أحد عشر نصا للشاعرة السورية سلوى إسماعيل


أثر الفراشة
.........
على كتف الصباح
شوق وبضعة قطرات ندى
لطيور الحنين
تغرد
ترسم
تحلق
تهبط برفق
على جناحيّ فراشة
بين زهرة وقنديل
في الصباح
كل شيء مباح
حتى اغتيال الشمس
ليعود القمر أكثر اشراقاً
تغتسل موجة بما تبقَ من زبد
على جسد اللهفة
أيها الصباح ترفق
أنسلّ بهدوء بين ثنايا الساتان
العالق بين قبلة وتجاعيد شرشف
مازالت القطة المرسومة
على حافته تموء
كلما لامست جسدها فراشة
أيتها النافذة
أسدلي الستائر
النور يحرض الفراشات
الغافية بين الكتف والعنق
على التحليق
والنسيم يغري الأنامل بالطواف
شيطان الغوايةلم يرقد بعد
لم يثنه رمي الحصوات
===================

إلى  أين تفرّ جدائل النور
..............
فراشات حب
جدائل معتقة
بحكايا أنامل الجدات
 بين خصلاتها
نسمات طفولية
وأرجوحة
بعبق التين والزيتون
تلوّح لقمة شنكال
بضحكة
ورنة خلخال
تدغدغ ساق الريح
أغنية تعبر ممرات جبل شامخ
ترسم ابتسامة
على شفاه الأبتهالات
لتبقى الملائكة
تحرس قلب شجرة التين
وخطوات عاشقة
تطوف الأضرحة
وقبور الأولياء
ليعم السلام قلب كل شنكالي
أطل آب بنيرانه
حاملاً الموت
رايات سوداء
تفتك بجسد السلام
تغتصب الامان
وأحلام الطفولة
كل منعطف رصاصة
إلى اين تفرّ جدائل النور
الموت بكل مكان
وحوش متعطشة للدم
تجوب الحارات والمنازل
هل تنجو حرّة
من يد فقدت ذاكرة الرحمة
من وجوه نزعت جلد الإنسانية
وجعلت من الموت فخاً لأقدام البراءة
=============================

أيها العالقون بين المجرات
...........
كان عليَّ
أن أقصقص جناحيّ
قبل أن أفكر بالطيران

لا سماء آمنة لطيور
تنافس الغيمات وجع المخاض
وإثم الولادة على حافة القهر

كان عليَّ
أن أتحصن بتعويذات العرافة
وصلوات أمي
قبل الالتحاق بسرب متمرد
أتلحفَ السماء
بعد أن خانته أقلام رفيقة

لم يبقَ للأرض رفيق سوى أحذية
تمزق وجهه كلما نال منها التعب
وأنشودة بحَّ صوتها
صمتت بعد أن اقتلعوا حبالها
مشنقة لكلمات عشقت الحرية
 وزهور الغاردينيا

لاتملك السماء إلا الرّيح
لاتملك الأرض إلا الحفر
بين السماء والأرض
عزف ناي إلهي يتعثر

أيها العالقون بين المجرات
أقدامكم القصيرة لن تدرك أرضاً
أعناقكم المكسورة لن تبلغ غيمة
أيها المتهالك
على صراط القهر تتأرجح
تماسك أكثر
لاشيء على الأرض سوى فم بحجم الجحيم ينتظرك
==================================

الحسكة حكاية عشق وسنبلة
...........
حين غادرت
حملت في جعبتي
 دفء القمح
لون الحنطة
في وجوه الأطفال
سقسقة العصافير
وأريج الصنوبر و الكينا
الممتد إلى آخر الحارة
وصرّة من عبق مناقيش الزعتر
مازال صوت الديك
منبه صباحاتي
وصوت بائع الحليب يمر بذاكرتي
كغيمة بيضاء
في الصباح
كل شي في مدينتي يضحك
حتى قطيع الأغنام
المتجه إلى البرية
أبناء القمح
قلوبنا بيضاء ناصعة
كقطن الحسكة
وأغاني الصبايا
في مواسم الحصاد
وهن يركبن الباصات إلى الحقل
لجني القطن وقبلة من عاشق
مدينتي السمراء
 لاتعرف النوم
صيفها سهر حتى ساعات الفجر
ودلاء قهوة وعتابا وموليّا
وصنّارات الصيد
المترامية على خاصرة الخابور
كل شيء يتدفق بعذوبة
حين يكون القلب
رغيفاً شهياً
من تنور جزيرة الكرم والجود
بنات مدينتي
كفوف مخضبّة بحنّاء الحصاد
سنابل عشق القرية
هبرية تغازل جدائل الشمس
دفء سوالف  الحارة
ماء البير الفرات
شتلات ريحان على شرفات الليل
وعتبة باب لايغلق
الحسكة مدينة الجود والكرم
الفسيفساء النقي في لوحة الوطن
الجوع ..الوباء...العطش
وسيلة الأوغاد
لمحاربة نقاوة قمحك
هل تموت العتابا  وسوالف الأرض عطشاً
وخائن باع شرفه يرقص طرباً.
========================

زقزقة عصافير الصباح
قصيدة
وأنا اشتهي قطعة حلوى
بعيداً عن مفردات اللغة
وكلمات الشعراء
جسور المعاني
والمجاز

قطعة شوكولا
تغدو معها الحروف سلسة
بمذاق قبلة فتاة عالقة بين الآجام
 تزيل النباتات بمنجل
لتسلك طريق الحرية

صباحي مرّ المذاق
وأناملي صبّارة أبت أن تزهر
تخدش قلب القصيدة
كلما لامس جسدها أصبع

صباحي لايكتمل بأغنية
بفنجان قهوة
رغم اغراءعبق الهيل
وفقاقيع الرغوة
كسمراءتخلّت عن ثيابها للبحر
وتدثرت بزبد
عالق بين شفتيّ موجة
====================

برداً وسلاماً
...................
لست ممن تستهويه الأطلال
والوقوف باكية العينين
لم تكن تلك المائدة لي
كانت العشاء الأخير
لطيور راحلة

أخطأت
حين نثرت بذوري بوادٍ
غير ذي زرع
ابتلعها  و  ابتلعني 

أنا  لا أجيد أدوار الرثاء
مذ غادرت الوطن
أسعى في مناكب الأرض
تحفُّ  بروحي  ملائكة
حتى  أصل   السكينة

أنا من سلالة نزعت قلوبها
فما  بين  ضلوعي  حجر يستكين
لا أركض  وراء   أوهام
و  لا  أسافر  بمدن من ورق
تطير  عند اول هبّة ريح

أنا المشبعة بحكايا الموت
لم  يعد   أي  جرح  يؤذيني
و  الدماء   قد  ملأت حارات وطني
في كل بيت شهيد
لم   تعد  تلسعني نيران بعد
و  لاتحرقني شرارات فقد
برداً و سلاماً على قلبٍ ..
يعانق غربته و  يمضي
=================
يسألني
ما الذي أراه في بلاد الغربة؟

أرى مدناً تعج بالخوف والكمامات
شوارعَ جريحة تئن من الوحدة
رصيفاً يتكىء على كتف الطريق
يتجاذبان أطراف الحديث
غلاء الأسعار
وفواتيرَ متراكمةً على رفوف القلب

هنا بحرٌ بلا شاطىء
مراكبُ بلا أشرعة
نوارسُ بلا أجنحة تحلّق عالياً
وحين تبصر عاشقاً وحيداً
تغدو جناحاً بحجم مظلة
تهديه ظلاً

هنا الغضب والهدوء
وشاطئٌ وحيدٌ مطلٌّ على شرفة الجنون
عيونٌ تعانق خريطة العالم
ترسم بالمقل بحراً ومركباً للمغادرين

هنا رسائل معتقة بالشوق
تنتظر أن تنمو لها أجنحة لتطير
بعد أن خذلتها الرّيح

هنا ضحكاتٌ تعانق شهقة الموت
نساءٌ منحنيات على ماكينة
 أصابعهن تسابق الإبرة
حتى  تنغرز باللحم
 لتلتصق مع قطعة القماش
يسيل دمها  أرغفة
وأفواهٌ فاغرة تنتظر قضمة

هنا رجالٌ ونساءٌ ولغاتٌ متعددة
يتحدثون بالعيون
بعد أن قيدت ألسنتهم كمامة
وصافرة الشرطة

هنا أنا وأنت
رسائلُ في زجاجة مرمية في بحر النسيان
قلوبٌ من زجاج
تقذفنا أمواج الغربة نحو صخور الشاطىء
لنتناثر شظايا
تُرى
شظايا القلوب هل تجرح أقدام العابرين ؟
=============================

النهاية/ أسْدِلَ السِّتار/
................
شاعرة فاشلة أنا
لا أجيد سرد الحكايا
رسم ابتسامة على شفاه الصباح
رجم شيطان الشعر  بحصوات
استفزه لينهض من سباته
ليكمل رحلة الغواية
أوسوس في أذنه
 أن شياطين الأرض قد سبقوه
لوليمة العهر

شاعرة فاشلة أنا
لا أجيد السباحة في بحور الشعر
أغرق في أول شطر
وتضيع مني قافيتي
لذا انثر بذور كلماتي في حقل الغام
لتتكاثر أشجار الدهشة
كلما انفجر لغم وتطايرت الأشلاء
ألسنا أحياء أموات

شاعرة فاشلة في الحب
لا أتقن نصب الفخاخ
رش رذاذ عطر على الكلمات
دعك خدودي بتويج ورود حمراء
ألوّن وجهي كحرباء
أقتني أقنعة تناسب الحفلات
لا قطيع يقبل الأختلاف
أنا كما أنا
لن أكون كما القطيع يشاء

أنثى فاشلة أنا
لا أجيد صبغ الشفاه باللون الأحمر
برد الغربة كفيل ب الازرق
وليله كحل لعيون عانقت أرق الشاطىء
كفي بحيرة لطيور عطشى
وكتفي وسادة لرأس وحدتي
ملابسي فقدت ألوانها
باهته كشرشف سريري
ستائر غرفتي
وجه شمسي الخريفية

امرأة أعيش بعقل جدتي
لايستهويني رقص التانغو والسلو
مازال مزمار القرية يسكنني
ودبكات الشباب والصبايا
تهز ساحة قلبي
وقرع الطبل يستفز ذاكرتي
المشبعة بخبز التنور
ومناسف الأعراس
وصياح الديك معلناً يوماً جديداً

شقية متمردة
منذ طفولتي
أرسم قوارباً بلا أشرعة
أرميها في البحر وأقول سيري
طيوراً بلا أجنحة
انثرها في السماء وأردد طيري
ألم يقل لنا معلم الدين
/إنَّ الله على كل شيء قدير/
/ وإذا قضى أمراً فيقول له كن فيكون/
فيا رب بقدرتك سيكون
==============================

في مهب القدر
.......
كل هذا الجفاء هل كان مقصوداً؟
المسافة الطاعنة بالسن
الغياب الملثم بالألغاز
شتاؤك البارد على شرفات القصيدة
قلبي ووجع الليل
وأنت تحرق حقول القصب
لتغتال نايات قلبي المثخن بك
ولأن دمي أزرق
صيرني شراعاً في بحر قصيدة
لايأبه لريح عنادك
هل نفد طين الله حين خلقك
حتى غدوت حجراً
لاينفذ إليه مائي
رطوبة أشجاري
قطرات ندى صباحاتي
المترامية على طول حقول جسدك
قل لي
كيف تنجو أناملك
من كل هذا الشوك الذي تنثره
حتى سال دم طفل يحبو في قلبي
مازال ينتظر سكاكر العيد من يدك
==========================

أكره الأصابع
كل المدن  التي مررت بها
أخذت مني جزءاً
 وهي ترفع أصبعها الوسطى
في وجهي
مجرد رقم بقدمين
يجوب طرقاتها العاهرة

مازالت خمسة أصابع
تحفر أخاديداً عميقة على خدي
حين تجرأت
وصرخت حرية في وطن الأقفاص

وأصبع ضخم كعمود
يلوّح أمام عيني كبندول الساعة
أن أرجع

وحدها أصابع امي كانت حنونة
وهي تضمد جرحي
======================/=

كوابيس سنبلة
...........
أكنس عن وجه الصباح
غبار القلق
حديث جدار أبله
ترقب النافذة
أرق الباب
وكآبة المقبض

ألملم بقايا دمع
التصق بوجه الوسادة
أهديها لغيمة عابرة
لتمطر أكثر
لتغسل شوارع الموت
وأخبار المجاعة من ذاكرتي

أرتب فوضى سريري
أعيد للشرشف توازنه
أمسّد تجاعيده
أنفض عنها كوابيس الخوف
رعشات السنابل امام فم منجل

كلها أمل بعصفور ينقر قلبها
يحمله بعيداًحيث غابات الجوع
لتلد تنوراً وخبزاً

الشمس
نسمات الصباح
رقصة ستائر غرفتي
ابتسامة النافذة
لشعاع يتسلق حافتها
توّرد وجنة الأوركيد
دغدغة النسيم لخاصرتها
ضحكة غنج
كلما غمر وجهها بقبلة

هل تستمتع شفاه الصباح بقبلة
حين يكون الهدف حضن بحجم وطن
=========================




أحد عشر نصا للشاعرة السورية سلوى إسماعيل Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 15 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.