حَبق الطفولة..عاطف معاوية / المغرب

 حَبق الطفولة

(إلى جدتي، ارحيمو أملوك) 

لا تتركيني وحيداً يا جدتي

في هذا النفق الطويل

أراقب مصير الليل

أراقب وقت الألم . 

خلف نافذتنا

غيمتان

بحيرتان

شجرتان

حمامتان

ورائحة ليمون الفجر البعيد، 

وأنا مقوس

أغسل بدمي ألمي

وما بقي من وجع النايات، 

ما بقي من مصير يشبهني

تحت صيد الليل،

تحت مصباح بعيد يحرس العتمة من التيه.


لم يكن لحزننا

بيتٌ يا جدتي

كي نستريح من برد ألمنا

من عقارب وقت الوجع، 

كانت ساعتنا العاطلة ، الفارغة تشبهنا.. 

أما أيامنا المسروقة

نراها ليلا

تهرب منا، بعيداً .. بعيداً

ونرى منديلها الملطخ بغابات حسرتنا واحتضارنا.

في يديك يا جدتي

رائحة ورد يسرع

وعش بلاد لن يصيبها السوء ، بالسوء . 


لا تتركيني وحيداً يا جدتي.

فإنني لا أخاف الموت، 

وأخاف الظلام، 

لا أخاف المكان

وأخاف الزمان، 

لا أخاف الضوء

لكنني أخاف الانتصار !

والانتصار اسم آخر للموت،

للظلام، للزمان، وللحنين، 

فليعد ضوء النهار يا جدتي

لنزرع في حبق طفولتنا

زهر الندى

بحر قديم

عطر الفراشة

ولون أبي المفضل،

يدا أمي، قلبها.. 

لنزرع الحب وحقائب العودة ،

ولنرسم خريطة تفاصيلُها

سِرب حمام

سِرب سلام .

لنرسم الموت الكبير على رمالِ شاطِئِنا

ليفيض البحر ويسخر من موتِنا .. 


لا تتركيني وحيداً  يا جدتي 

لأنهم يسمونني جداراً، 

ويسألونني، حين لا أجيبهم. 

لا تتركيني وحيداً 

فظلي الأسود مائل، لا يجيد رسم ألمي 

ولا يجيد النوم بجانبي، يتيهُ

بلا أثر 

واسمهُ، لا يشبهُ اسمي ..! 

فمن سيرجعنا يا جدتي 

إلى موتِنا الأول ؟ 

حيث تتسع أحلامنا كحديقتنا 

من يدفن أرضنا ؟

حتى لا يتأخر الشتاء هذا العام

ولا يكبرُ آلامُنا 

مثلنا ، مثل البحر .. 


أيها الموت الذي فينا 

لا تنسى عنادي الأول

أمام ضوئك المكشوف

لا تنسى رائحة دمي الحمراء 

ولا تنسى نصرنا، عزيمتنا، هزيمتك

وساعة البكاء ،وخريف عمر يداك

لا تنسى أن تقول للنساء ، للنجوم، للشوارع القديمة 

وللذين لا يعرفونني :

" انتصرتُ بخمس ثقوب "

وإن لم يصدقوك فليسألوا إبرة الجراح المنكسره. 

فليصدقوا نافذة ليست داخلي، 

تُدخل أصابعها لترى قسوتك

ووردة تدخن ما تعثر من صوتي

ما سقط من فتات أحلامي من ألواني . 

انتصرتُ بأصابع تغسل وجهي

تخبئ عطرها بأنفي وتزرع ماء الصلاة  على وجهي

لكي لا تجف غيماتي 

لكي لا يعود موتي من كآبة الأقدار


أيها الموت الذي فينا

ارسم على ترابك اسمي واسم جدتي

واترك سنابلنا تعلو 

واترك أغانينا تمضي 

من عبث. 

كم يكفينا من موت

لنصير عصافيراً لا تخاف الجفاف ؟

كم يكفينا من موت 

لننسى ربطة عنقنا على سرير حناجرك ، أبوابك ؟

فاختر أيهما يناسبكَ استعارةً، وامْضي. 

كم يكفينا من صلاة لكي لا نكبر، لا نتذكر،

ولا نصير بومة الشؤم ؟ 

كم يكفينا من عمر لنبقى أطفالا، صغارا ؟

نرسم القمح ولا نزرع

نرسم الماء والهواء ، ولا نشرب، لا نغرق 

كم يكفينا من حياة لكي لا نتعب ، لا نموت ؟ 

لا تتركيني وحيداً يا جدتي 

فالموت، لا يتمهل  

لا يتمهل... 

وعمر الحبق قصير قصير . 


عاطف معاوية.



حَبق الطفولة..عاطف معاوية / المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 16 أبريل Rating: 5

هناك تعليق واحد:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.