إثنا عشر نصا للشاعر اليمني بسام المسعودي
لوقت طويل كنت أظن
أن الظل خلفي أوجده غيابك
أو أنك ظلي بلا هوادة
حضوره يصيبني بالرهبة والحزن
ويصيب كتفي كونه أثقل منه
لوقت طويل وأنتِ في كل مكان
بيني وبين نفسي
بيني وبين ما أريد
وبيني وبين ما تشتهيه روحي وأن أكونه
أحدث نفسي عن غيابك نتيجة حظ سيء
فأشعر بالرغبة لعودتك متى أردت.
لوقت طويل
كنت جائعاً محتاجاً لوجودك و مقتنعاً بالعزلة دونك
تلك العزلة التي ذقتها
فوجدتني أقف أمام الضوء كله
الخافت منه أو ذلك المبهر
وجدتني وحيداً أقاوم الجوع
والحظ اللعين
أقاوم حاجتي لوجودك معي كظل أو كحزن
وجدتني خائفاً دونك
فصارت قرقرة بطني تصرخ بالحاجة لهضم
كل المسافة بيننا
فمي بحاجة لمناداة اسمك
وعويل قلبي يحتاج لأن تأتين كظل خلفي
كحضور يصيبني بالرهبة والحزن
والثقل على كاهل كتفي.
لوقت طويل
وجدتني خائفاً من أن أعرف
أن ما بيني وبينك أقوى من الذي بيني وبين نفسي
وأقوى من ما بيني وبين ما يشتهيه قلبي
وجدتني خائفاً إن لم تأتِ كخيال يسع لطف روحي
من رعب المسافات بيننا
وخائفاً إن لم تكوني أنتِ حياتي كلها.
لوقت طويل
وأنا أقرأ رسائلك المقنعة
فأرى فيها وجوهك العارية وأسمع نبرات صوتك داخلها
وضحكتك التي لم تحضر فيها
لا زالت محظورة
تمنعها عني رسائلك وقصائدك.
لوقت طويل
وأنا أنتظرك وأنتِ لا زلتِ بعيدة وصامتة
تحت أغطية الليالي المعتمة
تنامين بعينين مفتوحة ترقبين إنتظاري
وأرقب أن يزول صمتك الطاغي بالعودة لي
تريني وأنا أنتظر نبرة صوتك في يوم شوق
أو ليلة حب متعثر
نبدأ به بلا إنتظار لكل هذا الوقت الطويل.
---------------------------------------------------------------------
لغيومك فيضٌ شارد
يصل هضابي إما مطراً
أو دموعاً لها رائحة الملح وطعم العقاب،
سيولك تروي أوديتي اليابسة
ورغوة صدرك
عنيدة
تنسكب على فمي كخمر جنة.
--------------------------------------------------
سأعود حين ينتشر الضوء في صدري
جهات صدري بلا نمط لإنتشار الضوء فيه
لا أوقظ رغبته كل فجر
توقظني (الصلاة خير من النوم)
ومراعي الصدور النازفة لا توقظ أحلام الرعاة المتلاشية
عودتي لا تثير دعاء الليل ولا أماني النساء الخائبة
فالحياة تعاني من مثلي
تعاني من الضياع ومن النصوص المكتوبة
عقب كل وجع..
لا شيء يجعلني مطمئناً أثناء عودتي
فقلبي لم يكن عهد الهذيان المضني
وأنا أخاف ألا أصل
ألا أرى جبالنا الجديرة بالشموخ
والحفاة الرعاة
يتطاولون في كره المراعي كلها.
سأعودُ بلا بوصلة
أحلم بالوصول
قبل أن تتبلد أصابعي
وبعد أن يصحو أبي من غيبوبته،
سأعودُ بلا كآبة
أحلم بشيء واحد فقط
بالفرار من فروض التعب والعودة إلى بيتنا القديم.
