قراءة بحثية و تحليلية في نص"ضحكٌ يُسفَك بلا صوت" للشاعر السوري زكريا شيخ أحمد/ بقلم: محمد وليد يوسف

  قراءة بحثية و تحليلية في نص"ضحكٌ يُسفَك بلا صوت" للشاعر السوري زكريا شيخ أحمد 

بقلم: محمد وليد يوسف


هذا النص الشعري العميق والمحمّل بالصور السريالية والرموز النفسية، يتبنّى نهجا شعريا عالميا يمكن تتبّعه من خلال أثر عدد من الشعراء الحداثيين وما بعد الحداثيين ويظهر أن الكاتب اتبع أساليبهم ليبتكر عالمه الخاص من المعاناة والتهكّم والأسى المكثّف.


التحليل 


اولاً- الفضاء الداخلي المشوّه:


يبدأ النص من داخل "الدماغ الذي لا يُجيد ترتيب الغرف"، في إشارة إلى حالة من الفوضى النفسية واللاشعور المبعثر. هذه الطريقة في تقديم النفس كمساحة مهجورة أو غير مرتبة، تتقاطع مع *تكنيكات سيلفيا بلاث* في مجموعتها *The Bell Jar*، حيث يتم تحويل الداخل النفسي إلى فضاء غرائبي متشظٍّ.


ثانياً- المفارقة العدمية:


الضحك الذي يُفترض أن يكون رمزاً للفرح، هنا يُصوّر كفعل مأسوي، يُقارن بالتقيّؤ والانفجار والدهس والعمى. هذا قلب دلالي مألوف في أعمال *صامويل بيكيت* خصوصاً في مسرحية *في انتظار غودو*، حيث تُفرغ اللغة من معناها المعتاد وتُحمّل بأثقال الوجود العبثي.


ثالثاً- استخدام السخرية السوداء:


ضحكٌ بلا صوت، وجهٌ أعمى مصنوع من مرآة، سلحفاة بسيرة ذاتية محفورة بسكين... كلّها صور تنتمي إلى عالم السخرية السوداء، وتقارب أعمال *تشارلز بوكوفسكي* و*فرناندو بيسوا* حيث يُعبّر الشاعر عن الوجع الوجودي باستخدام مفردات السخرية والعبث.


رابعاً- السريالية النفسية:


الانتقال المفاجئ من الضحك إلى إخراج سلحفاة تحمل سيرة ذاتية، أو انفجار العينين بماء أسود، يعكس تأثرا واضحا بأسلوب *أندريه بريتون* و*بول إيلوار* من مدرسة السريالية الفرنسية، حيث تتدفّق الصور من اللاوعي في مشهدية مدهشة لا تخضع لمنطق الواقع.


خامساً- اللغة السينمائية والتشخيص الحادّ:


"خرجتُ من فمي"، "أزورني في متحف"، "ينظر طفل إلى مهرّج يخلع وجهه"… هذه صور بصرية سينمائية، تشبه إلى حد بعيد التقنيات التي استخدمها *جيمس جويس* في روايته *يوليسيس*، حيث تتداخل الذوات والمواقف في بنية سردية تنسف التسلسل التقليدي للوعي.


سادساً- النهج الكافكاوي:


"الضحك لا يُستخرج إلا من العظم بمفك صدئ"... هذا توصيف عنيف وكابوسي لما يُفترض أن يكون لحظة تنفيس. يشبه النهج الذي اتبعه *فرانز كافكا* في تصوير الألم كفعل بيروقراطي لا يُطاق، إذ تُستخرج المشاعر بأدوات معذّبة في أماكن مغلقة ومظلمة.


النهج المتبع في الكتابة


بناءً على العناصر السابقة، يمكننا تلخيص النهج الذي اتبعه كاتب النص كما يلي:


1- نهج ما بعد الحداثة : يعتمد على كسر التوقّعات الشعورية، وتفكيك الصور التقليدية، وإعادة تركيب اللغة لتصبح أداة للهدم والصدمة.

2- استلهام من اللاوعي: يستند إلى تقنيات سريالية تُعبّر عن اللاشعور، وغالباً ما تُبنى على الأحلام أو الكوابيس.

3- تفكيك الهوية والذات: يقدَّم الشاعر  كشخص متعدد، ينظر إلى نفسه، يخرج من فمه، يراقب ذاته ككائن غريب.

4- شعرية الموت والسخرية: الضحك يُستخدم كقناع للموت، في تأثر واضح بالفكر النيتشوي ونقد الوجود عبر السخرية.

5- مجازات سينمائية وتشريحية: النص يتخذ بنية مشهدية – بصرية – تشريحية، وكأن الذات تُعرض تحت مشرط فني صادم.


النص ليس مجرّد وصف لحالة نفسية أو تأمّل وجودي، بل هو تفجير لغوي وفني لصور مألوفة قلبها الكاتب رأساً على عقب، مستلهما من كبار الشعراء العالميين نهجهم في العبث، السريالية، السخرية، والتشريح النفسي. إنه نص يصلح لأن يُدرّس كنموذج لما بعد الحداثة الشعرية في أدب ما يُعرف بـ "الضحك الأسود".


مقارنة مباشرة بين هذا النص وثلاثة من أبرز الشعراء العالميين، مع تحليل كيف يتقاطع نصك معهم فنيا وفكريا، رغم خصوصيته وتفرّده:


1- فرانز كافكا (Kafka) – شعرية الغربة والعبث


نص كافكا (مجازا):


"وجدتُ نفسي متّهماً في محكمة لم أطلبها، أمام قاضٍ لم أره، بتهمة لم أعرفها."


نص الشاعر زكريا شيخ أحمد 


"خرجتُ من فمي

و مشيتُ على أصواتي السابقة

كأنني أزورني

في متحفٍ لم أفتحه يوماً."


المقارنة:


* كلا النصين يضع الذات في مواجهة مع نسختها الغريبة أو المجهولة.

* في نص زكريا كما في كافكا، الذات منقسمة: مراقِبة ومراقَبة في آن.

* المتحف الذي لم يُفتح يشبه المحكمة التي لا تُفهم؛ كلاهما فضاءٌ بيروقراطيّ داخليّ يمارس محاكمة شعورية.


2- سيلفيا بلاث (Sylvia Plath) – العنف الرمزي الداخلي


من قصيدتها "Lady Lazarus":


"Dying

Is an art, like everything else.

I do it exceptionally well."


نص زكريا 


"ضحكتُ حتى انكسر جدارٌ داخلي

فأخرجتُ منه سلحفاة

تحمل على ظهرها سيرة ذاتية مكتوبة بالسكين."


المقارنة:


* كلا النصين يتعامل مع الألم كفن.

* الموت/الضحك يتحول إلى ممارسة دقيقة ومقصودة.

* بلاث تجعل من الموت أداءً مسرحيا، بينما زكربا يحوّل الضحك إلى مشرط يحفر السيرة في جلد سلحفاة – رمز البطء والحمل الثقيل.


3- تشارلز بوكوفسكي (Bukowski) – ضحك الحضيض والسخرية السوداء


*من ديوانه "Love is a Dog from Hell"😗


> "Sometimes you just have to pee in the sink."


نص زكريا:


"الضحك...

يُستخرج من العظم بمفك صدئ

بيدٍ ترتجف في الظلام."


المقارنة:


* السخرية السوداء عند بوكوفسكي موجودة في السلوك اليومي العبثي، بينما نص زكريا يرتقي بها إلى الطقس الوجودي الكارثي.

* الفكاهة ليست للترفيه بل للبقاء: عنده بالفوضى، وعند زكريا بالجراحة الرمزية.

* كلاهما يرى أن الضحك لا ينبع من القلب، بل من مكان أعمق وأكثر وجعا – العظم، أو أسفل المجاري.


