لستُ شبحاً .. بقلم حسن العداي/ العراق



لستُ شبحاً

ها قد جاءت أخيرا
فرح
رغمَ إلغائها كل الرسائل
التي كتبتُها بشفاهٍ لها عينا صقر
لايجد له محطّ قدم
على صخرة شاهقة
إلى نفس المكان
الذي أخترناه لأوّل لقاءٍ لنا
في آخر مصطبة تظلّلها
أوراق شجرة كالبتوس عجوز
تتسيّد مقهى معزول من أوجه كاسدة
وإنوف قطط على صفيح بارد 

ميقات الزيارة هذا
لم نضرب له موعداً
بعدما ترهّل جسده
ومشى على ثلاثة أرجل

لقد تأخرتْ أكثر مماكان في الحسبان
وشدّ ما كان يجعلني في أرق محمرّ
 نسيان حضورها يصطبغ بخرافة لا يناله  عدم التصديق

وها هي تجلس قبالتي بهدوء إنسياب
ساقية في بحر نائم
لم تبدأ بتحية
لم تقرأ اصطباري الظامئ
أحزنني إنّ عينينا لم تلتقيا

- لمَ لا تحدّقينَ في وجهي
الجامع لكلِّ القطارات المطاردة
والحامل لوحات مدننا في الآتي ما تفرضهُ موضةُ العصر 

نظراتكِ مشوّشة
ألا ترينني
كلُّ هؤلاء الرجال وهم يخطفون من جنبك
وأنتِ تتفرّسين في وجوههم
لا أحد منهم يشبهني
أنظري إلى أصبعي السبّابة
وأنا أضعها على صدغي الأيمن
لا يعقل كل هذا التسويف في المجيء
إليٍ
في الوقت الذي كانت حاجتي أليك
 لم تتحرك قيد أنملة للذوبان

ألا تسمعينَ صوتي

لستُ شبحاً

وها أنتِ كما أنتِ
لا خريف أسقطَ أوراقك
ولا أغصان طريّة نمت من ساقك
الذي كتبنا اسمينا عليه
بخطّنا الصبيانيّ
كم ضحكت العاصفير من برائته
وحلّقت وراء الأفق
كان المرتجى من عودتها في محلّ شكّ
حقلنا المليئ بالفزّاعات المتشحة بأردية الحرب
لا تسمح لها ان تهبط بسلام
كما أشرتِ إليّ لشدِّ انتباهي
في أوّل لحظاتِ غيابك

عجباً...!!!
الا ترينني...!!!
لستُ شبحاً
ربّما كثرة أغصاني المستجدة وأوراقي الراقصة  أحالتْ ما بين الرؤية والرؤية

أراكِ تدخنينَ بإفراط
وتقضمين أظافركِ في اوقاتِ حرجك
كما عرفتك 
نادلُ المقهى يرمقك بنظرات مريبة
كأحد افراد المليشات الوقحة
وهو يضع كوب الشاي الساخن امامك
أخزره محذّرا
في التمادي في مسح تفاصيل جسدك
البارزة في عنفوان مستذئب

لست شبحاً

أنا مقابل عينيك بخط مستقيم أفتراضيّ

هل تتظاهرينَ بتمرين ذهني
يشغلكِ عن رؤيتكِ لي
وكلماتي الموجهة خصيصة لكِ
لا تسمع من لدنك
ربّما تودينَ استرسالي في الكلام
دونما نقطة نظام
 تدار  كعلكة
في ألسنة نواب برلمان مزيّف
في إيجاد حلول مناسبة
 مقاسة بوعي بدائيّ
 لتدارك ما يمكن تداركه
بنصاب لم يكتمل مرارا
عادةٌ يصحبها نزفٌ مَرَضِيّ
 فيتراءى لي
شبّاك وفيقة المفتوح دون إنارة
تطلّ منه إبتسامة بدر  على عجل
شبيهة الموناليزا في ابتسامتها الملغزة
تخبرني دون حذر أو خشية
من أعين مخبري الطرف الثالث

لم ينم غيلان بعد
 غيلان الى الآن لم ينم ....!!!

لكنّني لا أستسيغُ استرسالي في كلام
دون تعقيب من الآخر
ربّما تودين عكس اتجاهي
اذن لمَ لا تبادلينني الرأي
لا توجد قنينتا صمت
نحتسيها على مذاق غدة صفراء

لا يليقُ التجاهل بكِ
وأنتِ تتعاطينه كشراب مقشّع للذاكرة
أمدّ يديّ اليكِ لتلتمسا يديك
برغبة تقليدية مشتهاة
تتراجعان يداي
وأنتِ تشعلين سيجارة أخرى

لماذا اتيتِ في هذا الوقت بالتحديد ...؟!!
ألكي افصح ما في نفسي اليك..؟
مثلما انسالتْ لواعجُ الحوذيّ آيونا بوتابوف الى مهرته البيضاء
كما اراد له تشيكوف في قصته ( الشقاء )
وانت تمارسينَ غياباً مقيداً
بحضور أعمى
لا يتلمسُ بأصابعه ملامحَ وجهي
وأعضائي المتوثّبة بحميميّة عين بوم
محلّق
في هيئةِ استعدادٍ دائر
للإنقضاض على بقعة ضوء
يستكنّ فيها

أأعزو ذلك الى استحياء منكِ...؟!!!
لإنّك تقابلينَ رجلاً غريباً
كما أبدو لك
أو إنّكِ عدّتِ لا تملكينَ العينَ المطرّزة لي
للتحليقِ في مكنوناتي الخفيّة
أمنِ المحتمل أُعتقِلتْ
 على مرأى من حدقات العالم
دون التظاهر بالرفض

كان في ودّي أن أسرد عليك  قصّةَ أبني
وهو لا زال يعاني من إثر رصاصة قنّاص
عوّقتْ لهُ ساقه
حين كان يغني و يرسم توكتك
على جدار نفق السعدون
الرصاصة قد احتفظتُ بها ملامةً
في كتاب محبّبٍ لي
من كُتُبِ (أبي نجمة السادات تاباتاباي  )
لأرى منه خجلاً متبادلاً
بين وَلِهٍ ومولوه

لا اعرف بالضبط
هل تتمادينَ في عدم جذب إنتباهك
وغضّ النظر
 للأشباع من رؤيا أخيرة
تتجلّى لي
 قبل نهاية المطاف

 هاتفك الآيفون
 يرنّ بنغمة سحرية لم أسمعها من قبل
يعجبني منك لم تتسرعي في الرد
إلّا بعد أن تأخذي نفساً عميقاً

- وصلوا الضيوف...؟.......!!!

نعم ..نعم ......!!!

 برابرة مستحدثون......بالتأكيد..!!!

أعتنوا برجال حمايتهم .........!

نعم..نعم ...!!!

لا يمتلكون أسلوب حُسن الردّ
ولائيّون من نوع مغاير

نعم...نعم....!!!

لا يمكثون إلّا قليلا. ...

نعم...نعم

- معَ مَنْ تتعاملينَ يا فرح ..؟!!!
الدخول في اللامعقول ليكون معقولا
إفلاس محتمل
واللامبالاة ثوب عتيق لا يستر عورة

والآن ماذا وراء وقوفكِ
وتدوير رأسك ببطئ حول المكان
مع فتح حقيبتكِ الأقرب في لونها
الى قهوة يمانيّة لا تُقرأ في فنجان
تبحثينَ عن شيءٍ ما ...؟!!!
ماذا تنوينَ فعلهُ.... ؟!!!

صمت

أكتبُ في مفكّرتي
الساعة.................
اليوم....................
الشهر....................
السنة....................

فرح تغادر المقهى
تاركةً ظلّاً صغيراً لي
وعلبة سجائر
فارغة
لستُ شبحاً .. بقلم حسن العداي/ العراق Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 10 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.