رحلة حب قصيرة بقلم نورا الناطور سوريا





جمعَ القدرُ بين رجل ٍوامرأة على مقعدٍ واحد في قطارٍ متجه نحو بلدة مجاورة.
أعيى المرأة رفع حقيبتها إلى الرف العلوي للقطار، فأبدى الرجل رغبته بمساعدتها في رفع حقيبتها إلى جانب حقيبته.

انطلق القطار من المحطة نافثاً زفرات المسافرين وحكاياهم المسلّية التي أثاروها منذ انطلقت رحلتهم، والتي ستمتد إلى ست ساعات. فأرادوا كسر دقائق وقت السفر الثقيلة بأحاديثهم الشيقة.

بدأَ الرجلُ بمحادثة المرأة كالعادة من باب اللباقة رغم عدم قناعته أن اللباقة تصلح مع جنس حواء! فسألها عن وجهتها وما سبب سفَرِها، وهي بالتالي أظهرت لطفاً في ردودها على أسئلته رغم إيمانها أن الرجال عموماً كالذئاب حتى لو ارتدوا جلود الخراف! 
كانت تجربة كليهما مع الشريك قاسمة للظهر، فلقد عانى الرجل ماعاناه مع مُطلّقتِه في الماضي، وهي عانت الكثير من غدر حبيبها أيضاً. لكن الرحلة طويلة والحياة تتطلب منا بعض اللين أحياناً.

انجذبَ كل منهما إلى الآخر وتحول حديثهما إلى استلطاف من نوع آخر! إن بدأت الحديث بصوتها أكمله عيناها الجميلتان وما تحملانه من حزن مغلفٍ بالصبر. وإن أجابها هو، فإجابته أتت مكفكفة للدمعة الغارقة بين جفنيها، والنائمة على شفتين اصبحتا على شكل هلال يكاد أن يأفل نوره من الحزن.

اقتربا من بعضهما أكثر، وراحا يقدمان لبعضهما الشطائر وما يحملانه من بسكويت مناصفة، لم يقبل أحدهما أن يستأثر بالقطعة لوحده، حتى كوب العصير اشتركا به ليرويا عطش قلبين أزهرا بنظراتهما وابتسامتهما دون أن يشعرا بمرور الوقت سريعاً. لم يعتاد الوقتُ أن ينتظر أحد أراد لحظة فرح بصمت وهدوء، لذلك هو دائماً في سباق مع الفرح لكي يغلبه.

أطلق القطار صفارته الدخانية موقفاً حلماً جميلاً مازال في بدايته.
عادا للحزن ثانية كما كانا ولكن بطعم آخر، فهذا النوع من الحزن الذي يجعلك تتألم دون أن تدري لماذا.
ناولها حقيبتها وأخذ حقيبته ونزلا في المحطة وفي نفس كليهما رغبة بالبقاء أكثر فمن يبدأ بطلب البقاء أولاً؟ راحا يحدثان نفسيهما.

تخطيا المحطة، والنظرات المسوّرة بالحيطة والحذر هي المسيطرة على المشهد بينهما!  فالرجل عادت إليه أنفته ثانية، والمرأة عانقها الحزن من جديد ومضى بها بعد أن ودعا بعضِهما البعض.

بعد أن ابتعدا عن المحطة، أدرك كل واحد منهما أنه أخذ حقيبة وحاجيات الآخر دون أن ينتبه، فلقد كانت الحقائب شديدة الشبه. حاولا البحث عن رقم يصلهما ببعض، لكن الحقائب ذات اللحظات السعيدة مشهورة بإضاعة العناوين والصور. فما كان منهما إلا أن توجها بشغف نحو المحطة ثانية، وكل واحد منهما يبحث عن حاجته في نفس الآخر.
رحلة حب قصيرة بقلم نورا الناطور سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 22 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.