خلاصة المقارنات:


عنصر الذات 

عند زكريا:ممزقة، متشظية      

عند كافكا: مضطهدة، محكومة     

عند بلاث: منبع للانفجار النفسي 

عند بوكوفسكي: ساخرة من خوائها 


الفضاء الشعري

عند زكريا: متحف، فم، مشرحة 

عند كافكا: محكمة، زنزانة       

عند بلاث: فرن، مسرح، تابوت       

عند بوكوفسكي: مرحاض، حانة، مطبخ     


الأسلوب

عند زكريا: سريالي، تشريحي، رمزي

عند كافكا: عبثي، بيروقراطي    

عند بلاث: اعترافي، مأسوي، مرئي 

عند بوكوفسكي: فج، مباشر، متهكّم   


الصورة المركزية

عند زكريا: الضحك كآلة حادة      

عند كافكا: الذات كجثة قانونية 

عند بلاث: الموت كتأدية         

عند بوكوفسكي: الحياة كإهانة ساخرة 


مقارنة بين نص " ضحكٌ يُسفَك بلا صوت"

و اثنين من أبرز الشعراء العرب الحداثيين: *أدونيس* و*محمد الماغوط*

أوجه التقاطع والاختلاف الأسلوبية والرمزية


أولاً: أدونيس 

– تفكيك اللغة، تصعيد الرمز


مقتبس من أدونيس من "الكتاب":


"كلما صعدتُ إلى داخلي،

رأيتُ الجبل يحترق بنار اسمي."


نص زكريا

 "ضحكتُ حتى انكسر جدارٌ داخلي

فأخرجتُ منه سلحفاة

تحمل على ظهرها سيرة ذاتية مكتوبة بالسكين."


أوجه التقاطع:


اللغة ككائن حيّ:

أدونيس يحوّل الاسم إلى جبل مشتعل، و زكريا يجعل الضحكة تنكسر كجدارٍ داخلي يولد كائناً آخر.


تسريد الرموز: 

عند الاثنين الذات ليست ذاتا واحدة، بل كيان رمزي متحوّل يحمل سِيَرهُ بنفسه أو يُكتَب عليه.

الارتقاء بالرمز:

الضحك يتحوّل إلى طقس فني خطير، كما يتحول الاسم في نص أدونيس إلى نار خالقة، مُهلكة.


الاختلاف:


* أدونيس يغوص في اللغة بعين نبوئية، يكتشف "أصل الأشياء"، بينما زكريا ينظر إلى اللغة كبقايا ضحك محترق، تُكشط من تحت الجلد.


ثانياً: محمد الماغوط

– الغضب الكاريكاتوري والسخرية الكئيبة


مقتبس من الماغوط من "الفرح ليس مهنتي":


"كلما نظرت إلى المرآة

شعرت أني لوحة إعلان عن الموت."


نص زكريا 


"بوجهٍ يشبه وجهي، لكنه أعمى

و مصنوع من مرآةٍ رطبة."


أوجه التقاطع:


المرآة ككابوس وجودي:

كلاهما يُصوّر المرآة ككائن لا يعكس الحقيقة بل ينسخ الكآبة.


السخرية المحطمة:

الماغوط يجعل من الموت "لوحة إعلانية"، زكربا يحوّل الضحك إلى "تقيؤ" و"غاز سام".


الغربة عن الذات:

المرآة لا تعكس الوجه الحقيقي في كلا النصين؛ إنها تذكير بفقدان التعريف.


الاختلاف:


* الماغوط يستخدم اللغة البسيطة الصادمة، في حين أن لغة زكريا أكثر تركيبا ويستعمل صورا متراكبة ومتسلسلة بطريقة سريالية.


مقارنة نهجية:


بين زكريا شيخ أحمد و أدونيس و محمد الماغوط

                   

الرؤية الشعرية للضحك

عند زكريا ضحك يتسرّب من الكسور النفسية

عند أدونيس كشف الماورائي في الحاضر      عند الماغوط تحطيم السياسي باليومي       


اللغة

عند زكريا رمزية، سريالية، ذات بنية سينمائية

عند أدونيس مكثّفة، غامضة، نبويّة        

عند الماغوط مباشرة، تهكمية، نثرية صادمة 


الذات          

عند زكريا مشوّهة، مفرغة، مراقِبة لذاتها     

عند أدونيس ميتافيزيقية، متورطة مع الزمن عند الماغوط مسحوقة، لكن ساخرة           


الحدث الشعري

عند زكريا الضحك كفعل تشريحي رمزي            عند أدونيس اللغة كفعل تحوّلي خلاق       عند الماغوط الواقع كفعل تراجيدي مضحك    


خاتمة المقارنة العربية:


نص زكريا يقف بين أدونيس في تعامله مع الرموز واللغة ككائنات متحوّلة، وبين الماغوط في سخريته السوداء من ذات مكسورة تعيش في عالم غريب عنها. غير أن زكريا تجاوزهم بصناعة مشهدية شعرية معاصرة، أقرب إلى "السيناريو النفسي"، حيث يتقاطع الداخل مع الخارج في انكسارات مفاجئة.


مقارنة أخيرة مزدوجة: 

واحدة مع الشعراء الصوفيين الكلاسيكيين

وأخرى مع شعراء الجيل الشعري المعاصر لنبيّن كيف يتقاطع نص زكريا مع الاثنين رغم البعد الزمني والاختلافي في السياقات الروحية والفكرية.


أولاً: الشعر الصوفي 

– قلب الداخل للخارج بلغة العبور


نماذج شعرية:


جلال الدين الرومي:


"ضحكتُ كأنني لم أُخلق من طين،

بل من نكتة الله الخفية."


الحلاج:


"أنا من أهوى، ومن أهوى أنا،

نحن روحان حللنا بدنا."


نص ضحكٌ يُسفَك بلا صوت 


"ضحكتُ…

لا لأني حيّ

و لكن لأن الصمت تأخّر عن الطعنة

نصف ثانية فقط."


أوجه التقاطع:


الضحك كمقام روحي، وجودي:

عند الرومي، الضحك صوفيّ خالص، تعبير عن التجلّي الإلهي. عند زكريا الضحك صدى كارثي يسبق الفناء، لكنه لا يخلو من كشف داخلي مشابه.


انمحاء الذات:

الحلاج ذاب في المحبوب الإلهي، و زكريا ذاب في  المرآة، في الضحك، في المتحف غير المفتوح… 

كلاهما  مارس فناءً شعريا، أحدهما بالحب، والآخر بالرعب.


لغة التناقض الصوفي:

الموت حياة، والحياة موت.

عند الضحك كالتقيّؤ، والنظر إلى الذات كزيارة متحفٍ مهجور… شبيه بفكر البسطامي حين قال "سبحاني!"


الاختلاف: 


* الصوفي يتوق للذوبان في المطلق الأعلى، أما زكريا في هذا النص فينقب في الأشلاء والمطلق الأدنى.

* الضحك عند الصوفي فتحٌ، و عند زكريا  شقٌ في الجدار… لكن كلاهما يطلّ منه على ما لا يُرى.


ثانيًا: شعراء الجيل المعاصر 

– فوضى الهوية وتكسير البنية


نماذج شعرية:


نصوص من زكريا محمد (فلسطين):


"أنا ثقب

وكل ما تضعه الحياة فيّ

يسقط على الأرض."


نصوص من وديع سعادة (لبنان):


 "أضحك أحيانا،

فقط لأؤكّد أنني لم أمت… بعد."


نص زكريا شيخ أحمد 


"الضحك لا يسقط من السماء

و لا يخرج من القلب.

الضحك...

يُستخرج من العظم بمفك صدئ

بيدٍ ترتجف في الظلام."