علّمني أبي أن انتظار الصلاة إلى الصلاة صبر مؤمن
وأنا لا حاجة لي بالصلاة والدعاء
لا أعرف كيف أوقظ جسدي النحيل
من غيبوبة الوجع العميق
توقظني ضحكات ظلي النائم
وشخير قلبي
توقظني رجفات روحي
فلا أعود
إلا بفم مدمي أصابته حجر الرعاة
أصابني معه صبر الريح على عويل حظي.
في قلبي أشجار وحانة
وأنا سكير في فلوات
لن تصلني بي
لن تصلني ببرودة أعصاب أبي
فأنا وحدي عون الوصول،
أسكب القصائد الممزقة في مكب الفجر
بلا نافلة
بلا وتر
بلا صلاة ليل
فالقصائد لم تعلمني كيف أصلي،
لا شيء في يدي حين أعود، لقد اطمئن الضياع عليّ
إنه مجرد هذيان مضنٍ فقط
وأنا المدمن للطرق لدرجة أن أراها تموت تحت ركضي
لدرجة أن أموت ولا أراني قد وصلت..
لا شيء سيندمل وقت قلت سأعودُ حالاً
فكل نصوصي ملتهبة
مثل بلاد أبي
وأنا لا بلاد لي
لا وصول ولا فروض توقظ رغبتي
بالبكاء عقب كل هذيان ونص موت.
---------------------------------------------------------
تلتفتين للوراء فترين خيالي
بعضٌ من خوفك
سيجرك نحوي بكل عيوبك
كي تصلين ليِ يلزمك المزيد من التعب
ستصبحين بعدها آخر زائرة ضمنت الحزن معي.
إنّكِ تخمة آحزان دفينة
من بلاد هجرتها السعادةِ
تمر عبر جبالها الفتية وسهولها اليانعة وسواحلها المفتولة
كأي ريح عابرة.
لستِ حصاداً مراً
لكنك قطاف موسم فقه الحزن ولم يفقه شتاء قلبي
تعامل العشاق مع حصادك بحذر
ليقطفك بعضهم يانعة
ووحدي من جعلك حديقة مليئة بأزهار الحزن
وحدي جعلتك المثقلة بالشوق
ولأنني لستُ فَرحاً
فليس باستطاعتك أن تجمعين
حصّاد قلبي طالما وجهي بسمة نهار
وسواد ليل،
سوف تمتطين الألم مع الحزانى
الذين يشبهونك
وكل ألم سوف تستطيبه عينيك كلما قرأتِ قصص الحب.
عودي لي...
فصدري يعرفُ أنك تعاسته
عودي كي ننسى الألم والبلاد معاً
ننسى الحزن ولعنته وسمائي الداكنة
وتنسين قلبي الزاهد للغياب بلا حب،
ننسى مدناً مثقلة بالحرب
وبالفرح الذي لم يصل،
عودي في صباحات تروق إنتظاري
ولو كنتِ
مجرد خيبة جديدة.
عودي كي تظهر ألوان خدّيكِ كم أنتِ خائفة من سحنات الحب والحرب
ولأن لغة قلبي هي لغة مصيركِ
ومع أنكِ لست ملاكاً وأنا لستُ شيطاناً
لن يقاوم قلبك تسهيل صبري لك إن عدتِ
فهناك شيطاناً أبيضاً اسمُه الحب
وملاكاً أسوداً اسمهُ الحرب.
عودي كي نبتهج بأغاني المأساة معاً
نسمع قرع طبول الحرب
والمواويل الصاخبة
حتى ترين أن النظر لم يعد مجدياً
وسط النور الذي تبعثه القذائف
وكل اليقين بأن التعب حين غادرك
صيرك امرأة حزينة وروحها ركام،
عودي بكل عيوبك التي لازمتك من زمن السلام الضال
تجيئين للتعرّف على قلبي
فتتبناكِ قصيدة تظنين معها أنك غريبة
لم تعد تعرف من هي.
ستنطلق رحلتك علي عجل
وستحتفلين معي بالحزن
على موائد من أوراق عمر تجدّد فيه ألمنا
رحلة تأخذك لمجهول تعلمه روحك
يكون فيه الحب بيننا بحجم اتساع الويل
واتساع كفي لغرس دموعك فيه.
