عدٌّ خاطئ .....بقلم هيثم الأمين / تونس
في مثل هذا اليوم،
التّاسع عشر من ديسمبر،
قبل سنة من الآن، أو سنتين
ربّما، قبل عشر سنوات
أو قبل عشرين عاما،
فلا أحد يتذكّر، بالضّبط، تأريخ الفواجع الصغيرة
كفاجعة انتحار جماعيّ لأشجارٍ على ضفّة النّهر
أو فاجعة انزلاق أرضيّ أودى بحياة ألف زهرة من زهور شقائق النّعمان،
مات رجل من البرد
رغم الكمّ الهائل من الحطب الذي كان يسرد للنّار آخر حكايات الغابة
حكاية السنجاب الذي فقد حبيبته بسبب سقوطها من أعلى شجرة الجوز،
حكاية الجُعل الفارّ من العدالة لأنّه سرق بعضا من روث الأسد،
حكاية قرد الربّاح الذي أحبّ قردة من فصيلة الشامبنزي
فاتهمته قبيلته بالخيانة العظمى
و حكاية بركة الضّفادع التي شربها، كلّها، جاموس أرعن
و كيف أنّ الضفادع، التي كانت في الأصل صامتة، تعلّمت، مذ ذلك اليوم، النّقيق.
ذلك الرّجل، الذي مات من البرد،
أكّدت الأبحاث أنّه كان يعاني من تضخّم في الذّاكرة
و من انخفاض حادّ في مستوى الفرح.
على الأرجح أنّه كان يعدّ أصابعه
و كان يخطئ العدّ في كلّ مرّة
لقد وجدوا آثار عضّ عنيف على أصابع يديه
إلّا إصبعا واحدة كانت مغموسة في حبر لزج نجت من العضّ !
يُقال أنّه نزع عنه وجهه قبل أن يفرّ من الحياة
و أنّهم وجدوا، على صدره، صورا كثيرة
صور لأناس دون وجوه أيضا !
كانت تنبعث، في أرجاء غرفته، رائحة حلم راكد
و من حذائه
انبعثت رائحة خطوات مؤجّلة الوصول.
كلّ شيء كان يوحي بأنّ الموت كان بسبب البرد رغم النّار التي اِلتهمت كلّ تفاصيله اليوميّة
و رغم البطّانيّات الصّوفيّة التي كانت تعجّ بضحكات قديمة جدّا
و لكنّ فردة حذاء بكعب عال
وجدوها تبكي، عند الباب، صرّحت لجريدة محليّة
أنّه مات كما تموت العصافير التي فقدت أعشاشها !
مذ مات ذلك الرّجل من البرد
و كلّ العابرين يتساءلون إن كانوا يعرفون ذاك الرّجل !!!
و مازالوا
منذ سنة أو سنتين
أو ربّما منذ عشر سنوات أو عشرين عاما
يعدّون أحبّتهم على أطراف أصابعهم
و مازالوا يخطئون العد !!!!
عدٌّ خاطئ .....بقلم هيثم الأمين / تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
19 ديسمبر
Rating:
ليست هناك تعليقات: