ستة عشر نصا للشاعرة التونسية خديجة غزيل



الشعر يعفّن حياتي
 حتى أنه  يسلب مني لطف الهاوية 

في الشتاء الماضي
 كنت في رحلة لإنعاش الحياة
اندلق كوب الأسى من يدي وأنا أطعم نورسا جائعا
على بحر مرمرة
أنا أيضا كقطعة السيميتْ أكلني طائر وحلّق

الشِّعر يعفّن حياة ابنتي
في الثامنة 
ترسم امرأة بعين مفقوءة ووجه مبهم
 وتكتب شعرا حزينا:
 "لا تتعب نفسك يا صغيري
ها قد ألقيتُ آخر أنفاسي
اقتلْ هذا الطيف ودعه يلمس غريقا آخر"

-------------------------------------------------------------------------

أرتعش وأنا أكتب هذا النص
مثل سمكة مذعورة قفزت من الجسر
كي لا تأسرها يدك
التي تهدد سلمي فأرتعش

مثل كبسولة جديدة لوجع المعدة
 تأثيرها اللئيم اللئيم شديد على عصبي

بعد سنوات من الارتعاش
صقلتُ موهبتي
ارتعشتُ من صفعة باردة
على الركن الأدفأ من وجهي
من سطوة الليل على أفكاري الزائغة
من سرقة الذئاب لخراف صغيرة
 ترعى على شرفتي 
من زن هلوسة تكرر نفسها 
من ذلك الخوف البدائيّ لفقدك
من فرط النوم
من اللاّ نوم الذي يتبدل
 إلى قصائد تشربك كل صبح

الآن بوسعي أن أرقص الباليه
بوجه مبتسم
أحيّي الجماهير المصفقة
وصورتي على الشاشة العريضة
ترتعش
--------------------------------------------------------------------


في البقعة العمياء
يلفظ جسد اللّيل المنهَك صغار العصافير
صراخ المجانين يخنق صمت الآلهة
هرولةُ العجائزِ ترهقُ الطريق
لا شيء يرثي القلب الأصفرَ!
أَخرسٌ هذا القلم
 من دون ليل أحمله على نعشي
لا جنائز لظِلي
لا ضوء في البقعة العمياء!
---------------------------------------------



ليس لديّ سبب للضّحك
وأنا أمرّ من فكرة بائسة في رأسي
إلى مريضة تسعل على نقّالة طوارئ
 يجذّف بي الشِّعر
حتى يصل إلى تلك الجزيرة
التي تأوي المرضى على أسرّة الضباب
هناك يفترسني الضباب
لكنّ فمه أجمل من أيّ زهرة قطفتُها
ولسانه أرحم من كل الأبنية
التي ابتلعت صوتي
-----------------------------------------------


الآن آوت صغيرتي
إلى قمر المارشميلو المتلألئ
بينما أنا أجلس في انتظار القطار الذي
يصل دائما قبل النوم ويُصفّر لشيء غائر 

أكثر من يوم قلتُ أنني بخير
وأن تنظيف البيت
هو أيضا ترتيب للخبطة الألوان 
وتبليط للسّاعة العرجاء فيّ

كاثارسيس
للقلب 
وللسوسة التي تكبر في عِرق غير جليّ

لم أكن قرأت سوى الحزن
المعتكف في الأوراق المرتعشة
وفي عيون الصباح
ها أنني أطلع فوق السلالم
وأطالع بنهم قبح الأسقف
في مَسكة من الجفن
باردة وقاسية

لماذا أكتب قصيدة عن الوحدة
بينما أمتلئ بهذه الشقوق التي لا يراها سواي

هل إذا قلتُ أن مصباحك شاحب 
ستعتذر للضوء وإليّ
هل إذا رميت بنفسي في السيل العائم
تلحق بي من دون سترة للنجاة

وماذا إن دعوت عليك بالشرّ 
لأن ذلك هو الضوء الوحيد الذي قد يعيد إلى ذلك المصباح سناه؟
-----------------------------------------------------------------------------


بعد مضاجعة الريح
أصبح كهذه المرتفعات المسلوبة 
مُعارِضة عديمة الجدوى

يقول أنطونيو
السهل لزراعة القمح
والسفح لترويضك كالفرس

لهذا أهرب طيلة اليوم
إلى تلك الحجارة الوعرة في الأعلى
وأعوي مع الذئب:
إنه الشوق لما سيأتي
إنه انتظار ما لا يأتي

أيتها الأشياء الآتية!
أيتها الأشياء التي لا تأتي!
لقد حسمتُ أمري
لم يعد بإمكاني الوقوع في حبكِ
أو لأكن دقيقة
لم يعد بإمكاني أن أحبك كامرأة

لكن بإمكاني أن أمنحك ربع ساعة
لنحتفل بكل ما جاء متأخرا!
---------------------------------------------------


أشياء من فراغ نصنعها
كالشعر
وأخرى تبقى حبيسة
الجدران

لماذا أمسح عن الورقة الغبار
ثم أبحث عن كلمة تملأ هذا الفراغ!

أحب هذا الضجيج
حين يلوي بي الطريقَ
نحو الهوة
ويجرّني إلى حيث غرق شاعر!
-----------------------------------------------



كنّا سنلتقي من دون شكّ
حتّى
لو كنتُ وهما مريضا
مرميّا على قارعة الطّريق
وكنتَ ريحا ثائرة 
تؤمن بأنّ العدوى حمامة وديعة
وبأنّ المرض مُخَلِّصٌ للعباد 

في الليل البرازيلي الطويل
والأسمر
كنت سألتقيك
امرأة أخرى بصدر أكبر
وبقلب أصغر
وبِإسمٍ ساحرٍ كَإِزيدُورا

لا يحتاج الأمر إلى نهر رائع من المشاعر
يكفي أن أعود وحيدة من المشفى
غير خائفة من المرضى ومن الموت
وألتقي بك
فتتهمني بالثرثرة وبسرقة الليل الطويل
وبقتل إزيدورا!

ازيدورا / لآلئ ابراهيم
----------------------------------------

أنّى لكِ ابتساماتك؟
من النهر الغارق في أجواف الضباب
من قمر يكبر كل ليلة
ليصغر ورم في صدر امرأة

ابتسامتي رفرفة جناح
تطير إلى ضفاف الماء
وتظل تؤرقك

هكذا تبقى مشدوها من الغرق
عاجزا عن رؤية اليقين
مثل قطار أعمى مشدود إلى الطريق
-------------------------------------------------




كنت قد بدأت حملة تنظيف واسعة 
لهذه الأحياء التي تَسكنني
وتُسمَى أنا

 الطريق التجيء منه الريح الشرقية
ملوث بدم أحمر
يجيء منه أيضا الشِعر الحزين
يشبه الطرق المبادة لسكانِّي الأصيلين
يشبه بريدا متأخرا للنافذة
يشبه طفلة يتيمة
كأفريقيا

كل المخارج تحتاج الى توسيع
والدّوار الأخير قبل الوصول
 عالق في صلاة كسيحة

أصافح شجرة الجيجر أمام البيت الفاخر
فتفلي زهرة منها شَعري
ويسقط منه موتور تالف
وعجلة مثقوبة
ومقود مصاب بالبارانويا

بطريقة الملائكة 
يمسح الحزن على رأسي
فيضحك ملاك في السماء
وأغمز له

لو أن هذا اليوم عيد ميلادي
يكون نوفمبرا صاخبا
تجمعون أعواد الثقاب الندية التي لم تهلك
في الحرائق القديمة
تقيمون لها حفلة وداع
وتغنون ميلادا سعيد!

أتعثّر في نفخ البالونة
وتصرخون في وجهي: .....!
وتصرخون:
 ...... كطفل صغير!

وأهرب بطريقة الملائكة
يسقط مني موتور تالف
وعجلة مثقوبة
ومقود مريض
-----------------------------

في بركة من الشراب الفاسد
يسحبني قنديل لاسع
حتّى كويكب نابض 

بينما هذا المطر أسود يلوّث ليلتي المتعبة
البجعات على كتفك بيضاء
تحملك إلى رقصة المحال
تحملها بنزق الأولاد
 إلى الغدير البعيد
حيث الكلمات تشبه عَلندة يابسة

سأموت أو تنجو
أو أنجو وتموت
في هذا العبث الدائري 

أخرج من مخدة منفَّشة
إلى هذا الطفح
واللاّ جدوى
قد صارت أيضا وِردا للموت
صارت صدى لصنادل الغياب

سأموت أو تنجو
أو أنجو وتموت
من ارتعاش مبلل بالقلق
من سقفنا الرخو 
من الحياة الغامضة لطيور البحر
من نوارس قد تحلّق فوق رؤوسنا
 وتأبى الاقتراب
------------------------------------------

تمشي بخفّة على الماء
الوِحدة
 صبيّة هادئة

السّاحل غادِرٌ حين تُسيّج قلبها بالنّار
هديره كثير الرماد

لأنّ الأفق حضنها الأقرب
تسكن مذ ولادتها
هدهدة الغيم

 تنفخ في بذور الصّمت
فتسقط روح بيضاء تشبه وردة اللّبن
على الحقول الممتدة
لكنّها مِثلي باردة لا تصلح للعناق

لستُ وحيدة لكنّ
الحقل وحيد قرب الجبل
لست وحيدة
لكنّي مع الحقل
وحيدا في رقصته مع الجبل

هذه الرقصة المحتدِمة التي تسحق 
 الجبل
والحقل 
غير أنها فاترة في جزء من القلب
جزء مركون وحذر
ومفتوح على سرود الموت
-----------------------------------------------

هكذا؟
أسقط مثل غبار الطلع
على ورقة فارغة
حتى أنها قد تكون أصابها السّوس من قبل

ايه؟

تريد الريح أن تنثرني في وجه الورقة
لكني أصمد
تريد أن توجد بيني وبين نسخي الباهتة
شبيها واحدا
لكني مثل سنّ عنيد في فم عجوز
لا أبادلها الرأي

المراوغة دوخة طارئة
لكن القلب يَرى يرى

نتعارك أنا وأنت
لديك حلم البنفسج البشوش
وأنا تحيطني الزنابق الحزينة

لا أحد غيري محظوظ برسائل البحر البعيد
 هاجس يرمي لي
بحصاد النوارس والصيف
في ريفي الجميل

ايييه
هنا في آسيا الكبيرة
حيث لا أحد غير قلبي وحيد
--------------------------------------------


منذ سنتين
كنت عاطلة عن الكتابة
وكان لابد من تحريك ملعقة في فمي
لأكف عن البلادة

أقهقه
تشرب عيناك ضحكتي
أقهقه أكثر
لأرى هل ستكتفي

مع أن هذا الشـعر ضيق جدا
لكـننا نفخنا به كرات الحظ
مرات عديدة
حتى صار أرنبا أبيض بأذنين كبيرتين
وفم وردي يعبث بخيالي
وأنا على كرسيي العالي
أدحرج رجلي كي أملأ اللحظة الفارغة
ببسمة كاملة
وأصل إلى جوف الأرض
حين أكتب بقلبي كاملا كاملا

الشعر أيها الشتاء
ليس هذا الذي يدحرجني تحت الكراسي
هو لاعب الخفة الذي يفتح صناديقي المغلقة
من دون عناء
كأن يلمس الحب صدري ولا يترك شيئا من صداه
كأن أشعر بتلك الرجات الصغيرة
التي تجعلني أنحدر كجدول من أعلى الجبل
وأشد على فمي
كمْ
كمْ
ألمسكـ أيّتها الروح!
-------------------------------------

الشعر يعفّن حياتي
 حتى أنه  يسلب مني لطف الهاوية 

في الشتاء الماضي
 كنت في رحلة لإنعاش الحياة
اندلق كوب الأسى من يدي وأنا أطعم نورسا جائعا
على بحر مرمرة
أنا أيضا كقطعة السيميتْ أكلني طائر وحلّق

الشِّعر يعفّن حياة ابنتي
في الثامنة 
ترسم امرأة بعين مفقوءة ووجه مبهم
 وتكتب شعرا حزينا:
 "لا تتعب نفسك يا صغيري
ها قد ألقيتُ آخر أنفاسي
اقتلْ هذا الطيف ودعه يلمس غريقا آخر"
---------------------------------------------------------
ستة عشر نصا للشاعرة التونسية خديجة غزيل Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 02 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.