تعالي إليّ..
تقودك نحوي جهات خوفك
سيخبرك العابرون دروب الوجع عني
وستتعلّمين معهم كيف تبادلين النصر بالهزيمة والنظرات المقيتة بالإنصات للدموع
ستتعلمين معي الحب والحزن
والكثير من أوجاع البائسين.
تعالي فكلانا خارج الفرح والسعادة
سكننا الحزن والحب معاً
سكننا الوقت الآفل كلما نعست قبلات شفتيك
وأنّا بسطنا ملاءتنا الرثة في غرفة بؤسنا
وسط بلد له هالات تائهة داخل شغاف قلبينا الباردين.
متى عدتِ لتلتفتي لي
حين تربطين منديلاً على خاصرة قلبك
ترقصين مع قصائدي
رقصةً حزينة
ومع أنني لستُ عاشقاً، ولستُ نهار سلام
إلا أن قلبي صياد بارع يرقب رقصتك
صيادٌ يطلقُ عليك سهام نبضه
ويتساءل ألن ترتجفَ يديك كلما مستها نظرتي؟
ألن يُخطئَ قلبك هدفه فيصطادني مع أول إلتفاتة نحوي؟.
-------------------------------------------------------------
أردمُ الحُفَر بأشلاء بعضي
أهدم الريح
بمعول أنفاسي الصلدة
من كثرتي التي لم أعد أعرفها
صرتُ أنسى كم مني
يجوبون الشوارع الخلفية لظني بالعودة كاملاً
إلى خبايا غرفة بلا نوافذ،
أسير مع الجميع
إلى حيث يسيرون، أمضي معي ولا أعرف ما أريد
وهل سأصل لخاتمة السير وأنا راضٍ عن الوصول.
تقول قدميْ:حتى الركض بارد!!
فمُذ أن هاجت بلاغة الأحذية وكل شارع في المدينة
أصابه تلف الحفاة.
قلبي فريضة ومدينة تعب
قوة الله وخوف أبي ،
منذ وضوءان لم أصلِ
فما عادت مُهل التوبة كافية لـ أناي ،
وروحي التي أسقتها الجميلات دموعهن قالت لهن:
(غداً القيامة)!!
أنتصر على السهر
بالنوم باكراً
بتبادل (المساءات) مع جدران غرفتي
أنتصر على وجهي
بالنهوض بنصف وجه
وبعض ملامح
بقية وجهي يصفف خيباتي داخل مرآة شقتها غربتي داخل نصوصي
وملامحي تحاول ألا تبكي صباحاً ومساءً
أنتصر على نفسي
بإعترافي أنني هزيمة نفسي
وأني نصر يبحث عن إعتراف مبكر.
أطرق أبواب السماء
بنص له أصابع
قلمت أظافرها مذُ ذنبان.
أنا البار بمناداتي اللاسعة
وأنا الضيق في صدر حانات الليل
وذاك الغسق المتفرد
بالثمالة
بالشساعة العاقرة
وبالحنين لتوبة وئيدة
ذاك أنا ..
--------------------------------
تطيرين إلى قلبي
لكن من أين أتى هذا السقوط
أنا مخادع لم أبع
الكثير من الصعود نحوي وأنتِ لستِ على استعداد لمعرفة ذلك،
قلبك يشعرني بالرغبة بالملكوت
وجريء مثل تفاحة السقوط الأول
يجعلني أهوى صدرك
وأنت تعشقين الصعود
للأبد وإلى قاع القلب..
لن أدعك تفلتين من سمائي
لن تسقطين إلا للقلب أيضاً،
تحتفلين بسقوط
الكثير من أحلامنا البالية
وأنا لست مخادعاً
لستُ محتفلاً بالطيران لقلبك المركون
خلف جوف جرأتي بك للأبد
ثم تبادلين شعوري بتفلت يديك من سقف صدري
الذي تتعلمين فيه الطيران..
صرتُ مُجهداً من تداول الليل معك
وأنتِ صامتة
تتداولين أذية لوعتي بالكثير من فتنتك
تواعدين صبري
وتصعدين بقلبك على ظهر شوق جاحد لشعوري بك
وأنتِ موصوفة بالدفء
ترتقين منافذ البرد في حضني بجناحيك البارعان في التحليق فوقي..
أيّتها الشاسعة
حشود أصابعي كمائن
لمحاصرة النيران المشتعلة في صدرك
وأنتِ تحتلين سماء ضيقي بالتحليق فيها
أصابعي قصائد هيأت لك حقول دمي
وكلما شممتِ عطري عنفتِ عنقي بلهفتك
وسقطتِ على صدري
كقمر على صدر السماء.
------------------------------------------
في روضةِ الحب
أنتِ أُنثىٰ شاسعة
وصدرك مغتر بنهدته الشاهقة
والرائحة التي تفوح من ساحة عنقك
أبحث فيها عن شيء ما:
ربما عن حقول صدرك
أو عن حاجتي لكتابة قصيدة جديدة، عن تراب روحك،عن غبار ابتسامتك.
لقد كنتِ الجميع الذين كانوا معي في ضعفي
وكل أيدي الربت التي تنهمر على كَتِفيْ
كنتُ أصقل نفسي بك
وكنتِ الأنثى التي أدركت ألمي
عندما انكسر ظهر التراب بين شرخ الياجور المرصوص داخل قلبي
وحين قلتِ لي:أنا جميع الناس لك!..
إلى الأُنثى التي تمسكت بي رغم سوئي وغضبي
وعندما مزقت النار هضاب أيامي ابتلعت إبتساماتي المنقبضة
ثم قالت لي:
أحببتك لأنك حزين مثلي
أمنتُ بك لأن النبوءات لم تعد تأتي من السماء
إنني كل أشيائك،
حتى والجميع ينفضون من حولك
أحببتك
أمنتُ بك وكنتَ كل أشيائك...
إلى الأنثى التي مدت بذراعيها
فوقَ قصيدتي العارية
ثم التأمنا مثل ورقة رابحة
كي تنفرجَ شفاهُنا
لتلثمَ قوافي الحب كلها،
لقد كانت شفتيك تتصدر أخبار فمي
ويديك تنفرد بحقول صدري
والحبُ الذي في قلبي لا يعرف شيئًا غيرك
وحدسك يستشعره كلما أويتك داخل قصيدة..
إليك حين تمادت وحدتك القديمة بالظهور للعلن
وأنتِ تتساءلين عني:
هل هو التراب أو ظِلُّ الغبار
أم أنه الريحُ أو صريرها داخل قلبي؟.
إلى التي قلت لها:
دعينا نسكب الشوق في قناني الغياب
ونصنع مداربنا علي الطرق
ثم نهمس في مسامع السماء:
أشتقنا؟كلانا بعيدان؟لِمَ القناني
ثم نفتحها ونصب الشوق الذي فيها ونعاود الإنتظار..
تعلمين أنني ابن عائلة أنكرت حبي لك
حين رأوا وجهك مكتوب في قصيدتي
لكنهم يعلمون أنني حزين الأن دونك،
يعرفُون أنك مليئة بالأشواق والآلام أيضًا،
وشموسك التي كانت تسطع
صارت تستقي نورها من شدة الألم الذي يسكنك..
يعلمون أنك تحملين مياة الظمأ دخل دلاء مثقوبة
وأن إيمانك بي كان حينما جرحت نفسك
وحين أُصيبت رجلّك بحجر حاد رمت به أيديهم والجميع يعرف أنّ الأحجار وجدت كي تجرح عودتنا لنا..
إلى الأنثى التي غابت ولم تعد
لتعلمي أن في مكانٍ ما من هذا الغياب هناك
رجل يتكلّم في نومه
بجانبه صورةِ امرأةٍ
يتهدل شعرها فيها
وينظر وجهها نحو نافذة مكسورة
لمكانٍ ما ربما يفوحُ منه رائحة رجل
مُفْعِمًا بحبها وبالعودة لها،
في مكانِ ما تأوهات رجل كنداء
لامرأة في سن الحزن والتعب
وفي مكانٍ ما من جسدي المخبوء فيه الحزن
يتَسّاقَطُ سعالُ قلبي الشائخ على وجهك في الصورة.
-------------------------------------------------------------------------
وجودنا متعب
ومنمق مثل لحن ثقيل لأغنية ضائعة
كتبها شاعر عرف طعم الخوف ونام وحيداً
ثم فكر بالغد
بالحزن القادم
أما اليوم ظل يفكر بكتابة قصيدة تشبه العدم.
هذا اليوم نحن شعلةُ دامية
دمنا مضطرمُ
شعلةٌ لا تقوى على إِخمادها
ريحُ الجنة.
نحن الذين نضحك
بدل أن نبكي عن هذا الحال
نقول عن سنواتنا الباكية إنّها تغلي
ونحن نفكر اليوم بمن يضحك
بينما نتعلم الطفو فوق الآحزان كي لا نغرق فيها.
قرانا التي خلف الجبل
كانت جنة في أزمنة أخرى
تمسح أكمامها الخضراء
بأنف الريح
ثم تنظر لنا بعيون شجرة السدر الكثيرة في أوديتها.
نحن أولئك المكمّمون
الذين يقتلهم دخان الحرب،
نستمع الغناءُ المكتومٌ وتلك الأغاني الفارهة
أرواحنا تعاني البؤسُ
الحزنُ حبيس أجسادنا الضحلة
ونحن نريد أن نبكي بصوتٍ عالٍ!.
لم يتركوا الفرح في شوارعنا
ما تركوه لنا في هذه الأرض الموات
منحدرات حزن
ووديان خوف
تغسلها شيئًا فشيئًا زخّاتُ المطر الغاضب
تجرفها وتجرفنا حتَى السهول
التي لم تعد لنا.
ها نحن هنا،
نقف على ضفاف الحزن
بنظرةٍ تكسرُها دمعة الأمهات والأطفال
ولا أحد يرانا كي يهدئ من روعنا في هذه الأرض.
ننظر إلى السماء ليلاً
فيصادفنا الموتُ
بيدٍ بيضاء
للموت أيدي كثيرة
تطير إليها أرواحنا الخائرة
إليها تطير تنهيداتنا الليليّةُ في الظلام.
فكّرنا أنه القمرُ يرتفع
سألنا أنفسنا:هذا الضوءُ لمن
يعكس ضوءه كمرايا
كأنه ينبعث من جذور الأرواح لكنه كان الموت.
شحوبُ أجسادنا مثل الحصاد
ذلك الذي فيه موسم الموت
ونحن لا ظلّ لنا غيرُ أنفسنا المخنوقة من القصائد.
-------------------------------------------------------------------
إنّنا نعيش في قرى بعيدة
داخل بيوت شائخة
تتسربِ المياهِ من سقوفها
والكثير من غناءِ البلل
داخل حجراتها البائسةِ المليئة برائحة التراب،
في زمن الطفولة
عشنا في قرى موصوفة بالحياة الباردة
وصلتنا الأشياء الدافئة من مدن بعيدة ومن خلف جبال شرسة لم ترحم بيوتنا
وفي المساء تمتلئ بآلام قرضتها لها اللحظات..
نعرف أننا لسنا بذلك الغموض الذى
يسعد الجفاف ولا مراوغين بما فيه الكفاية
كي يفلت منا المجاز وتسقط عن قلوبنا أغاني الماء،
فماضينا مختلف،مغاير لمواعيد وصولنا أبواب بيوتنا القديمة
مغاير لصرير مفاتيحها
حين كانت تغلقها أمهاتنا
كانت المقابض مرتفعة ونحن نلبس ثيابًا رثة
ثياباً تخون قربنا من الكساء والفُرجة.
كان الوقت يخشخش في أقاصي أرواحنا حياً
حتى يتوقف المطر
فنسلو بالوحل -نحن ابناء الويل والمناجاة- بورقة من فئة الحظ السيء
فلم نجد الأوقات اللطيفة الفاتنة
لنمسدها على المذبحة المنصوبة
عند مدخل القرى
فالوجع وجعنا والوقت كالسيف قالها الأولون..
إنّه من غير نظرتنا لفصول المطر
ذاتِ الكمياتِ التي تعين حقولنا على النهوض
الكميات الصالحة
لأن تُقدم لعطشنا
وللحيوانات التي تحب أن تشرب من مجرى أوجاعنا
فصارت أيامنا الفارغة تتكاثر
يتقاطر منها الحزن ذاهبًا
إلى سوادِ أعيننا
ولم ندرك أن كل هذا الحزن سينتهي
حين امتلأت مطابخنا بشعث الدقيق وأواني لامعة لا تثق بمستقبل شبعنا
ولا بماضي جوعنا الذي يعرفه الله.
أيامنا تحولت في حلم عابر إلى خوذات تلبسها أقدامنا
نركض ككائنات فضائية
تحاول العبور مع المطر إلى سقوف بيوتنا
والأيام التي سارت نحو المستقبل الغائم صارت مجرد
كلمة تساوت معانيها في صباح بغير شمس..
تنادينا المدن:
تعالوا أيها القرويون
المتعبون
الغائبون
الحالمون بالحياة والبراءة
تعالوا لمائدة الويل
فها هى مرايا أيامكم شائخة (تطفح بالشقوق)
وفى مطابخكم مآسي ووجل قديم
لا يترككم تعيشون
لأجل قليل من الأيام الآسنة ولا مجد يجعل قراكم
عالية
تعانق ضجر الغيم العابر.
--------------------------------------------
نحن الجالسون
في الشوارع الضيقة
في المقاهي الضيقة
أهل الحال الضيق
إننا فرحون بزحمة السكينة
لا أذان لجدران الأمكنة تلك
ولا عينان للشساعة كي نتفسح بها
ندع كل شيء ينهمر
ُالأمل العاصف
مكبات لركضنا
وللظنون الذّاوية حول أرواحنا
ولافتات عَن أقدار النضال والحرب
زخات الأمل تَرُش المكان
ونحن الجالسون نعلق الرايات الخاسرة وقدور طعامنا صدئة.
------------------------------------------------------------------------------
أقرأُ حظك وأكتب لَكِ الشعرَ
تستمعين نداء حزني وتقرئين نصي الغائم
ولا شيءَ يصيبك غيرَ رعشةٍ خفيفةٍ لجسدك
رعشة للوقت الذي خُلقنا فيه
وللخيالات التي يمكنُها أنْ تقربَنا إلى الإنعتاق.
إلى وجهكِ القريب البعيد
أيّتُها المرأة التي بلا قبيلة وأنتِ نزف الوقت كله
أيّتُها المرأة المستندة على صرير الريح
المستندة على شقاء البُعد أكثر مما يمكن أن تحتمله
موسيقا روحك الحزينة التي يصعد منها نفس أحلامك
المتوسلة وصولك لي بأقصى سرعة حنين.
كلما مستني ذكرياتك حل الظلام
كلما مستني يديك
عشت الضلال
تنزلقان فوق وجهي
مثل ملاءةٍ ناعمة
تتمايل
تتمايل في دلال مثل خصرك حين كانت تلقنه أصابعي موعظة النور.
يجب أن نبغض المسافة التي بيننا
فالبغض جميل
كما الموقد اللافظ لهبه
على قدر جوع يشبه قرقرة قلبك
كما القائد الذي يضحي بقطيع جهلة كي يعيش وحده
لمجرد أنانيته
كما الريح العابثة
تقلب موج بحر وكلانا يشتهي من الغرق نجاة
لكي لا ننسى فظاظة بغضنا
وكما أنتِ تنشدين الشوق وقد قدته رسائلك.
يجب أنْ تبغضين فضاضة الشعر الذي أكتبه
كي يتحول
النثر شعرًا
والقصة القصيرة رواية
والومضة طعنة قاتلة.
شوقي ذلك الشيء المكسو بالريش الناعم والقش الكثير
يعشِّش في قلبي
يشدو بلحنه ودون كلمات عابثة بقلبك
ولا يتوقف أبدًا
ولا طيور كي تشدو أيضاً ولا تعبرْ أبدًا أمامَ عينيك المرهقة من النظر نحو الدرب.
أيتُّها الطيَبة
أنْتِ لا تَمْلكين فرحاً تَستَنشقينه
وأنا يلوثني حُزن غيابك عني
رَغم ذلكَ
هناكَ مسافةٌ قصيرةٌ لوصولنا
أنتَ تستطيعين بكلِّ سهولةٍ
دونَ أيِّ جاذبيةٍ
أنْ تتحركي في الفراغ الفاصل بيننا
وأنا وبدون إرادة مني
أقذف نفسي لأبعدِ نقطةٍ في الشوق
وألجأُ إلى غليانِ ينابيعِ صدرك.
أيتها المرأة التي بلا شائبة
إن نداءاتي لك عارمة
سوف تبحث عنك في صميم أروقة الرسائل الإليكترونية وفي الواقع ستكونين متصلة بي
كي تذوب براءتي في أصابعك
مع نهاية الرسالة الأولى بيننا.
أيتها المرأة ذات الصمت الذي بلا طائل
ذات الارتجافات الداخلية المديدة
حين يزول دنس قلبي المتعب
انهضي
لأحتفل بقدومك هذه الليلة العتيقة
مثل عمود إنارة هجره الضوء
مثل جمر صار رماداً منثور
وكل حلم بالنسبة لي
هو شوقٌ منسحقٌ يتركُ على أصابعي
لون شفتيكِ
يتركُ رائحةَ جُرحك الدامي الذي سببه غيابك،
كلانا نستطيعُ
في مكان ما قَرب الليل أو قرب قمر تائه
أن نُعانقَ بعضنا
ومن دونِ أن تبتلعّنا حفرةٌ الليل المظلمة
نسافرُ إلى سرير منطفئ ثم نشعله
بالعناق والحنين.
أيتها المرأة ذات الأثر المحزن،
الأصعب عليِّ
التعرف عليك أكثر مما عليّ تحية الصبح القريب
الأصعب من ذلك
التعرف على المرايا وهي تسخر سخرية محزنة من نهوضي باكراً كي أعانقك
في سرير لا وجود له أصلاً
لكن شعري يدور عنك في قصائد من لا يملكون شعراً
شعري يدور عنك في شمس الصباح
شعري يدور عنك داخل ديوان لم أصدره بعد
شعري يدور عنك في نص الروايات المتحجرة
وحيث تبدو فيها إبتساماتك لي باهظة الثمن.
أيتها المرأة المحاطة بالذبول وطفح الشوق
تعالي لنغرق
نغرق
ثم نغرق
في موجاتِ نداءاتي اللا محسوسة داخل قلبك
نغرق بلا صوتٍ يقربنا للإثم الجليل
يرتفع بنا مع المدِ الجزيل نحو شطآن عارية
ويسكن فينا غرقاً بسكونِ الرغبةِ فينا معاً.
يداك
تشقان فيضانَ جسدي النحيل
ترتعشان مع همهمةِ صدري الحزين
وأنتِ شيءٌ ليس لي
وليس لقلبي
ولا لجسدي المتقوس من السنين المتروكة فوق سرير الخشية أن أعيش دونك
غيابك وحزنك يمسسانني
فيحل الظلامُ داخل قلبي الشريد
ويرتحلُ بعيدًا عن صدري المفتوح
ويتغير إلى
صمت أو جثة قابلة للتحنيط داخل جسدك الموبوء بي.
-----------------------------------------------------------------------
أريدُ أنْ أعرف من أنا
أستعيدني من الغياب
أستعيد (كينونتي)،أن أتَطَهَّرَ من (الخطيئة)
ومن القصائد
والكتابة التي لم تشبع جوعي
ومن نفسي والخوف الذي نما
داخل روحي البليدة
أريد أن أستعيدني حتّى(أكون أنا الذي لا أعرفه أو رُبّما كان يشبهني في يوم عيد).
هل أنا الغائب
أم الحاضر وسط الفاجعة
أم أنني شهيد الحروب العبثية أم أنا قتيل المرائين في زمن النفاق؟.
أكتبُ للذين لم أعد أراهم من زنزانة الظل
أخبرهم كيف ذهبتُ بلا ذكرىٰ
ذهبت بعيداً عني
وعن حبيبتي التي كانت تقلم أظافر الإنتظار بصبر
لرسائلي الماجنة
وعن أبي الذي يغسل وجهه كل مساء في طست الغروب
بخجل من آخر نعاس مخبوء في معطفه القديم.
ذهبتُ بعيداً عن توازني
لأيامٍ لا يوجدُ فيها حضوري مع أحد
ولهجتي صارت جديدةُ
لا تتضمّنُ كلمات قريتي ولا تشبه لهجة ذوي القربى
لهجة تشبه الصمت العجيب
تشبه حديث الظل للبيوت المأهولة بالغياب وموت أهلها.
أكتبُ للعمر قصيدة من دونِ معنىً
وأعترف للريح أنني أنا الغاضب من الحياة
وأن الحقل الذي يجمعني بالجميع لا يفكرُ بالفراقِ إلا حينَ يأتي القحط والجفاف
وحين رن جرسُ الغياب
افترقنا أنا والجميع وتركنا الحقل لغثاء السيل.
لم أكُنْ أعرفُ أنّني يومًا ما سأغادر القرية نحو دروب ضالة
أرمي بي في دارٍ بعيدةٍ
لا أدري كيف كُنْتُ أفكرُ بتوازني مع الرياح
العاتية
وأوراق شجرةِ العمر كيف صارت رماداً
كيف صرت ذلك الوغد البعيد
المتفرد الذي يمارس غواية الغياب.
كيف أدركتُ أن لا نار في زمن الماء
لا محيط في زمن الجليد
ولا حياة تخلفها حرائق الغابات ولا حب داخل القلوب النازفة
ولا تأني وسط نصوصي القاحلة
لا أوان مع الغياب طالما لا أعرف من أنا
وكل الأوان رائحة دم استباحته تقاليد الحروب.
أنا الحي الذي يتكاثر كوباء داخل جثة الحياة
أو كإسفنجة وسط ماء
أعرف غزارة الموت
منذو غزت أصابعي النصوص المكثفة بالإنتان
قوامها الرخو
فائض عن رجس الميكروبيولوجيا
حين تستعمر ميكروباتها شرايين القلوب
لتخربها بإنزيماتها الفاسدة.
أنا من لا قلب له
من لم يستطع ترميم مساجد الله التي دمرتها قذائف الحرب
ولا قلبي إستطاع من ترميم معابد حبه القديم.
أنا من لم يستطع نتف العتم الشاردة
عن عينيه
ولم تنته العتمة من صنع بريق من لهب داخله.
أنا سارق الطحين من البيت المجاور لبيت جدتي
ولص الخضروات الفاسدة
والقصائد التائهة
وابن أم ماتت يوم حزن السماء على مدينتي
أنا الولد العاق
والغائب المتمرد
الرافض للبقاء معي ومع الجميع
الرابض على الغياب بعيداً عن نفسي
دون عودة لي
أنا السَّلِيبُ المشتبه به بقضايا الشتات
والـمُشْتَهَى للشبع الطافح بلا مجاعة.
أنا رُبّما طهارة النار
التي تحرق مدافن المحتكرين للطحين
وكفارة حب لأنُثى خلعت قلبها
و ذاك الماء النقي داخل قراب أمهات القرى
يعدن بها من الأبار النازفة.
إثنا عشر نصا للشاعر اليمني بسام المسعودي
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
17 يونيو
Rating:
ليست هناك تعليقات: