عاشور ولد الخياطة بقلم نورهان الطشاني ليبيا


الحاجة سليمة تنادي ابنها عثمان 
قائلة : تعال ألحق ياعثمان مراتك تجيّب شوف جارتنا القابلة تفاحة خليها تلحق المراة .
عثمان : هيّا هيّا يمّي توا نجيبها مانيش متأخر .
القابلة تفاحة : خير شنو في
الحاجة سليمة : زاهية تولد و كان ولدت ولد نعطيك اللي تبيها
القابلة تفاحة : مانبي شي غير انسميه على بوي الله يرحمه .
بعد ساعة تخرج القابلة تفاحة و الزغاريد تملأ المكان تقطع الزغاريد قائلة " جاك عاشور ياعثمان جاك عاشور ، مبروك عليكم عاشور " .
عاشور طفل من جنوب ليبيا ، والدته زاهية الخياطة مرأة في الثلاثين من عمرها كانت تعيش في مدينة بنغازي قبل أن تتزوج عثمان و تنتقل معه إلى مكان سكنه ، أنجبت زاهية خمس فتيات حتى قدم عاشور .
بعد خمسة عشر سنة و في ظهيرة يوم الأحد تقول الحاجة سليمة وهي تعدّل في جلستها بعدما فرغت من صلاتها : من يوم ما توفى عثمان و نا خايفة على حال عاشور ، الوليد مش عاجبني الأيام هذينا .
تفزع زاهية قائلة : غير كنه ياعمتي رااه يقعد كاسرلك شي حاجة في الحوش .
الحاجة سليمة : ياريته كسر شي حاجة خير من قعدته احذاك ديما ، الله الله يازاهية مانبيش الوليد يتعلم حركات الصبايا ، خليه يطلع للشارع ويلعب مع العويلة برا ماعنده مايبي قاعد حذاك و أنتِ تخيّطي للصبايا .
زاهية : حاضر ياعمتي .
ذهبت زاهية إلى حجرة الخياطة فوجدت عاشور جالسا هناك أمام مكنة الخياطة
سألت زاهية عاشور : فيش إدير ياوليدي
عاشور : مانديرش في حاجة يمّي غير نبي نتعلّم الخياطة
زاهية : لايمّي رد بالك تقول الكلام هظه قدّام جدتك بعدين ياما إدير ، هيّا سلّم وليدي عدّي ألعب مع أصحابك .
غادر عاشور الحجرة وهو متذمر من كلام والدته ، خرج من البيت وهو يخبئ شيئا ما في معطفه ، وجد أطفال الشارع يلعبون بقطعة بلاستيكية يرمونها بأقدامهم على أنّها كرة قدم ، وفي نهاية الشارع ثلاث فتيات يرددن أغنية واحدة و يلعبن بالحبل ، نظر إليهم وهو حزين بطرف عينيه وابتعد عنهم سريعا .
توقف عاشور عند النخلة ووجدها هناك ، فتاة سمراء نحيلة ، ترتدي وشاحها الأحمر و الذي كان ينسدل على كتفيها ، أشار إليها بالسلام و اقترب سريعا منها وهو يخرج شيئا ما من معطفه ، بدأ بالحديث أولا و بالرغم من أنه كان يشعر بالكثير من الخجل قال : نورية شوفي شن جبتلك
نورية و بهمس خفيف وصوت يكاد أن يسمع : شنو جبتلي
عاشور : هظا وشاح خيّطته لك أنا
نورية : الله كيف سمح ياعاشور .
أخذت نورية الوشاح الأزرق بخفة من بين يدي عاشور ثم ذهبت سريعا مع غروب الشمس .
مرّت الأيام و لم يأبه عاشور بتوبيخات جدّته و أمّه بل كان يصرّ دائما على مراقبة والدته و هي تخيط الثياب بل لم يكتفي بالمراقبة فقط ، كان عاشور يستيقظ كلّ ليلة ليجد نفسه أمام مكنة الخياطة ، لا يكفّ عن المحاولة في خياطة فستان أحمر لنورية .
كانت زاهية والدة عاشور تسأل دائما عن سبب اختفاء الأقمشة حتى بدأت تراودها الشكوك حول عاشور .
يستيقظ عاشور في احدى الليالي الدافئة من أجل أن يكمل فستانه الأحمر ولكي يهديه إلى الجميلة نورية و ما إن بدأ بوضع لمساته الآخيرة على الفستان إلا وتدخل الحاجة سليمة حجرة الخياطة .
ينهض عاشور مسرعا عن مكنة الخياطة فتتقدم الحاجة سليمة نحوه و دون أن تنبس بكلمة واحدة تصفعه على وجهه .
في صباح اليوم التالي يخرج عاشور من المنزل دون أن يتناول وجبة الأفطار ، تخرج زاهية خلفه منادية إياه بـ تعال هنا وين ماشي
الحاجة سليمة : خليه ماهوش صغير
عاشور الطفل الرجل ، جميل الوجه مثل أمه ، طويل القامة عريض الكتفين ، خرج يحدّث نفسه و يتمتم بغضب ، يتذكر صفعة جدته و مكنة الخياطة و الفستان الأحمر ؛
رجع عاشور إلى المنزل ووجد أمه زاهية تبكي ، انحنى عليها وهو يربّت على ظهرها قائلا : شن صار .
زاهية وهي تجهش بالبكاء : جدتك ياعاشور تلوم في تبي تاخذ مكنة الخياطة والقماش ، تبيك راجل الحوش و راجل الحوش عمره مايكون خياط ياوليدي هي خايفة عليك وعلينا ، تبيك تكون سند و عون لي ولخواتك .
عاشور : يمّي نا نبي نساعدك في الخياطة ، تعلمت كل شيء منّك ، خليني اندير حاجة انحبها يمّي ، خليني نساعدك مش عيب نكون خياط ، مش عيب .
احتضنت زاهية عاشور قائلة : سلّم وليدي ربي يحفظك ويرعاك ياحبيبي .
بعد عدّة أيام
عند النخلة عاشور و نورية ، يجلسان هناك يتبادلان أطراف الحديث ، يُحدث عاشور نورية عن استياء جدته كونه يريد أن يصبح خياطا ، قال عاشور : بعد نكبرو نتزوجو يانورية ، توافقي يكون راجلك خياط ولا بترفضي كيف ماجدتي رافضة !
نورية : مازال بدري عالكلام هظا بس دام أنت راجلي بنوافق حتى لو كنت بواب .
نهضت نورية وهي تحمل فستانها الأحمر وذهبت مسرعة إلى البيت قبل أن يراها أحد .
مع غروب الشمس وصل عاشور ، صُعق من الإزدحام الذي كان أمام المنزل ، الكثير من النساء و الرجال ماذا يكون قد حدث هنا ، اقترب عاشور أكثر و بخطوات ثقيلة نحو المنزل ، رأى والدته تحتضن أخواته وتبكي ، صرخ عاشور بـ شنو في يمّي .
زاهية : عطاك الله في عمر جدتك
صعد عاشور الدرج ، دخل غرفة والده ونظر إلى صورته
و هو يبكي ثم قال : تريحت يابوي خذيتها جديتي ، خذيتها وهي زعلانة منّي ، تريحت يابوي تريحت يابوي .
غطّ عاشور في نوم عميق بعدما تعب من البكاء ، استيقظ على صوت والدته وهي تطمئن عليه ، نهض عاشور وهو يتصبب من العرق و يهذي بـ جدتي زعلانة منّي يمّي ، ياريتني اعتذرتلها ، ياريت مازعلتها ؛ تربّت والدة عاشور على ظهره و هي تحاول تهدئته قائلة : بسم الله عليك ياوليدي ماتقولش هكي هذي الدنيا ، كلنا ماشيين للموت ، جدتك مش زعلانة منك ، أمس ماوقفتش وهي تسأل عليك واتقول كنه تأخر عاشور حتى دارتلك الخبزة اللي أنت تحبها و جابتلك مكنة خياطة جديدة وكانت بتعطيها لك بعد اتروح .
عاشور وهو يمسح عن دموعه : وينها المكنة
زاهية : في حجرة الخياطة جنب المكنة القديمة
ذهب عاشور مسرعا شعر أنه يطير لا يركض حتى وصل إلى الحجرة ، فتح الباب ونظر إلى صورة جدته المعلقة في المنتصف و إلى المكنة الذهبية الصغيرة و التي استقرت تحتها مباشرة ، جلس أمام المكنة و رائحة جدّته تملأ المكان ثم بدأ بالخياطة مثلما أراد دائما أن يكون عاشور ولد الخياطة .
قمت بإلتقاط الصورة للطفل منذ عام تقريبا .

عاشور ولد الخياطة بقلم نورهان الطشاني ليبيا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 28 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.