مضت أعوام كثيرة .......مروى زيتوني / تونس
مضت أعوام كثيرة بلا عودة طوتها أغبرة الزّمن لكن فتيل الحنين أشعلها لمّا مَرَّ بي قطار الذّكريات مسرعا على أنقاض ديار الأحبة.
الأحبّة الذين عهدتهم بمدرستي الأولى عندما كنت أحمل محفظتي الحمراء و أسير نحو المدرسة بخطى ثابتة،خطى العزم و المثابرة.
الأحبّة الذين لعبت معهم ألعابي المفضّلة في ساحة المدرسة الفسيحة.
الأحبّة الذين كنت أشاركهم حبّات الزّيتون و قطع الجبن و بعض الفواكه...كنّا نفرش منديلا تحت شجرة التّوت الشّامخة الوارفة الظّلال و نتقاسم فتات الخبز.
الأحبّة الذين إذا مرضت و تغيّبت عن الدّرس أرسلوا إليّ تلك الرّسائل المكتوبة في أوراق الكرّاس كان قد خطّها صدق مشاعرهم لا أناملهم و يرسلونها مع بنات جيراني.
الأحبّة الذين إذا آن أوان العطلة الصيفيّة ترانا كأسراب الطّير متحلّقين لا نريد للسّنة الدّراسية نهاية.
كلّ شيء تلاشى، أيّامنا الجميلة.. طفولتنا البريئة جلساتنا تحت شجرة التّوت..ضحكاتنا.
عَالمنا المَخْمَليّ المزدان بقلوب كالدرر و بأرواح باذخة الطهر اضمحلّ في غياهب الماضي.
واحسرتاه كلّ شيء جميل رحل و أنت أيّها القائل" ليت الشباب يعود يوما لتخبره ماذا فعل بك المشيب" ها أنا اليوم أقول لك ليت طفولة البراءة تعود لأخبرها ماذا فعل الشباب بخصلات شعري السّوداء لقد غزاها الشّيب مبكّرا..و ماذا فعل بملامح البراءة التي غزتها التّجاعيد في الثّالثة و العشرين من عمري...تراكمت أكوام الخيبات و استوطنت داخلي دون أن تستشرني.
ربيع عمري المزهر ببراعمه المتفتّحة بروائح الزّهور الزكيّة العطرة و بقطرات النّدى فوق الورود الجميلة في صباحات الحياة المشرقة يلفظ أنفاسه الأخيرة ليفسح المجال لولادة أبديّة لخريف أيّامي التي اصفرّت أوراقها و تساقطت.
كان ربيع عمري زاهيا لا أعرف من الدنيا سوى حب أمي و قطعة الشوكولاته.
أذكر عندما كنت طفلة أحسب الأيّام و الأعوام متى سأصير شابة...و ها قد نضجت و بلغت الثّالثة و العشرين من العمر.. أدرس بالجامعة..أجول كلّ أرجاء البلاد بمفردي..ما عاد والدي يصطحبني إلى المدرسة أذكر حينما كان يسرع في مشيته كنت أنا أهرول حدّ اللّهاث كنت أستغرب الأمر و لكن اليوم عرفت الجواب عقارب السّاعة لا تتوقف لتمهلنا بعض الثواني لنرتاح،إنّنا في صراع عتيد مع الزّمن كثرت مشاغلنا و هرمنا في شبابنا و تجعّدت أخاديدنا و تكدّس رماد شرودنا من كثرة التفكير في عبء الحياة.
كم أود لو عجلة الزّمن تدور هذه المرّة و تعيدني إلى هناك، لأمرح و أرقص و أغنّي و أضحك من ينبوع جوارحي و أنسى هموم الحياة.
كم أودّ لو بقينا طيلة العمر أطفالا نؤمن بأنّ جميع مشاكلنا تحلّ بقطعة شوكولاته.
كم أودّ أن يعود ذاك الزمن الذي كان فيه التّسامح بالإصبع الصغير.
"مدرستي الأولى"
مروى زيتوني.
مضت أعوام كثيرة .......مروى زيتوني / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
02 يوليو
Rating:
ليست هناك تعليقات: