مفروضٌ أن أبقى ..ميرفت أبو حمزة/ لبنان

 مفروضٌ أن أبقى

_______________


من يغفِرُ لي فرحي الهزليَّ 

في هذا الحزنِ العارمِ ..

من يبكي عني بدموعي 

كي لا أحزنَ ..؟!

لي ذاكرةٌ من نسيانٍ 

تحفظُ من عبروا 

فوق جراحي بأقدامِ الملح ..

لي جسدٌ مخلوقٌ من طينِ الغفران

يحجبُ وجعي 

ويواري ندوبي عن عينيَّ..  

أشعر بالأمس يُسيِّجُني 

كي لا أبرحَ رَمْسي ..

أمشي فيلفُّ ذراعي عوسجُه ..

أسحبُهُ وأتركُ كفي كي أرحلَ ..

لا أرحلُ ..أَترُكُني ..

أمشي بأقدامٍ أجهلُها 

وتجهلُ وزني ..طولي .. 

أتركُها تركضُ خلفي تسبقُني

وتسوقني نحو الهاويةِ الكبرى 

أسقطُ مِنّي .. يصفعُني حدسي ..

يتبعُني صمتٌ قاتلٌ 

تخنقني الذكرى ..!

أشعرُ بالبرد يحاصرني ويدمدمُ ..

يندُبُ أوطاني ويندُبُني 

ويشدُّ طبولاً من جلدٍ حيٍّ 

ينزفُ بخشوعٍ خشيةَ أن يتجمدَ ..

جلدٌ مسلوبٌ من أجسادٍ 

ترعفُ عمرَها .. نغمةً.. نغمةً

تحت سياطِ الموتِ وأناشيدِ الأوطان

وتُهلِّلُ للبابِ العالي ..

تطرقُهُ بأصابعَ مبتورةٍ  

يحنو لا يحنو .. 

تطرقُهُ وتسقطُ أرضاً ..   

من يرفعُ عن جسدي الطُرُقاتِ 

المرصوفةَ بكفوفٍ حرّةٍ .. 

بعظامِ الفتيان ..

إني أبصرُ نهراً ينحدرُ من رأسي ..

أنظرُ خلفي تخضرُّ الأرضُ 

وتزدهرُ بدمي ..

فتنسى كم كان النزفُ غزيراً 

كي تحيا .. كم كان شفيعاً ..

مطراً .. عرساً .. بركاناً ..

كي يتفجرَ هذا العجزُ ويجرفُهُ الطوفانُ

من يفتحُ صدري هذي الليلةَ 

ويأخذُ قلبي

كي يزرعَهُ بجسدٍ ثانٍ ..

فما زال يخفقُ حتى اللحظة ..

إني أبصرُ حقلاً يابساً 

وكأني أمضي فيه

وأصافحُ كلَّ سنابلِهِ .. 

قمحةً .. قمحةً

من يُخرسُ هذي الطَرْقاتِ 

على نعشي كي أكملَ نومي 

المأهولَ بأحلامِ الحرية ..

حين أقايضُ قبري بسريرٍ 

من شجرِ الليلِ المحتَطَبِ 

بضياءِ الموت ..

هل أعبرُ نحو الجَدَثِ الآخرِ 

وبخفةِ ساحرٍ أغلقُهُ خلفي ..

أمْ أن عبوري مرفوضٌ ..

مفروضٌ أن أبقى 

وأن يبقى مفتوحاً أبداً

من يأخذُ عني نجيعي 

ويزرعُهُ بالحنطة ..؟!

من يخبزُ عن أمّي مرةً 

أرغفةَ الصبرِ المُرّةَ

كي يُطعمَ تلكَ النسوةَ الولّاداتِ

لِتُنجِبْنَ حطباً للحربِ المتقدة ..

أشعرُ بالمطرِ المحمومِ 

يغسلُ دَرَنَ اللحظةِ ..

أشعرُ بالثلج الباهتِ 

حين يحاصرُ كلَّ القممِ 

بوهمِ اللونِ الأبيضِ ..

كي يُخمدَ نارَ البركانِ ويُخمِدَني ..

إني أبصرُ ريحاً ..

ستُنيخُ الجمَلَ الواقفَ فِيَّ..

وأراني أسقطُ في نهري الدامي

من أعلى هودجِهِ ..

وأرى النُّسَّاكَ حشوداً حولي 

يعتمرونَ الشمعَ الأحمرَ

وأرى الأرواحَ تطوفُ بأرضِ الحاكمِ

ترفعُ صرخاتِها للأعلى وترفعُهُ ..

تبني من عظمي سلالمَها لسُلالتِهِ ..

وأراني كرسياً منحوتاً ..

في قصرِ الحاكمِ ..

وأراني صليباً .. مئذنةً .. وقِباباً

وأراني وقوداً في مَجْمَرِهِ 

وأراني العتبةَ والبابَ 

كي يبقى حصيناً معبدُهُ ..


________________

ميرفت أبو حمزة 

من ديوان " ليتني"





مفروضٌ أن أبقى ..ميرفت أبو حمزة/ لبنان Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 24 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.