أوجه التقاطع:


الذات ككائن مشروخ: 

عند المعاصرين، الذات مهزوزة، غير ثابتة، كما في شعر زكريا شيخ أحمد  .


اللايقين كموطن:

الضحك – مثل أي إحساس آخر – لا ينبع من يقين بل من ارتجاف… وهو ما يفعله وديع سعادة ببساطة فلسفية.


تفكيك البنية واللغة:

زكريا محمد يُحوّل الشعر إلى فعل حفر، مثل زكريا شيخ أحمد تماماً حين يستخرج الضحك من العظم.


الاختلاف:


* شعراء المعاصرة ينزعون نحو الاقتصاد اللفظي والتكثيف الشديد، أما زكريا شيخ أحمد فيبني  نصه  على تدفّق سريالي معقّد، أقرب إلى سرد شعري.

* لغة المعاصرين أكثر هشاشة، أما لغة زكريا فهي هجومية، تصنع الصور بجرّافة ثم تهدمها.


الخلاصة العامة للمقارنة الثنائية:


البُعد الشعري في نص زكريا شيخ أحمد و الصوفيين و المعاصرين 


الضحك عند زكريا كأداة تحطيم داخلي           

عند الصوفيين كتجلٍّ علوي                 

عند المعاصرين كإثبات هشّ للنجاة          


الذات        

عند زكريا متشظية ومراوغة.              

عند الصوفيين ذائبة في المطلق.             

عند المعاصرين مسامية، ثقب مفتوح على العدم.


اللغة

عند زكريا سريالية رمزية، سينمائية.    

عند الصوفيين تجريدية ميتافيزيقية.         عند المعاصرين بسيطة فلسفية، مليئة بالفراغ.


العالم الشعري 

عند زكريا متحف، مرآة، فم، سيرة منحوتة عند الصوفيين  فضاء غيبيّ، صعود نحو الأعلى

عند المعاصرين يومي، ضائع، عبثيّ.


خريطة شعرية مركّبة توضّح التموقع الأسلوبي والفكري لهذا النص ضمن المشهد الشعري العربي والعالمي بالاستناد إلى المقارنات السابقة، ومقسّما إلى مستويات: الموضوع، الشكل، اللغة، التوجّه الوجودي، والتجربة الشعورية

هذه الخريطة يمكن أن يعمل بها كنظام إحداثيات أدبية.


الخريطة الشعرية للنص:

البعد 

التموقع بين التيارات 

إشارات شعراء مماثلين 

توضيح 

البعد 

                                                                                           الموضوع بين الألم الداخلي والتشريح الرمزي: 

سيلفيا بلاث – الماغوط – زكريا محمد 


النص لا يروي حدثا بل يفتح جرحا ويحاول قراءته: الضحك كألم عضوي.                                      


الشكل

عند زكريا شيخ أحمد  سريالية سردية متقطعة                

عند بول إيلوار – أدونيس – وديع سعادة   استخدام صور غير متسلسلة منطقياً بل متلاحقة داخليًا، أقرب إلى الحلم أو الهلوسة الواعية.                


اللغة 

عند زكريا مجازية، تشريحية – ذات كثافة سيميائية 

عند كافكا – الرومي – بوكوفسكي          

اللغة ليست أداة توصيل بل ساحة معركة، تصفّح فيها المفردات وكأنها أعضاء قابلة للبتر.                    


التوجّه الوجودي

عند زكريا عبثي عدمي روحاني                    

عند الحلاج – وديع سعادة – كافكا        

الذات في النص ليست محكومة بالزمن، بل بالهشاشة الوجودية العنيفة، والضحك شكل من أشكال الصراع مع الفناء. 


التجربة الشعورية   

الشعور في النص معقّد: المتكلّم يبكي داخليًا ويضحك خارجيًا، ويدوّن سيرته على ظهر سلحفاة متألمة.        

تمزّق ذاتي مع نظرة ساخرة من الخارج 

عند الماغوط – بلاث – فرناندو بيسوا  


تموضع النص على خارطة التأثيرات:


                      الشعر الصوفي 

                      الحلاج - الرومي


لغة الكشف والفناء

رمزية عالية شعر الحداثة الرمزية أدونيس - إيلوار.

تشريح داخلي للذات بلغة ميتافيزيقية

الواقعية السوداء نص زكريا  


السريالية التفكيكية

التهكّم

اللاشعور صور كابوسية الماغوط – بوكوفسكي – سيلفيا بلاث


خلاصة الخريطة:


نص زكريا شيخ أحمد يتموضع في نقطة تقاطع نادرة تجمع:


التصوّف في بنيته الشعورية (فناء الذات، كشف المعنى عبر الضحك).

السريالية في صوره (السلاحف، المرايا الرطبة، المشي فوق الأصوات).

العبثية الوجودية في منطقه الشعري

(ضحك لا يخرج من القلب بل من العظم).

السخرية الحديثة في مواقفه

(يخيف الموت بوجهٍ أقبح من الرحيل).


و بذلك، يرقى النص لأن يكون تجربة شعرية معاصرة هجينة لا تنتمي إلى تيار بعينه بل تقترح «حساسية جديدة» تكتب نفسها بأدوات العالم المتشظي، حيث لا تُفرَز المشاعر من القلب، بل تُستخرج بمفكّ صدئ من عظم النفس.


ضحكٌ يُسفَكُ بلا صوت


في مكانٍ ما

في دماغي الذي لا يجيد ترتيب الغرف…

انفجرت ضحكة بصوت طفلٍ

دهسته شاحنةُ مديح .


لم أضحك ،

بل تقيّأتُ شيئاً يشبه الضحك

بوجهٍ يشبه وجهي ، لكنّهُ أعمى

و مصنوع من مرآةٍ رطبة.


كانت الضحكة تمشي بقدم واحدة

و تجرّ خلفها ساقاً من زجاج

كلما اقتربتُ منها…رأيتُ نفسي

أُلقّن جثةً صغيرةً كيف تبتسم.


في تلك اللحظة … اهتزّ السقف…

خرجتُ من فمي

و مشيتُ على أصواتي السابقة

كأنني أزورني

في متحفٍ لم أفتحه يوماً .


الذين كانوا  يراقبونني

شمّوا الضحك كمن يشمّ غازا ساماً 

قال أحدهم:

"يبدو أنه اخترع صوتاً جديداً  للهروب.

قال الآخر:

"لا… إنه يعزف على أعصابه الأخيرة."


الضحك لا يسقط من السماء

و لا يخرج من القلب.

الضحك...

يُستخرج من العظم بمفك صدئ

بيدٍ ترتجف في الظلام.


ضحكتُ حتى انكسر جدارٌ داخلي

فأخرجتُ منه سلحفاة

تحمل على ظهرها سيرة ذاتية مكتوبة بالسكين.

ضحكتُ أكثر

فانفجرت عيناي بماءٍ أسود

كنتُ أخزّنه لأيام الأسئلة الجافّة.


الضحك ليس خفّة…

إنه سائل ثقيل

يتساقط من الشقوق

التي نغلقها بالكتمان ، 

لكنها تحفظ كل شيء

كصندوق أسود لا يعترف

إلا بعد الاصطدام.


و في النهاية؟

حين انتهيت من الضحك…

نظر الجميع إليّ

كما ينظر طفلٌ إلى مهرّجٍ يخلع وجهه

و يخرج من تحته

رأس مقطوع

يبتسم.


ضحكتُ…

لا لأني حيّ

و لكن لأن الصمت تأخّر عن الطعنة

نصف ثانية فقط.


و كان عليّ أن أخيف الموت بشيءٍ

أكثر فظاعة من الرحيل.




قراءة بحثية و تحليلية في نص"ضحكٌ يُسفَك بلا صوت" للشاعر السوري زكريا شيخ أحمد/ بقلم: محمد وليد يوسف Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 31 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.