لقد كبرت يا أمي بقلم مصطفى الحناني المغرب
كنتُ جرحا في أوصال رحم أمّي
أنزف ركلا ورفسا ،
وقبل خمسين عام
رأيت
كيف استعصى على جدّتي قطع حبلي السري
فنزف من عيوني دم أخضر
قطرة
بقطرة
الدم الأخضر خاصية الألم
و الدم الأحمر خاصية العدم
أعرفهمَا
كما تعرفت علي أمّي داخل كيس السونار
قبل ظهور جهاز الكشف للموجات المافوق صوتية
سمعت أمّي تقول لأمها في عجب :
هذا لعمري ذكر مارد أتعب ظهري وأصابني بغثيان شديد ...
أحس
وكأن أحدًا ما ..
يخلع
أضراسي من دون خدر
يقبض
أحشائي بعد لفها حول كفّ ضخمة
ثمّ ..
يديرني ،
كما تدار عجلة بسرعة مجنونة في طريق لا متناهي الوصول
( كنتُ أصغي للحديث ، وكلما قالت أمّي عني شيئا .. أرسل لها إشارة برفس بطنها ...)
بعد خمسين عام أو يزيد
مازلت أحفظ تأوهات أمّي منذ أيار اللعين
إلى آخر صرخة ببداية كانون
كانت كومة القمح دافئة
حولها وجوه نساء من دهشة القفز البري
قطعة غريبة تزن ٢٤٥ غراما بالتمام والكمال
تجعل من حبات القمح زوبعة
كأنها
الموج الهائج وقت العاصفة
فمن يعيد الكومة لسابق عهدها ..؟؟
تسأل
امرأة جاراتها لحظة غاصت القطعة في غياهب الكومة ...!!
وداخل روحها آثار ما زرعه قلق سؤال التكوين من خوف وألم ...
و ما اقترفه خروج صرختي المفاجئ من شقوق في مرايا الصمت الطويل
ها أنا كبرت يا أمّي ..
وما من أحد يلملم أطراف صرختي
أو ،
يسألني ..
كيف كبرتُ ، وجبتُ كل هذه المدن ...؟؟
وما زال
سؤال حلم قطعة اللحم النحيفة من دون إجابات ...
ها أنا كبرت يا أمّي ..
وما كبر الصوت في حنجرتي المبحوحة تعبًا من تكاثف الرسالات
الصوت الجارح ،
كموّال أغنية العراق الحزين
كيف سينجح في تركيب مفردة واحدة
ليقول ملء الهواء المتبقي :
كم كنتُ أحبّك يا أمّي ..
وها
أنا المدين لكومة القمح
أحمل بين أناملي الرقيقة الجافة
ألف اللغة وباء الكلام
لكن
هذه الأبجدية تنزلق من بين شقوقها
كزئبق ينكمش في عمق جرح
ويعيد الصوت بصفعة خاطفةٍ
لبداياته الأولى ...
كبرتْ ، يا أمّي ..
تلكم القطعة النحيفة
برأس
مقطوعة
ملفوفة
في ورق عنب الدوالي ..
أصبحت ،
كومة موائد مثخنة بأسئلة الألم .
لقد كبرت يا أمي بقلم مصطفى الحناني المغرب
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
25 فبراير
Rating:
ليست هناك تعليقات: