صنعة الرواية بقلم شوقي الصليعي تونس





                    الوَاقعيّة النقديّة

                        للمؤلف بيتروف:

- الفصل الأول : جُذور الواقعيّة النقديّة.
     
من بين القرنين 15 و 18 ارسيت المبادئ الفكرية للواقعية النقدية وأسُسها كمنهج فنّي. تجاوز مرحلة الاقطاع / بعد ان طرحت النهضة مقولة الانسان والمجتمع، بدل اللاهوت وصارت الاناسية تقوم مقام الروح. وبذلك كان الاساس الفكري لفن الواقعية.
انجلز: العصر الحديث قد بدأ بالعودة الى الاغريق.
كان استيعاب الارث الفني الاغريقي الروماني من اهم عوامل بروز الواقعية في عصر النهضة. الاختلاف بين الهة الاغريق والرومان الذين يعانون الشقاء ويشبهون البشر وبين لاهوت القرون الوسطى الذين لا تتحرك ذرة في الارض الا باذنهم.
- يقول هيجل: ان شخصيات الالياذة شخصيات انسانية متنوعة بتعدد وجوه الطبيعة الانسانية.
علاقة الواقعية بالادب الشعبي الاوروبي من حيث اللغة والادوات الفنية والتقطيع الشعري. وتقوم الواقعية على اساس علمي عقلاني. في مسرحية هنري الخامس يقول اسقف كانتربري: زمن العجائب ولّى ويجب البحث عن اسباب كل ما يجري.
 وتعتبر واقعية شكسبير هي قمة واقعية عصر النهضة. تصور الانسان كائن مستقل عن القوى الغيبية.
بروز الدراما الروائية البرجوازية الجديدة التي تهتم بمحيط البطل ووضعه الاجتماعي.
وكان ليسينغ مدافعا عن الواقعية ضد التزييف التراجيدي الكلاسيكي. بتجسيدها مجمل الطبيعة الانسانية وليس الرائع منها فقط.
رواية فيلدينغ بعنوان تاريخ توم  جونز تعتبر قمة الواقعية التي تلمس اخلاق عصر الكاتب دون ان تلمس التناول التاريخي للظواهر. لذلك كانت واقعية القرن 19 واقعية تاريخية. وصار التاريخ هو صانع التقدم.
يصور انجلز التاريخية الرومنتيكية بانها ذات فهم نظري للمشكلات لكنها عاجزة عن التطبيق. وجدت الواقعية التاريخية تعبيرا في الادب العالمي في مؤلفات والتر سكوت. باتحاد الفن مع الحياة وجعل التاريخ وسيطا بحسب تعبير بيلينسكي. رغم كون البعض يصنف سكوت ككاتب رومنتيكي.

- الفصل الثاني:

             نشوء الواقعية النقديّة وقيامها كاتجاه أدبي

يشيع بشكل واسع أن الاداب الاوروبية قد مرّت بالمراحل التالية الاتباعيّة ويطلق عليه أيضا الكلاسيكية. ثم العاطفية. ثم الرومنتيكية. ثم الواقعيّة.
1/ الكلاسيكية:
الكلاسيكية مذهب أدبي، ويطلق عليه أيضاً "المذهب الإتباعي" أو المدرسي وقد كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطية الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي. أما في عصر النهضة الأوروبية، وكذلك في العصر الحديث: فيقصد به كل أدب يبلور المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والحق والجمال "وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعية" وهذا المذهب له من الخصائص الجيدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على فصاحة اللغة وأناقة العبارة ومخاطبة جمهور مثقف غالباً والتعبير عن العواطف الإنسانية العامة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية وتوظيفه لخدمة الغايات التعليمية واحترام التقاليد الاجتماعية السائدة
: ؟Sentimentalism2/ العاطفية...
تشير العاطفية إلى النهج الفلسفي الذي تقوم به حالتنا العاطفية بدور حاسم في قدرتنا على صياغة وفهم الأحكام القيمية، لا سيما الأحكام الأخلاقية والجمالية. يسعى هذا التيار إلى تسليط الضوء على أهمية عواطفنا ومشاعرنا في علاقتنا بالقيم، معارضة للعقلانية التي تصر أكثر على أهمية العقل.

 3/ الرّومنتيكية:

 كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي: - الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادىء الرومانسية ، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام. - التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرومانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة. - تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود. - الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي تُعد بالنسبة لهم قيوداً. - الاهتمام بالطبيعة، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو. - فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ، فذّ الخُلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخُلُقية. - الإبداع والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها. - الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيَشان العاطفة  - الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية..
 4/ للواقعيّة -  3 تيارات هي:
الواقعية النقدية "المتشائمة". الواقعية الطبيعية. الواقعية الاشتراكية.

أما خصائصها فيمكن أن نجملها بما يلي:

- الانطلاق من الواقع الاجتماعي والطبيعي من خلال الارتباط بالإنسان وصراعه مع هذا الواقع، فالكاتب الواقعي ينزل إلى الواقع ويستمد منه موضوعاته وحوادثه وأشخاصه، وبصرف النظر عما سوى ذلك من المثاليات والخياليات، فما يعنيه هو الأمور الواقعة التي يعيشها الإنسان ويعانيها.. الإنسان المشخّص الحيّ الذي يضطرب في سبل الحياة والمعيشة، والذي هو المحور الأساس في الواقعية، وليس الإنسان المثاليّ المجرد الذي كان محور الكلاسيكية، ولا الإنسان المنعزل الهارب من المجتمع الذي كان محور الرومانسية..
 في انقلترا وضع شكسبير ورواية القرن 18 اساس الواقعية في الادب الانقليزي قبل الرومنتيكية بكثير. وترجع الى عصر النهضة في روايات الشطار التقاليد الواقعية للادب الاسباني... دونكيشوت. وفي فرنسا اتت الرومنتيكية في اعقاب واقعية القرن 18 التنويرية. وفي ايطاليا تطورت القصة والرواية في بواكير عصر النهضة تحت راية الواقعية.
تبلورت الواقعية النقدية في القرن 19 كمنهج فني. وسلفها الاقرب تاريخيا هو الرومنتيكية. التي ظهرت على تخوم العصرين 18/19 كردة فعل فكرية وادبية لعدم رضى  طبقات اجتماعية شتّى على نتائج الثورة البورجوازية وعن قيام نظام رأسمالي بورجوازي. ممّا مهّد السبيل للنزعة النقديّة للادب الواقعي ودعمها وعلى نقيض الكلاسيكية طرحت الرومنتيكية حقيقة الحياة.
 قال شليغل:  الشعر الرومنتيكي وحده كالملحمة يمكن ان يكون مرآة كل العالم. وانعكاسا للعصر. فهي تنتقد العقلانية الكلاسيكية لعصر التنوير الذي يؤمن بالانسان المثالي العاقل وعدم عنايتها بالفروق القومية التاريخية القائمة بين الشعوب. لكنّ ما تطمح اليه الرومنتيكية قد قامت الواقعية بتحقيقه. وبهذا الصدد كتب الروائي غوغول يقول:
- ما هذا الذي يسمونه رومنتيكية.؟
 البطل الموهوب في العمل الرومنتيكي دوما في صراع مع المجتمع. فمجالها عالم الانسان الروحي الداخلي والاعماق العميقة للنفس..كما يقول بيلينسكي. وعمادها الفانتازيا والحدس والحلم. والتضاد البسيكولوجي مما اغنى التجربة الواقعية التي استفادت من هذه الموضوعات التي نقّبت فيها الرومنتيكية. تجلت مأثرة الرومنتيكية في كشف الدور الذاتي في الانسان اذ لعبت دورا مهما في تطوير الواقعية كمنهج فنّي. وخاصة الرومنتيكية التقدمية التي طورت في الانسان حب الفعل والشعور بالمسؤولية. ولقد اشاد الروائي مكسيم غوركي بهذه الرومنتيكية التقدمية. في حين البطل الواقعي يكتسي طابعا تاريخيا واجتماعيا ملموسا.أعطت الغنائية الرومنتيكية فن الواقعية في القرن 19 حرارة وحمية كانتا تنقصان الواقعية التنويرية المشبعة بعقلانية باردة جافة.
ترفض الرومنطيقية القيود الشكلية الخاصة بالكلاسيكية. التي تمتاز بصفاء الرؤية وسعيها لوضع قواعد محددة للتصوير الفني للحياة. لكن الواقعية تجاوزت ذلك باساسها الفلسفي والجمالي بما لا يقاس. فتحول دور الفن الى تجسيد وتحليل للواقع وليس تجسيد الذات. يقول بيلينسكي اسقاط حق الفن في خدمة المصالح الاجتماعية يعني ان تحط من قدره وتفقده طاقته الحيّة.
 اثرت نظرية الواقعية التي صاغها النقد الديمقراطي الروسي بعمق على التطور الابداعي لمعظم الكتاب الروس الواقعيين في النصف الثاني من القرن 19 وكذلك على تطور الواقعية في الاداب الاوروبية الغربية، بشكل غير مباشر عبر اعمال ديستوفسكي وتولستوي وتورغنيف. وقد قام كل من ستاندال وبلزاك رغم اختلافهما بترسيخ الواقعية في الادب الفرنسي.
 اعجب بالزاك بشكسبير وهو يعتبر والتر سكوت معلمه. يتسم منهج بلزاك الواقعي بالشمولية والحتمية الاجتماعية والبسيكولوجية والتاريخية في تصوير الانسان والمجتمع. فيصور ابطاله في تحولاتهم الكبرى بين الريف والمدينة من خلاف الوسط الذي يعيشون فيه. اشار ماركس وانقلز الى ان فكر بلزاك قد دخل في عمق العلاقات الاقتصادية لطبقات المجتمع المعاصر له. وبلزاك القائل: قل لي ماذا تملك لاقول لك بما تفكر. وكان بالزاك واقعي يميل للرومنتيكية وكان ستاندال واقعي يميل للكلاسيكية. وفي فرنسا اطلق للمرة الاولى مصطلح واقعية الذي صار فيما بعد مصطلحا عالميا. فمن حيث الارضية الفكرية العامة يعتبر الاعتراف بالواقع كامر موضوعي قائم بمعزل عنّا ومتطور حسب قوانينه الخاصة الاساس الفلسفي للواقعية.
 إن الواقعية كمنهج فنّي هي عكس الواقع من خلال العدسة الفكرية للفنان. لكن ليست كل عقيدة فكرية صالحة لخلق فنان واقعي. بل هي العقيدة المستندة للمعرفة العلمية. ومتفقة والمعرفة العقلانية. وبدون الاقتراب من الفكر الفلسفي لا يمكن للكاتب ان يصل الى تلك الخلاصات الحياتية العميقة التي نجدها في الفن. فقد الحق اعلان زولا ان الفلسفة ليست من عمل الكاتب بل عمله كتابة بروتوكولات الحياة، ضررا بواقعيته. فمن الفلسفات التي اثرت بالواقعية مثالية هيجل الموضوعية ومادية فيورباخ الانتربولوجية ووضعية كانط.
في عصر الرومنطيقية اصبح الفن تجسيدا للعالم الداخلي لشخصية الانسان ذاته. فلم يفصل الرومنتيكيون بين الفنان وعمله.. وكانت حرية الارادة لديهم تعارض المعايير والقواعد العقلانية الكلاسيكية...وكان لهذه الحرية ان تخضع من جديد لا للقواعد بل لقوانين تطور الواقع ذاته... ومن اجل تطور الواقعية كان يجب ان يستقل الفنان عن بطله وينظر اليه كنتاج واقع موضوعي.
يشير بلينسكي في معرض حديثه عن رواية ليرمنتوف ** بطل من هذا الزمان** الى ان كل شيء فيها نابع من شخصيات ابطالها وفق قوانين الضرورة الصارمة وليس وفق ادارة المؤلف التعسفية. كذلك فهم زولا افعال كل بطل كتطور منطقي لشخصيته. وهكذا تكون موضوعية التصوير الشرط الاساسي للواقعية في الفن. حيث تلعب الذاتية دورا خلاقا ومؤطرا دون تعسف. فليس الكاتب مصورا فوتوغرافيا بل مبدعا. تتجلى قيمته في اعادة الانتاج الفني.
واقعية تولستوي وديستوفسكي لم تمنع الابطال راسكولنيكوف ونيخلودوف في رواية البعث... والجريمة والعقاب من الخروج عن المنطق الواقعي.......فتنحرف موضوعية التصوير لصالح الفكر الرجعي الطوباوي وبدت نماذج الثوريين الذين لم يفهمهم تولستوي اضعف فنّيا....وهكذا تضعف الافكار الخاطئة من قوة الواقعية حتى لدى اكبر ممثليها.
يقول انقلز:
 ان الهدف يجب ان ينبع تلقائيا من الجو العام للعمل من حركته ولا يجدر ان نشير اليه ونؤكده. ويضيف تولستوي ان شخصية الفنان لا يجب ان تعرب عن نفسها مباشرة من خلال صور وحركة العمل الفني لكن انما تلك التي نحس بها في كل شيء. فافضل الاعمال هي التي نحس فيها الفنان كانما يحاول اخفاء نفسه. فلوبير يرى ان حب الكاتب لشيء ما يحول دون تصويره بشكل موضوعي. ولا ننسى ان سعي بعض الكتاب الطبيعيين الفرنسيين الى الحيادية ساقهم الى ذاتوية متعددة بحسب التيارات المختلفة للفن البرجوازي.
 ونواجه في بعض الاعمال الواقعية الكلاسيكية تدخلا مباشرا من قبل المؤلف في شكل تأملات. مواعظ مناجاة في المطالع الاستهلالية لفيلدينغ والاسترسالات الوجدانية لبوشكين وغوغول وتأملات تولستوي في الحرب والسلم. وكل هذه الاشكال المباشرة لا تخرق موضوعية التصوير اذا وجدت المبرر الفنّي.
فحيث هناك الماضي التاريخي على الذات ان تتقهقر لصالح الموضوعية الصرفة. فالفنان الاصيل لا يضحي بالواقع من اجل افكاره المحبوبة. خاصة اذا كان الواقع التاريخي تفصله عن المؤلف حقبة زمنية كبيرة. وهذا الاشكال وضّحه هيغل في كتابه علم الجمال. عندما طرح السؤال التالي: هل يجب على الفنان أن ينسى عصره ويهتم فقط بنقل واقع الماضي. ام هو ملزم بان ياخذ في اعتباره عصره وشعبه وان يعالج موضوعه على ضوء السّمات الخاصة بعصره. وقد انتهى الى ضرورة عدم التطرف في هذين الاتجاهين. فالاولى تتوجه نحو الرومنطيقية والنمط الموضوعي الصرف افضى الى تطور النزعة الطبيعية في الرواية التاريخية الاوروبية في النصف الثاني من القرن 19.
ربط الماضي بالحاضر هو مطلب تاريخي وغير متعارض مع الضرورة الموضوعية لان الفن لم يخلق من اجل النخبة الضيقة بل من اجل دائرة واسعة من الشعب. يدل تاريخ الادب ان الواقعية تنطلق مما هو كائن وليس مما يجب ان يكون فلا تفرض مثلها على الواقع بل تاخذ منه... ثم بعد ذلك تستوحي ما هو واجب لمثلها الجمالي الاعلى. بتجسيد مفهوم الانسان والاناسية لذا كانت هذه نقطة مشتركة يدّعى جميع الكتاب الواقعيين الاعتراف بان الانسان اكمل واغنى مخلوق في الطبيعة. وهو الاداة الرئيسية للتقدم التاريخي. فالانسان مؤهل ليكون طيبا وحكيما لكن الظروف اللاانسانية تفسده وتشوّهه اخلاقيا. وبذلك تكون الاناسية اساس المذهب الاعلى الجمالي لفن الواقعية.
يعتبر بوشكين مؤسس الادب الروسي الحديث. حيث يتسم التيار الواقعي بخصائصه النقدية للواقع. فاعتبر تشيرنشيفسكي غوغول اب الواقعية النقدية في روسيا. فكان الهدف الاساسي في * المفتش*  و* الانفس الميتة * نقد الواقع الاقطاعي العبودي. وكانت روح النقد والاحتجاج قائمة ايضا في التيار الرومنتيكي ضد البرجوازية الراسمالية. لكنه لم يكن على اسس علمية كما هو الحال لدى الواقعيات والواقعية النقدية.




الفصل الثالث:

       الأسس الفلسفيّة والجمالية للواقعيّة وخط تطورها:

 جذب عصر النهضة الادب صوب الحياة الواقعية الى الارض * الاثمة * في أعمال رابليه شكسبير سرفتس ففي ظل الكلاسيكية الارستقراطية ظلت الاجناس الادبية الاساسية في ظل الالهة وابطال العالم القديم. او ذات علاقة بقمة المجتمع الاقطاعي بينما وجدت الحياة اليومية العادية في ادب التحقير الفكاهي وروايات الشطار والكوميديا المرتجلة وهنا بالذات تراكمت عناصر الحياة اليومية المعاشة التي انزلت الادب الكبير من الابراج الاغريقية الرومانية.
وهي هنا بالمقارنة مع الكلاسيكية والرومنتيكية لم تقسم الواقع الى رفيع ووضيع فحيث الحياة ثمة الشعر بالنسبة لها. يكمن الاساس الفلسفي للواقعية في الاعتراف بالواقع كامر موضوعي قائم بمعزل عنّا.
كان بعض الواقعيين كتورغنيف ينزع لتثمين الجمال في الفن اكثر من الجمال في الطبيعة على اساس بسيط هو انه لا توجد في الطبيعة سمفونيات بيتهوفن ولا لوحات رفائيل ولا قصائد جوته لكنّه لا يجادل في ان الادب والفن عموما مؤهل لخدمة الحياة والانسان وتطوير مشاعر الخير والجمال في المجتمع. يقول بيلينسكي: بطل الفن والادب هو الانسان. فالمثل الاعلى الجمالي للواقعية مرتبط بمهمته المركزية التجسيد الفني لحقيقة الحياة. ويقول بيلنسكي "ما هو صادق وصحيح فهو شعبي." فالشعبية مبدأ جمالي للواقعية.
كان الرومنتيكيون أول من أدخل الشعبية في علم الجمال وتتجسد لديهم في نقل الصبغة القومية واحيانا في استخدام مباشر لصور الفولكلور وارثه الفنّي. لكنّ شعبية الواقعية تكمن في تجسيد الطابع القومي للشعب في تطوره التاريخي من خلال الصور النموذجيه لممثليه. فمقولة النموذج هي المقولة الاهم في علم الجمال الواقعي. وربما كان دينيس ديدرو اول من قال بها. ولقد اعطى بلزاك هذه المقولة معناها الحاسم. فقد راى بيلينسكي في النمذجة قانون الابداع.
التفكير الفني للكاتب الواقعي يتعارض عقلانيا مع الحدسية المثالية. يرى علم الجمال القائم على الفهم الكانطي ان العملية الابداعيى شيء لا معقول. لا يحيط به العقل....قال كانط: أما كيف يبدع العبقري عمله فهذا ما لا يمكن وصفه او الاستدلال عليه علميا. فهو هنا كما الطبيعة يعطي قانونه.
لا ينفي علم الجمال الواقعي الحدس الفني ويفرد دورا كبيرا للخيال الشعري والفانتازيا الابداعية للفنان يقول بيلينسكي: من أجل ان تصور بصدق يجب أن تقدر على تصريف ظواهر الواقع عبر مخيلتك واعطائها حياة جديدة. يقول تشيرنشفسكي: إن تاثير الفانتازيا يحدث في المادة المصوّرة تغييرا تصبح بتعرضها له تعبيرا تاما عن الفكرة وتغدو مادة جميلة ولا تبقى كما كانت عليه في الواقع الخارجي.
أشار ماركس في رأس المال الى أن بلزاك قد درس بعمق كل ملامح البخل وحلل ستاندال بعناية سيكولوجيا الحب والانماط المختلفة للشخصية. ويقول هيقل عن الفنان : يجب أن يقرن معرفته الدقيقة للعالم الخارجي بالمعرفة الحميمة للحياة الداخلية للانسان للدوافع النفسية لكل الاغراض التي يطمح لتحقيقها القلب الانساني.

  




الفصل الرّابع:

        المضمون التاريخي العالمي لأدب الواقعيّة النقدية:

نفذ الفن الواقعي بعمق الى ما لم يقدر عليه فن آخر غيره. الى اعمق اسرار الواقع الانساني واستوعب مختلف جوانب حياة الانسان والمجتمع. مجسدا في نماذج انسانية مليئة بالحياة. يقول لينين: ان الكاتب العظيم تولستوي قد طرح القضايا العظيمة للديمقراطية والاشتراكية.
 فجسدت الواقعية عصر الثورات البرجوازية وصعود الراسمالية وانحطاطها ونضال الطبقة العاملة من اجل انتصار الاشتراكية. فخلال تطور القرن 18 نسف الادب الواقعي التقدمي جذور تفاؤل العالم البرجوازي فتحول الفن الواقعي الاصيل الناشئ في معمعان كفاح البرجوازية ضد الاقطاع الى رفض العالم الذي اقامته هذه البرجوازية نفسها. وفضح الوجه القبيح لاخلاق الطبقة المسيطرة. فقد وصفهم شارلز دكنز وثاكري والسيدة برونتي... في اعمالهم كأناس متعجرفين منافقين مستغلين وجهلة. وصورت الواقعية كيف اصبح المال محرك كل القيم. معيار النجاح والفشل. في رمز البطل المستعمر الذي يمتص دم الشعوب الاخرى لفائدة البرجوازية. فغدى واضحا ان هذه الطبقة قد صارت طفيلية وعدوة التقدم الاجتماعي. في رواية ايميل زولا يتنبأ بانهيار هذه الطبقة واضمحلالها. وفي روايته "الصديق اللطيف " عرّى موباسان الاخلاق التجارية لاعضاء البرلمان والصحافة البرجوازية.
إن كانت ترجع مأثرة دخول الطبقة العاملة كموضوع اجتماعي الى الرومنتيكية... يايرون ...شيللي ...هوغو...جورج صاند....فان الواقعية النقدية بالذات صورت الطبقة العاملة في ظل الراسمالية وعالجت صراع العمل وراس المال بشكل عميق.
صور اميل زولا في روايته جيرمينال ظروف انتفاضة عمال النسيج ولم يرجع السبب الى عيوب كامنة في الوسط العمالي بل الى استغلال الراسمالية للعمال. وان ما اشار اليه ماركس وانجلز بخصوص بالزاك ومعرفته الدقيقة بحياة المجتمع البرجوازي ينطبق على الواقعية النقدية برمتها. وتجيء أعمال دستوفسكي وتولستوي كتشخيص لكل العمل العملاق للواقعية الكلاسيكية في تصوير حياة الملكية الخاصة. فكان القرن 19 عصر الثورات البرجوازية والحركات القومية التحررية المعادية للاقطاع.
تؤلف عملية"  تقزّ م " الانسان واغترابه في ظل ظروف مجتمع الملكية الخاصة الجانب الهام والجوهري في مضمون أدب الواقعية النقدية.
كان تطور الايديولوجية البرجوازية الديمقراطية الارضية الفكرية للواقعية للقرن 19 بشكل رئيسي بدأ من الاعتراف بالانسان سيد مخلوقات الطبيعة حامل العقل وخالق الحياة وانتهاء باعلان حرية ومساواة واخوة الانسان كاساس لحياة المجتمع الانساني العامل الفعلي للتطور التقدمي للادب العالمي وبالاخص للواقعية.
لكن الثورة  الفرنسية قادت الى قيام النظام البرجوازي الراسمالي وغدت مملكة العقل التي وعد بها المنورون مملكة البرجوازية في اخر الامر. مما دفع برجال الثقافة الى التساؤل عن جدوى الثورة حيث تقطف الطبقات المسيطرة بشكل رئيسي ثمار جميع الثورات المتعاقبة. وبذلك سيطرت فكرة الاصلاح والدعوة للعلم والابداع.
أظهر فن الواقعية النقدية في الغرب زولا وموباسون وفي روسيا تشيخوف وبونين.
أشار انجلز  في معرض مقارنته بين عبودية القنانة وعبودية البرجوازية ان هذه الاخيرة جلبت فكرة الحرية. التي تشكل المقدمة الاساسية لتحرير الانسان.
- السّمة العامة لمضمون الواقعية الكلاسيكية الفكري اذا هو التناقض بين المثل الاعلى الانساني للكاتب والصعوبة الفعلية في ايجاد تجسيد له في الحياة في ظروف مجتمع الاستغلال. يقول مارك توين: في امريكا الامربيالية كما في كل مكان الاموات وحدهم يملكون حرية الكلمة.
تتسم أعمال الروائيين الفرنسيين والانقليز التقدميين في القرن الثامن عشر المرتبطين فكريا بالطبقة الثالثة بالنقد الصادق المصيب للنظام القديم ولاخلاق الارستقراطيين والنبلاء هذا النقد الذي مدّ واقعيتهم بالقوة والعافية. وعندما يتطرقون الى واقع الوسط البرجوازي المحبب الى قلوبهم  تتخلل رؤيتهم نفحات التمجيد والتعاطف التي تضعف من قوة الفن الواعي وموضوعيته. فلم يعد الواقع مصدر التصوير لدى البعض بل رؤية الكاتب لما يجب ان يكون. بتجسيد المثل الاعلى الذاتوي للكاتب. يوتوبيا غوغول في القسم الثاني من الارواح الميتة. وفي الانبعاث الاخلاقي لبطل تولستوي في روايته البعث. وبهذا الشكل تصبح واقعية القرن الثامن عشر تشبه الكلاسيكية اما واقعية القرن التاسع عشر فتقترب من الرومنتيكية بتقديم البطل المحب للحرية.
كانت التناقضات التراجيدية التي لم تستطع تجاوزها الحركة الثورية الديمقراطية في الستينات 1860...والشعبوية في السبعينات. تمثل تناقضات الثورة الروسية في عهد المرحلة الديمقراطية الفلاحية من تطورها. وكانت مؤلفت تولستوي مرآة لهذه التناقضات ثم مرحلة الاصلاح والغاء نظام القنانة. ولم يؤمن بالثورة بل بالتربية والتكامل الاخلاقي الانساني. فقد كان ينقص تولستوي وديستوفسكي الفهم الديالكتيكي للجوهر الاستغلالي للراسمالية.
ترددت النغمات الاشتراكية في الادب الالماني في نهاية القرن التاسع عشر في عديد مؤلفات الكتاب الطبيعيين. هيقل.. هولتز.. هاوبتمن .. وديمبل. ومنذ مطلع القرن العشرين تظهر الاشتراكية في الادب الفرنسي. وفي انقلترا تؤثر الافكار الاشتراكية في ابداع برنارد شو...ويلز...وتقوي الزخم النقدي لمؤلفاتهما. وفي امريكا يتحول من افكار الديمقراطية البرجوازية الى افكار الاشتراكية احد مؤسسي الواقعية الامريكية وليم دين هاولز. وفي مطلع القرن العشرين يتبنى الافكار الاشتراكية الكتاب الشباب امثال جاك لندن..ايتون..زينكلر.
// لكن لم يكن تشيكوف لا ثوريا ولا اشتراكيا // وكان يقول: أقدس أقداسي هو الجسد الانساني الصحة العقل العبقرية الابداع الحب والحرية المطلقة التحرر من سطوة القوة والكذب باي شكل تجلّى.
تجلت ازمة الديمقراطيات الثورية البرجوازية في الستينات 1860والسبعينات.....وافتضح ضعف الاشتراكية الطوباوية...ولم يبق امام الكاتب التقدمي سوى طريق واحد هو ديمقراطية واشتراكية البروليتاريا الثورية. كان فن الواقعية في تفكير لينين هو صراع الطبقات في المجتمعين الاقطاعي والبرجوازي. ويقول: في كل ثقافة وطنية هناك عناصر ثقافة ديمقراطية واشتراكية. في كل أمة كادحين وجمهور مستغل.








        الفصل الخامس:
                           المنهج الفنّي

الفنّ هو انعكاس فني للواقع الموضوعي. فيجد الواقع الموضوعي انعكاسا له حتى في اشد اللوحات والصور خيالية. يقول لينين : ثمة في كل أسطورة عناصر من الواقع.
 تعتبر قضية الواقعية قضية معرفية حين يكون موضوع الحديث حول قدرة الفن كاحد اشكال الوعي الانساني على تصوير الواقع الموضوعي. فالمنهج الفني هو جزء من قضية الواقعية كاتجاه. والمنهج الفني يتسم بطابع اكثر ثبات من المضمون والاشكال الفنية. التي تتطور وتتغير بصورة اسرع. يقول لينين : إن وعي الانسان لا يعكس العالم الموضوعي فحسب بل ويخلقه أيضا. وهو يؤكد على المعنى الخلاق للفانتازيا في الفن. وحدد هيقل المنهج كبنيان متكامل فسمات منهج المعرفة تعكس سمات الموضوع. مادة المعرفة ذاتها كما هي في ذهن الفنّان. واشار ماركس الى ان الفن تمثّل فنّي عملي للعالم ويكشف الفن العالم الواقعي المحيط باقامة عالم متخيّل من قبل الفنان مشاكل للعالم الواقعي. تشكل الكلمة كأداة للقص أساس الاجناس الثلاثة الشعر الغنائي الملحمة والادب المسرحي .
قال فلوبير: الفن غير الواقع ومن الضروري في أي عمل تقوم به ان تختار بين ما يقدمه لك الواقع من عناصر. فليس سليما ان نرجع كل شيء الى حدس الكاتب ونزواته العابرة. ويقول هيقل: بدون اعمال الفكر واجراء فرز وتصنيف لن يكون بمقدور الفنان استيعاب المادة التي عليها ان يكوّنها.
كتب سالتيكوف شيدرين: قد تتاح للكاتب الذي يركز على نقطة ما رسم لوحة حادة الى حد معلوم بارزة ومتميزة. لكنها تكون في اغلب الاحتمالات ممسوخة.
أعلن ليرمنتوف أن تصوير تاريخ النفس الانسانية أعظم فائدة من تاريخ شعب بأكمله. يعتبر تكامل عكس الواقع احد شروط فنية العمل الواقعي فلا يجب ان يدخل في التصوير الملموس للعالم الداخلي للانسان وشخصيته كل شيء فهذا يناقض طبيعة النموذج الفني التي تنبني عليها الاعمال الفنية.. فيمكن للكاتب ان يرسم بعض ملامح ليرسم الوجه الحقيقي للانسان وينقل مضمونه الفعلي. يمتلك هذا التكامل مثلا نموذج الموجيك" دينيس " لدى تشيكوف في اقصوصته " مع سبق الاصرار" رغم أنّه لم يكلف الكاتب سوى لمسات خفيفة.
 اعتبر الكتاب التقدميون ان تجسيد الانساني العام في النموذج الفني شرطا لازما في اعمالهم. والنموذج هو لمسات كثير من الناس مجسدة في انسان واحد. يقول السبرغ: للمرة الاولى في الواقعية بالذات ينشأ مفهوم التطور الذاتي للشخصية أي ذلك المنطق الداخلي لها الذي يخضع له الى حد معلوم الفنان نفسه خالق هذه الشخصية. ان النظر الى سيكولوجية الانسان خارج الاطار الاجتماعي يلحق ضررا بالواقعية. فكل العالم المحيط بنا بما في ذلك الطبيعة موضوع ومادة للتجسيد الفنّي.
في حديثه مع جوته في ارفورت سنة 1808 اعلن نابليون عن استيائه من مسرحياته المعاصرة تلك التي يلعب القدر فيها دورا كبيرا قال: في ايامنا ماذا يعني القدر. انه السياسة.
 يرى زولا انه كلما كان الموضوع اعتياديا شائعا كلما كان نموذجيا. ويرى جوته ان الملاحم الشعرية تتسم بتصوير الانسان على ارضية عريضة زمانية ومكانية في حين التراجيديا تتجه صوب اعماق الحياة الانسانية الداخلية. تتجلى الشخصية النموذجية في العمل الفني من خلال مجمل الشروط والظروف التي يحدد الكاتب مضمونها واطرها تبعا للفكرة الاساسية التي يريد تجسيدها. ضمن ظروف انطلاقية اساسية. وتتصرف الشخصية ضمن تلك الظروف الى حين تبدلها شيئا ما. بقدوم ظروف جديدة. ولا تلجا الواقعية والكلاسيكية الى تصوير حالات متخيلة كالصراع بين العاطفة والعقل والخير والشر. في واقعية القرن التاسع عشر يحل التاريخ محل القضاء والقدر القروسطي.
مبدأ التاريخية في التصوير الواقعي شيء أخر غير دقة أو امانة المؤرخ  وقد يقع اشكال في تصوير سمة غير مدققة تاريخيا فان ذلك لا يخل بجوهر العمل. يتجلى مبدأ تصوير الانسان في تطور شخصيته الذي كرسته التجربة الواقعية في القرن التاسع عشر احد اشكال تجلي مبدأ التاريخية العالم. فالتاريخية نفي للجمود في تصوير الشخصية ونجد ذلك في الدراما المسرحيّة.
تستوي المدارس الادبية المختلفة كلاسيكية رومنتيكية وواقعية في نمذجة العالم والواقع من الخاص الى العام. لكنها تختلف من حيث تعميم الاسلوب الفني. والقدرة على التعميم. فالكلاسيكية تجسد العام المجرّد فقط. منزوعا من اطاره التاريخي الاجتماعي. ففنانو الكلاسيكية يعرفون الانسان ككائن مفرد. وهذا السعي الى العام قد استلهمته الواقعية لكن بدون هذه التجريدية العقلانية الخاصة. بل من خلال الاقتران بسمات رومنتيكية وكان بلزاك محقا حين راى في اعماله وفي روايات ولتر سكوت شيئا من اقتران فنّ الافكار الكلاسيكية بفن الصور الرومنتيكية. تهتم الكلاسيكية بالعام والرومنتيكية بالفردي وخلعت على ابطالها اردية تاريخية لكنها بقيت مجرّد بسيكولوجيا بعقل خارج التاريخ. فكانت اكثر حيوية من النماذج الكلاسيكية المجرّدة.
طرح الشعبيون في السبعينات مسألة الراسمالية في روسيا في مرحلة الا صلاح وانعكس ذلك في الادب الشعبوي وصورت بشكل واسع مرحلة تطور الكولاك في القرية والراسمالية الصاعدة في المدينة. وكانت واقعيتهم خطوة الى الامام مقارنة مع الديمقراطيين المنورين في الستينات في الاستيعاب الفني للواقع الروسي. كانت الرومنسية البرجوازية الصغيرة براي لينين هي اضافة الشعبويين الى التنويرية الثورية.




الفصل السّادس: مسألة الشكل الفنّي
القضايا الفنّية والاسلوبيّة.


إن مبادئ الواقعية التي اتينا على تفصيلها آنفا والمتجلية في طريقة النمذجة الفنية اي التصوير الصادق للشخصيات النموذجية في الظروف النموذجية لحيواتهم قد حددت سمة الشكل الفني للواقعية في تعميمها ظاهرات الواقع. الواقعية هي التجسيد الفني لحقيقة الحياة في اشكال الحياة الواقعية ذاتها.

لا يمكن لكاتب أن يكون واقعيا دون الكشف عن عالم الانسان الداخلي وفي علاقته السببية بالعالم الخارجي ودون تصوير افعال وعلاقات الناس في صورتها الملموسة تاريخيا وفي تطورها. لكن ليس مطالبا ان تكون صورة للواقع والفن الحقيقي لا يمكنه ان يكون نسخة بسيطة عن الواقع. فمهما كان خيال الفنان بعيدا عن الواقع فكل ما يعكسه حتى وان صور اشكالا خيالية صرفة كالشياطين والجن والعالم الاخر لن يخرج بذلك عن اطار العالم الواقعي الذي سيضفي ملامحه وسماته على عالم الخيال.

يعتبر الفولكلور( الابداعات الشعبية المتداولة شفاهيا ) وما يتميز من تشخيص قوى الطبيعة اضفاء سمات وخصائص غريبة على الاشياء والجمادات وتجسيم مملكة النباتات والكائنات الحية مصدرا ثرّا للاشكال والاساليب الفنية الرمزية منها ما يرجع للادب القديم الاغريقي الروماني بمخزونه الفني الغني بمضمون ميثولوجي. تعتبر الاساطير القديمة صياغة فنية لاواعية لظواهر الطبيعة وحياة الانسان والمجتمع. وهكذا بقيت صورة بروميثيوس في الاذهان والتصورات على مر العصور. كرمز للمناضل ضد التعسف والاستبداد من اجل حرية الناس. وصورة ايكار تجسيد لحلم الانسان بالطيران.
 يفترض بعض الباحثين ان التصوير الصحيح للواقع لا يقرر في حدّ ذاته مسألة الواقعية. لان مفهوم الواقع نفسه كان مختلفا في شتّى الازمنة. ويورد الاكاديمي كونراد: المثال التاريخي من الادب الياباني القديم – تحكي الرواية اليابانية القديمة قصة "هندزي" من القرن العاشر....كيف هجم على امراة في نومها روح غريمتها وانتقمت منها لانها سلبتها زوجها. كانت هذه الحادثة بالنسبة لذلك الزمن واقعيّة فالروح القوية يمكن ان تنفصل عن الجسد الذي تغلفه لتقوم بهذه الاعمال وكانت بالنسبة لليابانيين في القرن العاشر من عداد الوقائع الممكنة الحدوث.
- لكن خلال تحديدنا لسمات الواقعية نتحدث عن الواقع الموضوعي وليس المتخيّل.
انتقلت انسنة عالم الحيوان والنبات الذي تميز بها الشعر الشعبي الى لون ادبي شائع هو الحكاية الخرافية. " فابل" وهذا اللون قائم كما هو معروف كليا على الرمز لكن رموز الحيوانات في الحكاية لا تنسف مبادئ الواقعية قال بيلنسكي عن حكايات كريلوف ما يلي: انظروا كم هي طبيعية حيواناته اناس حقيقيون شخصيات واضحة القسمات. اناس روس ايضا وليس شيء اخر.
 تابع الرومنتيكيون الرجعيون ادخال مفاهيم صوفية وغيبية وبعدهم الرمزيون. لكن ليس وجود كل قوة من العالم الاخر في عمل ما دليل اللاواقعية. فلا تدل شخصية مفيستوفوليس في رواية فاوست مع كل العجائب التي يقوم بها ان جوته كان يؤمن بالعالم الاخر وباللامعقول كوجود حقيقي فمصدر الاشكال الرمزية في الجزء الاول من فاوست هي الاسطورة التي كانت سائدة في الوسط الشعبي. لكن الوسط ذاته كان مصورا بشكل واقعي. والرمز هنا لا يضر لانه نشأ على أرضية الواقع ويضرب بجذوره في الفنتازيا الشعرية الشعبية التي كانت تفسر على طريقتها الخاصة عمل العلماء السّيميائيين.
 وقد استخدم الكتاب الواقعيون مثل هذه الصور دون ان يخلقوا اوهاما حول طابع الرمز. ونرى مثال لذلك في رواية الجلد المسحور لبلزاك التي تصور شخصية فتى حالم بحياة مليئة بالمتع. فيستبدل الكاتب الظروف الموضوعية بقطعة جلد ذات خصائص سحرية قادرة على تلبية اي رغبة وبذلك اختزل ما كان سيحث له عبر مبررات واقعية طويلة تستوعب الواقع ... فاستعمل الرمز وبذلك استطاع بواسطة شمول وعمق التصوير الذي اتاحه الرمز في حيز صغير ان يستخلص تعميمات اجتماعية واخلاقية وفلسفية عميقة.
كتب بليخانوف متحدثا عن بلزاك كواقعي ما يلي:
ما من شك ان بينه وبين الرومنتيكيين هوّة كبيرة، طالعوا مقدمة فيكتور هوغو لدراماته وستدوكون كيف فهم الرومنتيكيون التحليل النفسي. يعلن هوغو كيف اراد في عمله الى اين يقود دافع ما، اذا وضع في هذه الظروف او تلك. غير انها تؤخذ في شكل ظروف مجرّدة مصطنعة وطوباوية. وتصادفنا مثل هذه البسيكولوجيا في روايات جورج صاند لكن هذا غريب عن بلزاك فقد تناول دوافعه بالشكل الذي طرحه المجتمع البرجوازي المعاصر وتابع باهتمام كعالم طبيعيات كيف تنمو هذه الدوافع في هذا الوسط الاجتماعي المطروح وبذلك صار واقعيا بالمعنى العميق لهذه الكلمة.
 ان الحديث لا يدور هنا عن المشابهة الشكلية الخارجية للحقيقة. فهي قائمة في روايات ودرامات فيكتور هوغو وجورج صاند فشخوصهم واقعية وتراعي كما هو عند الرومنتيكيين الاخرين الصبغة الزمانية والمكانية. فجوهر القضية ان بلزاك يجعل امامه هذف الوصول الى القوانين الموضوعية للواقع وكشفها عبر الشخصيات النموذجية الفاعلة ضمن الظروف الموضوعية النموذجية لحياة هذه الشخصيات. ويصور شخصياته بشكل تاريخي اجتماعي موضوعي يختلف عن الرومنتيكية التي تقوم بتجارب اجتماعية بسيكولوجية ضمن فرضيات مسبقة لا تنعكس ولا تعبر عن حقائق حياتية.
 يقول ديستوفسكي: "ما هو خيالي يجب ان يتلاقى ويتقاطع مع ما هو واقعي لدرجة يمكن في حال ما تصديق واقعيته ". وقد سعى الرومنتيكيون لفرض الرمز على الواقع في حين كان الواقعيون من خلال الرمز كمن ينظر عبر عدسة مكبّرة.
نصادف في مختلف اتجاهات الادب العالمي في عصر النهضة / رابليه/  وفي ادب التنوير / سويفت. ليساج/ وفي الرومنتيكية / هوفمان / شكل المبالغة الفنية الساخرة. وطبيعي ان يحتاج الساتير بما يتميز به من حدة مبالغة وقاسية. الى الاساليب والاشكال الرمزية. فالكاريكاتير نوعان الاول يكبر الواقع بعدسة دون تشويه لجوهره. والثاني ينحرف عن الحقيقية الحياتية والنسب الطبيعية. ولدى اللجوء الى الشكل الرمزي تتفق الطريقة الاولى مع مبادئ واقعية القرن التاسع عشر وتطبيقه تجربتها العلمية. يقول غوركي: للفن الحقيقي الحق في المبالغة. وذلك خدمة لهدف النمذجة. وفي حديث له مع النحات رودان قال اناتول فرانس ما يلي: اعتقد ان المجاز فقط قادر على توصيل الافكار العامة. استخدمت واقعية القرن الثامن عشر انجازات الكلاسيكية وواقعية القرن التاسع عشر استوعبت تجربة الرومنتيكية.
جاء في كتاب يفينيا. الواقعية الاوروبية الغربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين- ما يلي:
استخدم الكتاب الواقعيون في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين اناتول فرانس برنارد شو ويلز وغيرهم وطوّروا بعض اشكال الفن الهجائي الساخر الذي ساد في ادب عصر النهضة والقرن الثامن عشر / رابليه فولتير سويفت / ولكن رغم هذا التيار الكاسح للصيغ الرمزية والخيالية الذي صبّ في الواقعية والذي ادخل معه دونما شك تغييرات على صعيد طريقة القص فان الفن الواقعي في هذه الفترة لم يفقد وضوحه التعبيري وقوته النقدية بل استخدم كل ذلك للتعبير بشكل تعميمي عن التناقضات الاجتماعية القائمة. ويتجلى العام في الواقعية في مجال الاجناس وفي القضايا الفنية والاسلوبية ويستند على وحدة المبادئ العامة للواقعية كمنهج فنّي.
 ان القضايا الفنية للواقعية منظومة متحركة لكن الباحث مدعو هنا الى رؤية هذا الديالكتيك العام والخاص. ففي تجربتها الفنية تجري عملية تقاطع وتداخل الاجناس مثل استخدام العناصر الملحمية في الدراما واندغام عناصر الدراما والسرد الملحمي في كلّ مُوحّد. وكانت مرونة الاجناس في الواقعية والخصائص الجديدة الطارئة استجابة فنية للاشكال الجديدة للحياة التي اكتشفها الكاتب. نسفت دراما القرن التاسع عشر الواقعية مفهوم التقسيم التقليدي للانواع الدرامية المختلفة الذي اخذ به علم الجمال الكلاسيكي. ويتجلى ذلك في مجموعة من الاعمال التي تتداخل فيها التقنيات المختلفة.
 وقد أشار بيلينسكي مرارا الى ان الرواية والدراما هما الجنسان الاساسيان الغالبان في التعبير عن الواقع المعاصر وانضمت اليهما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر القصة والقصة القصيرة اللتان بلغتا الذروة الفنية في اعمال موباسان وتشيخوف. وكان جوته قد عرّف القصة بانها سرد مقتضب حول شيء ما غير عادي.
 وقد عرّف هيجل الرواية بانها ملحمة البرجوازية وتختلف عن الملحمة القديمة بانه يقع في المركز منها مصير الشخصية من خلال علاقاتها بالمجتمع. غير ان رواية الحرب والسلم قد دلت على قصور التعريف الهيجلي الى ان جاء بيلينسكي وكشف بعمق حدود الرواية.
يقول بيلينسكي:الرواية تحليل فني للحياة الاجتماعية. وتجسيد للواقع في كل حقيقته العارية تماما.
 وفي تلخيصه للادب العالمي يميز بيلينسكي بين نوعين اساسيين من الرواية. رواية تاريخية ورواية عن الواقع المعاصر. ومن جهة مبادئ التصوير الفني للحياة لم يرى بيلينسكي فرقا بين الرواية التاريخية والمعاصرة للحياة. وترتقي الرواية الى مرتبة الملحمة عندما لا تنعكس في مضمونها مصائر انسانية فقط بل ومصائر شعبية مرتبطة باحداث ذات مغزى تاريخي عالمي.
 وينطبق ذلك على قصة غوغول "تاراز بولبا" وعلى الحرب والسلم لتولستوي. يقول تولستوي" إن كتابي لا يصنّف تحت أي شكل فليس رواية ولا قصة ولا تاريخ" فلقد راى تولستوي ان بناء الرواية ومجمل الاساليب الفنية الخاصة بها غير متناسب مع المضمون الضخم العميق والشامل لعمله. وهو نفسه قد شبّه مؤلفه بالالياذة... لكنها تمتاز على الملاحم القديمة بتجسيدها لمصائر انسانية في ضوء تاريخي. يرى بلزاك انه يصاغ في صور فنّية نموذجية ليس الابطال فقط بل الاحداث الاساسية الهامة.

في قصة المعطف عالج غوغول في موضوع فنّي طرفة كانت شائعة في زمانه حول انسان فقير مولع بالصيد استطاع بعد التقتير والحرمان ان يجمع المال ويشتري سلاحا غالي الثمن لكنه فقده في اول رحلة صيد مما ادى الى اصابته بالحمّى ويخلص ي. دوبين الى القول انه نشات من طرفة صغيرة لوحة نموذجية لظروف حياتية. ونموذج رفيع المستوى بالمعنى الاجتماعي التاريخي لا بل الانساني.
يقول ي . دوبين:" إذا كانت حرية الفنان في مجال بسط الموضوع مشروطة ومقيدة بمهمات سبر اعماق الحياة الواقعية وتجسيد العلاقات السببية للواقع. فان حريته في مجال البناء الفني غير محدودة." قال تشيرنشيفسكي:" قوة الخيال الانسانية محدودة وما يكونه ضعيف وباهت جدا بالمقارنة مع ما يمثله الواقع."
قدّر تولستوي كالكتاب الطبيعيين قيمة واهمية التفاصيل في بناء النموذج لكن منهجه لم يكن طبيعيا فالطبيعية تستخدم التفاصيل كهدف ذاته دون انسنته او ربطه بتجربة حياة انسان. في حين يعتبر التفصيل لدى تولستوي وسيلة للنمذجة والتعميم الفني. يخدم اغراض التصوير التاريخي الملموس. وفي ما يخص العالم الداخلي للانسان جسدت الصورة في روايات وقصائد الكلاسيكية الفكرة العامة للرائع ذي الاهمية العامة بالنسبة للجميع. في حين كان الهدف في الرومنتيكية رسم ما هو فردي مميّز والتركيز على القوى النفسية الخارقة للبطل.
يعتبر استخدام الوسائل الاسلوبية في اللغة الادبية احد اوجه العكس الفنّي لاشكال الحياة الواقعية في الواقعية، فاللغة هي الوعي العملي للانسان والتجلي المباشر لافكاره ومشاعره فلغة الشخصية في العمل الادبي تجسيد للغة الانسان الواقعي. ويجب فصل لغة المؤلف عن لغة الشخصيات في عمله الادبي. وهذا هو العيب الذي وقعت فيه الكلاسيكية التي لم تفصل لغة المؤلف عن لغة شخصياته والرومنتيكيون ايضا لم يقوموا بفروق جدية للفصل بين لغة المؤلف ولغة شخصياته.
فلغة المؤلف غير لغة الشخصيات الامر الذي غدا احد المبادئ الاسلوبية الاساسية للواقعية لكن صار مطلوبا الان كما قال بيلينسكي ان تتكلم كل شخصية في الرواية والقصة والدراما لغة طبقتها الاجتماعية. فكان بوشكين اول من ادخل عمليا المبادئ الاجتماعية القومية التاريخية في وصف الانسان والمجتمع الى مجال اللغة الفنية في الادب الروسي. وصارت هذه المبادئ اساس الوصف الكلامي للشخصيات في كل التطور اللاحق للادب الروسي. لكن القضية تصبح اكثر تعقيدا لدى مناقشة لغة المؤلف في الاجناس الملحمية وخصوصا الرواية عندما يتولى الكاتب نفسه هنا مهمة السرد باعتباره شاهدا على الحياة والوقائع التي يصورها. وطبيعي ان تتغير وتتبدل تبعا لهذه الحالات المتغيرة  لغة المؤلف التي تحقق مهمة الربط من جهة وتقوم بالسرد وشرح وتفسير وتاويل الاحداث والوقائع. وهكذا تكون للغة المؤلف وظائف مختلفة. ينفي علم الفن البرجوازي المعاصر وجود قوانين موضوعية للفن ويناقش بشكل مثالي حرية الابداع الفني.
 يقول انجلز: لا تكمن حرية الابداع في الاستقلالية المفترضة عن قوانين الطبيعة بل في اكتشاف هذه القوانين ثم امكانية استخدامها بالتالي بشكل مخطط من اجل اغراض محددة.
يقول بيلينسكي: الفن هو تفكير بالصور. وقوانين الابداع ابدية كقوانين العقل. وأكد على ان المجاز شرط حتمي في الفن. ويقول بيلينسكي: من لم يؤتى موهبة الفانتازيا المبدعة القادرة على تحويل الافكار الى صور فذلك لن يساعده على ان يصبح شاعرا لا العقل ولا قوّة الشعور ولا قوة الافكار ورسوخ الاعتقاد ولا غنى المضمون التاريخي المعاصر. ولو كان غير ذلك لكان من اسهل الامور ان تصير شاعرا فيكفي والحال كذلك ان تعرف قواعد العروض / لتبسمل / وتبدأ بكتابة أطروحة بأسطر موزونة مقفاة ".
يقول تشيرنشيفسكي: من أهم القوانين الفنية وحدة العمل. وقد اشار الى ملاءمة الشكل مع الفكرة الفنية والتجانس بينهما. ومن اهم شروط العمل الفني ان يكون النموذح محددا بوضوح فاللاتحديد يضر بالجانب الفني للعمل وهذا ما يميز الاعمال الفنية عن غموض الواقع الحياتي.









                شعريّة ديستوفسكي
                        ميخائيل بختين
          رواية ديستوفسكي متعددة الأصوات في ضوء النقد الأدبي


بالنسبة لعدد من الباحثين فإن صوت ديستوفسكي يمتزج باصوات هذه المجموعة من ابطاله او تلك واخرون يعتبرون هذا الصوت تركيبا خاصا من نوعه لجميع هذه الاصوات الاديولوجية وتعتبره فئة ثالثة من البحثين محجوبا وراء هذه الاصوات جميعها مع هؤلاء الابطال يجادلون ومنهم يتعلمون. من الناحية الاديولوجية يتمتع البطل باستقلاليته التامة ونفوذه المعنوي بالنسبة لوعي النقاد فان القيمة الدلالية الكاملة لكلمات الابطال تحطم المستوى الحواري للرواية. وتحتم الاجابة على السؤال التالي: ما الذي سيحدث لو لم يكن البطل موضوعا لكلمة المؤلف نفسه. بل حامل كامل الحقول وكامل الاهلية لكلمته الشخصية.
لقد كان ب. م انجلجاردت محقا تماما وهو يلاحظ هذه الخاصية فكتب يقول: من السهل على المرء ان يلاحظ وهو يتامل النقد الروسي المكرس لاعمال ديستوفسكي ان هذا النقد لا يسمو فوق الستوى الروحي لابطال ديستوفسكي القريبين الى نفسه. فليس هذا النقد هو الذي يسيطر على المادة المطروحة امامه بل المادة مجتمعه هي التي تهيمن عليه. ان هذا النقد ما يزال يتعلم عند مختلف ابطاله. راسكولنيكوف.....الخ ويتيه وسط تلك التناقضات التي تاهوا بينها. والى مثل هذه الملاحظة انتهي ايضا يومير- جريفيه فكتب يقول: من منّا خطر بباله ان يشارك في الاحاديث الخاصة بتربية العواطف اما راسكولنيكوف فاننا نخوض معه نقاشا والاصح ليس معه فحسب بل ومع اي من الابطال الثانويين.
 فهذا التناول يستجيب فعلا للبنية الاساسية لجوهر اعمال هذا المؤلف الذي شانه شأن برومثيوس جوته لا يخلق عبيدا مسخت شخصياتهم مثلما فعل زيوس بل اناسا احرارا مؤهلين للوقوف جنبا لجنب مع مبدعيهم قادرين على ان لا يتفقوا معه بل وان يثوروا عليه.

إن كثرة الاصوات واشكال الوعي المستقلة وغير الممتزجة ببعضها وتعددية الاصوات بوليفوني للاصوات الاصلية الكاملة القيمة. تتسم هذه الاصوات بتعدد اشكال الوعي المتساوية الحقوق مع مالها من عوالم. هو ما يجري الجمع بينها بالضبط في نفس الوقت تحتفظ فيه على عدم اندماجها مع بعض من خلال حادثة ما وبالفعل. فان الابطال الرئيسيين عنده داخل وعي الفنان ليسوا مجرد موضوعات لكلمة الفنان بل ان لهم كلمتهم الشخصية ذات القيمة الدلالية الكاملة ولهذا السبب فان الكلمة التي ينطيق بها البطل. لا تستنفد هنا ابدا بواسطة الاوصاف والوظائف ذات الدوافع العملية والحياتية الا انها لا تعتبر في الوقت نفسه تعبيرا عن الموقف الاديولوجي الخاص بالمؤلف مثلما هو الحال عند بايرون. ان وعي البطل يقدم هنا باعتباره وعيا غيريا وعيا للاخر كذلك انه لا يصبح موضوعا بسيطا لوعي المؤلف ولهذا المعنى لا يصبح البطل عنده صورة موضوعية اعتيادية للبطل في الرواية التقليدية.
ديستوفسكي هو خالق الرواية البوليفونية متعددة الاصوات. لقد انشأ صنفا روائيا جديدا بصورة جوهرية. فهي لا تصلح لان تكون بوقا لصوت المؤلف فهي تتمتع باستقلالية استثنائية داخل العمل الادبي. ان صداها يتردد جنبا الى جنب مع كلمة المؤلف. وتقترن به اقترانا فريدا من نوعه. كما تقترن مع الاصوات الكبيرة الخاصة بالابطال الاخرين. انها ترتبط بصورة الناس المنجزة من خلال وحدة العالم المرتبط والمفهوم مونولوجيا ولا تفترض اشكال تعدد الوعي المتساوية الحقوق بما لها من عوالم. ان البراجماتية المحورية عنده تلعب دورا ثانويا وتحمل وظائف خاصة لا وظائف اعتيادية. بالاضافة الى ذلك ان تركيب السرد نفسه سواء قدم هذا السرد المؤلف ام الراوية ام ابطال النص فان التركيب مغاير تماما لما هو عليه في الروايات ذات الطبيعة المونولوجية. ان ذلك الموقف الذي ينطلق منه القص قد تحدد في ضوء الموقف من هذا العالم الجديد عالم الذوات المتساوية الحقوق لا عالم الموضوعات والكلمة التي تقص وتخبر يجب ان تعالج علاقة ما جديدة تجاه مادتها.
كانت الدراسات النقدية حول ديستوفسكي حتى وقت قريب صدى اديولوجيا مباشرا لاصوات ابطاله. فلم تجد في مجرى محاولاتها ادراك هذا العالم المونولوجي اداراكا نظريا طريقا اخر سوى ان تستوعب ابداع هذه الارادة الفنية الحديثة بوجهة نظر قديمة. وهناك من حاولوا ان يضموا هذه التعددية في الاصوات في منظومة موحدة متجاهلين بذلك التعددية الجوهرية لاشكال الوعي غير المندمجة ببعضها هذه التعددية الذي اخذها بالاعتبار المنهج الابداعي للفنان وقام فريق اخر بتحويل اشكال الوعي الكاملة القيمة لدى الابطال الى حالات عقلية محددة ومستوعبة موضوعيا. ثم استوعبوا عالم ديستوفسكي بوصفه العالم التقليدي للرواية الاروبية الاجتماعية السيكولوجية. فبدلا من حوادث التاثير المتبادل في اشكال الوعي الكاملة القيمة حصلنا في الحالة الاولى على مونولوج فلسفي وفي الثانية على عالم موضوعي فهم فهما مونولوجيا يخصّ وعي المؤلف وحده بصورة استثنائية.
إن كلا من تجاذب التفلسف المجرد مع الابطال وتحليلهم تحليلا نفسيا مرضيا او سايكولوجيا موضوعيا فاترا لعاجزان على حد السواء على التغلغل في الجوهر المعماري والفني الخاص باعمال ديستوفسكي. إن طريق اسباغ الطابع المونولوجي الفلسفي هو الطريق الرئيس للدراسات النقدية حول ديستوفسكي في هذه الطريق سار روزانوف وفولينسكي وشيستوف وآخرون كانوا مضطرين الى حشر التعددية التي كشف عنها الفنان والخاصة باشكال الوعي داخل اطر مونولوجية لوجهة نظر واحدة الى اللجوء اما الى الانتينوميك واما الى الديالكتيك. ومن اشكال وعي كاملة وملموسة للابطال وللمؤلف نفسه اخرجنا مباحث اديولوجية اما قابلة للاصطفاف في الخط الديالكتيكي الديناميكي. واما متعارضة مع بعضها اشبه بنقيضات مطلقة مستعصية على الحل وبدلا من تاثير متبادل لعدد من اشكال الوعي غير المندمجة مع بعضها. وجدنا امامنا علاقات متبادلة لافكار واراء ومفاهيم تضغط على وعي واحد.
إن عالم ديستوفسكي عالم شخصيات الى حدّ ما انه يقوم بتناول اي فكرة بوصفها تجسيدا لموقف شخصية ما. فيكون الخط الديالكتيكي او الانتينومي مجرّد لحظة مجردة تتشابك بقوة مع اللحظات الاخرى للوعي الملموس المتكامل. والفكرة التي تنجذب الى الحادث تصبح نفسها حادثية وتكسب ذات الطابع الخاص للفكرة - الاحساس. والفكرة – القوة. إن تاكيد الانا الغيرية لا بوصفها موضوعا بل بوصفها ذات فاعلة اخرى هذا هو اساس عقيدة دوستوفسكي. وذلك بتحويل الانا الاخر من شبح الى انا حقيقي. وتكمن في اساس الكارثة التراجيدية عنده دائما نزعة انفصالية للانانة الخاصة بوعي البطل ونزعة انطوائية داخل عالمه الشخصي. إن اقرار وعدم اقرار الانا الغيرية من جانب البطل هو ما يشكل تيمة اعمال ديستوفسكي.
إن اقرار الوعي الغيري بوصفه مسلمة دينية اخلاقية من مسلمات المؤلف لا يكفي لايجاد شكل جديد في بناء الرواية. ان التعريف الاساسي الذي قدمه ايفانوف بوصف اعمال ديستوفسكي بالرواية – التراجيديا غير دقيق في تصورنا. إن الشخصية تتميز بحريتها الداخلية الاستثنائية وبنزعتها الاستقلالية عن الوسط الخارجي. وهذا هو بالتالي مبدا العالم الاخلاقي للمؤلف. والحالة التي يكشف بها ابطال ديستوفسكي شخصيات ويكشفون عن ذواتهم كما هم عليه ستنتهي حتما للتصادم مع الوسط الخارجي ومع ما كل ما يحظى باتفاق الجميع.

وهكذا تلعب المشادة بهذا الكشف الاول عن حماسة الشخصية دورا هائلا في اعمال ديستوفسكي. وهكذا فالقضية تدور طوال الوقت للذين يدرسون ديستوفسكي حول طرائق الكشف عن الشخصية داخل الحياة نفسها لا حول طرائق رؤياها الفنية وتصويرها في ظروف الرواية. إن الحرية النسبية للبطل لا تخرق الدقة الصارمة للبناء.
كتب غروسمان يقول:
 هذا هو المبدأ الاساسي لتكوينه الروائي، اخضاع عناصر القص غير المنسجمة مع بعضها الى حد التعارض التام اخضاعها لخطة الوحدة الفلسفية وللحركة العاصفة للحوادث ان يجمع في كيان فلسفي واحد المواعظ الفلسفية مع المغامرات الجنائية. وان يحشر الدراما الدينية في حكاية قصة مبتذلة وان يقود خلال كل تعرجات القصة المغامرة الى الكشف عن الاسرار وعلى الرغم من  التقاليد الخالدة لعلم الجمال الذي يؤكد على المطابقة بين المادة ومعالجتها والذي يفترض الوحدة والتجانس على الرغم من كل ذلك يقوم ديستوفسكي بصهر ودمج العناصر المتعارضة. انه يتحدى بقوة القانون الاساسي لنظرية الفن. فخلق كياني موحد فني متكامل من مواد متنوعة ومتنافرة وغريبة عن بعضها بعمق.
 ومن جهة نظر الفهم المونولوجي لوحدة الاسلوب وحتى الان لا يوجد سوى هذا الفهم تعد رواية ديستوفسكي متعددة الاساليب او مفتقرة الى الاسلوب. ومن وجهة نظر النغمة تعد متعددة النبرات ومتناقضة بغنى وانها تتداخل في كل لفظة في اعماله الابداعية ولو ان المادة المتعددة الاجناس عنده كانت منتشرة في العالم الموحد المرتبط بالوعي المونولوجي الموحد عند المؤلف. لما كانت قد حلت مهمة توحيد ما هو غير مترابط وكان ديستوفسكي فنانا رديئا وبلا اسلوب. وبالفعل فان العناصر غير المترابطة لمادة لديستوفكي توزعت على عدد من العوالم وعدد من اشكال الوعي الكاملة الحقوق ان هذه العناصر لم تتقدم من خلال ذهنية واحدة بل من خلال عدد من الذهنيات الكاملة القيمة وليست المادة هي التي تندمج مباشرة. بل هذه العوالم هذه الاشكال المتعددة الوعي بما فيها من ذهنيات هي التي تندمج في وحدة سامية. على حد تعبير البعض، من الدرجة الثانية في وحدة الرواية متعددة الاصوات. ويؤكد جروسمان على الاهمية الاستثنائية على الحوار في ابداعه بذلك التفلسف الذي يصبح فيه كل راي وكانه كائن حي يجسده لسان بشري متهيّج. فلو أن جروسمان ربط هذا المبدأ التكويني القائم على توحيد المواد غير المتجانسة وغير المترابطة بتعددية المراكز / اشكال الوعي / غير الموجهة الى قاسم مشترك اديولوجي اعظم واحد لاستطاع ان يصل بالضبط الى المنبع الفني لروايات ديستوفسكي اي الى تعددية الاصوات بوليفوني.

يتميّز فهم جروسمان للحوار بوصفه شكلا دراماتيكيا. ففي الدراما يتعيّن ان يعمل الحوار من قطعة واحدة وان اي اضعاف لهذه الصلابة تؤدي حتما الى اضعاف هذه القيمة الدراماتيكية. الابطال يلتقون حواريا في الذهنية الواحدة لكل من المؤلف والمخرج والمشاهد ويظهرون على خلفية محددة لعالم موحد التركيب. ان مفهوم الحدث الدراماتيكي الكفيل بحل كل اشكال التعارض الحواري هو مفهوم مونولوجي صرف. ان من شان تعدد حقيقي في المناهج ان يحطم الدراما. في الدراما يتعذر الجمع بين الذهنيات المتكاملة في وحدة تسمو على الذهنيات. ولهذا السبب فان الحوار الدراماتيكي يستطيع ان يلعب في رواية ديستوفسكي متعددة الاصوات دورا ثاناويا فحسب.
في الرواية متعددة الاصوات لا تدور القضية حول الشكل الحواري الاعتيادي الخاص بتطوير المادة ضمن الاطر الخاصة بفهمها المونولوجي المستند الى خلفية صلبة لعالم اشياء واحد. وبهذا المعنى فان المتكامل الدراماتيكي ذو طابع مونولوجي اما رواية دستوفسكي فذات طابع حواري. انها تبنى لا بوصفها وعيا واحدا وتاما يتقبل موضوعيا اشكال اخرى من الوعي بل بوصفها تاثيرا متبادلا تاما لعدد من اشكال الواعي التي لم يصبح منها شكل واحد موضوعا للآخر حتى النهاية. ان هذا التاثير المتبادل لا يقدم للمتامل ركيزة – محورية  غنائية او ادراكية – وبالتالي فهو يجعل من المتأمل مشاركا. أوتوكاوس يشير هو الاخر في كتابه ديستوفسكي ومصيره الى تعددية المواقف الاديولوجية المتعادلة النفوذ. والى عدم التجانس الكبير للمادة... بوصفها الخاصية الاساسية لروايات ديستوفسكي. ان روح هذا العالم الراسمالي المتحول والمتصادم هو الذي وجد أوضح تجسيد له في اعمال ديستوفسكي الابداعية. يؤكد كاوس ان عالم ديستوفسكي يعتبر انقى وادق تعبير عن روح الراسمالية. لقد قضت الراسمالية عن عزلة هذه العوالم التي سبقت وجودها. والتي كانت مكتفية بذواتها. وحل محلها تعارضها المتبادل دون ان يفضي الى حل. وعلى هذا النمط بنى ديستوفسكي  أنموذجه ومثاله. وان اعماله الابداعية بمثابة تلك الاغنية – لا الماتمية – بل اغنية الابتهاج والفرح التي تستقبل عالمنا المعاصر الذي انجبته الانفاس النارية للراسمالية.
يعد تفسير كاوس صحيحا فالرواية البوليفونية كان بامكانها ان تتحق فقط في الواقع الراسمالي. وفي الوقت ذاته ان التفرد الذاتي للعوالم المٌتصادمة التي اخرجت من توازنها الاديولوجي هو بالذات ما كون المقدمات الموضوعية لتعددية البرامج الجوهرية وتعددية اصوات الرواية المتعددة الاصوات. وعلينا بالضرورة الكشف بالدرجة الاولى عن الخاصية البنيويّة لهذه الرواية المتعددة البرامج التي فقدت وحدتها المونولوجية المالوفة.
ان غلطة كوماروفيتش الاساسية تكمن في بحثه عن المزج المباشر بين العناصر المتفرقة للواقع او بين الخطوط المحورية المتفرقة. في الوقت الذي تدور فيه القضية حول مزج اشكال الوعي متساوية الحقوق والقيمة بعوالمها وهكذا فبدلا من وحدة الحادثة التي يساهم فيها عدد من الاشخاص متساوي الحقوق نحصل على وحدة جوفاء للفعل الارادي الفردي.
يكمن جوهر تعدد الاصوات في انها تبقى مستقلة. وتندمج في وحدة ذات نمط اسمى مما هي عليه مع احادية الصوت او النغم. ان الارادة الفنية في تعدد الاصوات تكمن في اتجاه مزج عدة ارادات باتجاه الحادثة.
ينطلق انجلجاردت من بطل ديستوفسكي المنحدر من صفوف الشعب والمنفصل عن التقاليد الثقافية ان مثل هذا الانسان يرتبط بعلاقات خاصة بالفكرة وهو عاجز امام سلطانها لانه لم يوثق صلاته بالحياة اليومية المعيشة...فيصبح انسان فكرة. والكاتب الروائي يقدم وصفا لا لحياة البطل بل وصفا للفكرة فيه. ان الفكرة الاساسية الخاصة بتشخيص البطل تشخيصا فنيا هي التي تعد لهذا السبب الفكرة المتحكمة بل الفكرة الاساسية الخاصة بسيرة النمط المالوف مثلما هو عند تولستوي وتورجنيف. من هنا ينبع التحديد الصنفي لرواية ديستوفسكي باعتبارها رواية اديولوجية ومع ذلك ليست رواية فكرية اعتيادية ولا مجرد رواية تحمل فكرة. فكانت الفكرة هي بطلة اعماله. لقد قدم العالم الخاص بكل بطل من زاوية خاصة يتم تصويره وبناؤه في ضوئها. يتعذّر جدا ان نعثر لدى ديستوفسكي على ما يدعى بالوصف الموضوعي للعالم الخارجي. الا في ضوء تأمل كل ذلك من قبل شخصيات الرّواية. وبفضل ذلك تظهر امامنا تلك التعددية في مناهج الواقع داخل العمل الفني.
ليست الفكرة هي الخط الاساسي ولا استنتاجا يترتب عليه  مثلما هو الحال في الرواية الفلسفية بل هي مادة التصوير انها تبدو من وجهة نظر الابطال وحدهم مبدأ رؤيا للعالم وفهمه. ان النظرة المتدرجة في المقامات التي توجه الى هذه الافكار لا تكفي لتحويل رواية ديستوفسكي الى رواية مونولوجية مالوفة. تكون في نهاية المطاف احادية النبرة. وهكذا فلن تصبح ايّا من افكار الابطال لا السلبيين ولا الايجابيين مبدا يرتكز اليه تصوير المؤلف. ولا تحدد بنية العالم الروائي بعامة.
إن أهم سمة أو صفة للرؤية الفنية عند ديستوفسكي لا تتمثل في التشكل بل في التعايش وفي التأثير المتبادل لقد ادرك عالمه في المكان لا في الزمان ومن هنا ميله العميق باتجاه الشكل الدرامي انه يسعى الى تنظيم كل المادة المتصورة ومادة الواقع في زمن واحد. على شكل مقابلة دراماتيكية وان يطورها بصورة موسعة. ان امعان النظر قد عنى بالنسبة اليه تامل كل مضامينه بوصفها متجاورة زمنيا وان يخمن علاقاتها المتبادلة في مقطع عرضي ماخوذ من لحظة زمنية واحدة. باختصار يحاول ان يركز في لحظة واحدة اكبر عدد ممكن من التنوع لاتباع مبدا العمل الدراماتيكي في لوحدة الزمن في الرواية. ومن هنا ايضا السرعة الرهيبة للحدث – حركة عاصفة – ومن هنا ايضا ديناميكية ديستوفسكي. ذلك لان السّرعة هي الوحيدة القادرة على تذليل الزمن.
إن الفكرة بوصفها مادة التعبير تشغل حيزا كبيرا في الرواية الا انها مع ذلك ليست بطلة الرواية فالبطل هو الانسان. فهو يعبر بالفكرة عن الانسان داخل الانسان كما يقول هو عن نفسه. لم يصوّر ديستوفسكي حياة الفكرة داخل الوعي الوحيد ولا العلاقات المتبادلة بين الافكار بل التاثير المتبادل بين اشكال الوعي. في مجال الافكار / ولكن ليس الافكار فقط / والوعي عنده لا يكتفي بنفسه ابدا بل يرتبط بعلاقة متوترة مع وعي اخر. فكل فكرة من افكاره هي ذات طابع حواري في اعماقها موشاة بالجدل مفعمة بروح الخصام ومفتوحة امام الهام غيري فهو يقدم علم اجتماع خاص باشكال الوعي. إن روايات ديستوفسكي هي بمثابة حوارات دبرت بشكل رائع.
إن الدراما بحكم طبيعتها غريبة على تعددية الاصوات بامكان الدراما ان تكون متعددة المناهج لكنها لا تستطيع ان تكون متعددة العوالم انها تسمح فقط بنظام واحد للادراك. لا بعدد من النظم.
إن ازدواجية ديستوفسكي بوصفه شخصية اجتماعية وعدم اهليته الشخصية لاتخاذ حلول اديولوجية محددة – ان كل ذلك يعتبر – اذا ما اخذته بذاته اجمالا – امرا سلبيا وعابرا من الناحية التاريخية ومع ذلك فقد اتضح وان كل هذه الاشياء قد شكلت شروطا مثلى لايجاد الرواية متعددة الاصوات. ولايجاد تلك الحرية التي لم يسبق لها مثيل والخاصة  بأصوت تعددية الاصوات. البوليفوني.
-- تردد ديستوفسكي بين الاشتراكية والعقيدة الدينية المحافظة.
يقول لوناجارسكي: لم يمت ديستوفسكي بعد لا عندنا ولا في الغرب. ذلك لان الراسمالية لم تمت دعك عن موت رواسبها... من هنا اهمية ان ننظر في جميع مشاكل الدوستوفسكية التراجيدية.
وبخلاف من يرى في اعمال ديستوفسكي روحا واحدا وحيدا. هو روح المؤلف يشير كيربوتين الى قدرته في ان يرى ويتلمس ارواحا اخرى. مؤكدا بطلان ذاتية المذهب السيكولوجي ويؤكد على الطابع الاجتماعي الواقعي. الامر الذي ينفي الذاتية والانانية في تفسير العمليات السيكولوجية هذه الانانية الشائعة في الادب البرجوازي الانحطاطي.
يقول شكلوفسكي: ان الجدل بالذات ان صراع الاصوات الاديولوجية يكمن في نفس اساس الشكل الفني لاعمال ديستوفسكي في اساس اسلوبه.
غير أن الذي يهم شكلوفسكي لا الشكل متعدد الاصوات قدر اهتمامه بالمنابع التاريخية – الدهرية – والسيرية الحياتية لنفس الجدل الاديولوجي الذي أوجد هذا الشكل.
إن النزعة الحوارية لدى ديستوفسكي لا تستنفد أبدا بتلك الحوارات الخارجية المعبر عنها من خلال التكوين والتي يجريها ابطاله. ان الرواية المتعددة الاصوات ذات طابع حواري على نطاق واسع. وبين جميع عناصر البنية الروائية توجد دائما علاقات حوارية.اي ان هذه العناصر جرى وضعها في مواجهة بعضها البعض مثلما يحدث اثناء مزج مختلف الالحان في عمل موسيقي. اتصف ديستوفسكي بالقدرة على سماع العلاقات الحوارية في كل مكان وفي جميع ظواهر الحياة التي يتم ادراكها وتاملها فحيثما يبدا الوعي يبدا بالنسبة اليه الحوار. ان العلاقات الالية وحدها هي التي تفتقر الى الحوار.
وحسب رأي جروسمان يكمن في اساس كل رواية من روايات ديستوفسكي مبدأ التقاء قصتين او اكثر التي تغني بعضها بعضا من خلال تضادها والتي ترتبط ببعضها وفق مبدأ تعدد الاصوات الموسيقي.
إن ذلك الشيء الذي ظهر في الرواية الاوروبية والروسية قبل ديستوفسكي في منتهى الاكتمال العالم المونولوجي الوحيد الخاص بفكر المؤلف يصبح في رواية ديستوفسكي جزءا مجردا عنصرا من عناصر الكل، وان ما كان يؤلف كل الواقع يصبح هنا افقا واحدا من افاقه. بما يمكن ان نسميه مجازيا بالطباق الروائي.











                             نظريّة الرّواية
                                            جورج لوكاتش
الفصل الاول:


هناك آثار أدبية يعود تاريخها الى العصور القديمة والعصر الوسيط غير أن الخصائص التي تعنى بالرواية لم تبدأ بالظهور الا عندما صارت تعبر عن المجتمع البرجوازي وتناقضاته بطريقة أكثر وضوح وملاءمة. فالرواية هي الشكل الادبي الاكثر دلالة على المجتمع البرجوازي. حتى صار بالامكان التحدث عن شكل أدبي نموذجي. على العكس من الاشكال الادبية الاخرى التي اعاد بناءها التطور البرجوازي وفق غاياته كالدراما مثلا. فعملت جمالية التطور البرجوازي الصاعدة على اعداد نظرية هذا الشكل الفني البالغ الجدّة. الا ان التطور التاريخي يقدم صورة مخالفة لذلك تماما. فعلى الصعيد النظري لم يهتم التطور البرجوازي في بداياته الا بالاشكال التي امكن استخراج قوانينها العامة من العصور القديمة مثل الملحمة والدراما والملهاة. وسارت الرواية شوطا الى جانب التطوري النظري الشامل وهي تكاد تكون مستقلة عنه تماما. دون ان يكون لها عليها ادنى تاثير. فلا نجد اشارات على وضع نظرية الرواية الا ضمن ملاحظات متفرقة لكبار الروائيين وذلك في نطاقات كتابتهم دون الايغال في التعملم النظري. فليس من قبيل الصدفة هذا الاهمال ازاء عناصر بالغة الجدة في تاريخ التطور الفني البرجوازي.
 فنظرية التطور البرجوازي عموما استندت في بداياتها على النموذج القديم. حيث وجدت اشد الاسلحة فعالية في معركتها المتعارضة مع فلسفة العصر الوسيط وقويت هذه النزعة من خلال المرحلة الاولى من تطور البرجوازية الصاعدة فكل اشكال الفن القديمة التي لا تتوافق مع هذه النماذج وكانت تتهم انها عديمة القوالب. على سبيل المثال الدراما الشكسبيرية ونحن نعلم ان الرواية قد ارتبطت ارتباط عضويا مباشرا بثقافة العصر الوسيط السردية. وان كانت في الوقت ذاته قد اتخذت طابعا جدليا مقحما ومفككا لذا فان شكل الرواية وليد ثقافة السرد التابعة للعصر الوسيط. ودخول خصائص تجارية وبرجوازية على هذه الثقافة. ولم تدخل دراسة جمالية شاملة على الرواية الا مع الفلسفة الالمانية الكلاسيكية حيث ادرجت الرواية بصورة عضوية في مقولة الاشكال الجمالية. فبدأت تتسرب من جديد التعليمات العملية لكبار القصاصين حول تجربتهم الخاصة وتنطوي على معاني نظرية اكثر عمقا " والتر سكوت غوته بلزاك...الخ لكن هذه الكتبات العديدة في نظرية الرواية لم تظهر الا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر فشقت الرواية طريقها كاملا كشكل تعبيري نموذجي للبرجوازية. وتوقفت المحاولات الرامية الى ابداع ملحمة حديثة. وكان تطور الدراما قد بلغ الذروة منذ وقت طويل بل وتجاوزها في البلدان المتقدة. وقد ظهر أدب شامل عن الرواية منذ ان وضع ايميل زولا كتاباته النظرية والجدلية. غير انه كان ادبا لا ياخذ باسباب نظرية قائمة متكاملة بينما يسير وفقا لطلبات الناشرين الا ان عدم التكافؤ في التطور قد عمل على ان تكون النظرية تبريرا نظريا ازاء المدرسة الطبيعية التي بدات ترى ان الرواية تتخلى عن تقاليدها الثورية الكلاسيكية وهي بداية تفكيك الشكل الروائي نتيجة للخط البياني الهابط للاديولوجيا البرجوازية.
 فعندما نريد التعرّف على النزعة الفنية للبرجوازية الحديثة منذ اواسط القرن التاسع عشر نجد انها لا تستطيع حل المسائل الاساسية بالنسبة للرواية فليس هناك مجال للتبرير القائم على تفرّد الرواية كشكل فني تجاه الاشكال الملحمية الاخرى. او لاستكشاف الخصائص الرئيسية لهذا الشكل الفني في سبيل تبرير هذه المبادئ النظرية التي تميزها عن الادب الترفيهي ونستخلص من ذلك ان التقدم البرجوازي لم يقدم نظرية متكاملة ومنظمة للرواية.










