المُسَمَّياتُ في بعضها
تدخلُ
فيشتبه الهواءُ هوىً
ويصيرُ
وسواسُ السكونِ مُبرِّحاً
وأصيرُ الراكضَ خلفي
الخائفَ مني
السائمَ من رعشةِ الهواءِ
إن تُحرِّكَهُ يمامةٌ
أتخافُ منكَ حين تدخلُكَ.. ؟
أنا أخافُ مني
حالَ يحِلُّ بي حنيني
للوطنِ الوطنِ
والوطنِ المنفى
================
هكذا يقولُ في نفسه ،
وأنا أصغي جيداً لحديثِ الروح ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكِ وحدكِ يرتفعُ في داخلي صوتُ الغناءِ
يقفزُ فوقَ الصولفيجِ الموسيقيِّ
تاركاً جوقةَ المقاماتِ لأهلها
ليصنعَ مفاتيحَ جديدةً
لم تخطرْ بأيِّ بالٍ
ها أنتِ..
كيمامةٍ بيضاءَ
تعشِّشينَ على شجرةِ القلبِ..
تهُزِّينَ غصنَ الروحِ..
فتسقطُ في حِضنِكِ الأمنياتُ
نغمةً.. نغمةً
يا أولَ النهرِ..
وأولَ النبعِ..
وحدي أرفدُكِ من كلِّ الجهاتِ
وهذي ظلالي لكِ وحدَكِ
مائيَ الأزليُّ الواصلُ خلاياكِ
من لحظةِ لَفَظَ اسمَكِ التكوينُ
أنا السماءُ يا صافيةَ الروحِ
فارْفُلي فِيَّ حتى تنتهيَ المسافاتُ
جسدٌ بإمكانه أن يتحولَ إلى جسرٍ
كي تعبُري
لا دمَ يندلقُ في شراييني
إلاّ وأنتِ تشكّلينَ كُريَّاتِهِ
وتسبغينَ لونَهُ
لهذا تظهرُ ملامحُكِ جليّةً
في وجهي
فنتشابهُ أكثرَ وأكثرَ
أحبُّكِ..
وتكبُرينَ داخلي
طفلةً شاءَ اللهُ لها أن تُولَدَ فِيَّ
لأعرفَ معها معنى الخَلْقِ الأوَّلِ
وأوَّلَ نداءٍ ..
ها أنتِ إبنتي ..
ها أنا ابنُكِ ..
أعلِّمُكِ فنونَ الأمومةِ كلَّها
فتحمليني..
لن أخرِّبَ الأشياءَ التي تخصُّكِ فِيَّ
وسأسعى دائماً لرعايتها
وتذوُّقِ بعضِ سكاكرِها
بينما تضيعينَ فيَِّ وأضيعُ فيكِ
فافتحي لي مداكِ إن احتارَ بي السبيلُ
قلتُ لكِ يوماً ..
بينما كنتِ منشغلةً
بضَفْرِ أحلامِكِ البيضاءِ
من غرّةِ الليلِ
سنكبرُ معاً .. جذعاً وأغصاناً
وسنملأ المكانَ بثمارنا..
ـ هلَّا وقفتِ قليلاً عند هذا السطرِ..
بينما أنتِ منشغلةٌ بلملمةِ آخرِهِ..
هاكِ صباحيَ الأشعثُ
مشِّطيهِ وغنّي على مهلٍ
وقولي : يا فجرُ سجِّلْ هذه اللحظةَ وصَوِّرْنا.
===============/==/====/=====/==
للرّيحِ فِيَّ موطنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لي منكِ رائحةُ السبيلِ
فما الآتي إليَّ بعدُ
أيتها الريحُ ..؟!
أنا الثقيلةُ أحمالي وما ألقيتُها
أرفعُ صخرتي عالياً .. عالياً
ويتبعُني الخرابُ ..
لي من الغدِ انتظاراتُ المسافرِ ..
ما أودعتُها يأساً ولا مللاً
شللُ الطريقِ يراودُني وأردُّهُ فيردُّني .
أسرُجُ أنفاسي لأمضي
فيُقصيني الرجاءُ ..
سبحانَ من أوصى لي
من الأماكنِ أعتاها وأصعبَها
وسخّر لي من ضَيِّقِ المنافسِ أضيقَها
وأجازَ صدري للمدامعِ بركةَ ماءٍ
للطريقِ الذي سحبَ أقدامي
في وَحْلِ غُربتِهِ
وجرَّدَني وُعودَ عودتِهِ
هذي خُطايَ وذا صدري
كلُّ الدروبِ نواهبٌ صارتْ
فكيف أسيرُ..؟!
وجهي جدوله بحرٌ لا قرارَ له
ونوارسُ روحي
غامت بتيه المدِّ ..
لي سفينةٌ في الرملِ تنتظرُ
لا الموجُ يحملها ..
ولا تبحرُ لأرفعَ فيها راياتي ..
جَرجري يا ريحُ حديثَكِ الطويلَ
على دروبِ مسامعي ..
لكِ اللغاتُ كلُّها
وليس لِغَيْرِكِ أُصغي ..
وأَمضي بحبرِ قصائدي الخضراءِ عني
فلا أصابعُ في يدي ..
تدلُفُ مواسمُ كفي عصافيرَ
ويهجرني الغناءُ
أكملي يا ريحُ لحنَكِ البدويَّ
وما وقفَ الغناءُ عنده
أكمليه وسافري عني
لله أنتِ ولي منك
أمداءٌ تطوفُ يسيرةً فيها نداءاتي
======================
هذا الداخلُ ما عادَ يتسعُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها الواجلُ
في دوائرِ التخمينِ
أيها التخمينُ
وتدور .. ويدور ..وأدور
من سيرُدُّ السفرَ عن وعرِ الطريق؟
من سيردُّ الطريقَ
لأقدامنا العاريةِ
ومن يفسرُ لهذا الإسفلتِ
أننا ما عدنا نقوى
قُلتَ :
كلُّ الطرقِ قد تؤدي
إلى آخرِ النفقِ
ولماذا ندخلُ النفقَ..؟!
وأين اختبأ الجسرُ ؟!
حين كنتَ جسراً
حين كُنتُ كلَّ الأقدامِ
وكلَّ الحبالِ التي تلُمُّ بعضَكَ
على الظهورِ الحانيةِ
تكثرُ الأحمالُ
وظهري أبداً لا يستقيمُ
مرهَقٌ أنتَ كهذه الأَرْضِ
مرهَقَةٌ كهذه الأَرْضِ
دَعْ عشبَكَ يتبعُني
دع عشبكَ يسبقُني
أمشي إليكَ
أمشي فيكَ
فلماذا تُغرقني ؟!
كنا معاً وكأننا النبعُ.. نفيضُ
نعبُرُ حرائقَنا..لا نحترقُ
نعطشُ فنشربنا.. نشربُنا
هَبْ أننا حطبٌ
هب أننا شفاهُ بركانِ متوجسٍ
ها نحن على مقربةٍ
ها نحن نحاذي النهاياتِ
بداياتُ النهاياتِ تأخذنا
وهذا الكونُ الملتهبُ
الكونُ الكوةُ..
وها نحنُ الرمادَ صرنا
وكأنَّ الفضاءَ حرائقُ أبدٍ
وكأن السماءَ طبقُ قصديرٍ
هل سترأفُ السماءُ بأجنحتنا
هل سيحملنا الهواءُ ؟
وإذا ما احترقَ الهواء؟
هل كنا عصافيرَ ؟
متى طرنا.. متى نعودُ
وأين السربُ منا ؟
مسافرةٌ والريحُ تحملني
أجرُّ عتبةَ بيتي خلفَ خطوتي
أجُرُّ البابَ..
أجرُّ أوَّلي وآخري
وأتبعُني
لي عربةٌ على نيةِ الترحالِ سارت
لي ترحالٌ في قرارةِ نفسي
للعربةِ عجلةٌ لا تدورُ
لنفسي دورانُ ماءٍ
وأنا أدور والمكان يدورُ
فكيف تغير المكان؟!
إني أريدكَ معي
كفٌّ بكفٍّ.. نَفَسٌ بنَفَسٍ
لكننا نتدحرجُ بدونِ هداية
نمشي بلا أقدامنا
ويسرقنا الطريقُ..
إني أريدكَ معي ..
أمُدُّ كفي أمسكُ بأصابعك
فتنفلتُ مني..
تمدُّ كفَّكَ إليَّ أغدو غباراً
ها نحن الآنَ نختنقُ
نتدحرجُ
نمشي
ننسرق
نسحب أنفاسَنا
تسحبُنا أنفاسُنا منا..
وأعيدُ إني أريدكَ معي..
حين تشتعلُ السماءُ
وحين تنسكبُ
حين تغمرُ نجمَها الفضيَّ
فتغمرُني .. تغمرني ..
وحدي والأرضُ ترتفعُ ..
تنزلق ..
وحدي وكلُّ هذه النارِ..
وكلُّ هذا الدوارِ ..
الانهيارِ ..
الغبارِ ..
وحدي وكلُّ هذه الغربةِ
الغائرةِ في دمي
وحدي
والعالَمُ غارقٌ بهذيانِ الوباء
بالبلاءِ .. بالغلاءِ
وكلُّ هذا الخرابِ هنا في
رأسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميرڤت أبوحمزة
من ديوان * كنتُ أرى*
ستة نصوص من ديوان كنت أرى للشاعرة ميرفت أبو حمزة
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
10 يوليو
Rating:
ليست هناك تعليقات: