إثنا عشر نص للشاعرة السورية حواء فاعور



رقصة الغزالة النافقة


كنت أعرف ..
أني بعد هذه الرقصة سأمرض، و رقصت
مغرية و فريدة كانت
في أعالي الغيم

كنت أعرف ..
أنّ الـالـ"لو"
لا تفتح إلا بابا واحدا ، الوجع
وعرفت كثيرا أن الوجع في وجهي سيصير بنفسج
ينمو وحيدا
كما العادة
لا يجدر بي الفقد كل هذا الحد !!
أنا التي عرفت أنّ في نهاية المطاف لا بدّ أني وحيدة .

الآن
اليأس والأمل على مسافة واحدة من الموت ،
وأنا مجددا سأختار
بلا رغبات ولا دوافع ولا طموحات
انتظر اللاشيء وأعيشه
غريبة، وليس لي سواي بكل ما أملك من الأنقاض ..
أرممني وهما وأقف
العوْد وجع كالغياب تماما ..
ومأساة الحلم قيد في كاحل غزالة تنفق ..
الحرية حق مشروع قررتُ أن أمنحه للأسرى في صدري.

ألوح بقلبي
وداعا
إياك أن ترجع.
==================


لونُك الأبيض



يتغلغل شعاع الشمس تحت جلدي

شراييني قوس قزح ،

بعد بكاء طويل

السماء فارغة!

لا أعرف من أين تتدفق هذه البهجة ؟!

نقطة ضوء في آخر نفق أنا ، ولأني رمادية عرفت كل ألوانك

أحببت الأبيض الذي لم تعرفه فيك يوما !

الأبيض الذي لن اكتب عنه كلام الأمهات

ولن يكون بسيطا مثل حكمة الجدات ولا حتى معقدا مثلي ،

الأبيض الغائم الذي لن يصطدم بي ليمطر فوقك/ فوقي ، او فوقنا اذ صارت (نا) نكتة .

أنا التي ما عزمت على شيء إلا فعلته .

وحين تتلمس خصلة شيب في شعرك ستعرف أنك أصغر من عتاب وأني أكبر من موقف .

فارغة سمائي

حين تتراقص النوتة على شراييني الملونة سأحبك أيضا ، ربما لست انت!

لكني سأحب لونك الأبيض الذي لا تعرفه ،

الأبيض الموؤود ،المكمم الأبكم

والذي سيكون دوما فوق شفقتي

تحت تعاطفي

في مركز ودي الزهري الرائق

الذي سيطبع على خده قبلة محبة خالدة وسريعة

ويمضي إلى حيث لن تصل له عيناك او أصابعك .

حيث الموسيقا والرقص والكثير من الضحك الذي أبدا لن يكون ذكرى ولن يكون أنت .

فارغة سمائي !

لكني سأكون سعيدة حين تقف تحت ازدحام سماوات أخرى ، وأعرف أن هذا لايهم .

المهم وحده هو ان تكون سعيدا

فكن...
====================



عناقات ضائعة



لقد تحوّل الجلد إلى جدران ، هكذا
قلت لأمي، في الحلم:
عودي للحظة!
حين يُهدم جلدي لن يرممه أحد.

يُباس الذراعين ، عناقات ضائعة
يباس اللسان ، وحدة غائرة
يباس الشفاه ، توابيت للقبل
يباس الجذع ، وتد متشقق
يباس الساقين، عقارب الساعة صفر
يباس القدمين، عزلة...

النهر جاف يا أماه
وانا اكتب قصيدة على الضفة
تتقافز سمكة في العتمة؛
محاولة انتحار ام عودة ؟!

عودي للحظة ..
انا اسكن في الطابق الرابع ، حيث النافذة العمياء والزجاج اللامع

أنا، في العتمة، أحنّ للعشب اليانع في عنييك واكتب .
لا تنسيْ؛ لا تلمسيني.
فانا لست قوية، أبدا، لأصمد !
سأنهار مثل كتلة اسمنت جاف.

انا التي اجتمعت جوارحي على التوق للقائك ، أخافه
لاني انانية وغبية
ولا اقوى على جمع نفسي حين تأتين من عليائك إلى قاعي .

في الحفرة سأنهدم
وحين يرشون الماء على ردمها
ساعانقك.

لا تلمسيني يا أماه ، لا تأتي
سأذهب.
======================



تهديد بالقتل



سيبريوس أمام البوابات العملاقة
بثلاث رؤوس يقظة
يلعق آثار الخطايا
عن اجساد الزناة المروعة .

وأنا لا اخاف رائحة جلدي
الزهري القاني بلا خدوش
المرتبك
والمختنق أيضا .

قيء.. قيء
ماء
نوم
قيء
صداع

انا زهرة على وجه نهر
انا شامة على خد جثة
انا خفيفة.. خفيفة
انا استيلين خام
انا اتقيأ طيلة الوقت .

الارواح ثقيلة
وانت توجعني.

فيما سيقضي الخوف على العجائز والاطفال والنساء النقيات
سيرقص الزناة عراة على الناصية واثقين .

وانا سأتأمل شريط حبوب زهرية
واضحك بشكل مدهش .

الحب مبعث الطمأنينة عاجز وسأخنقه في مهده.
===============================



ساحرة مخذولة



تمطر السماء في الصباح
لتبدد الدخان الأبيض عن سطح البحر
ونحن برفق و سُعار نمتص الفجائع
ليسمن الوقت الهزيل المترنح

الجارة ذات الوجه الكرتوني ،تصرخ :
أريد أن اطبخ ، ولا احد يدق بابي
فيما يتعالي صراخ الأطفال في الشارع :
مطر ، مطر
نريد مثلجات زهرية على شكل دب باندا لطيف.

بغتة، يتعالى صوت انفجار قريب
كلنا نحكي ببساطة : من عندنا نضربهم ربما
ربما من عندهم يضربوننا

(من يبكي أكثر هو الضارب )
كساحرة أهمهم واضحك خلسة

ارض الحارة تتألم
كاعتراض على الأثر

(هذا الازدحام كان خطأ الرب من البداية ، ساحرة مثلي اعجز من تفرقة جمع واكثر شرورا من الفرح )

الريح تنشر ارتدادات الاصوات التي لا تعرف العناوين

(على الصوت الضائع ان لا يصل ابدا)

جارتنا تريد ان تطبخ
والاطفال يريدون مثلجات زهرية

الارض تلفظ الكل خلسة وتحضنهم في العلن
وصوت الانفجار عرض جانبي عابر

والساحرة تغادر القصر
دون روب او مقشة

مخذولة
وفرحة

تخيلوا صدى البكاء
و اضحكوا...
============
أكتب عنكن




المجهولات المنسيات في زوايا الغرف المظلمة
اللامباليات
الضليعات في الشجن
الشاربات دموعهن كلما شح المطر
العارفات طعم الملح .
النائم على خصورهن أعراش عنب
الذابلات كلما طال البعاد
المكلومات ابدا
لا لشيء
إلّا لأنهن يوما أردن أن يكن كل شيء
الغائصات في المعنى ..
غريبات الأطوار ..
المجنونات عشقا
الواقفات على طرف ضئيل من العالم لا يكاد يتسع لموطئ قدم
المصممات على الثبات مهما كان السقوط شاهقا ..
النافضات الذنب عن جنبات الروح ..
الراشات الملح على الجروح
العائدات الى حضن الله بخجل وحزن
الحاملات ثقل الوجود
المبارزات شرور العتم
أنا لست غريبة عنكن؛
إنّما أكتبكن فقط.
==================


شذرات متقاطعة



كان على الوقت ان يمهلنا قليلا ، لنحفظ اسم الغابة
قبل أن نهجرها مثل أشجار بلا جذور

كيف نبدأ الان ؟!
من نحن في هذا الخواء الشاسع ؟!
إلى أين سنعود؟

**
يهطل المطر بانتظام مدهش
وتزور اوراقنا في حلمها غابة لم تسكنها قط .
يبدو اننا نستطيع الضحك والرقص في ضوء قليل .

بعيدا عن خلافاتهم ،
التي حين هربنا منها اغلقوا الباب على أصابعنا . ونسيوا صراخنا خلفها .
من سيكتب الان حكاية الخراب والناس ، من سيحكيها بين أقوام لا يملكون أفواها ؟

**
علينا أن نتبرأ من أبائنا
ونقتلع الجذر ، لا لنموت .

**
نحتاج مهلة اطول
لنلون لوحة الحياة بألوان أخرى ليست باهتة
لماذا نلون ان كان اللون باهت ؟!

**

ننجز لأنفسنا ما شاء الجهد من النجاح ،
كيف سنفرح؟!
وشرط الفرح ، ان لايكون مقسوما على واحد .

**
لا تتبعوا آثارنا
نحن السفاحون السفلة .

**
طريقنا أسود
امشوا في غيره

**
كونوا بدائيين
كي لا تشبهونا
=================


قلب عاقر



لم يكن ذلك صعبا ، لقد تسلل ببطء مثلما يتسلل النوم فجأة إلى رأس متعب .
ولم يكن مقصودا ، فقد تعثر صدفة بقلبي العاقر الذي كان يسعى لركن قصي مناسب تماما للاختفاء .

تسع وعشرون فراشة احترقت في دمي ، ولم أكن أريد للباقيات في قلبي أن تلقى نفس المآل .
لاجل ذلك ،احتلت بدهاء ولقنته وسواس العقم حتى صدقه .

اه يا عزيزي :
لو انك لحم ودم ،
ولك ركبة القي اليها برأسي .
لو ان لك كتفا عريضا ، لأرسم عليه بكحل هدبي لوحة سوداء صارخة لا تملك اي اطار .
لو ان لك اذنا ، تسمعني:

لدى عائلتي قن دجاج صغير في زاوية قصية من ساحة الدار ، وكلما هممنا بجلب البيض، وجدنا القن فارغ .
ما بال هذه الدجاجات ؟!
ام ان الديك غير صالح ؟!
ولأنه لا احد يعرف الإجابة ، تخلصنا بالتدريج من اهل القن كلهم مع الديك .

هذا القن يشغل مكانا دون فائدة ، لذلك سعينا لهدمه .
وتهيئنا للبدء في العمل .

وفيما نحن نلم الحجارة بعد ان نال منا التعب والحقد ، وجدنا كومة كبيرة من البيض بين احجار الجدار .
اوه
لقد ظلمنا الدجاجات
لقد ظلمنا الديك

لا . لقد ظلمنا انفسنا كثيرا.

الندم آكل، كما تعلم يا عزيزي ، لذلك قررنا ان نقتله .
الآن ،
صرنا قادرين على ارتكاب الظلم بسلاسة كبيرة ونحن بكامل الثقة .

اه صحيح ،
لو ان لك قلبا يراني ،
كان سيوقن اني ما سددت يوما اي سهم من رأسي
وان السهام كلها سددت من قلبي على غفلة .

في الحقيقة ،لقد كان الامر صعبا جدا على قلب عاقر،
حتّى صار يضخ ياسمينا  و بنفسجات .

المرأة الجرح



تقول امرأة طاعنة بالخيبة:
لو أني لم أفتح الباب
لطالما خفت ضوء الشمس.

الرجل الذي صمم العزف على قلبي ظنه بيانو
لم يعرف أن البيانو يبكي أيضا
المدعوون في الحفلة مستمرون بالرقص
كلما رقصوا ، غرقت بالدمع .

الرجل الذي دعاني للرقص كان يظن أني امرأة
لم يعرف أني جرح وان يديه ستعودان بلون أحمر

في الخارج المطر يسترق النظر من النافذة
وانا في الداخل انهمر .

آآه لو اني لم افتح الباب
لطالما خفت ضوء الشمس
لطالما هربت من يقين أني وهم .
======/=/=====//========

نقطة في آخر العمر



لقد فقدتك وتوحدت مع ذاتي
في مقبرة لم ينبشها احد
هناك صراخ تحت التراب لنساء كذابات ومضرجات باللعنة ،
وأظافر طويلة تطل من الطين، كشواهد على اعتراض اقوام مكممين .
هناك همهمات لرجال لايعرفون سبب اقامتهم في حفرة .

فوق التراب من يتسلى بالعبث والعذاب ويهدي للألم حبلا
يخفف به وزنه .

فراشات وقناديل
الوان وحسرة

ضباع وقبائل من الجيف
من الحي ؟!
من الميت ؟!.

على حائط السماء ، مكتوب بالدم :
لست فأر تجارب
من الذي يجب عليه ان يعتذر ؟!

نحن المحكومين بالتوحش ، سيرة اللانهاية الغامضة المرعبة.
نحن المحكومين بدوائر الأسئلة ، برؤوس مغروسة بالحراب واقتتال الضباب .
نحن المحكومين بالروح ، قاطني السجون الانفرادية وزارعي الأغنيات ،داقي الدفوف ، الغارقين بالرقص والدمع.
نحن المحكومين بالأحذية ، المدفونة أفواهنا مع الاسنان المقلوعة بالكماشات .
نحن العاشقين اليتامى ، بحث مكثف من التوحد والموهبة .

نحن كلهم انا
انا التي مع ذاتي في مقبرة
أحبك
وأحسك
وأبكي

انا لا اريد ان احكي لك اي شيء
لا اريد ان احكي عنك اي شيء
اريد
فقط نقطة في آخر العمر .
===================

لا حياة بلا خطيئة



في السماء أنا
حين تكون أقرب للرمادي في أحد أيام حزيران
أعطي احتمالات عديدة لحزن واحد

انا ضلعك
اكسره بي
واغوص خلفه لامسك الكتلة ، متوهجة
وضاءة ، وغريبة .
أمنح للعمر ألوانا حرة من الاسماء ،
وأدير ظهري لكل شيء أحببته
لاتمتع باللذة أكثر .

انفخ من اعمق رئتي
فيلامس دخان سجائري سطح البحر
ليتكثف غيما ،
ويعفي البحر من الحريق .

بعين العشق أرى خلخالي على الأرض ،
فيحكني خصر كاحلي .
اتجاهله ،وأحيا بلا قيد
وأهمس في أذن الأرض :
لاحياة فيك
بلا خطيئة.

لا نسقط و نحن نحب



أنا امرأة بدائية ولا أعتني بجمالي.
جمالي بكر؛ قلت لي مرة.
أحب يديك وانت تداعب ساقي البيضاء المليئة بالزغب

ثم تقبل كعبي قبلة ناعمة وهو على كتفك الأيمن 

و ترتمي بين ذراعي مثل زهرة عباد شمس

وأنا أميل

ثم تقبل باطن كفي الأيمن تلك القبل السكرانة الموحية
تلك المنزلة كصك مغفرة ، الشهية مثل المطر
أحب حركة فمي وهو ينطق حبك في باطن كفك الايسر

وانت تصيح: يا الله
ثم تحدد باصبعيك جسدا لروحي ،

روحي الطاغية، الخلاقة، العبثية، العدمية، العاشقة و المجنونة التي جننتك

 فأُحبها وجسدها !!
أحبّ لفائف اللبنة التي نقتسمها في آخر الليل

وفنجان القهوة وصدرك
أحب كل شيء يلمسني فيك ومنك
أحبُّني حين أحبّك
وأحبّك حين تسبّح برائحتي
وتسجُد

فنعلو معا

لنصير إلهين أو مجموعة خرافية من السماوات
ولا نسقط

...


إثنا عشر نص للشاعرة السورية حواء فاعور Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 16 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.