الفصل الثاني:
                                    الملحمة والرّواية
                            لوكاتش
أوّل من طرح مسألة نظرية الرواية على مستوى المبادئ وبطريقة منطقية هي الجمالية الكلاسيكية الالمانية واضعة في الحسبان الجانب المنهجي والجانب التاريخي. فهيجل حين يقول "الرواية ملحمة برجوازية." فانما يطرح المسالة التاريخية والجمالية ويعتبر الرواية شكلا بديلا للملحمة في اطار التطور البرجوازي. فهي تنطوي على الخصائص الجمالية العامة للقصة الملحمية الكبيرة من جهة وتتاثر بالتعديلات ذات الطبيعة المخالفة التي جاء بها العصر البرجوازي. فشكلت مرحلة تاريخية من مراحل النظرية العامة للفن الملحمي الكبير. فهي لم تعد شكلا فنيا شعبيا وهذا ما تحاول النظرية ان تتفاداه على العكس من ذلك قد تميزت تماما بطابع الخصوصية الذي تكسبه في باب التطور الحديث.
 يعالج هيجل الطابع الخاص للشكل الروائي انطلاقا من مبدأ المفارقة التاريخية انطلاقا من التطور العام للفسلفة الكلاسيكية لدى- شيلر- واضعا في المقدمة العداء الذي يناصبه التطور البرجوازي للشعر. ويستخلص عناصر نظرية الرواية من هذا التعارض القائم بين عصر الشعر وعصر النثر. فالملحمة ترتبط على الصعيد التاريخي بالمرحلة البدائية مرحلة الابطال، التي لم تكن الغلبة فيها للقوى الاجتماعية التي تميزت بتفردها واستقلالها عن القوى الاخرى. يقوم الشعر في العصر البطولي الذي كانت الملاحم الهوميروسية احدى ظواهره على المبادرة العفوية الفردية ويقول هيغل ان النثر في العصر الحديث يقوم على ضرورة الغاء هذا النشاط العفوي فضمن القوانين العامة التي تسود الكل في اطار الدولة فالطابع الحي لكل ماهو فردي يبدو ملغيا او ثانويا. فمشكلة الشعر الحديث والرواية الحديثة من حيث هي ملحمة برجوازية ترجع حسب راي هيجل الى اعترافه التام الى ضرورة النظر في هذا التطور مؤكدا بكل قوة طابع التناقض فيه وهذا التطور يعتبر تقدما مطلقا بالقياس الى بدائية العصر البطولي. لكنه لا ينفصل عن مفهوم تدهور الانسان وبالتالي تدهور الشعور وتحوله الى نثر.
إن اتخاذ شكل نظري مضبوط تجاه شكل الرواية يتطلب اتخاذ موقف نظري صحيح تجاه التطور المتناقض في المجتمع الراسمالي
كانت الفلسفة الكلاسيكية الالمانية عاجزة عن اتخاذ مثل هذا الموقف لعدم قدرتها على كشف التناقض الرئيسي في المجتمع الراسمالي بين الانتاج الجماعي والامتلاك الخاص. فكان فضلها في اكتشاف العلاقة الوثيقة بين الرواية كشكل ادبي وبين المجتمع البرجوازي. وكانت ترى انه ليس من المعقول التعرف على المجتمع البرجوازي بكل دقة وشمولية. ولم تتمكن فلسفة هيجل نفسها بسوى صياغة بعض النتائج الهامة لهذا التناقض. ومن هنا نرى ان ملاحظاته الصائبة عن الضرر الذي يسببه تدهور الراسمالية للفن قد تحولت الى نظرية خاطئة عن نهاية الفن وقفزة – العقل – ما وراء مجال الفنّ. ولهذا رايناه يتصور البديل المضاد للرومنتيكية. اي مبدا - التوافق مع الواقع- كمضمون ضروري للرواية يتجاهل فيه عديد الامكانيات والمسائل الهامة التي تندرج في اطار الرواية. وماركس وانجلز هما اللذان ردّا هذا الطباع التناقضي للتقدم الى اسباب اقتصادية وبالتالي تطبيق صورة ملموسة على الفن عموما وعلى الرواية خصوصا.
اتخذ فولتير في نظريته عن الشعر الملحمي موقفا مضادا للمبدأ البطولي لدى هوميروس فحال ارساء نظرية الملحمة على اساس حداثي وبتعبير اخر اساس روائي.  وضع ماركس الياذة هوميروس مقابل * هنرياء فولتير * التي اختارها دافعا من الدوافع عندما تطرق في حديثه عن العداء الذي يناصبه العصر الحديث لكل من الشعر والملحمة هذا وان المكاسب التي حصلت عليها الفلسفة الكلاسيكية في مجال نظرية الرواية تتمثل في اكتشاف الوحدة القائمة بين الملحمة والرواية من جهة ومن ضرورة استخلاص الخصائص المشتركة لكل فن ملحمي كبير خلال الفترة الكلاسيكية على ايدي كل من- جوته وشيلر وشيلينق وهيغل. ويكمن المغزى العملي لهذه الخصائص المشتركة ان كل رواية كبيرة تنزع نحو الملحمة.
 وهذا الفشل الذي تؤول اليه الملحمة هو مصدر العظمة الشعرية في الرواية ويتمثل مغزى النظرية الكلاسيكية للرواية ايضا في اكتشاف الفرق التاريخي بين الملحمة والرواية. ومن ثمة اقرار الرواية كشكل فني بالغ الحداثة.
صاغ جوته هذا التعارض بين الرواية والدراما بالشكل التالي: " يتعلق الامر في الرواية على الخصوص بابراز حالات العقل والاحداث فيما يتعلق الامر في الدراما بتقديم الطبائع والاعمال. وينبغي على الرواية ان تتقدم ببطء وان تعمل عواطف البطل الرئيسي على ابطاء مسيرة الكل نحو النتيجة. وان يكون البطل سلبيا وغير نشيط على اعلى مستوى على الاقل.
وسلبية بطل الرواية هذه لا بد منها كي نبرز صورة العالم المتعاظمة من حوله وعلاقاته بها من ناحية اخرى. غير اننا نلاحظ عكس ذلك في الدراما فالبطل الفاعل يدفع بالتناقضات الى اقصى حد ونرى في هذه النظرية العجز الذي عليه الرواية البرجوازية في مجال تجسيد بطل ايجابي. من ناحية اخرى.
وليس هناك شك في ان الفلسفة الكلاسيكية قد وضعت حدودا لهذه المسالة حينما حاولت ان تتخطى التناقضات الراسمالية لتصل الى - حل وسط – ليس بالامكان بلوغه على الاطلاق لتجعل من رواية. ويلهم مايستر- لجوته نموذجا على ذلك. وهذا ليس مصادفة بالطبع فالحل الوسط يوجد مجسدا في هذه الرواية بصورة واعية وعن قصد. ونستخلص ان الجمالية الكلاسيكية تعرف بالخصوصية الموجودة بين الملحمة والرواية بل انها ترى أن الاسطورة تمنح الملاحم القديمة ذلك المغزى الخاص الذي يتخذه لاختيار شكل من الاشكال في الرواية. يقول شيلينغ – ان الرواية ليست موضوعية الا بشكلها – وقد ابرز بيرون منذ السطور الاولى لروايته "دونجوان" التعارض بين الملحمة والرواية من جهة الشكل. وعلى الرغم من اتباعه النظم الشعري فانه كتب رواية ولم ينظم ملحمة.
 لقد اعلن هيجل بكل وضوح ان المعرفة الصحيحة بالوضع العالم للعالم ليست من وجهة النظر الجمالية الا افتراضا مسبقا للمبدأ الانشائي في حد ذاته. ولابتكار العمل واعداده... الا ان مشكلة العمل هذه تشكل المحور في قضايا الشكل الروائي... وكل معرفة بظروف المجتمع تظل مجرّدة وليست ذات فائدة من زاوية السرد القصصي اذا هي لم تتحول الى عنصر فاعل.
إن المحرك الاساسي في ملحمتي هوميروس يقوم على الصراع في المجتمع من حيث ما هو مجموعة فاعلة تتحرك بصورة موحدة ضد عدو خارجي.
 كان من الطبيعي لهذا الشكل من اشكال تجسيد العمل ان يغيب عن الشعر الملحمي بعد تفكك المجتمع الروماني. فطبائع الافراد لم تكن تقوى على تجسيد المجتمع كله بصورة مباشرة. بل كانت قادرة على تجسيد هذه الطبقة المتناحرة او تلك. ولم يعد بالامكان تجسيد وحدة الحياة لدى الشعب بعد ان صارت متناقضة. ماركس لم يعد بمقدور الشعر الملحمي العظيم ان يستخلص عظمته الملحمية بعد ظهور مجتمع الطبقات. وقد ظهرت هذه التناقضات في التصوير الملحمي كصراع بين الافراد ثم برزت الظاهرة القائلة ان التناقض بين الفرد والمجتمع يمكن ان تكون المحور الرئيسي في الرواية. والرواية  البرجوازية بخاصة في مرحلتها الاخيرة.
- الباثوس وهي مخاطبة عواطفهم ومشاعرهم. وأفضل طريقة للوصول إلى قلوب الناس ومشاعرهم.
دونكيشوت على وجه التحديد هو سلسلة من الفصول التي لا ترابط في مجملها الا عن طريق الباثوس الناشئ. عن صورة البطل في تناقضاته مع صانشو بانزا وعن الواقع المخلخل. ويمكن لنا هنا ان نلاحظ وحدة العمل بمعناها الملحمي الكبير.


                            الرّواية في طور التكوين
                           لوكاتش
الفصل الثالث:

ولدت الرواية الحديثة بمضامينها من الصراعات الاديولوجية للبرجوازية الصاعدة على انقاض الاقطاعية المنهارة. لكن المعارضة الروائية القائمة ازاء العالم الوسيط لم تمنع الروايات التي كانت في طور الولادة من تلقي موروث كل الثقافة الاقطاعية في الميدان القصصي وهذا الموروث الثقافي اكثر اهمية من العناصر المادية الموجودة بالمغامرات التي اتخذتها الرواية وعالجتها في شكل محاكاة ساخرة. ثم صارت الرواية موضوعا لتعديلات اديولوجية اخرى.
اكّد هايني هذا العامل الحاسم حين قال " لقد خلق سرفانتس الرواية الحديثة بادخاله الوصف الصادق للطبقات الدنيا في رواية الفروسية وضمنها حياة الشعب." النضال المزدوج ضد الظروف الحاسمة التي تفرضها مرحلتان تاريخيتان بالصراع ضد البطولة الجوفاء التي جاء بها عصر الفروسية من ناحية والنضال ضد انحطاط مستوى النثر في المجتمع البرجوازي. وهذا الصراع القائم على جبهتين هو سرّ عظمة الروايات الكبيرة الاولى. حيث كانت الخرافات تطلق العنان لنفسها.
لقد مكن هذا الشكل من التجسيد للمتناقضات في بداية التطور الروائي من اتخاذ موقف اخر حيال البطل الايجابي. وان عجز الشاعر النبيل عن تجسيد بطل ايجابي يعود الى جوهر المجتمع البرجوازي. إن الصراع ضد العصر الوسيط هو الذي مكن سرفانتس ورابليه من تحقيق هذا التنوع في الاسلوب الروائي الخرافي وهو صراع كان مصحوبا بالحصول على كل موروث العصر الوسيط من المواد والطرائق الفنية. هذا وان الواقعية التي اصبحت هجائية ناقدة محضة قد بشرت بمرحلة جديدة من مراحل تطور الرواية.





                                      توظيف الواقع اليومي
الفصل الرّابع:                         لوكاتش



تكاد تشاؤمية سويفت المفرطة تجاه المجتمع البرجوازي ان تكون فريدة خلال القرن التاسع مثلما كانت طريقته الهجائية الناقدة واساليبه الخرافية خارجة عن نطاق الاتجاه العام او التيار الرئيسي للتطور الروائي وهذا لم يكن ليعني ان الكتاب الاخرين اقل من سويفت تجسيدا للمواقف المفجعة التي تفصح عن – السيادة الحيوانية الروحية – لدى المجتمع الراسمالي الناشيء.
 والكتاب من امثال ديفو.. فيلدينغ.. سمولت. تجد عالما مجسدا بصورة واقعية تزودنا بمضمون تشاؤمي على طريقة سويفت. ثم تخلت الرواية عن ذلك المجال الرحب المتمثل في الاسلوب الخارفي واتجهت نحو تصوير الحياة الخاصة للانسان البرجوازي واقتصر عالم الرواية على الواقع اليومي في الحياة البرجوازية. ولم تعد التناقضات الكبرى المحركة للتطور الاجتماعي التاريخي مجسدة الا بالمقدار الذي تبرز فيه بروزا واضحا ونشيطا في اطار الواقع. عبر اناس حقيقيين لواقعية بعيدة عن ان تكون صورة مجردة لصورة خارجية في الواقع تحتل فيها التفاصيل مكان الصدارة الا انها كانت تقصد الى ما هو نموذجي. وهاهو فيلدينغ يعلن" ان تصوير اناس احياء هو نشاط زائف خال من اية قيمة اذا كان الاشخاص غير نموذجيين." فهناك نقد للركام المتعفن في المجتمع القديم. وهناك نقد ذاتي للطبقة التي تنحدر منها الكتابة التي بدات تعمل على انشاء المجتمع الجديد. بيد ان انتشار الرسائل والاعترافات والمذكرات الخاصة... بدات تعمل على تفكيك الشكل الملحمي للرواية.




                                    السّيادة الحيوانيّة
                             "في الشعر"
الفصل الخامس:

عنت الثورة الفرنسية على حد ما اعلنه ماركس نهاية المرحلة البطولية للتطور البرجوازي، بدأت الرواية تعود الى الاسلوب الخرافي الذي اختطفته في بدايتها غير ان هذا الاسلوب صار اسلوب التناقضات المفجعة التي اقلقت الحياة البرجوازية وتحول الباثوس المتفائل الى باثوس ماسوي يغذيه الشعور بهلاك الحضارة البرجوازية والذي يخضع لضرورة وان الصورة الجذابة التي كانت عليها الرومنتيكية تعود لكونها خليط ينطوي على رواسب رجعية ضد الثورة الفرنسية. وعلى احتجاجات مبهمة ضد فضاعة الراسمالية. التي كانت آخذة بالاتساع انذاك. وبذلك تخلد الرومنتيكية في ابداعاتها معارضة اصابها الجمود بين النثر الموضوعي والشعر الذاتي لكونها احتجاجا عاجزا يناهض الاساليب النثرية. وتدوهر المد الشعري الذي كان ضروريا على الصعيد الاجتماعي وتحوله باتجاه الذاتية العاجزة ازاء الواقع. وظهر التعارض بين المبدا الشعري والنثري على انه شكل محكوم عليه بالمغالاة الخرافية – هوفمان ادغار الان بو – وكذلك التخلي التام عن ميدان الواقع الاجتماعي ومحاولة خلق الواقع الشعري كواقع – سحري – محض نوفاليس انطلاقا من الموضوع وبكل حرية. ثم انه يظهر بالتالي في مغالاة رمزية تدور حول التشيء المُتحجر في العالم الخارجي. وهذا هو اهم مبدأ انشائي في تطور الرواية اللاحق. وفي محاولة انتزاع العناصر التي اصبحت نثرية عن طريق الاسلوب الرمزي – ومن اعادة شعره اليه -  فالرومنتيكية التي عقدت العزم على خوض غمار حرب طاحنة ضد الاساليب النثرية في الحياة الحديثة قد استسلمت لذلك النثر الذي اعتبر كمصير محتوم ونهائي.
ان انعدام التوافق في هذا الصراع ضد الاساليب النثرية في المجتمع الراسمالي يحدد مواقف هؤلاء الكتاب تجاه مسالة – البطل الايجابي – وبالتالي تجاه الحالة الوسطى. التي هي حاسمة فيما يتعلق بالاسلوب وبناء الرواية. وان صرامة هيجل فيما يتعلق بتكوين البطل الرومنتيكي – وهي تدفعه الى الاعتراف بصحة الواقع البرجوازي – انما تفرض القول انه ينبغي ان يؤدي هذا الاعتراف الى خلق بطل ايجابي. غير ان هذا البطل الايجابي كما صوره هيجل بكل تهكم قد يجعل من البطل جاهلا مثل الاخرين. ان تجسيد هذه المتناقضات التي لا حل لها في المجتمع البرجوازي تحول دون خلق البطل الايجابي.

                     الواقعيّة الجديدة وتفكك الشكل الرّوائي

الفصل السادس:
قام أدب سردي ترفيهي بجانب الادب الروائي الرفيع ولم يطرح الادب السردي ايما مرة مشكلات المجتمع الكبرى بصورة جدية واكتفى بنسخ العالم كما كان ينعكس على الوعي البرجوازي القروسطي الا ان التعارض بين الادب الترفيهي هذا والرواية الكبيرة ابان صعود نجم الطبقة البرجوازية لم يكن بمثابة تناقض صريح مثلما كان عليه ابان فترة انحدار البرجوازية.
ان نقطة الانطلاق الفنية التي تميز الواقعية الفلوبيرية هي الحقد على الواقع البرجوازي واحتقاره وتوجد الحياة التافهة التي حاربها فلوبير بواقعيته على الطريقة الرومنتيكية توجد مجسدة عبر وسائل التذوق الفني فقط. اذ ليست التحديدات المحملة بالدلالات هي التي تشكل بوتقة العمل الفني بل التنشيط الحسّي لما هو تافه من خلال الكشف عن تفاصيله كشفا فنّيا.



                              أفاق الواقعيّة الاشتراكية.
الفصل السابع:

بيّنا أهمية المنعطف الذي احدثه صعود البروليتاريا الى حلبة التاريخ على طول الخط البياني للرواية البرجوازية وكلما ظهر عمق الصراع الطبقي كلما قلت امكانية الروائيين البرجوازيين في معالجة مشكلات المجتمع الاساسية معالجة عميقة. وقد انتج نضج الوعي لدى البروليتاريا في ميدان الرواية كما هو الشان في كل ميادين الثقافة مشكلات ومناهج ابداعية جديدة واستطعنا ان نلاحظ من خلال هذه النظرة الشاملة مشكلة الاسفاف والتحقير للانسان في المجتمع الراسمالي الذي اصبح بالضرورة مشكلة رئيسية للشكل الروائي بعامة. والمجتمع في نظر البروليتاريا وفي منظور الرواية تحديدا ليس عالما مكتملا ينطوي على اشياء جامدة. وقد قدر لنا ان نلاحظ في الرواية البرجوازية ذلك التوتر الذي يمكن ان ينشا من كفاح الانسان في سبيل وجوده الخارجي ضد النظام الاقطاعي. ويكون ضد النظام الراسمالي وان باثوس هذا الكفاح يزداد شدة وقوة بالنسبة الى البروليتاريا بغية تنظيم الطبقة تنظيما ثوريا لقلب الراسمالية. لقد انتج الصراع الطبقي نموذج رواية جديدة تماما في الواقعية الاشتراكية. وان نمو العناصر الملحمية المحضة قد انتج بالضرورة نزعات في التطور العلمي الاجتماعي وان العلاقة الجديدة ما بين الرواية الواقعية الاشتراكية والمسائل الاسلوبية في الادب الملحمي تعطي لقضية التراث في هذه المرحلة دلالة بالغة الخصوصية.







   
                  ميلان كونديرا
                   فنّ الرّواية:

 - محاضرة هوسرل:
 تمحورت محاضرة هوسرل عن أزمة الانسانية الاوروبية التي اختزلت العالم الى مجرد موضوع استكشاف تقني. وابتعدت عن عالم الحياة الملموس. بعد ان استحوذ على الانسان حب المعرفة. فلم يعد الانسان سيد الوجود كما يقول ديكارت بل سيطرت عليه قوى التقنية والسياسة والتاريخ..... مما دفع بالفيلسوف هايدقر.... للحديث عن نسيان الوجود. وهذا الغموض لا يحط من قيمة اربعة عقود من النهضة العلمية المتخصصة. لكنها نهضة تحمل بذرة فنائها في داخلها. فمؤسس الازمنة الحديث ليس هو ديكارت فقط بل ايضا سرفانتاس؟. لئن نسيت الفلسفة والعلوم عالم الانسان الحي فان سرفانتاس عمل لاستكشاف الوجود المنسي. فالموضوعات الوجودية الكبرى التي يحللها هايدقر في كتابه الوجود والزمن. والتي يدعي ان الفلاسفة قبله قد اهملوها... قد تمت دراستها خلال 4 عقود من الرواية..1/ معاصري سرفانتاس ماهية المغامرة....2/ مع رتشاردسن ماهية الحياة السّرية للاحاسيس...3/ بالزاك تجذر الانسان في التاريخ...4/ فلوبير البحث في اليومي. تولستوي تدخل اللامعقول في حياة الانسان....6/ مع بروست اللحظة الماضية المنفلتة....جويس الحاضر المنفلت./ توماس مان دور الاساطير القادمة من اعماق الازمنة توجه خطواتنا.
حيث يقول هرمان بروخ إن اكتشاف ما لا يتسنى اكتشافه بغير الرواية هو المبرر لوجود للرواية. فالرواية هي اكتشاف اوروبا الادبي. وان تحققت بلغات مختلفة. بطلان اللاهوت وبداية اللايقين والنسبية الذي تعبر عنه تعددية الشخصيات الروائية المتضاربة.
لقد انتهى عهد الازمنة الهادئة بروست وجويس حيث كان على الانسان ان يقاوم تغول روحه. واتى عهد كافكا وبروخ حيث ياتي الغول من الخارج ويسمى التاريخ في زمان المفارقات الكبرى- الحرب العالمية الأولى. فالحقيقة المطلقة الشمولية لا تتوافق مع روح الرواية.
المستقبليون والسرياليون... اشاروا الى نهاية الرواية. وليست تلك فكرة وهمية فمنذ قرابة نصف قرن توقف تاريخ الرواية في الامبراطورية الروسية. وهي تكرر نفسها تحت سلطة شمولية.
لقد ادخل موزيل وبروخ الى الرواية فكرا ساميا لا بغاية تحويل الرواية الى فلسفة بل بغية تحريك قاعدة الحكي.
نجح كافكا في تحريك الخيال الراقد للقرن التاسع عشر  بانفتاح يطلعنا ان الرواية هي المكان الذي يمكن فيه للخيال ان ينفجر كما في الحلم.
الزمن - تجاوز الزمن البروستي الذاتي الى الزمن الروائي الجماعي الكلي. فاختزال كل شي في رموز محدودة جعل الحياة منسية.
كونديرا -  ان روح الرواية هي روح التعقيد. تقول للقارئ ان الحياة اعقد مما تتصوّر.
إعجاب كونديرا بالروائي كرستيان سالمون: وهو يجري معه حوارات حول الادب النفسي وتيار الوعي وحول روايته الشهيرة كائن لا تحتمل خفّته.
 سيكولوجية بناء الشخصية. توماس في الرواية كائن وجودي لذا لا يكلف نفسه وضع بورتريه مادي له. في المقابل البطلة موصوفة جدااا في العمل لان وجودها حسّي. يقول هايدغر ان الانسان مرتبط بالعالم مثل ارتباط الحلزون بصدفته.
الفعل هو الصورة الشخصية اوتوبورتريه لمن يقوم بالفعل. يقول دانتي : في كل فعل يكون القصد الاول للذي يفعل هو ان يكشف صورته الخاصة .
غومبروقيتش حكايات وهمية. لا يفلت من ارث الواقع التاريخي البالزاكي.
الرواية لا تبحث الواقع بل الوجود بامكاناته المتخيلة.
المسرنمون لهرمان بروخ....تغطي 30 سنة من حياة اوروبا.... تتحدث عن تدوهر القيم الانسانية.
في انا كارانينا استخدم تولستوي لاول مرة في تاريخ الرواية المونولوج الجويسي. دجيمس جويس. لكشف المسار الانتحاري لروح آنا. اكتشاف دور اللامعقول في القرارات الانسانية... كذلك رواية بروخ. المسرنمون في اجزائها الثلاثة.
كرستيان سالمون : كل الاعمال الكبيرة تنطوي على جزء مما لم يتحقق.
1/ فن للتكيف الجذري يتيح استيعاب تعقد الوجود دون فقدان الوضوح المعماري للرواية
2/ فن للكونتربوان الروائي: قابل ان يلحم الفلسفة والحكي والحلم في موسيقى واحدة.
3/ فن المقالة الروائية: فن لعبي وتهكمي لا يزعم انه يحمل رسالة يقينيّة. بل هو قائم على الافتراض.
البوليفونيا الموسيقية هي التطور المتزامن لصوتين او عدة اصوات. كذلك البوليفونيا الروائية وما يناقضها التاليف الاحادي الخط. بحيث يتم الخروج من الحبكة الخطية في الرواية بانفتاح حكايات لاصوات اخرى. ولا يعد ذلك بوليفونيا الا اذا تزامن تطور الفعل الروائي وتجاوب مقال السرد. بحسب اصطلاح شكلوفسكي / قصص مستدمجة / في وعاء الرواية. مثال رواية الشياطين لديستوفسكي........لها 3 خطوط كبرى. تتطور بصفة متزامنة. وبوسع هذه الخطوط ان تؤلف 3 روايات مختلفة.....1/ الرواية التهكمية 2/ الرواية السياسية 3/ الرواية الرومنسية. وكل فرع تمثله شخصيات واحداث تتزامن في تطورها الدرامي. بحيث تلتقي الشخصيات المختلفة في ترابط حبكوي في وحدة غير قابلة للتجزئة.
لكن في رواية المسرنمون لهرماخ بروخ فان البوليفوني تمضي بعيدا....فان اجناس الخطوط الخمسة تختلف عن بعضها....فاذا كانت في الشياطين 3 روايات....فانها هنا....لدى بروخ 1/ الرواية2/ الريبورتاج3/ القصة القصيرة 4/ القصيدة 5/والمقالة. ان هذا الادماج للاجناس اللاروائية في جنس الرواية في بوليفونيا روائية يشكل التجديد الثوري الذي انجزه بروخ. وهذه الخطوط الخمسة تتطور دون ان تلتقي ماديا لكنها تلتقي في المشروعات الكبرى للرواية.
من المبادئ في البوليفيونيا الموسيقية هو التكافوء وعدم هيمنة اي صوت. لان جميع الاصوات تعالج ماهية واحدة في الرواية. فالبوليفوني الروائية شعر اكثر مما هي تقنية.
المقالات التأملية التي تكتب داخل الرواية لها خصائصها التناسبية لذلك يسميها كونديرا المقالة الروائية. روايات نوفاليس هي الاولى التي تشير الى قيمة الحلم ورويات كافكا بعدها بزمن طويل التحام تام بين الحلم والواقع. / رواية القصر / بطلها....الرمز.. ك. ان الحكاية الحلمية هي خط من خطوط الكونتربوان. / فلسفة... حلم... حكي.
حتى التجريب في الرواية الجديدة يقوم على وحدة الحدث...///  او اللاحدث.
الرواية تامل في الوجود منظورا اليه من خلال شخصيات متخيلة. فحبكة الرواية عند كونديرا تاليف حكاية روائية وفوق هذا المستوى يقوم بتطوير موضوعات في المستوى الثاني لكنها داخل الحكاية وبواسطتها دون انفصال.
 والاستطراد  يكون خارج نظام الموضوعة... لكنه يقوي السرد. لقد كانت الرواية الاروبية الكبرى تسلية في بدايتها لكن هذه التسلية لا تلغي الجدّ. تاليف بوليفوني يوحّد عناصر غير متجانسة وتاليف قودقلي يؤلف عناصر متجانسة مسرحية.
الايديل: عالم ما قبل الصراعات.
التهكم يستفز لا لانه يسخر او يهاجم بل لانه يحرمنا من اليقين ويضعنا امام الالتباس. الغنائية هو التعبير عن الذاتية التي تبوح بنفسها....الملحمية هي الرغبة الجامعة في الحصول على موضوعية العالم.
هناك 3 امكانيات اولية لدى الروائي:
1/ يروي حكاية... فيلدينغ
2/ يصف حكاية... فلوبير
3/ يتأمل حكاية... موزيل.
ان كتاب سيرة الروائي يهدمون ما بناه ويبنون ما هدمه. وقد هدم حياته الشخصية لصالح الرواية. الفلسفة نشات من العقل النظري والرواية من روح الفكاهة.













التخييل الذاتي


يعتبر بول ريكور: رائد سؤال السّرد من ممثلي التيار التأويلي، والمهتمين بالبنيوية. ومن مؤلفاته الخطاب وفائض المعنى. ومن مقولاته: تروى الحياة، و يعاش السّرد.
يعاش السرد ثانية ولكنه لا يعبّر أبدا على ذات المعيش بل على وعينا وشعورنا به. لذلك نحي ذات الواقع، وتختلف التعبيرات عنه لأن طبيعة اللغة من جانبها الاسلوبي وطريقة صياغتها الفردية ذاتية لا تتكرّر، داخل الأنساق الرّمزية، التي تتولى اللغة صياغتها، بتقنيات قد يكون بعضها خارجا عن نطاق اللغة ذاتها بصفتها مجموعة علامات كونيّة مجرّدة تكون لعبة التخييل الذاتي. فالتاويلي يتجاوز ماهو نسق لغوي محض.
لذلك لا يخلو السير ذاتي من جانبه التخييلي. مهما كان ميثاق الصدق الواقعي في العمل الادبي. فكل رواية لا تخلو مما هو سيري وكل سيرة ذاتية مهما كانت صادقة لا تخلو من تخييلي.
يقسّم برينو بلاكمان التخييلات الى لعبيّة/ وحيّة.
التطابق بين المؤلف والانا الراوي يساهم في التقسيم بين الرواية السيرة الذاتية والسيرة الذاتية المحض.
نظرة بول ريكور للاسطورة طاقة استكشافية في اتجاه المقدسات لكنّ الوضعيين يعتبرون الاسطورة سيدة الخطأ والزيف.
الشكلاني الروسي فلاديمير بروب/ عناصر الاسطورة 31 بداية من الافتقار.....الى التوازن. وهي 3 مراحل كبرى.
 وهذه الانساق الثلاث للاسطورة..... هي ذاتها نواة الحكي.....توازن اضطراب نتيجة.
الاضمار او الحذف مصطلح سردي استعاره الانشائيون من علم النحو والبلاغة. وفي السرد هو اسقاط مدة زمنية من الحكي وتجاوزها لغرض ما وهو اسرع حركة سردية على الاطلاق. وهو القفز على فترة زمنية فلا يكون لها وجود. ويكون معلن او مضمر وغائي هناك قصدية ادبية من ورائه. / جيرار جينات /
إعادة الكتابة :
تقنية اعادة الصياغة التلفظية بضمير السارد على لسان ضمير الغائب الهو. رولون بارط/ وقبله بختين. مهمة اعادة الكتابة هي التبئير للتمييز بين وجهتي نظر الشخصية او الراوي.
الافاضة:
  جيرار جونات: الصيغة والتغيير الممكن دخوله على التبئير.... من معلومات تخترق وتتجاوز ما يسمح به صنف التبئير المعتمد في مقطع سردي بعينه. وهي التحول من التبئير للشيء الذي يدركه الرواي الى ما يخص ويتجاوز معرفته الى مدركات الغير.
الامّحاء التلفظي:
 لعبة تجريها الذات المتكلمة كما لو كان بمقدورها ان لا يكون لها وجهة نظر وأن تختفي تماما من فعل التلفظ وأن تترك الخطاب يتكلم من تلقاء نفسه.
الانباء الاستباقي:
  يدعوه جينات استباقا مكررا.....من مقولات الزمن القصصي... فلاش مسبق لزمن تالي. كقولنا وذلك ما سوف يتوضح ذكره في فصل قادم من الرواية.
الانجاز:
 عند جريماس هو أحد عناصر البرنامج السّردي وهو العملية التي تغيّر الحالات اي انها تنقل حالة الاتصال بين الذات والموضوع الى حالة انفصال و اتصال موالي.
الانسجام:
 مجموع الخصائص التي تجعل الخطاب ملائما اي مؤدي الى عمل تواصلي ناجح...1/ التكرار...2/ النمو الاخباري...3/ عدم التناقض ...4/ التعالق المنطقي والتشاكل. ليس الانسجام خاصية لغوية في اللملفوظات وانما هو نشاط تاويلي...آدام.
 فاذا كان الاتساق ذو بعد لغوي فالانسجام ذو بعد تاويلي.
الانشائية :
يعود المصطلح الى ارسطو في كتاب فن الشعر. في الفن الادبي باعتباره ابداعا قوليا. الانشائية البنيوية الاروبية التي انطلقت من الرومنطيقية. اعمال الشكلانيين الروس حلقة بختين والمدرسة المورفولوجية الالمانية...والمدرسة الظاهرتية وحركة النقد الجديد والارسطيين الجدد والبنيويين الفرنسيين/ الانشاء القولي والتركيبي والدلالي/ اهتمام الشكلانيين بالتركيبي....وبعدهم البنيويون....فحسب تودوروف تسعى الانشائية لفهم القوانين العامة التي تتحكم في ولادة كل اثر. البحث في فذاذة الاثر الادبي اي الادبية. بين التاويل والانشائية تقوم علاقة تكامل...والانشائية علم يهتم بالسردية بالنسبة للنص القصصي. والشعرية للنص الشعري والدرامية للنص المسرحي... والنظرية تعتني بالشكل الاجوف الذي ينظم النصوص المفردة... يقول تودوروف كل انشائية هي بنيوية لان موضوعها بنية مجرّدة وليس مجموع النصوص.
الانفصال:
الانقطاع بين الذات والموضوع. الانجاز.... والتصديق. بين وضع اولي ووضع نهائي وذات وموضوع....انفصال ونوال. وتتكون البرامج السردية من تجميع التلفظات الفصلية والوصلية التي يمكن تنزيلها في مستوى زمني.
الايعاز:
 عند غريمان:هو احد عناصر البرنامج السردي...عمل ذات فاعلة في دفع ذات فاعلة اخرى لتحقيق برنامج معيّن. وتتخذ صيغات مختلفة ومتنوعة.
البارقة:
البارقة  الحقيقية والبارقة المزيفة.
 وهي من علامات اتساق النص السردي. تندرج في اطار الترتيب الزمني للاحداث. لا تفهم الا بصفة ارتدادية... مسمار تشيكوف.... فلاش. وهي من تقنيات التمهيد الكلاسيكي...ولا تكون في الخاتمة.
بؤرة السّرد:
يعود المصطلح الى كل من كلينيث بروكس وروبرت وارن...وهو وجهة نظر الشخصية... صاغ جينات مصطلحه التبئير....من هذا المصطلح بؤرة السرد...مقابل التبئير الصفري الذي لا يتوجه لنقطة معينة ينظر منها الى الاشياء.
تاليف زمني :
جينات/ جمع ازمنة متنافرة يضمها الرواي بموجب صلات مكانية او غرضية.
التبادل:
ضرب من الحوارية بين طرفين بالتلفظ سؤال جواب.... او الايماء.....التبادلان التنبيهيان في الاول والختام....ويمكن ان يكون مغّيبا كأن يقال تبادلا التحية دون تدقيق......والتبادل الاوسط في لب الحوار.1/ تعليمي2/ سجالي3/ جدلي.
تبئير:
هو مبحث من مباحث الصيغة والصوت...1/ الرواي العليم.....2/ الرؤية من الخارج....3/ الرؤية المصاحبة.
تبرير:
هو مصطلح الشكلانيين الروس...لتبرير تعاقب الاحداث بشكل منطقي.
التبعيد في التناص المقصود:
 الاشارة الى نماذج من اعمال قديمة الجاحظ...كليلة ودمنة.....الخ
المونولوج: الحوار الداخلي الباطني.
التخييل الذاتي:
 مصطلح للفرنسي سيرج دوبروفسكي. والتخييل الذاتي سيرة باسم المؤلف ولقبه لكن احداثها لم تقع له.
فيليب لوجون 1975 الميثاق السير ذاتي. تطابق بين اعوان السرد الثلاثة.. الرواي والشخصية الاساسية والمؤلف. ويقوم الاسم العلم دليلا على ذلك
سيرج دبروفسكي....رواية الاكاديمي لملا الفراغ الاجناسي بين السيرة والرواية.. ومقولة: ما ان حوّلت نفسي الى جمل وجدت نفسي مُهمّا. التخييل الذاتي.
تعريف السيرة الذاتية باعتبارها السرد الاسترجاعي الذي يتوسل تداعي فعل الذاكرة عكسيا من مصبه الى منبعه. بحرص كرونولوجي يكون توثيقا لوقائع المرجع..وهي تحيد في السنوات العشر الاخيرة عن هذا الحرص الكرونولوجي....لتلتبس عن جنسها وجنس الرواية الصريح... فهو سيرة ذاتية روائيا....او رواية سير ذاتية.....او رواية اوتوبوغرافية....واخيرا تخييل ذاتي. / عقد المؤلف القارئ/....لكن العقد ينحو نحو الالتباس. ويعود الى بداية السبعينات في فرنسا. .. اهتم به النقاد الكبار مثل لوجون وجونات وكولونا. ويقف هذا الجنس الادبي الوليد بين جنسين متاصلين هما الرواية والسيرة الذاتية. يستمد من الاولى الحرية ومن الثانية الذات والمرجع....ويسعمل ادواتهما كليهما. ارباك القارئ بين المتخيل والواقعي المنسوب لحياة المؤلف.
بنجامين كونستان / لست في الحقيقة كائنا واقعيا.
دوبروفسكي: احلال مغامرة اللغة محل لغة المغامرة. تفخيم الانا للبحث عن الذات المفقودة... فتتنازل اللغة عن وظيفتها التبليغية لوظيفتها الشعرية. فلم تعد الحقيقة عند روب غريه وبارط هي الكلمة الختامية للنص وانما هي الكلمة الغائبة عنه. وعليه يصبح التخييل الذاتي النسخة الحداثية عن السيرة الذاتية القديمة.
فنسنت كولونا اطروحة دكتوراه امام جينيت عن التخييل الذاتي. وضع الذات موضع تخييل وليس الموضوع... مما يطرح الشك في جدوى الدراسة المرجعية بل الميل الى الغائها... لوجون: اعلاميا تماهي الشخصية الرئيسية والرواي والكاتب. الفارق الوحيد بينها وبين الرواية المحض. ولكنها تعتمد الاسم العلم الحقيقي للمؤلف.
نوعان من التخييل الذاتي/ 1 التخييل الذاتي الحقيقي يلتزم بالمرجعية....والتخييل الذاتي العام تتقاطع فيه المرجية بالمتخيل..........وبذلك خلق عقد التخييل الذاتي المتناقض.... فعند الحداثيين الغاية هي البحث عن الحقائق والقيم لكن بعد الحداثة فقدت البحث عن هذه القيم نهائيا.
سعت البنيوية والشكلانيون الروس الى اخضاع الظاهرة الادب لقوانين العلم.
ليس عبثا أن تبني الرواية المعاصرة حسب بنفينيست اساسها حول الوضعية اللسانية للذاتية. وهي وضعية تسعى الى اثبات الاخر في مواجهة الانا. فلم تعد تهتم برؤية خاصة للعالم بقدر ما تهتم بمشروعية وجود الانا بازاء الاخر.
يعتبر دوبروفسكي التخييل الذاتي سيرة ذاتية بعد حداثية ويعطيها شروط. 1/ الهوية الاعلامية اسم المؤلف الحقيقي واسماء الفاعلين الاساسيين السرد الحقيقي للواقع والحميمي واثبات السمات الروائية بالصفحة الاولى / رواية / وتبني استراتيجية الرواية في السرد وتجنب التكوين الخطي الزمني.
يقول لوجون : اذا عرفنا معنى الكتابة فان العقد الاوتوبيوغرافي تصبح وهما. ويقول اندري موروا....السيرة الذاتية بدل ان تمكن من معرفة الذات تدفع بكاتبها الى خيانته لذاته بطريقة لا يمكن تجنبها. وقد اطلق جيرار جينات صفة التخييل الذاتي على رواية بروست البحث عن الزمن الضائع رغم كونها لا تستعمل صيغة الانا الكاتب......بوفاري ايضا يقول: مدام بوفاري هي انا ... بشكل مموّه.
حساسية الرواية الجديدة في فرنسا التي ارساها الان روب غريه.
ما بعد الحداثة نصبت الذات سلطة مركزية في كينونة الادب الذي تخلى تدريجيا عن رغبته في اصلاح العالم.....مما جعل كلود ارنو يتحدث عن عصر تخييل الانا. يقف المؤلف على مسافة من ذاته ويقوم بتحويلها الى موضوع للتامل فمعظم الروايات الاولى هي بنظر كليف جيمس هي سيرة ذاتية مقنعة.
رواية خيوط لدوبروفسكي جاءت ردّا على الفراغ الذي تحدث عنه لوجون في الادب التخييلي بحيث يتطابق البطل الروائي بالاسم واللقب هو والمؤلف ومع ذلك يكون النص تخييليا. لا علاقة له بالحقيقة الواقعية.
اهم مل يميّز التخييل الذاتي في الرواية السير ذاتية ان الشخصية الرئيسية في الرواية السير ذاتية شخصية تخييلية لا تطابق بينها وبين المؤلف لكن المؤلف لا ينفك يقرّب بينها وبينه.







                 

                                        التداوليّة
التعريف :

هي مذهب لساني يدرس علاقة النشاط اللغوي بمستعمليه وطرق استخدام العلامات اللغوية بنجاح والسياقات والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز ضمنها الخطاب والعوامل  التي تجعل رسالة تواصلية واضحة. والبحث في اسباب الفشل في التواصل في اللغات الطبيعية.
 والتداولية ليست علما لغويا محضا بالمعنى التقليدي. بل دراسة الظاهرة اللغوية فقط في مجال الاستعمال التطبيقي خلال الحوار والتبليغ.
والتداولية حقل لساني تبلور في السبعينات وهي العلم الاحدث بين العلوم اللغوية الاخرى فهي نظرية نقدية لم يكتمل بناؤها بعد. تقوم التداولية على رفض ثنائية دي سوسير.... لغة / كلام والتي مفادها ان اللغة وحدها دون الكلام جديرة بالدراسة. في حين تهدف التداولية الى دراسة اللغه ومتداوليها والناطقين بها / فهي تدرس خصائص اللغة ابان التواصل.
بعض طروحات التداولية / من يتكلم / من هو المتلقي/ ماهي مقصديتنا اثناء الكلام/ كيف نتكلم بشيء ونسعى لقول شيء اخر / هل المعنى الضمني كاف لتحديد المقصود. وبذلك تحولت التداولية في دراستها الالسنية من مجال اللغة الى مجال الادب. فصارت تسمى بالتداولية الادبية مهتمة بالتحليل ودراسة النصوص.
المنظران الاولان للتداولية هما أوستين وتلميذه سيرل: وبعدهم غوفمان...الخ  يؤكدون على دراسة الظاهر اللغوية اثناء الاستعمال. دراسة القصد الاخباري . معنى الجملة... والقصد التواصلي ومعنى المتكلم... واما المقدرة على الادراك وانتاج فعل تواصلي ما فيدعى القدرة التداولية كما يسميها كاسبر. فالالسنية ومن اصحابها نعوم تشومسكي سعى الى استخلاص موضوع السني وعزله عن اليومي. عكس التداولية التي ترفض حضر اللغة في النحو والمعاني... بل ان الاتصال يلعب دوا فاعلا في تحديد المعنى
اذا كان علم التركيب يبحث في العلاقات بين العلامات في اطار الجملة. واذا كان علم الدلالة يبحث في العلاقات بين العلامات.... فان التداولية في النقد الحديث تدخلت لجبر النقص في كلا العلمين. تلك المفاهيم لم تكن ذات شان من قبل في فلسفة اللغة ولا في اللسانيات البنيوية.
ظهور البنيوية التي دعت الى تحليل العمل الابداعي على اساس انه الة لتصنيع الاشكال اللغوية القابلة للتفكيك. ثم اعادة التركيب والبناء. فهناك علائقية تربط بين الوحدات التي لا ينظر اليها بصفتها المعزولة. كانها رقعة شطرنج. تحليل الجانب الشكلي الوصفي للغة.
وقد سارت الدراسات التداولية في اتجاهين فلسفي واتجاه لساني. فالدراسات اللسانية استعملت التداولية بوصفها جزء من السيميائية اللسانية. وليس بعلاقتها بانظمة العلامات عموما.
البلاغيين القدامى اقرب الى المنهج التداولي لان اهتمامهم انصب على حقل البلاغة وعلاقة اللغة بالمنطق. وبالتحديد دراسة اللغة الحجاجية وتاثيرات الخطاب في السامعين.














                                 في المناهج التأويليّة
                                  

التأويلية أو الهرمينوطيقا مجموعة القواعد والمعايير التي يتبعها المفسر للنص التوراتي ليستخدم في العصر الحديث في تاويل كل اونواع الاعمال الفنية. وهو تعبير اغريقي قديم لتاويل النص الهوميري. وهي فن فلسفي يعمل على تفكيك العوالم الرمزية. وخاصة الاساطير والرموز الدينية والاشكال الفنية وحديثا صارت الهمرمونيطيقا تعني نظرية عمليات الفهم في علاقاتها مع تفسير النصوص. ونظرية التفسير ومناهجه. فهي توظف السياق التاريخي الاجتماعي من اجل بلورة المعنى فهي تفرض وضعا فلسفيا للمرجعية بما هي معيار للتقويم. وبذلك تاتي تتويجا للجهد الظاهراتي الهوسرلي في الاستعاضة عن المناهج العلمية في العلوم الانسانية بمقاربة معرفية اعمق واشمل. يؤكد هايدقر ان المنهج الفينومونولوجي هو هرمونيطيقا. فالمعنى ليس شيء يمنحه شخص لموضوع ما بل هو ما يمنحه الموضوع للشخص من خلال امداده بالامكان الانطولوجي للكلمات واللغة. فالحقيقة ليست مجردة في المطلق بل تنطلق من التجربة من خلال عملية القراءة مثلا. بين الذات وموضوعها القرائي.
حسب المنظور التفكيكي النص لا قيمة له دون قارئ فنظريتهم تقول القارئ النص. وليس النص والقارئ. تلازم الفهم والقراءة والتاويل.
ميّز بول ريكور بين سيكولوجية الفهم الذاتية المعرفية ومنطق التاويل الانطولوجي.
 الفهم هو اساس اللغة والتاويل لان الفهم متقدم على التاويل. فهم تاويل تطبيق.
اومبرتو ايكو لكي نؤول يجب ان نتلقى. تفاعل المتلقي بالباث تواصل / تفاعل المتلقي بالنص تاويل.
الشكلانيون/ شيكلوفسكي وجاكبسون وفينكور. 1910 .... 1930

                                           ****
البنية الثلاثية في علم السيميائيات، لفهم مظاهر الوجود فالاولانية تعني الوضع البدئي غير المتشكل والثانيانية تعني الوضع المشكل. والثالثانية تعني الرمز المستفاد من التشكل. ولنا ان ندرج هذا التصور المستوحى من السيميائية. ضمن تصور انطولوجي للانسان.
                                            ***
ان للانسان ملكة تقدير بدئية كما يقول كانط لذلك فان المعنى موجود أصليا في الوعي البشري. وأن مهمة المأول اشتقاقه من الوضع الاولي. لكن هوسرل لا يرى ذلك وان للمعنى الملفوظ بنية تجريدية لا توجد في المرجع الواقعي ولا الذهني لذلك تمثل الهرمونيطيقا تفعيلا لطاقات الحياة الخلاقة التي تتخذ العلامات طريقة لابلاغنا بالقيم وقوانين الوجود. انطلاقا من تجريد يجد حقه في تجسيد ثم تشييد. فتأويل العلامة ينتهي بفهم أفضل للذات. الهرمونيطيقا تتجاوز المحصلات العلمية لتفقه حقيقتها المجردة منظورا اليها من خلال الذات. وهكذا يغدو تاويل العلامة تأويلا مُستجدّا للذات يلائم القائم بالتأويل.
يتبع.....؟












                        الحجاج
كريستيان بلانتان:
كل كلام هو حجاجي بالضرورة.
وهو حسب جون بليز كرايس تقديم الحجج والادلة لدعم دعوى او نقضها. من اجل استمالة الغير هوويا او اقناعه عقليا للاندماج الحواري والتواصل. ويكون الحجاج باللغة الطبيعية وبالعلامات السيميائية البصرية. فالحجاج هو استعراض البراهين. وهناك ضروب مختلفة من الحجاج التداولي المنطقي الحواري وحجاج المغالطة....الخ
الخطاب مرتبط بالتلفظ والسياق التواصلي. في حين يتميز النص بانه مجرد عن هذا السياق بشكل كلي. وقد ميز ميشيل ادم بينهما بالشكل الرياضي...الخطاب يساوي نص زائد ظروف الانتاج. الظروف الخارج لسانية المنتجة له. والنص يساوي خطاب دون ظروف انتاج. فالنص يركز على العلاقات التراتبية بين الوحدات المتتالية فان الخطاب يركز على الخطابية ويرادف الملفوظ. النص اعم من الخطاب في المجال السردي حيث يتضمن النص من جهة الدلالة القصة (الأحداث، والشخصيات، والفضاء). ومن جهة الشكل، يتضمن الخطاب (المنظور السردي، والزمن السردي، والأصوات اللغوية والأسلوبية. ويعرف الخطاب انه الاطار الشكلي للمتن والمضمون. فحسب عبد السلام المسدي فالخطاب ليس له وظيفة مرجعية لا للنفي ولا للاثبات فهو يقول نفسه بنفسه وقد غدى هو نفسه قائلا ومقولا... واصبح الخطاب الادبي من مقولات الحداثة التي تدك تبويب ارسطو للمقولات مطلقا. فدلالة الخطاب الادبي ليست دلالة عارية فالانزياح والتلميح هما علامة الخطاب الادبي.
إذا كان النص بناء لغويا مجردا عن أطرافه التواصلية، فإن الخطاب له علاقة وثيقة بالإنجاز والكلام التلفظ... الحجاج عبارة عن خطاب حواري تواصلي يقوم على المحاجة الاستدلالية، وتوظيف الحجج والأدلة والبراهين من أجل التأثير في المخاطب وإقناعه، وجعله يقتنع بما يقدم إليه من حجج سليمة أو شبه منطقية أو افتراضية والحجاج بنية لغوية مركبة تنفعل بالمقامات وتتأثر بالأسيقة.
مفهوم الخطاب الحجاجي:

الخطاب الحجاجي عبارة عن مجموعة من الجمل والفقرات والمتواليات والمقاطع التي تترابط فيما بينها، اتساقا وانسجاما وحوارية، بواسطة مجموعة من الروابط والعمليات والعلاقات المنطقية والبرهانية والاستدلالية والحجاجية بغية التأثير والإقناع والاقتناع
وعليه، تعنى الحجاجية الخطابية باكتشاف الروابط والعمليات الحجاجية في النصوص والخطابات، كما عند رواد الخطاب الحجاجي بأوروبا، أمثال: ميكائيل ليف..وروث .اموسي .ويمكن التمييز بين الحجاج الجدلي ذي الطبيعة المنطقية والاستدلالية والفلسفية، والحجاج الخطابي الذي يقوم على التأثير العاطفي، على هذا قد يفسر لنا تنزيل الخطابة في سلم الصناعات الخمس في المنطق، منزلة وسطى بين صناعة الجدل وصناعة الشعر أو التخييل. ويمكن الحديث عن أنماط عدة من الخطابات ذات الطبيعة الحجاجية كالخطاب القضائي الاستشاري، والخطاب الفلسفي، والخطاب الإشهاري، والخطاب السردي، والخطاب البلاغي، والخطاب الخطابي (بفتح الخاء)، والخطاب الشعري، والخطاب القرآني، والخطاب البصري، والخطاب السياسي، والخطاب الفني، وخطاب الأمثال، إلخ
فعند ريبول وهو محق إلى حد لامحالة، أن من أنماط الإبداع ما ليس حجاجا ولا هو مراد به الإقناع أصلا مثل " القصيدة الغنائية والتراجيديا والميلودراما والملهاة والرواية [غير التعليمية] والقصص الشعبي والحكايات العجيبة".
االخطاب الحجاجي في الثقافة العربية.
 يبدو لنا أن البدايات الأولى للخطاب الحجاجي العربي قد انطلقت في الثمانينيات من القرن العشرين. وبعد ذلك، توطدت عراها في التسعينيات من القرن الماضي، ليعرف هذا الخطاب تراكما كميا وكيفيا في سنوات الألفية الثالثة.
أهداف الخطاب الحجاجي:
يهدف الخطاب الحجاجي إلى استعراض الآليات التي يشتغل بها الحجاج في خطاب ما  الخطاب يقول بنفينيست : " يستلزم كل تلفظ وجود متكلم وسامع، فيحاول المتلفظ أن يؤثر في الآخر بشكل من الأشكال.

 ومن زاوية أخرى، يرى باتريك شارودو (Charaudeau) أن الخطاب الحجاجي يقوم على ثلاثة مبادئ رئيسة:
أولا، مبدأ الغيرية القائم على وجود المتكلم المتلفظ والمخاطب السامع؛
ثانيا، مبدأ التأثير حينما يقترن الملفوظ بوظيفة التأثير في الغير؛ وثالثا، مبدأ السيطرة الذي يقوم به المتكلم حينما يمتلك سلطة اللغة والحقيقة؛ لأن اللغة - حسب رولان بارت- سلطة، ومصدرها السلطة. فالذي يمتلك زمام اللغة يمتلك سلطة التصرف والأمر والنهي والتوجيه عن طريق التأثير والإقناع. وتذهب جماعة امستردام التي بلورت التداولية الجدلية الى ان الحجاج يتبلور باعتباره فعالية لفظية واجماعية للعقل.
ويتحدث باختين وفولوشينوف عن بوليفونية جدلية وحجاجية، أو المبدأ الحواري القائم على تعدد الأصوات واختلافها وتعدد الأجوبة. كما أن كل تلفظ، هو في الحقيقة، جواب عن سؤال ما، سواء أكان قولا أو كتاب.
يقصد بالبوليفونية (Poliphonie/poliphony) تعدد الأصوات. وقد أخذ هذا المصطلح من عالم الموسيقا ليتم نقله إلى حقل الأدب والنقد. ومن ثم، فالمقصود بالرواية البوليفونية - مثلا- تلك الرواية التي تتعدد فيها الشخصيات المتحاورة، وتتعدد فيها وجهات النظر، وتختلف فيها الرؤى الإيديولوجية. بمعنى أنها رواية حوارية تعددية بامتياز، تنحى المنحى الديمقراطي؛ حيث تتحرر، بشكل من الأشكال، من سلطة الراوي المطلق، وتتخلص أيضا من أحادية المنظور واللغة والأسلوب. وبتعبير آخر، يتم الحديث في هذه الرواية المتعددة الأصوات والمنظورات عن حرية البطل النسبية، واستقلالية الشخصية في التعبير عن مواقفها بكل حرية وصراحة، ولو كانت هذه المواقف مخالفة لرأي الكاتب
آليات الخطاب الحجاجي وإستراتيجياته:
يمكن التوقف عند وسائل الحجاج التحليلية كالمثل، والتمثيل، والشواهد النصية، والاستعارات المجازية، والصور البلاغية، وحجج السلطة، والقدوة، والمقارنة، والمماثلة، والسخرية، والمغالطات، والحجج الواصلة والفاصلة، والعلامات السيميائية، والحجج المنطقية والجدلية، والحقول الدلالية والمعجمية الدالة على الحجاج، واستخراج الأفعال الإنجازية والتداولية، والتمييز بين ما يدل على التأثير، والتغليط، والإقناع، والاقتناع، والبرهان، والجدل، والحوار.


المقاربة الحجاجيّة:
تهدف المقاربة الحجاجية إلى تحليل النصوص و الخطابات التي تتضمن أبعادا حجاجية مباشرة أو غير مباشرة. لذا، على الباحث أن يحلل النص بنية، ودلالة، ووظيفة. ثم، يستخرج المقاييس الحجاجية وخطاطاتها المبنية ذهنيا من قبل المتكلم والمخاطب على حد سواء، وتجريد التمثلات المشتركة بين الأطراف المتحاورة، وتصنيف المقاييس والمقولات الحجاجية، ووصفها وتفسيرها لغويا، وبلاغيا، وتداوليا، وجدليا، وخطابيا. بمعنى أنه لابد من الاستعانة بمجموعة من النظريات المتكاملة في مقاربة الخطابات ذات البعد الحجاجي.
ثلاثة مرتكزات حجاجية متكاملة: اللوغوس(تقنيات اللغة الحجاجية)، والإيتوس الصورة الأخلاقية الفضلى للمتكلم وكفاءته معرفيا وقيميا)، والباتوس الترغيب والترهيب. استكشاف حجاجية الأسلوب والبلاغة، بالتوقف عند المستويات الصوتية، والإيقاعية، والصرفية، والتركيبية، والدلالية، والتداولية، والسجلات الكلامية، والحقول الدلالية والمعجمية ذات الطابع الحجاجي.














الشكلانيّون الرّوس

كل نظريات البنيوية مستمدة من الشكلانية الروسية التي كانت في بداية عهدها مهتمة بالجانب الشكلي فان البنيوية تعمقت في الجانب الشكلي واهملت محتوى النص...هدف الشكلانيين هو تحديد منهج موضوعي والتجرد مما يمكن ان يؤثر على نتيجة البحث...من كل ما هو خارجي كحياة الشاعر او اي نزعة معرفية لا تعنيها في شيء. وهي نظرية اقرب للاسلوب العلمي. رفضت ان يكون الادب صورة خارجية مرآة ولم تعتني بصورة حياة المؤلف او التوثيق......الخ
الاهتمام بما يجعل الادب ادبيا. وهي تنطلق من رؤيتها الخاصة، فهي تهتم ان الادب منجز له استقلاله وخصوصيته. الاهتمام بوظائف مستخدمة بنيوية شكلية محضة. ومن خصائص هذه المدرسة اهمال شخصية الكاتب. الاهتمام باللغة الشعرية رفض العاطفة في الادب. التفرقة بين اللغة الشعرية والنثرية وتجاوز نفسية القارئ والكاتب. عدم القراءة التصفحية بحكم عمق لغة الشعر التي تنمي مهارة اللغة. المساعدة على ظهور مدرسة براغ.
يمكن الحديث عن مدارس اساسية ضمن التيار الشكلاني الروسي وهي جماعة موسكو التي يمثلها جاكبسون وجماعة اللغة الشعرية بيترسبورغ أبوياز التي يقودها شلوفسكي.....وجماعة تارتو السيميائية وجماعة براغ التي تمثلت الفكر الشكلاني.
تروتسكي: النظرية الوحيدة التي اعترضت الماركسية في روسيا السوفياتية، خلال السنوات الأخيرة، هي النظرية الشكلانية في الفن.
وقد كانت سنة 1930م نهاية أكيدة للشكلانيين الروس. بيد أن إشعاعها انتقل إلى عاصمة تشيكوسلوفاكيا (براغ)، حيث رومان جاكبسون الذي أنشأ حلقة براغ اللسانية مع تروبتسكوي، والتي تولدت عنها اللسانيات البنيوية والمدرسة اللغوية الوظيفية. وبقي الإرث الشكلاني الروسي طي النسيان مدة طويلة، إلى أن ظهرت مدرسة بنيوية سيميائية أدبية وثقافية جديدة، تسمى بمدرسة تارتو نسبة إلى جامعة تارتو بموسكو.
 نشأت الشكلانية الرّوسية بسبب تجمعين هما:

- حلقة موسكو اللسانية التي تكونت سنة 1915م، ومن أهم ممثليها البارزة رومان جاكبسون الذي أثرى اللسانيات بأبحاثه الصوتية والفونولوجية. كما أغنى الشعرية بكثير من القضايا الإيقاعية والصوتية والتركيبية، ولاسيما نظريته المتعلقة بوظائف اللغة، والتوازي، والقيمة المهيمنة، والقيم الخلافية...
2- حلقة أبوياز بلينِينگراد، وكان أعضاؤها من طلبة الجامعة. أما عن خطوط التلاقي بين المدرستين، فتتمثل في الاهتمام باللسانيات، والحماسة للشعر المستقبلي الجديد، كما عند فلاديمير ماياكوفسكي، وباسترناك، وأسيڤ، ومانديل شتام...
هذا، ولم تظهر الشكلانية إلا بعد الأزمة التي أصابت النقد والأدب الروسيين، بعد انتشار الإيديولوجية الماركسية، واستفحال الشيوعية، وربط الأدب بإطاره السوسيولوجي بشكل مرآوي انعكاسي؛ مما أساء إلى الفن والأدب معا.
هذا، ولقد ارتكزت الشكلانية على مبدأين أساسيين هما:
1- إن موضوع الأدب هو الأدبية: أي التركيز على الخصائص الجوهرية لكل جنس أدبي على حدة.
2- دراسة الشكل قصد فهم المضمون. أي: شكلنة المضمون، ورفض ثنائية الشكل والمضمون المبتذلة.
يرى دافيد كارتر ان الشكلانية عرفت 3 مراحل الاولى تنظر الى الادب كنوع من الالة له اجزاء تعمل والثانية ككائن حي والثالثة كانظمة.
أهم روادها : بروب بختين توماشفسكي جاكبسون تينيانوف

وقد انصبت اهتمامات هؤلاء على التمييز البويطيقي بين الشعر والنثر. في حين، اهتم موكاروفسكي بالوظيفة الجمالية ووصف اللغة الشعرية. أما اللساني رومان جاكبسون، فقد اهتم بقضايا الشعرية واللسانيات العامة، أما السيميائي فلاديمير بروب، فقد أوْلى عناية كبيرة للحكاية الروسية العجيبة؛ فوضع لها مجموعة من القواعد المورفولوجية القائمة على الوظائف والعوامل.
ومن جهة أخرى، ركز ميخائيل باختين، في أبحاثه المختلفة، على جمالية الرواية وأسلوبيتها. واهتم، بالخصوص، بالرواية البوليفونية (متعددة الأصوات)، فأثرى النقد الروائي بكثير من المفاهيم؛ مثل: فضاء العتبة، والشخصية غير المنجزة، والحوارية، وتعدد الرؤى الإيديولوجية... إلخ. فكانت ابحاثهم نظرية وتطبيقية في آن واحد ومن نتائج هذه الابحاث ظهور مدرسة تارتو التي جمعت اعمالها تحت اسم أعمال حول أنظمة العلامات... تارتو) (1976م).
هذا، ولقد ميزت تارتو بين ثلاثة مصطلحات هي: السيميوطيقا الخاصة التي تدرس أنظمة العلامات ذات الهدف التواصلي؛ والسيميوطيقا المعرفية التي تهتم بالأنظمة السيميولوجية وما شابهها؛ والسيميوطيقا العامة التي تتكفل بالتنسيق بين جميع العلوم الأخرى. لكن تارتو اختارت السيميوطيقا ذات البعد الإبستمولوجي المعرفي.
وهكذا، فقد اهتمت هذه المدرسة بسيميوطيقا الثقافة، حتى أصبحنا نسمع عن اتجاه سيميوطيقي خاص بالثقافة له فرعان: فرع إيطالي (أمبرطو إيكو، وروسّي لاندي...)، وفرع روسي (مدرسة تارتو). وتعنى جماعة تارتو (موسكو) بالثقافة عناية خاصة، باعتبارها "الوعاء الشامل الذي تدخل فيه جميع نواحي السلوك البشري الفردي منه والجماعي
وإذا انتقلنا إلى مرتكزات الشكلانية الروسية لفحص دعائمها النظرية والتطبيقية، فيمكن حصرها في النقط التالية:
1- الاهتمام بخصوصيات الأدب والأنواع الأدبية. أي: البحث عن الأدبية، وما يجعل الأدب أدبا؛
2- التركيز على شكل المضامين الأدبية والفنية، ودراستها في ضوء مقاربة شكلانية؛
3- استقلالية الأدب عن الإفرازات والحيثيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية (دراسة الأدب باعتباره بنية مستقلة عن المرجع)؛
4- التركيز على التحليل المحايث، قصد استكشاف خصائص العمل الأدبي؛
5- التوفيق بين آراء بيرس وسوسير حول العلامة (أعمال ليكومستيف مثلا)؛
6- استعمال مصطلح السيميوطيقا، بدل توظيف مصطلح السيميولوجيا؛
7- الاهتمام بالسيميوطيقا الإبستمولوجية، والتركيز على الأشكال الثقافية؛
8- التشديد على خاصية الاختلاف والانزياح بين الشعر والنثر
- الإيمان باستهلاك الأنظمة وتجددها وتطورها باستمرار من تلقاء ذاتها؛
10- عدم الاكتفاء بالأعمال القيمة والمشهورة في مجال الأدب أثناء التطبيق النصي، بل توجهت الشكلانية الروسية إلى جميع الأجناس الأدبية، مهما كانت قيمتها الدنيا؛ مثل: أدب المذكرات، وأدب المراسلات، والحكايات العجيبة... قصد معرفة مدى مساهمتها في إثراء الأعمال العظيمة؛ كما فعل ميخائيل باختين مع الأجناس الشعبية الدنيا في كتابه. شعرية دوستوفسكي.
ومن أهم مؤلفات الشكلانيين الروس: (كيف صيغ معطف غوغول؟) لبوريس إيخانباوم، و(شعرية دويستفسكي) و(الماركسية والفلسفة) لميخائيل باختين، و(الشعر ذاته) ليوري تينيانوف، و(الحكايات الروسية العجيبة) لفلاديمير بروب، و(سيمياء الكون) و(بنية النص الفني) ليوري لوتمان، و(نظرية النثر) لشلوفسكي...
ويطابق الباحثون أحياناً بين المصطلحين (Semiotics) "سيموطيقيا"، وبين (Semiologie) "سيمولوجيا"، وفي أحيان أخرى يجدون اختلافاً بينهما، ولذلك وجدنا أن الأوروبيون يؤثرون مصطلح (دي سوسير)، ومن تلاميذه: الشكلانيون الروس، ولغويو مدرسة براغ وبنيويو مدرسة باريس، أما الأمريكيون فيفضلون مصطلح (بيرس) ومن تلاميذه مورس وكارنات وسواهم.
علم الدلالات (السيمياء) هو آخر من ولد من علوم الألسنية في العصر الراهن.
دال مدلول مرجع / بيرس سيموطيقيا امريكي. فالدال والدال يكونان داخل نظام شمولي.
دال مدلول ثنائية دي سوسير....اوروبي. سيمولوجيا. علم العلامات والشفرات.
*****
التصورات النظريّة :
التركيز على أدبية النص. شعر. قص. مسرح.
الوظيفة الجمالية تتضمن الدلالة والنحو معا.
العناية بالشكل: لقد تجاوز الشكلانيون الروس ثنائية الشكل والمضمون، وقد اعتبروا الشكل علامة الدلالة... الانفتاح على اللسانيات....وتطبيقها على السرد/ بروب في كتابه مورفولوجيا الخرافة. في دراسة الحكايات الروسية العجيبة.
المقاربة البنيوية: تستند الشكلانية الروسية إلى المقاربة البنيوية اللسانية التي تعنى بدراسة بنيات السرد والشعر والحكاية، وكذلك تحليل بنيات الشخصيات بطريقة بنيوية محايثة وثابتة ووصفية وسكونية
تقعيد الأجناس الأدبية: اهتم الشكلانيون الروس بتقنين الأجناس الأدبية تجنيسا وتصنيفا وتنميطا، وفق المقاييس اللسانية والشكلية، مستبعدين المضامين والمرجعيات الإيديولوجية.
الاهتمام بنظرية الأدب: يعد الشكلانيون الروس من أهم العلماء الذين اهتموا بتأسيس نظرية للأدب في ضوء المعطيات اللسانية، والمقاربات الشكلانية، والتصورات البنيوية والسيميائية. وبهذا، يكونون قد مهدوا للدراسات البنيوية اللسانية والدراسات السيميوطيقية الشكلية.
إقصاء المرجع الخارجي: لقد أقصى الشكلانيون الروس ما يسمى بالمرجع النفسي والاجتماعي، وتجاوزوا المضامين والمحتويات والخبرات والشعارات الإيديولوجية نحو استجلاء أسرار الشكل بنية ودلالة ووظيفة
الدفاع عن الشعر الجديد: كانت الشكلانية الروسية تدافع عن الشعر الجديد أو ما يسمى أيضا بـ"الشعر المستقبلي" كما عند ماكايوفسكي، ويمتاز هذا الشعر بطابع رمزي إيحائي، ويتسم بالغموض على مستوى المجاز، ناهيك عن الانزياح، والاهتمام بالشكل، والتنغيم الإيقاعي، والطابع غير العقلي... كما اعتني بشعر (أنا أخماتوفا) الذي كان يطبعه النظم السريع والبعد السيكولوجي.
وعليه، فقد كانت الشكلانية الروسية "مهتمة بتحليل الشكل وبنية النص واستخدامه للغة أكثر من المحتوى أو المضمون.أراد الشكلانيون الروس أن يؤسسوا أساسا علميا لدراسة الأدب. وكانت عقيدة الشكلانيين الروس المبكرة متطرفة: فقد كانوا يؤمنون بأن المشاعر الإنسانية والأفكار التي يتم التعبير عنها في الأعمال الأدبية ثانوية، وقدموا السياق فقط من أجل تطبيق التقنيات الأدبية. وخلافا للنقد الجديد في أمريكا، لم يهتم الشكلانيون بالدلالة الثقافية والأدبية للأدب، ولكنهم كانوا يرغبون في استكشاف كيف تستطيع مختلف التقنيات الأدبية أن تنتج تأثيرات جمالية معينة."[1]



وهكذا، فقد كان الشكلانيون، بصفة عامة، والشكلانيون الروس بصفة خاصة، يرجحون كفة الشكل على المضمون، ويهتمون بالأبنية والأنساق والخطاطات التجريدية، وذلك على حساب المضمون الذهني والعاطفي والإنساني.
ويعد تودوروف بكتابه نظرية الأدب: نصوص الشكلانيين الروس) (1965م).
وجوليا كريستيفا....من الذين عرفوا الغرب بالشكلانيين الروس.. خاصة مفهوم التناص..وكانت كريستيفا تستند الى التوفيق بين اللسانيات والتحليل الماركسي. بين الداخل والخارج...الاهمية الكبرى للعلامة في علاقتها بالمرجع المادي.
ولا ننسى التأثير الكبير لكتاب (مورفولوجيا الحكاية العجيبة) لفلاديمير بروب على علم السرد الأوروبي، وما أثاره من ضجة أدبية، وسجال نقدي لافت للانتباه، وبالضبط مع كلود ليفي شتروس.
وعلى العموم، فقد كان البنيويون والسيميائيون الفرنسيون عالة على الفكر الشكلاني الروسي، يأخذون بخطواتهم المنهجية، ويتمثلون تصوراتهم النظرية والتطبيقية إحالة وتناصا واستيعابا وتطويرا، إلى أن تداخلت النظريات النقدية والأدبية والفنية، وضاعت بصمات الرواد والمتمثلين.
نقد وتقويم :
آثـــار الشكلانيـّـة الروسيّة:

في القرن العشرين، والدليل على ذلك الحملات التي قام بها الإيديولوجيون الاشتراكيون ضد هذه النظرية النقدية؛ مثل تروتسكي الذي اعتبر النظرية الشكلانية بمثابة اعتراض على الماركسية في روسيا السوفيتية، ولوناتشارسكي الذي وصف الشكلانية، في سنة 1930م، "بأنها تخريب إجرامي ذو طبيعة إيديولوجية."
بيد أن هذه الشكلانية طعمت بآراء التحليل الاجتماعي الماركسي مع أحد السوسيولوجيين الروس، واسْمُه أرفاتوف، وأيضا مع جان موكاروفسكي، وكذلك مع البلغارية جوليا كريستيفا التي زاوجت، في تحاليلها النصية، بين الشكلانية والمقاربة السوسيولوجية الماركسية. وبهذا، فقد كانت سباقة إلى تأسيس ما يسمى بالسيميوطيقا المادية.

ومن الانتقادات الموجهة للشكلانية أيضا إهمالها لمشاكل علم الجمال، وإغفالها لمبادئ علم النفس وعلم الاجتماع، وتحويل الدراسة الأدبية إلى تطبيقات شكلية وتقنية لا فائدة منها، مادامت هذه الدراسات تهمل الإنسان والتاريخ والمجتمع والنفس الإنسانية. أي: تهمل الذات المنتجة والذات المتلقية، وتقصي الواقع الذي يجمعهما على مستوى الإرسال والمرجع.
الشكلانيون وأعلامهم:

رومان جاكبسون، وبريك، وشلوفسكي، وإيخانباوم، وتوماشفسكي، وبروب، وباختين، وجيرمونسكي، وشلوفسكي، وياكوبسوني.
1/ ايخانمباوم: والشعر
يهتم إيخانباوم بنظرية الشعر، محاولا دراسة الشعر الرمزي لسانيا وإنشائيا (Poétique)، بربط المادة بالدلالة، أو ربط الأصوات بالمعنى، مع التمييز بين الكلمات النثرية العادية والكلمات الشعرية السياقية التي يتحدد معناها من خلال ارتباطها بالتأويل المحلي أو السياقي أو المقامي داخل النص.
يهتم إيخانباوم بنظرية الشعر، محاولا دراسة الشعر الرمزي لسانيا وإنشائيا (Poétique)، بربط المادة بالدلالة، أو ربط الأصوات بالمعنى، مع التمييز بين الكلمات النثرية العادية والكلمات الشعرية السياقية التي يتحدد معناها من خلال ارتباطها بالتأويل المحلي أو السياقي أو المقامي داخل النص.
2/ ايخنمباوم والسّرد:
يميز إيخنباوم بين القصة القصيرة والرواية، بالتمييز بين نوعين من السرد: السرد الحرفي والسرد المشهدي أو ما يسمى بالحوار المسرحي. وإذا كانت لغة الشعر شفوية، فإن لغة السرد مكتوبة؛ كما يبدو ذلك جليا في الرسائل، والمذكرات، واليوميات، والرواية، والقصة، والدراسات النقدية والأدبية الوصفية والمعيارية. ومن ثم، فقد استعرض الكاتب مجموعة من الأشكال والأنواع السردية، ورصد مختلف المراحل التي مرت بها الرواية الغربية، ليتوقف عند الرواية الواقعية التي كانت تعنى بالوصف الاستقصائي، وتصوير الشخصيات تصويرا نفسيا وإنسانيا، والمزاوجة بين السرد والحوار للإيهام بالواقعية. ويعني هذا أن الرواية الواقعية مبنية على الوقفة الوصفية والمشهد المسرحي.


تنبني قصة (المعطف) لغوغول على الحكي الفكاهي الخالص، واستعمال أنساق الأسلوب التمثيلي، والاستعانة بالخطابة المؤثرة. علاوة على استخدام الجناس واللفظ المشترك والاشتقاق والنعوت والأسماء والألقاب الفكاهية والتلاعب الصوتي، واختيار الأسماء الغريبة والشاذة، وانتقاء الكلمات، والتقليل من كلمات الشخصيات، والتركيز على النبر الإيقاعي، مع اختيار الكلمات وترتيبها حسب مبدإ الدلالة الصوتية، وليس حسب مبدإ تسمية الصفات المميزة. ومن هنا، تتميز لغة غوغول بخطابها الصوتي، وبُعْدها العلاماتي أو السيميائي.
فقد انصب اهتمامه على التمييز بين القصة القصيرة والرواية، والمقارنة بينهما في ضوء المكونات والخصائص المميزة لهذين الجنسين معا.
تينيانوف:
ليس هناك بطل قار، بل هناك فقط أبطال ديناميكيون.
 يتجاوز تينيانوف ثنائية الشكل والمضمون، ويختار مبدأي الشكل والبناء.... يجب الإحساس بشكل الأثر الأدبي كشكل ديناميكي. وتظهر هذه الديناميكية في مفهوم مبدإ البناء. فليس يوجد تعادل فيما بين مختلف مكونات الكلمة، كما أن الشكل الديناميكي لا ينحل نتيجة اجتماع تلك المكونات أو اندماجها، ولكن نتيجة تفاعلها. وبالتالي، نتيجة ارتقاء مجموعة من العوامل على حساب مجموعة أخرى. إن العامل المرتقى يغير العوامل التي تغدو تابعة له. هكذا، يمكننا، إذاً، أن نقول بأننا ندرك الشكل، دائما، خلال تطور العلاقة فيما بين العامل المسيطر الباني والعوامل التابعة له.
هذا، وقد كرس تينيانوف كل جهوده، بتنسيق مع رومان جاكبسون، لدراسة نظرية الأدب والأجناس الأدبية وفق مقولة الهيمنة الأدبية، بالتوقف عند السانكرونية والدياكرونية، والتقنين الأدبي، والتطور التاريخي
تينيانوف / الانزياح هو دلالة محرّفة. لا تدرس الا بعد عزلها عن مبدئها الباني.
هذا، وقد كرس تينيانوف كل جهوده، بتنسيق مع رومان جاكبسون، لدراسة نظرية الأدب والأجناس الأدبية وفق مقولة الهيمنة الأدبية، بالتوقف عند السانكرونية والدياكرونية، والتقنين الأدبي، والتطور التاريخي.
تينيانوف والسّرد: في كتابه دستوفسكي وغوغول. فقد درس نصوص هذين الكاتبين معا دراسة بنيوية شكلانية، بالتركيز على المعارضة، والباروديا، والتناص، والمحاكاة الساخرة، وصراع الأضداد الذي يتحكم في التطور الأدبي وتطور الأجناس والأنواع الأدبية. فقد انطلق من نظرية المركز والمحيط من جهة، ومن نظرية صراع الأضداد من جهة أخرى.
جاكبسون / قال عنه الباحث الأمريكي ديفيد كارتر (David Carter)؛ صاحب كتاب (النظرية الأدبية): "كان رومان جاكبسون جسرا بين الشكلانية الروسية والبنيوية. كان رومان جاكبسون أول من طبق المنهج البنيوي اللساني على الشعر، حينما حلل مع كلود ليفي شتراوس قصيدة القطط (Les Chats) لشارل بودلير سنة 1962م[2]. وقد درسها الاثنان دراسة داخلية مغلقة، في إطار نسق كلي من الشبكات البنيوية المتفاعلة، بغية البحث عن دلالة البناء. وقد انصب هذا العمل التشريحي على مقاربة القصيدة تفكيكا وتركيبا، بالاعتماد على اللسانيات البنيوية، مع استقراء المعطيات الصوتية والصرفية والإيقاعية والتركيبية والبلاغية.
كان رومان جاكبسون أول من أرسى البويطيقا أو الشعرية (Poétique) في ضوء مقاربة بنيوية ولسانية وشكلانية موضوعية، وميز بين الأجناس الأدبية وفق نظرية القيمة المهيمنة. وهو كذلك أول من سعى إلى دراسة النحو الكلي، انطلاقا من نظرية السمات المميزة في مجال علم الأصوات والفونولوجيا./ حلقة براغ الاتجاه البنيوي الوظيفي.
ارسى جاكبسون النحو الكلي في مجال الفونولوجيا  / تنظيم الاصوات في اللغات/ النحو الكلي يجمع خواص بين كل اللغات عكس المنظور الامريكي النسبي. فحرف الخاء لا يوجد في بعض اللغات لكن تحوي السمات ذاتها / الحلقي / الرخوي / الشديد. جاكبسون يقسم هذا الفونيم إلى أصغر من ذلك. أي: إلى مجموعة من السمات والقيم الخِلافية.
وفي العربية، يمكن الحديث عن مجموعة من السمات المميزة: صائت، وصامت، ومهموس، ومجهور، وشديد، ورخو، ومائع/ متوسِّط، وتكراري، وشفوي، ولثوي، وغاري، وطبقي، وحلقي، وحنجري، ولهوي.
الافازيا انعدام القدرة على النطق وتعطل في الوظيفة الكلامية وما يسمى بالحبسة. من مباحث جاكبسون والعناية بالتصنيف اللساني، والاهتمام بالسمات المميزة للأصوات والفونيمات. لقد ارتبطت الشعرية أو ما يسمى أيضا بالإنشائية أو البويطيقا (Poétique) برومان جاكبسون[3]، فقد أسسها على أسس وصفية وعلمية موضوعية، بالتركيز على الأدبية (Littérarité)، والقيمة المهيمنة، والعناصر البنيوية التي تميز جنسا أدبيا عن الآخر.



                  الانزياح

الانزياح من أشهر المفاهيم التي ظهرت مع الشعرية الحديثة. وقد اشتهر في الدراسات الاسلوبية بالبحث عن خصائص مميزة للغة الادبية. يقول كوهين الاسلوب هو كل ما ليس شائعا في قوالب مستهلكه. وهو اذا خطأ مراد. عن قصدية فنية.
يقول فاليري: الاسلوب في جوهره انحراف عن قاعدة ما . يرى ريفاتار ان الانزياح خرق للقاعدة حينا ولجوءا الى ما ندر حينا اخر. ويرى بيار جيرو وان الانزياح هو ابتعاد عن معيار معروف.
يرى كوينتليان/ اللغة الادبية التي تعتمد الانزياح تعبير عن الحركة والحياة. عكس اللغة العادية التي تتسم بالسكون والنمطية المملة.
اهتمام عبد السلام المسدي في كتابة الاسلوب والاسلوبية بالانزياح. يعادل العدول عند عبد القاهر الجرجاني الانزياح.
التغريب/ من مصطلحات الشكلانيين الروس وهو سمة تميز النص الادبي...جعل المالوف غريبا عن طريق التنويعات الادبية.
يقول شلوفسكي: إن اداة الفن هي أداة تغريب الموضوعات... واداة الشكل التي بها يصير صعبا وهي اداة تزيد من صعوبة الادراك ومدته. لان عملية ادراك الفن هي غاية في حد ذاتها ولذلك ينبغي تمديدها.
انزياح لغوي يرتبط بالنص وينقسم الى قسمين.
1/ الانزياح الدلالي الاستبدالي:
 وهو الاشهر كوضع الصفة مكان الاسم او وضع الفرد مكان الجماعة او اللفظ الغريب مكان المالوف. ويعد التشبيه والاستعارة والمجاز من اهم اشكال هذا الانزياح. ويسمى الانزياح التصويري.
2/ الانزياح التركيبي:
 يتصل بالسلسلة السياقية الخطية للاشارات اللغوية. مثل الاختلاف في ترتيب الكلمات. وهو لغوي يتعلق بالنحو والمعجم والتركيب...
 وانزياح غير لغوي انحراف عن طبيعة اجتماعية وثقافية. وخرق العرف والتقاليد.
ويعتبر جون كوهين من اهم المشتغلين بمفهوم الانزياح.



               الخاتمة
يعد الشكلانيون الروس من السباقين إلى تطبيق البنيويّة اللسانيّة والسيموطيقا في دراسة النصوص الأدبية، من خلال الاعتماد على مبدأي الشكل والاستعانة باللسانيات. ومن ثم، فقد برز مجموعة من الدارسين؛ مثل: فلاديمير بورب الذي درس الحكاية الشعبية في ضوء مقاربة مورفولوجية سيميائية، ترتكز - بالخصوص- على الوظائف والتحولات، ورومان جاكبسون الذي اهتم بالأدبية وشعرية النص، وميخائيل باختين الذي ركز كثيرا على الرواية الحوارية أو البوليفونية، ويوري لوتمان الذي اهتم بسيميائية الثقافة كما في كتابه (سيمياء الكون)، وجان موكاروفسكي الذي اهتم بالوظيفة الجمالية في الآداب والفنون. أما أوسيب بريك فقد اهتم بدراسة البنيات العروضية والتنغيمية والإيقاعية في الشعر، بينما مال فينوغرادوف إلى دراسة آثار الأسلوب. في حين، ركز تينيانوف على جدلية الأجناس الأدبية. أما توماشفسكي، وفيكتور شلوفسكي، و بوريس إيخانباوم، فقد ركزوا - كثيراً - على البنيات السردية في النصوص المحكية...
وعلى الرّغم من سلبيات هذه المدرسة التي كانت تقصي الجوانب المرجعية والمضمونية، فإنها أعادت الاعتبار للشكل البنيوي، بعد أن استفحلت الدراسات الاجتماعية ذات الطابع الماركسي، والتي هيمنت على النقد الأدبي في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
جماعة الابوياز كانت تهتم بموضوح الانزياح عن المالوف من اللغة العادية الى اللغة الشعرية انطلاقا من اللسانيات.















                                  البلاغة
البلاغة:  هي حسن اللفظ مع صحة المعنى وتتكون البلاغة من ثلاث أقسام:
1/ علم البيان
 2/ وعلم البديع
3/ علم المعاني.
أما علم المعاني فهو علم تعرف به احوال اللفظ بما يناسب الحال.
أما علم البديع فهو علم يختص بتحسين الكلام.
وأمّا البيان فهو علم يراد به المعنى الواحد بطرق مختلفة. ويعد كل من التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز من علوم البلاغة المتعلقة بعلم البيان.

                               علم البيان
الاستعارة :
-        تعريف الجرجاني: هي استعمال كلمة لغير ما وضعت له.
 مثال: إنّي أرى رؤوساً قد أينعت وحان قِطافها " إذ تُستخدم كلمتا أينعت، والقِطاف للنبات وليس للإنسان، وقد حُذِف هنا المُشبَّه به وهو الثمر.
ومن أشهر ما ذُكر في الاستعارة من القرآن الكريم: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا).[١١] فالمُستعار منه هو النار، والمُستعار له هو الشَّيب، والمُستعار هو فعل الاشتعال.[

الفرق بين التشبيه والاستعارة لا يُستعمَل التشبيه إلّا لغرضه المُستخدَم له في أصل اللغة، فلا يتغيّر عن حقيقة معناه، أمّا الاستعارة، فهي تعليق العبارة على غير ما وُضِعت له في أصل اللغة؛ لذلك فإنّ كلّ استعارة تتضمّن معنى التشبيه، بينما ليس كلُّ تشبيه استعارة.
التشبيه:
التشبيه المفرد شيء معين بشيء آخر... والتشبيه المركب هو تشبيه حالة او صورة بحالة اخرى او صورة.
مشبه. مشبه به اداة تشبيه وجه الشبه. التشبيه التام فيه كافة الاركان... والمؤكد غابت عنه اداة التشبيه مثال باسم فهد في السرعة/  والمجمل ما غاب عنه وجه الشبه مثال سليم كالفهد... والبليغ ما غاب عنه وجه الشبه والاداة./ مثال العلم نور/.
التشبيه المركب: تشبيه صورة بصورة أخرى.
1/ التشبيه الضمني دون ذكر اداة التشبيه و2/ التشبيه التمثيلي وصف حالة او هيئة بحالة او هيئة اخرى و3/ التشبيه المقلوب وهو تشبيه الأقل بالأكثر كقول الشاعر: وبدا الصّباحُ كٲنَّ غُرَّتَهُّ الخليفة حين يُمتدحُ.
الكناية:
هي لفظ يعتمد على معنيين، واحدٌ ظاهرٌ غير مقصود، وآخر مخفي. مثال توضيحي مرفوع الراس...معنى ظاهر راسه مرفوع.......والمعنى الخفي هو الفخر والاعتزاز.
الكناية ثلاثة انواع وهي الصفة و النسبة والموصوف:
1/ الكناية التي تدل على صفة تلازم المعنى المخفي في الجملة - كالصّدق والامانة...الخ كرفع القبعة... معناها المخفي هو الاحترام.
كناية النسبة: وهي التي تدل على الموصوف وصفته ولكنها لا تنسب اليه مباشرة بل لشيء يدل عيه مثال - واسمعت كلماتي من به صمم.
الكناية عن الموصوف: هي التي تذكر الصفة ولا تذكر الموصوف. وتشير باستخدام شيء خاص فيه كلقب او تركيب معيّن. مثال تتوقى قبل الرحيل الرحيل / المخفي الموت. ومن خصائصها الايجاز والهروب عن المعنى اللااخلاقي. وتاكيد الصفة بوجود دليل ثابت.

                                       علم البديع

علم يعنى بصياغة الكلام وتحسينه بشقيه اللفظي والمعنوي. تعود نشاته للخليفة العباسي المعتز بالله.
1/ المحسنات المعنوية : الطباق الايجابي والطباق السلبي.
المقابلة... التورية... حسن التعليل... المشاكلة... الايهام..المبالغة... التبليغ... الغلو.
المحسنات اللفظية /
يعتمد هذا الصنف على اللفظ  وتحسين اصالة اللفظ.
الجناس كلمتين متشابهتين لكن الاختلاف بينهما في المعنى. وهناك الجناس اللفظي والجناس في المعنى.
السجع ويطلق عليه ايضا الترصيع ويستخدم في النثر فقط...وهو التوافق في الحروف الاخيرة في اكثر من كلمة موقعها في نهاية جملة ما قبل الفاصلة مباشرة.
رد العجز على الصدر.


                                   علم المعاني

يهتم باللفظ من حيث فائدته في المعنى أي الغرض الذي يدل عليه في سياق النص. قام بتاسيسه عبد القاهر الجرجاني. بالاعتماد على القرآن والسنة واسلوب العرب في الكلام.
اقسام علم المعاني/ الخبر والانشاء.
هما من أقسام الكلام، ويعرَّف الخبر بأنه ما يتم قوله أو تناقله بين مجموعةٍ من الأفراد، ويحمل جانبين هما الصواب أو الخطأ، فإنْ كان الخبر صحيحاً، وواقعياً فهو صائب، أمّا إنْ كان غير واقعي فهو خاطئ، أما الإنشاء، فهو القول الذي لا يَصحّ تَصنيفه بالصواب، أو الخطأ؛ لأنه قد يكون من تأليف قائله لسببٍ ما، وبالتالي فهو المرجع الأول فيه.

التقديم والتاخير/ لاغراض مختلفة
كالتشويق...وتعجيل الوصول الى الفكرة...تغيير المشاعر بين التشاؤم والتفاؤل.
القصر/ مثال لا ينجح الا بالعمل.....نوع من الشرط المعنوي.. والايجاز باكبر عدد من المعاني مع اقل عدد من الالفاظ/ وايجاز القصر / وايجاز الحذف. وهو الاستغناء على كلمة دون التاثير على المعنى.

                  













         المذاهب الأدبيّة العالميّة:

 

المذهب الكلاسيكي:

يتفق غالبية رجال الأدب على أن الكلاسيكية هي أقدم مذهب أدبي في الظهور والانتشار سواء في إيطاليا في القرنين الخامس عشر، السادس عشر ميلادي،أو في فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي، وهذا لايعني مطلقاً الرابط بين نشأة الأدب ونشأة الكلاسيكية، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذهب الأدبية، فمتى نشأ المذهب الكلاسيكي، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذاهب الأدبية، فمتي نشأ المذهب الكلاسيكي، وما هي الخصائص والسمات التي تميز بها هذا المذهب؟
إن الحديث عن نشأة المذهب الكلاسيكي يدفعنا حتماً للحديث عن حركة النهضة الأوروبية في مجالي الأدب والفن، ولكننا لن نطيل في هذا الجانب بل سنضيء بعض الإشارات التي يتسنى لنا بها فهم النشأة "كلمة كلاسيكية وكلاسيكي مشتقة من الكلمة اللاتينية classis وأصل معناها وحدة في الأسطول من هذا المعني أصبحت تفيد هذه اللفظة معني الوحدة الدراسية أي الفصل الدراسي.
والسبب في تسمية نوع من الأدب بهذا الاسم ـ أي تسميته بالأدب الكلاسيكي ـ هو أنه أدب خلد على الزمن وثبت صلاحيته في تعليم الشبان وتربيتهم في فصول الدراسة" 
وبداية مع الكاتب أولوس جيليوس في القرن الثاني الميلادي حيث ظهر هذا المصطلح
لأول مرة وكان يعنى به الكاتب الأرستقراطي الذي يكتب للنبلاء وصفوة الشعب ومثقفيه، وفي عصر النهضة انطبق مفهوم الكلاسيكية علي الأعمال اليونانية والرومانية فقط من منطلق أنها الوحيدة التي ترقي إلى مستوى التراث الإنساني بحكم الأرستقراطية الفكرية، وتطور المصطلح فيما بعد لينطبق على الأدب الذي يمثل القيم الإنسانية الخالدة والكامنة في الخير والجمال والتي لاتتغير رغم تغيير الوقت أو اختلاف المكان."
هذا يعني أن المصطلح نفسه عبر محطات تطور من فترة إلى أخري، وتعتبر إيطاليا المهد الأول للكلاسيكية، حيث عكف الإيطاليون على دراسة أرسطو جيدا وعمدوا إلى تقليده. 
في حقيقة الأمر يتفق كل من الإيطاليين والفرنسيين في تبنيهم للاتجاه إلا أن الإيطاليين ساروا على النهج اليوناني بينما سار الفرنسيون على النهج اللاتيني وقلدوا كتابهم وأدبائهم " فقد كان راسين يطمح في أن يصح مجرد نسخة من الكاتب المسرحي اللاتيني...وليس نسخة من سوفوكليس الإغريقي وقد أحال الأديب الفرنسي (بوالو) أعماله إلى مجرد تطبيقات لما ورد في كتاب فن الشعر للشاعر اللاتيني هوارس." 
الأول وهو كون الأدب الإغريقي المنبع الرئيسي للكلاسيكية فإنه أدب بكر لم يتم فيه تقليد أحد أما الثاني وهو الإيمان بالتمييز والاختيار" ولقد اعترف مشرعوا التقليد جميعهم هنا يتداخل مع مبدأ التقليد مبدأ آخر ألا وهو مذهب العقل. ومن مبدأ التقليد نستنتج الأساس الفلسفي للمذهب الكلاسيكي الذي يكمن في الأخذ بنظرية المحاكاة الأرسطية لمصدر الإبداع الأدبي, والخاصية الثانية للمذهب الكلاسيكي" العقل", انتصر الكلاسيكيون للعقل على حساب الخيال والشعور, ولا نجاملهم إذا قلنا أنهم لم يهملوا العاطفة تماما أو يقيدوا الخيال مطلقا ولكنهم حاولوا تسيير الخيال في أطر محدودة ومن هنا كانوا يعلمون أن إهمال الخيال والعاطفة عيبا لهذا وصفوا واحدا من أكبر أدبائهم وهو راسين.
 " يفكر بقلبه  ويحس بعقله, ويدرك بخياله
ومن خلال ما سبق يمكننا أن نضع أيدينا على السمات الفنية للمذهب الكلاسيكي المتمثلة في انتصار الشكل بالمضمون, حيث كانوا يحرصون على جزالة الألفاظ ومتانة التراكيب وفصاحة الأسلوب والوضوح . والبعد عن الغموض والتعقيد.
المذهب الرّومانسي:
إن ميلاد مذهب في الأدب لا يتم بين ليلة وضحاها ولكنه كميلاد العصور والحضارات يأخذ وقتاً ويستند إلى مقومات تنظيرية قد تطول وتقصر، والحق إنها (لقاء) معركة أدبية ينتصر فيها روح العصر السائد، ومن هنا جاءت الرومانسية ثورة على القواعد الكلاسيكية بكل ما تحمله من سمات، كلمة رومانسية "مشتقة من كلمة رومانيوس Romanius التي أطلقت على اللغات القديمة والتي كانت تعتبر في القرون الوسطى كلهجات عامية للغة روما القديمة أي اللغة اللاتينية" " وأرجع د. نبيل راغب أصل المصطلح إلى كلمة رومانس الفرنسية بمعنى القصة أو الرواية خيالية كانت أم واقعة ثم أصبحت في الأدب الإنجليزي تعنى بالأشياء المرتبطة بالخيال فقط، ومن المرجح أن أول ناقد استخدم المصطلح في الأدب والنقد هو الباحث الفرنسي "تيودونير" 1776ك بينما يعتبر"فردريك شليجل" أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية ثم تبعته بعد ذلك " مدام دي ستال." الفرنسية " 
هذا عن نشأة المصطلح أما ما يدور في فلكه فقد امتد إلى قبل ذلك بكثير ويمكن أن نعتبر "جان جاك روسو " مبشراً للمذهب الرومانسي حيث قدم روسو في قصته هيلويز الجديدة نموذجاً للبحث الرومانسي.
" ويرى د. شكري عياد أن "شاتوبريان" هو أبو الرومانسية بأفكارها وروحها
 وإني لا أتفق مع د. ذهني بأن الرومانسية عاشت مع الكلاسيكية منذ اللحظة الأولى، في البداية كانت الكلاسيكية سائدة والرومانسية وليدة ثم جاءت المقومات لتجعل من الوليد شاباً ومن الكلاسيكية شيخا.
ولعل أبرز تلك المقومات يكمن في أحوال أوروبا في القرن الثامن عشر حيث كان عصر زلزلة طبقات اجتماعيه سائدة واستخفاف بالمبادئ القائمة الأمر الذي مهد الثورات التحررية في السياسة والفكر في كافة أنحاء أوروبا ولعل أوضح النتائج ظهرت في قوة اللغات القومية أقصد الإقليمية، فرنسية......الخ
"
ومن تلك الأطر الفلسفية نستطيع أن نلمس الانتصار للذاتية والعواطف وإطلاق العنان للخيال ممثلة بذلك قمعاً لقواعد الكلاسيكية ولو أردنا تحديد السمات العامة للمذهب الرومانسي لوجدناها تنحصر في الانتصار للذات وإطلاق العنان للأديب أن يعبر عن ذاته بما يراه مناسباً من أشكال، فالرومانسية تعترف بالمشاعر الإنسانية ومن هنا نلمس لمحات الحزن والألم والوحدة والحب التي تجلت في كتاباتهم، واللجوء إلى الطبيعة حيث تفيض مشاعرهم بالعواطف الذاتية، لأن عملية الإبداع قوامها الخيال والعاطفة، ويجمل د.عز الدين إسماعيل خصائص المذهب الرومانسي بقوله "هو أدب العاطفة والخيال والتحرر الوجداني والفرار من الواقع والتخلص من...الأصول الفنية التقليدية للأدب وهذا وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً أخذت الرومانسية في الزوال.

المذهب الواقعي:
إن مصطلح الواقعية كمذهب في الأدب والفن كلمة جديدة نزعم أنها دخلت الدائرة الأدبية في منتصف القرن التاسع عشر،أما دلالتها اللغوية من حيث تصوير الواقع والتعبير عنه قديم قدم الفن والأدب قبل أن يكون لها مفهوم وأنصار، وفي نشأتها عاصرت الرومانسية وأن لم يكن وطيس المعركة محتداً بينهما كما كان بين الكلاسيكية والرومانسية، وإن كان المدلول الاصطلاحي للكلمة لاينفصل كلياً عن دلالته اللغوية إلا إنها نظرة خاصة لأشكال الحياة ذات معايير فكرية اختلفت من قطر إلى أخر، وهذا يعني أننا نلتقي بأكثر من تيار واقعي، حيث نلتقي "بالواقعية النقدية" التي يسميها البعض" بالواقعية الأوروبية" أو الواقعية الغربية، ونلتقي بالواقعية الاشتراكية والواقعية الطبيعية وإن اختلفت تلك الأطر في بعض الأمور إلا أنها تلتقي جميعاً في رفضها للمثالية وتلتفت إلى الواقع..
ولعنا نلمس في أسباب ضعف المذهب الرومانسي عوامل القوى التي نشأت في كنفها الواقعية، ويمكننا أن نقول: إن رغبة المجتمع الغربي في التخلص من الأحلام التاعسة للرومانسية والتطور السريع في مجالي الفنون والعلوم وانتشار روح العمل في المجتمع الأوروبي بالإضافة إلي الفوضى والاضطرابات الاجتماعية
آنذاك... كل دلك ساعد في قيام المذهب الواقعي في الأدب.
الـواقعية النـقدية:
ان الحديث عن المرجعية الفلسفية للواقعية النقدية يرجع بنا إلى القرن الثامن عشر مع "موليير" الفرنسي الذي مهد لها بسخرية من مثالية شعراء انجلترا " بروب " وغيره حيث كان يرى في مثاليتهما سذاجة بلهاء، وإن تعمقت عند الفيلسوف الإنجليزي "هوبز" والذي يرى أن الإنسان للإنسان ذئب ضار وذلك في تصويره لسوداوية العالم " 
ونلتقي أيضاً في الإطار الفلسفي بتأثير فلسفات " أوجست كونت " و" ستيوارت ميل " في نصها على إن المعرفة المثمرة هي معرفة الحقائق والتخلي عن الذاتية.  "

اتجهت الواقعية إلى الأدب الموضوعي، حيث انتصرت للنثر خاصة للرواية، وأخذت من دقة التصوير والتعبير بديلاُ من الأحلام والتهويل، وعنيت بالمشكلات الاجتماعية أكثر من عنايتها بالفرد، زمن هنا كان إيمانها بجمال المضمون 
وكما اهتمت بتصوير الجانب السوداوي في العالم دون أن تطرح الحلول، فقد كانت تدعو للتغيير عن طريق التصوير لاعن طريق الثورة.
تؤمن الواقعية النقدية على الصعيد المعرفي بالحركة الفاعلة بين الذات والموضوع، فقد أعطت عناية واضحة بالموضوع من حيث الاهتمام بالواقع في جانبي التصوير والتاريخ، كذلك أعطت الذات قدراً من العناية والاهتمام لتقدم الذات في أخطر جوانبها وهي سمات الصدق، وتؤمن الواقعية النقدية بتحقيق الجمال في القصّ عبر أبعاد الذات والواقع والمعاناة. 
وصور الواقعيون النقديون آفات الشر والسواد في قصصهم من واقع الطبقات المسموعة، ولكنهم لم يدعو إلى سلوك طيقي معين، فهم يتفقون مع الوجوديون، كما سيتضح لنا ذلك في الإيمان بتحقيق محتوى إنساني يتجاوز البعد الطبقي. 
ومن هنا كان التداخل بين الوجودية والواقعية النقدية من ناحية، ومعارضة الواقعية الاشتراكية من ناحية أخرى.
.

الواقعية الاشتراكية:
نجد بذورها الأولى في فلسفة "سان سيمون 1760-1825م" في دعوته لتوجيه الفن وجهة اجتماعية، وفلسفة " جوزيف برودون 1809-1865م"
الذي نادى بوجوب خدمة الفن للمبادئ الاجتماعية ثم أصبحت مادية اشتراكية فيما بعد 
ويرى د. نبيل راغب أن جوركي هو أول من صاغ اصطلاح الواقعية الاشتراكية كمقابل مضاد للواقعية النقدية وحاول تطبيقها في أعماله وفي بلورتها في اتجاه أدبي له ملاحمه المتميزة ولكنها تطرفت بعد ذلك في العشرينات والثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن وأصبحت المرجعية والنقدية اللعبة المفضلة لأدباء الواقعية الاشتراكية." 
هذا عن نشأة الواقعية الاشتراكية أما مبادئها وسماتها، فإن الحياة الاجتماعية تتكون من بنيتين، بنية تحتية وبنية فوقية تكمن فيها النظم الثقافية والسياسية والوعي الذي فيه الأدب، والبنية التحتية المؤثرة والفعالة في البنية الفوقية وبالتالي فإن أي اهتزاز في البنية التحتية لابد وأن يوافقه تغيير في البنية الفوقية إلا " أن ذلك الدور السلبي للوعي والثقافة، لم يكن عند الفلاسفة الأوائل ولكنة تجلى في قو ل ماركس: ليس وعي الإنسان هو الذي يحدد وجودهم بل العكس من ذلك وجودهم الاجتماعي هو الذي يجدد وعيهم، ومن هنا نلتقي بالمعادلة الآتية:
اهتزاز في البنية التحتية —< تغير طبقي
تغير طبقي —< وعي + أدب متغير
 جاعلة للصراع الطبقي بين الإقطاع والبرجوازيين، أهمية بالغة في تعبير الأدب 
ومن ما تميزت به عدم انتصار الذات على الموضوع في الأعمال الأدبية،وانتصار المضمون على حساب الشكل، وكان الإصلاح يتم عن طريق النقد المباشر، وكما عنيت بتصوير واقع جديد " ليس من الضروري لكي يوصف الأديب بالصدق أن يقص ما يحدث فعلاً أو ما يغلب حدوثه، بل يكفي أن يقص ما يمكن حدوثه دون أن يوصف بالاستحالة أو عدم المعقولية وهي بذلك تختلف عن الواقعية النقدية التي تؤمن بتصوير السواد والتشاؤم كما هو دون تغيير وإذا كانت الواقعية النقدية انتصرت للسرديات والرواية خاصة إلا أن الاشتراكية، بالإضافة إلى ذلك وتحديداً نلتقي" بماياكونسكي " الشاعر الروسي يدخل الشعر الغنائي في أولويات الواقعية الاشتراكية ولكنة يبقى يحمل رسالة اجتماعية لا يتجاوزها. 
الواقعية الطبيعية:
يعد "أميل زولا" المؤسس الأول للطبيعيّة في الأدب والتي تعتبر امتداداً مباشراً للواقعية النقدية، إلا إن هناك بعض نواحي الاستقلالية جاء بها "زولا" الذي ردد دائماً لا لوجود لمدرسة طبيعية في الأدب ومن هنا أميل إلى إنها عبارة عن تطور للواقعية النقدية، وليست مذهباً مستقلاً "فزولا"
 نفسه يقول "إن الطبيعية ليست سوى طريقة أو هي على  الأقل تطويراً " 
فالطبيعة تسعى لتصوير واقع الحياة وفهمها ولكنها تمتاز برؤيتها الخاصة في كون التصوير الواقعي لحياة الإنسان يحب أن يكون على اعتبار انه مادة عضوية، و"أهم خصائص الواقعية الطبيعية هو وصف طبائع الإنسان وحقائق الأشياء أي للحياة الطبيعية وتحويلها الى فن يطابق الواقع." 
ولعل أبرز ما يميز تلك النظرة هو أن القاص لابد وأن ينتهي بقصته أو روايته بما يتفق مع التطور العلمي، فهو يرى أن نتائج القصة لابد وأن تؤيدها العلوم بما توصلت إليه وإن كان يعترف أن التجارب الأدبية لا يمكن أن كتابتها جميعها بحسب علوم العصر ومن هنا نكشف أن الهدف الذي يقترحه "زولا" هو أن يدخل الكاتب في الأدب الطرق العلمية الخاصة بالطبيعة.  
ويؤمن "زولا" بالفردية ويعتبرها أثمن طابع للعمل الفني، وتدعو الطبيعية إلى التغيير كالواقعية النقدية عبر طريق التصوير والتحليل وفي ذلك يقول: "
زولا" أننا نقدم الوثائق اللازمة لأن يتبين الخير من الشر وعلى الشرعين ان يكافحوا الشر ويتبنوا الخير. 
ونلتقي بعد "زولا" بعدد من الكتاب الطبيعيين أبرزهم هو "أوجه سترندبرج" و"هنري بك" في حين جمع بين الواقعية والطبيعية "تولتستوي"، و" ديستونيسكي " وفي النهاية أقول أن "زولا" لم يعمد مطلقاً لإنشاء مذهب خاص في الأدب فبلزاك هو السيد الذي يعترف به دائماً ويؤمن بكل نتاجه، ومن هنا يصح القول إن الطبيعية امتداد للواقعية النقدية.
المذهب البرناسي:
في بدايتها الأولى كان يمكن أن تدخل تحت نطاق البرناسية مجموعة من الميول الفنية والأدبية عبرت عن ذاتها في القرن التاسع عشر، وإن كانت تنطلق من فكر واحد ألا إن أقطاب تلك الميول اختلفت أمزجهم بعد فترة ليست بعيدة وتعارضت في بعض الأحيان إلى إن انتهت إلى مذاهب مستقلة، ومن رواد ذلك الفكر نلتقي "ببودلير" الذي يعد الأب المباشر للمذهب الرمزي، ونلتقي "بيتوفيل جوته" الذي يرتبط اسمه بالفنية أو " الفن للفن " ومنهم " لوكونت" الذي يعتبر زعيم البرناسية، وسأتحدث عن البرناسية" والفن للفن" كمذهب عالمي واحد.
كلمة برناسية تنسب إلى جيل البرناس الشهير ببلاد اليونان، والذي تحكي الأسطورة أن آلهة الشعر كانت تسكنة، عبارة " الفن للفن" ترجع إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر" وقد يكون "فكتورهوجو" هو أول من أطلق عبارة الفن للفن في نقاش أدبي جرى عام 1829م محتجاً على الصفات المجردة التي يضيفها " فولتير" على أشخاص التراجيديين."
 وقد حاول الناقد الإنجليزي "برادلي" سنة1901م بلورة فكرة الفن للفن عندما هتفت بأن الشعر الجيد هو الذي يكتب من أجل الشعر فقط. 
ثم جاء جوتيه الذي أطلق عناصره وسماته، وأجمع بين الفن للفن والبرناسية من منظار أن كليهما يسعى إلى أن يكون الفن غاية في ذاتها لا وسيلة لتعبير عن غاية وأرجع د. هلال نشأة مصطلح الفن للفن إلى عام1818م إلى "فكتور كوزان." 
ومن هنا يمكننا القول إن ذلك المذهب موجود منذ القدم ولكنه بدأ يظهر كمذهب أدبي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين معتمداً له أسس فلسفية مناهضة للواقعية من جانب والرومانسية من جانب آخر، حيث كانت مرجعيته الفكرية هي الجمع بين الفلسفتين المثالية، والتجريبية التي سادت أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر وعودة إلي"لوكونت" زعيم البرناسية الذي كان يحلو له دائماً أن يرجعها إلى الديانة البوذية التي ربما كان سبب انسايقة نحوها هو ميلاده ونشأته في جزيرة "بربون"إحدى مستعمرات فرنسا في جزر الهند الشرقية، وملخص تلك الفلسفة السخرية من ألم الإنسان وبكائه وخلاص الإنسان يكمن في النرفانا. 
وذلك بإمالة الرغبة في ذات الأنسان، وبعد أن وضعنا أيدينا على الأساس الفلسفي لهذا المذهب يمكننا أن نتطرق إلى سماته الفنية مع إيماننا المطلق أن للأدب والفن وظيفة كما اتضح لنا في الفصل الأول.
الفن عند البرناسيين غاية لا وسيلة للتعبير عن ذات الفنان ومادته هي الصور الجميلة التي تستمد وجودها من اللغة وهي بالتالي تنتصر للموضوع وتحرص على تنحية الشاعر والانتصار للشكل فى المضمون من منطلق قولهم "ليس المهم ما تقول ولكن كيف تقول أوكيف تعبر عنه من مشاعر الام." 
ويرى "فان تيجم" أنهم يقرون بجمال الشكل والمضمون معاً وذلك من منطلق أن الشكل يفيد الجمال مباشرة والفكرة تصيبه بشكل غير مباشر. 
وناصر الرومانسيون الخيال ولكنه ليس خيالاً رومانسياً هارباً من الواقع ومعترك الخيال بل كان خيالاً علمياً يستند على الأسطورة والاغتراب في مخلفات الزمن، ومن هنا نادوا بأن تنحت عصور الشعرية نحتاً كالفنون التشكيلية. 
واختار البرناسيون صفوة المجتمع ليكونوا جمهوراً لهم، ولقد عاصرت البرناسية الواقعية في الأدب إلا إن الواقعية اتجهت إلى القصة والمسرح بينما احتضنت البرناسية الشعر الغنائي حيث وجدوا فيه فرصة أكبر لأطلاق عنان الخيال والأساطير، وأن كان هناك نقد موجه للبرناسية هو قطعهم بين الأدب والحياة، وكيف يكون ذلك، فهل يمكن أن يبدع الاديب بعيدأ عن الحياة وبعيداً عن ذاته؟ ذلك الأمر الذي وجهه الانتقادات الكثيرة للمذهب البرناسي، حيث كان عاملاً حاسماً في صراعه الادبي ومن ثم ضعفة وتقلصه.
المذهب الرّمزي:
إن الرمزية كمذهب أدبي لم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإن كانت أصولها الفلسفية أقدم من ذلك بكثير، لا نغالي إذا قلنا إنها تمتد إلى المثالية الأفلاطونية، حيث كان يري أفلاطون أن حقائق العالم المحسوسة لم تعد سوى مجرد رموز للحقيقة المثالية البعيدة.
وتعد الرّموز من أقوى المذاهب الأدبية العالمية، في انتصارها للشعر الغنائي بعد الرومانسية وتنطلق من كون اللغة عبارة عن رموز للعالم الخارجي والعالم النفسي وتكمن وظيفتها في إثارة الصور الذهنية التي يتلقاها المرء من الخارج أو يجعلها من أشتات الصور التي تستند في وجودها للعالم الخارجي، ومن ثم تصبح وسيلة للإيحاء وليس للنقل المباشر.
وفي إطار ذلك يكمننا القول : إن الرمزية سارت في ثلاثة اتجاهات، اتجاه غيبي يختص بالعالم الذهني، وكيفية إدراكه للعالم الخارجي، واتجاه باطني يختص بكشف عالم اللاوعي
والعالم الداخلي للفرد، واتجاه لغوي يكمن في وظيفة اللغة ومقدرتها على التداخل بين الحواس، ومما لا شك فيه أن التفاعل والتداخل قوي جداً بين تلك الاتجاهات. 
وكما ذكرنا آنفاً إن الرموز تعود إلي مثالية أفلاطون وتلتقي أيضاً مع مثالية "كانت"
أما عن مؤسسي الرمزية كمذهب في الأدب فلا يختلف أحدً علي أن"بودلير" و" فرلين" و"مالارميه" أول من أدخل الرمزية في شعره على الشكل و" بودلير" أول من أدخلها على المضمون أما " فرلين" فهو شاعر الرمزية العاطفي. " 
أما إعلان الرمزية كمذهب عالمي في الأدب فكان ذلك في " الثامن عشر " من أيلول 1886م عندما أصدر عشرون كاتبا فرنسياً في جريدة " الفيجارو" الأدبي الفرنسية عن الميلاد الرسمي للمدرسة الرمزية. 
هذا عن النشأة والبداية، أما عن السمات العامة للمذهب الرمزي كمذهب عالمي، اكتفاء الشاعر بالتلميح عن الأشياء، والاهتمام بالموسيقى وتحرير الشعر من الأوزان التقليدية حتى تتمكن الحركة الموسيقية من مواكبة الدفق الشعوري للفنان. 
وقدمت الرمزية نجاحاً بارزاً ًفي الشعر أما علي صعيد السردي فكان نجاحهم محدوداً ولكنهم قدموا قصصاً مسرحيات في غاية الروعة" ومن أبرع من نجحوا في المسرحيات الرمزية "ماترلنك" البلجيكي، وفي القصة "كافكا" التشيكي الذي كان يكتب بالألمانية 
ومزج الرمزيون بين الحواس واعتبار الألوان وسيلة للتعبير. 
مع كثرة الغموض، أطلق الرمزية العنان للخيال في الإيحاء لكنهم يؤمنون بالصنعة والإحكام بل وخضعون خواطرهم الأولى إلى التفكير الفني بقصد السيطرة علي ضبابيّة الشكل.
المذهب السّريالي:
يرتبط المذهب السريالي في الأدب بـ"فرويد" الذي قسم حياة الإنسان النفسية إلى "الشعور" و" لاشعور" في نظريته الغريزية، وفرق "فرويد" بين الإدراك العقلي والشعور والانفعال والنزوع السريالية تعتبر اللاشعور هو مصدر تغذيتها بما يحوي عليه من كبت في مراحل نمو الفرد المختلفة يرى السرياليون "أن التعبير الفني مرتبط باللاشعور أكثر من ارتباطه بالشعور."
 وأخذوا يدللون على ذلك بأن اللاشعور في حالة تهييج مستمرة على العكس من الشعور الذي يكون مستقراً بسبب تحقيقه، وإن وعي الإنسان بغيب في حالة تذوقه للعمل الفني فيصبح الإنسان كالحالم.
كلمة "سرييل" الفرنسية معناها ما وراء الواقع، ومعناها المذكور خير تعريف للمذهب السريالي
 فهي " حركة ذاتية نفسية صافية يقصد بها التعبير إما شفاهة وإما كتابة أو
 يأتي طرقة أخرى، عن العامل الواقعي للفكر في غياب كل مراقبة يمارسها العقل بعيداً عن كل انشغال جمالي أو أخلاقي،... أن السريالية مبنية على القوة العظيمة للحكم 
فلغة الفكر النزيهة تهدف إلى هدم جميع الحركات الذاتية النفسية الأخرى، تعتبر الدادية الأصل المباشر للسريالية، فقد تميزت بعدم خضوعها لأي قيد أو شكل تفرضه الأصول الفنية.
 ، وهي في الواقع مناهضة للمجتمع الرأسمالي، وعلى قيمه ومثله، ورائدها الأول هو"أندريه بريتون" ومن أعلامها الأدباء "بول ايلوار"و"لويس أراجون" ومن أشهر رساميها "بيكاسو.
السريالية تسعى لخلق شكل جديد للشعر، لايهتم بالمضمون مطلقاً فهم يرون "أن نبدأ خلق القصيدة بالكلمات بدلاً أن نبدأ بموضوع أو عاطفة أو فكرة. " 
خيالهم خيال أسطوري غير واع، ووجدنا في الشعر أرضاً خصبة لإبداعهم حيث امتلأت بالأساطير الموجودة وغير الموجودة، وإن كان لهم مسرحيات، فمسرحياتهم يغلب عليها الطابع الأسطوري، استنكر د.محمد مندور أن تندرج السريالية ضمن المذاهب الأدبية، إذا رأي أنها لم توافق إلى خلق صورة أدبية خاصة بها. 
المذهب الدادئي:
لقد أثرت الحرب العالمية الأولي على كل مجريات الحياة ومن ضمنها الأدب، التي كان من مخلفاتها المذهب الدادي الذي يعتبره كثيرون مورداً طبيعياً للسريالية، وهي نتيجة أيضاً إلى اللاشعور ولكنها تختلف عن السريالية في كونها تعني بالواقع.
والدادئية كلمة لاتحمل معنى وإنما جاءت من اختراع "تريستان تسارا " 1916، بحيث تعني أي شبء ولا شيء في الوقت ذاته. فهي ولدت من الكفر العميق بكافة المثل السائدة التي أنجبتها الحرب ولقد عبر عنها "فيليب سولر" بقوله" ضع الألفاظ في قبعة ثم أخرج منها ما يعيد لك، فبهذا يصنع الشعر الدادي." 
الدادئية لا تعتمد على أساس فلسفي أو مرجعية فكرية ولم تدخل الأجناس الأدبية سوى الشعر" فليس هناك أية شروط للانتماء إليها ولا مكان محدد للاجتماعات بل كانت تعقد في الحانات والأزقة والميادين الجانبية وكان مسموح لأي شخص حاضر أن يقول كل ما يخطر على باله حتى ولو كان مجرد هذيان.
 " ومن هنا فقد كان مذهبا ضحلاً لم يستمر طويلاً حتى ترك زمام الأمور للمذهب السريالي الذي اعتمد مباشرة على الأسس النفسية واللاوعي.
المذهب العبثي:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ثبت للإنسان أن كل ما بناه يمكن أن ينهار في لحظة واحدة فأصبح العبث وانعدام المعنى يمثل الجزء الأكبر من فكر الإنسان وسلوكه، ومن هنا تولد معنى العبثية في رفض أي معنى منطقي متماسك ككل ما يقوم به المرء من تصرفات، ولنقل أنها عبرت عن انعدام المعنى في السلوك الإنساني ومدرسة العبث لم تأتِ من فراغ في الأدب العلمي بل إن لها جذورها في المذهب السريالي بما يحويه من شطحات للعقل الباطن وهلوسة وأحلام، ويرجع "أرنست فيشر" بالعبثية إلى المذهب الرمزي الفرنسي، وقد يرى البعض أنها تدعو للعبث وهي في حقيقة الأمر تحاربه من خلال مسرحياتها وأعمالها الأدبية، خاصة أن انعدام المعنى أصبح داء يسري في وعي القرن العشرين
ويعتبر"صمويل بكييت " و"يوجسن يونسكو" و"أرثر أداموف" من أكبر الأدباء الذين عبروا عن العبثية في أعمالهم المسرحية حيث وجدوا في المسرح طريقهم للتعبير عن أفكارهم.

المذهب الوجودي:

عند الحديث عن الفلسفة الوجودية فأننا نتحدث عن أهم مذهب عالمي فلسفي استقر في أوروبا في القرن العشرين، ومن ثم كان المذهب الوجودي في الأدب من أبرز المذاهب الأدبية أيضاً وملخص تلك الفلسفة يمكن في معتقدات "سورين كيركاجورد"1813 -1855عند الإنسان، فذلك الفيلسوف يعتبر المؤسس الأول للوجودية حين قال"الحقيقة ذاتية والإنسان مؤسس تلك الحقيقة."
 فالأساس العام والأبرز للوجودية هو إنكار وجود ماهية سابقة وعدم القبول إلا بالوجود الإنساني فقط، ومن هنا يمكننا أن نرجع بالوجدانية إلي آراء. "
فولتير" وإن برزت بشكل أكبر في فلسفة ديكارت فيما بعد، وهي جهداً تعارض مسألة الشعور واللاشعور من ناحية والفلسفة الإغريقية في فصلها بين الصورة والمثال من ناحية أخرى.
ومن أبرز رواد الوجودية بعد كيركاجورد نلتقي "مارتن هايدجر" و"جان بول سارتر" ولو تحدثنا عن أهم ركائز الفلسفة الوجودية لوجدناها مبنية على مبادئ الحرية والمسؤولية والالتزام وهم يرون أن الإنسان ليس حراً في تصرفه بحسب ولكنة في مشاعره أيضاً... وحريته تتحقق حين يختار أيخضع لهذه المشاعر أم يقاومها، ومن هنا نلتقي بمشاعر القلق والبأس والهجران كمشاعر رئيسية ناتجة عن مرتكزات تلك الفلسفة، وهناك أمور يؤمن بها الوجوديون أن الإنسان لايمكن أن يكون حراً في تصرفاته كظروف نشأته ولادته من أسرة معينة وعوامل الوراثة، فحرية الفرد عندهم "حرية يقف فيها بنفسه على المواقف التي تتوافر فيها القيم فلا يكون خدعة لغيره باسم المبادئ التي تنادي بها طبقتة أوفئته. 
ولما اختار الإنسان بحريته فهو مسئول عن ذلك الاختيار وملتزم بواقفه، وهي بذلك ترفض الأخلاق العامة والمعتقدات السياسية.
والوجودية تخالف الاشتراكية في كونها ترى أن الإنسان يتكيف بذاته وبتصرفه الذي يختاره لا بمشيئة الواقع وتغيره، وإن كانوا يشتركون معاً في بغضهم للفلسفة المثالية، وقد يقول لنا قائل: الوجوديون ذاتيون فهم ينطلقون من ذات الإنسان الموجود، والمثاليون ذاتيون ينتصرون للذات أيضاً، وردنا على ذلك بأن المثاليين "يرون أن العالم يقتصر على الأفكار لا على الحقائق فالموت والبطالة والبؤس وغيرها من الأمور التي يرون أنها تستدعي التفكير بينما يرى الوجوديون مع الواقعية النقدية في الأيمان بالتحرر من المستوى الطبقي والمادي والسعي لتحقيق مبادئ إنسانية عامة وباقية، وتتسم الوجودية كمذهب أدبي عالمي بالانتصار للنثر على الشعر من منطلق أن الكلمة في النثر مجرد أداة لتوصيل المعنى فهي تتسم بالوضوح،أما في الشعر تتحول الكلمة إلى غاية في حد ذاتها وأن الكاتب عندما يعبر عن مشاعره بالنثر يزيدها وضوحاً لذلك أخرجوا الشعر كالنحت والموسيقى من الالتزام. 
وعدم الفصل بين الشكل والمضمون، ولا قيمة للشكل من حيث هو شكل فقط لا قيمة لجمال ليس له مضمون، بعبر الأديب عن مشاعره من وجوده الحقيقي لا من خياله المفرط
الأدب الوجودي وسيلة اصلاح يحددها ضمير الكاتب وصدقه، وهم يخشون أن يصبح الأدب نوعاً من الدعاية لتسخير بعض الغايات غير الإنسانية، ونقول من خلال ذلك أن المذاهب الفنية العالمية إجمالاً تيارات تتجه فيها الآثار الإبداعية العالمية وجهات جمالية خاصة في مختلف أنواع الفن العالمي بما فيها فن الأدب بقسيمه النظري النقدي والإبداعي.













تجربة شخصيّة
حول السّرد

   مقال في النقد الأدبي:
                                          - نعمة الجهل.

 يقول الناقد والشاعر شارل بودلير هناك شعراء كثيرون لم يكتبوا الشعر. 

 هناك سمات شخصيّة يتحلى بها الفرد الموهوب في مجال الفنّ والأدب تتجلى في حياته اليومية، في أفكاره وتصرّفاته ومُلاحظاته ونمط عيشه.... الخ فهو كائن مختلف، والظروف وحدها كفيلة بتجلي هذه الموهبة أو بقائها قيد الاهمال، ويمكن بدراسة موضوعية يقوم بها مختصون في عالم الأدب من اكتشاف هؤلاء الموهوبين في سنّ مبكرة. وذلك ما يتم القيام به في العالم المتقدم وتخصص له الاعتمادات الهائلة، ومثال ذلك: في سنّ مدرسية مبكرة تم اكتشاف موهبة الشاعر ارثور رامبو 14 سنة حين كتب قصيدته الشهيرة يوغرطة مقارنا بطولته ببطولة الامير عبد القادر الجزائري. وبذلك فالموهبة شيء سابق عن عالم الادب المكتوب. شيء يمكن اكتشافه دوما بطريقة ما، ولن يكون لهذه الموهبة أية قيمة إذا لم يتم صقلها. وفي المقابل فإن انعدام الموهبة يبقى عائقا أمام الابداع حتى لو توفرت كل الشروط المعرفية النظرية اللاحقة. وبما أن الخوض في مسألة الموهبة نفسه شيء نسبي فإن الذين يتحلون بملكة متواضعة يجتهدون ويقطعون شوطا في عالم الفنّ لكنّهم في الختام أنصاف رسامين وأنصاف شعراء وروائيين يعتمدون في مشوارهم الفني على جهل العامة للمعايير الحقيقيّة للابداع.
لذلك يتهرّب هؤلاء دوما من مواقف المختصين والنقاد متعللين بنيل مكاسب تسويقية تؤكد تفوقهم وبأرقام المبيعات وبضرورة تواضع المادة الادبية المبسطة التي يقدمونها للسواد الاعظم من الجمهور. وأنّ الكتابة للنخبة ضرب من التعالي لا يخدم الادب في شيء، ويؤكدون أن الجهل بالجانب النظري لفلسفة الادب والمناهج النقدية وأبجديات المعرفة النظرية، لا تضر المبدع بل بالعكس تحافظ على عفويته. فهل يكون الجهل بالشيء بابا من ابواب الابداع؟ وأي عفوية هذه التي تخشى من علم لا يمكن ملأ فراغ غيابه، فهم يرون زيف الكلمات التي تحوم في عالم السرد من قبيل المكان الزمان المتن الحكائي المبنى الحكائي، المونولوج، تعدد الاصوات نحت الشخصية النمذجة والتعميم وكل تقنيات اللعبة السّردية. فهل هذه أدوات يمكن الاستعاضة عنها بالوحي والالهام. وحجتهم في ذلك أن النقد الادبي متأخر بالضرورة عن الابداع. وأن العظماء الاوائل نسجوا على غير مثال. لكن تناسوا أنّ المسألة التاريخية تراكمية بالضرورة وإن تكن في بداياتها موهبة شبه خالصة، لكنها لا تكون في بدايتها الا جنينيّة...لا تتطور الا بتراكم الكم المعرفي السردي والنقدي معا حتّىتصل الى مرحلة متطورة يصبح من الهزل فيها انكار ذلك الكم الهائل من التنظير المستمد من الاعمال التأسيسية، التي هي بدورها لم تنطلق من عدم. فالمبدع نيكولاي غوغول مثلا لم يكن مفصولا عن المعرفة الاغريقية والرومانية المسرحية والشعرية والفلسفية. وما من شك أن تلك المناهج الكلاسيكية القديمة قد ألقت بظلالها على وعي أي مبدع مفترض لاحق. فالمبدع في عالم السّرد ليس كائنا مفصولا عن الثقافة التاريخيّة. وموضعه الذي يبدو بالنسبة لنا موغلا في القدم لا ينفي تقدّمه على مبدعينا في الجانب المعرفي ففكتور هوغو وبوشكين وبلزاك جميعهم يمتازون على أغلب الروائيين المحليين بمقدرتهم على التنظير النقدي بالتوازي مع الانتاج الادبي. مما جعل اعمالهم نماذج يعود اليها السّرد الحديث في دراساته الاكاديمية. وتستمد منها القواعد، فتلك الحقبة التي شهدت رفعة الاثار الادبية هي الحقبة التي تعانق فيها كل من الموهبة والمعرفة النظرية. ورواية اسم الوردة لامبرتو ايكو دليل على ذلك. لكن تخصّص المعاصرين ارتقّى بالمعرفة النظرية الى درجة لم يواكبها الابداع المعاصر في المناطق المتخلفة سرديا وانفصل بذلك التخصصان. ولئن استرسل الجانب النظري الى أعلى مستوياته فإن عدم مواكبة الابداع له أنتجت قطيعة وضعفا فنّيا ملحوظا لدى الكتّاب الذين يعتبرون الايغال في عالم التنظير النقدي مآله فقدان العفوية والميل نحو التكلّف. وهو يستدلون على ذلك بقصائد النحويين الركيكة وروايات المنظرين من غير الموهوبين وما آلت اليه من خواء فنّي، لكن ذلك التفكير الخاطئ قادهم الى أن يتخذ السّرد العربي مكانة في مؤخرة القائمة العالمية للمسابقات الكبرى في المقابل فقد عالم النقد صلته بالادب بدراسته لمادة فنّية ضحلة لا تستجيب لأي معيار. وتدّعي التجريب دون أن تستوعب الموروث العالمي كي تتخطّاه، ولأن مُهمة الناقد وظيفية فهي مهنة تتطلب العيش فكان لزاما عليها ذلك التورط بين مجالين لم يعد يربط بينهما أي تمفصل معرفي وتأويلي. فحين يلتقيان يقع تماس بين معرفة عالية المستوى ومادة أدبية شديدة الهشاشة الفنية. وهذا ما يفسّر اللخبطة الكبيرة السّارية في مجال التقييمات المتعلقة بالجوائز الأدبية. التي كادت أن تفقد المعيار المقنع للحكم.
إن المعرفة النظرية بأبجديات الخطاب السّردي تجد مرجعيتها الاولى في مادّة السرد نفسها مبثوثة في الاعمال الادبية بشكل لا يسمح بالاستفادة منها بالطريقة المثلى لاسباب مختلفة فظهورها في المادة السّردية المتعددة ليس ظهورا مُمنهجا وعلميّا. فهذا هو عمل النقاد، وفي صورة كان الموهوب المفترض قادرا على استلهام الاسرار المخبوءة بالنصوص. فهنالك دونه عقبات كثيرة منها عدم مقدرته على استخلاص التقنيات المبثوثة دون حصر ولا عدد في الاعمال الادبية العالمية التي يطالعها. ومن يستطيع ذلك بشكل نسبي غير عدد قليل، وهي حالات فريدة لا يجب التعويل عليها لانها لا تتوفر الا بشكل نادر. فهذا النمط من الموهوبين الانتقائيين في مطالعاتهم العالمية المكثفة. مع قليل من المعرفة النظرية بالنقد يمكنهم تجاوز عدم الالمام العميق بالجانب النظري دون غيرهم لكنهم لا يشكلون ظاهرة يمكن التعويل عليها ومن خلالها يتم استنباط القوانين.
إن عالم الرواية مجال لا يتطلب الموهبة والمطالعة السّردية والنظرية فقط، بل يتطلب وحدة المعرفة الانسانية الشاملة في حدودها الدنيا: علم النفس، موسيقى، فلسفة، سياسة، رقص... الخ مع إضافة الخبرة الحياتية الواقعية. فحصيلة ذلك مُجتمعة تؤلف النسيج الفني السّردي وتبلور المواقف التي تحدّد رؤية الكاتب الحرّ في تشخيص الواقع واستشراف الحلول.










صنعة الرواية بقلم شوقي الصليعي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 22 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.