ثم أعترف...بقلم فدوى حسن / مصر



ثم أعترف...
............
ناولتُها جوازَ سفري من تحت الحاجزِ الزجاجي
المرأةُ الشقراءُ ذات النمشِ البنيِّ والشعرِ القصير
حفرتِ نظرةُ عميقةً في ملامحي
نظرتْ سريعًا لطيّةِ نقابي المقلوبٍ أعلى جبيني
سألتْني من الميكرفون
أحكمتُ وضعَ سماعةِ الأذنِ جيدا
ضعطتُ زرَّ الترجمةِ:
-  فدوى ... "تعرفين أنَّ في حياةِ كلٍّ منا حدثًا لا تعودُ الحياةُ بعده كما كانتْ..
اكتبي لي بكلِّ صراحةٍ عن هذه اللحظةِ في حياتِك"
جلستُ على الطاولةِ الزجاجيةِ
لأكتبَ إجابةً روتينيةً
لكني تذكرتُ
أني عاهدتُ نفسي أنْ ابدأ حياتي الجديدةَ صادقةً
قلت:
ُسأكتبُ لها عن لحظةِ وصولِ بريدِ السفارةِ
وأشرحُ  كيف غيَّرتْ هذه الرسالةُ مجرى حياتي
لكنْ
كيف لي أن أكتبَ عن حدَثٍ باء بالفشلِ؟!
هم رفضوا في النهايةِ طلبي للهجرةِ
قالوا:
" إنَّ ملامحي تُمثّلُ تهديدًا مباشرًا للضفةِ الثالثةِ  لنهر سان لورانس"
........
اذنْ
هناك أحداثٌ اخرى مهمةٌ،
مثلا
سأكتبُ..
عن رجلٍ جزائريٍّ
جاور مقعدي في طائرةِ دبي
تعارفنا وتحدثنا في كلِّ شئٍ
وفي نهايةِ الرحلةِ
وضع مكعبً السكرِ في كوبِ الشايِ
قال وهو يتأمَّلُهُ يذوبُ
- هكذا هم العابرون في حياتنا-
كنتُ أظنُّه يقصدُ طعمَ  السكرِ الحلوِ
لكنه كان يتأملُ اختفاءً قطعةِ السكرِ
بلا أثرٍ
كالعابرين
...........
على أيةِ حالٍ
هناك حَدَثٌ أهمُّ من كلِّ ذلك
لحظة إعلانِ فوزي بجائزةِ الدولةِ التشجيعيةِ
.......
لكني لم أفزْ ابدا بأيّةِ جائزةٍ
ولا أعرفُ سببًا لذلك
كلُّ مُحَكِّمي الجوائزِ في حالةِ عداءٍ مسبقٍ معي
ربما لأنَّ أشعاري تُذكِّرُهم بأفكارهم الهاربةِ
او ربما لأني لم أحضرْ ندواتٍ أو حفلاتِ توقيعٍ
 ولا أجلسُ في التاسعةِ مساءً على مقهى وسط البلد
كنتُ أتجنَّبُ المصائدَ الكبرى
خوفًا على قطةٍ بريئةٍ
تُصاحبُني في كلِّ مشاويري
وتجنُّبًا لهبوبِ عاصفةٍ ترابيةٍ
تغبٍّرُ وجوهَ هؤلاءِ
الذين يحوَّلون نقاشًا حول قصيدةِ النثرِ
الى صراعٍ حول شرعيةِ ارتداءِ النقابِ
وعلاقةِ ذلك بثقافةِ النفطِ
كان يُؤلمُني ذلك جدا
وأعودُ لبيتي أبكي
حتى التاسعة صباحا
لذا
لم أفزْ ابدا بأيةِ جائزةٍ
وحين أفكرُ عميقا
أجدُهُم محقين
فهل يُعْقلُ ان تشتري بئرًا
قبل أن تتذوق عذوبة مائه؟!
السماسرةُ فقط يغامرون بذلك
هل يعقلُ أن نُمَجِّدَ غيْبًا؟!
نعم...
انا أفعلُ هذا
أعبدُ الله
دون
 أن
 أراه.
ثم أعترف...بقلم فدوى حسن / مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 01 يوليو Rating: 5

هناك تعليقان (2):

  1. عيد00966591460092 عندي واتساب

    ردحذف
  2. نص كعمق البحر يحتاج لقاريء جيد اقصد غواص ماهر ليغوص للاعماق ليلملم و يصطاد كل الرسائل المقصودة منه و جني ثمار غرس طيب

    ردحذف

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.