يدي التي اخترتها ...بثينة هرماسي / تونس

 نص قديم احبه

——————

في أوّل مصافحة لي بالكتابة وأنا طفلة ..

 قالوا لي:

- امسكي القلم باليد اليمنى !

و هيّا اكتبي ! 

الف، باء... تاء...خاء.. 

واحد، إثنان ، ثلاثة، أربعة..

أمسكت القلم بيد مضطربة ..

و نظرت للكرّاس بعين وجلة ..

كتبت باليمنى 

 تراءت لي حروفي باكية  حائرة ،

فجافيتها ..

كتبت باليسرى ،

 فَلاحت حروفي باسمة ضاحكة،

فابتسمت لها ..

ولما انتهيت و قلت لهم:

 - هذي يدي التي اخترتها ..

و هذا خطّي .. و هذه الورقة ..!

 ضحك أبي ..

 و غضبت  أمّي ..

 و قالت لي  :

ويحك يا بنتي !

 مَن تكتب بيد شولاء ،

لا تنفع أن تكون زوجة صالحه !

و في المدرسه :

تفطّن معلّمي إلى أمر يدي ..

 فعاقبني ..

و قال :

- اليد اليسرى خرقاء !

ضحك رفاقي و ردّوا ساخرين ..

- و كلّ العُسُرِ أغبياء !!

مقتُّ الكتابه ..

وحين  كتبتُ في المدرسة ..

كتبت حروفا، منقلبة..

    مائلة ..

     منحدرة..

        حزينة ..

        منكسرة ..

          ..

تفاقم خوفي من نفسي ..

ومن عسر فهمي لغيرِي ...

 تيبّس ذهني ...

تكلّس حرفي ...

  أصابني داء الديسلاكسيا

 Dyslexie 

 وأضحيت أكتب

 بيد عرجاء  ممتعظة ..

ُاغيّرها يمنى إذا مرّت أمّي ..

وأعود ِليسرايا بمفردنا ..

أعود لها بحنّ   ووجل

وكل ارتياع..

كبرت وأنا أخفي

تلك يدي الكاتبة ،

و أحجبها ..

و كبرتْ معي  تلك اليد

 مغتاظة منّي،   ومنزعجة ..

مات معلّمي ،

  وراح الرفاق ..

وراح الصّبا ..

تغيرت أمّي ..

و تغيّر بخلدها

 معنى الزّوجة الصالحة ..

وقال أبي:

 - لا تعبئي  ..

 و اُكتبي يابنتي  !

ضممت إلى قلبي 

طويلا يدي ..

فخاطبتني

- تعالي معي ! 

 وخاطبتني 

- هيّا اكتبي  !

كتبت .. كتبت ..

و رحت اخطّ

باصابع وجعي 

لا بِيَدِي ..

رأيت حروفي نجوم ربيع ،

تشعّ طريقي وتحضنني ..

رأيت نوارسا ..

تحلّق عاليا على أسطري ..

جنّحت بلفظي !!

جمحت به ..

 ..

 شططت به عن كلّ  سرب 

وعن كل  سبر

عريت حسّي ..

وشلّحت بؤسي ..

وجمحت به على جبن

حبري  

و  تأتأة يدّي

وقلت لنصّي ..

- كن جانحا لا مهتدي ..

كن جانحا !!!!!! 

     لا مهتدي !!!

                           بثينة هرماسي