وهم كبير ربما ...أيمن معروف / سوريا

 ••• 

تختفي منشوراتي على الفيس بشكل متكرّر وأحياناً تختفي صوري الخاصة . اعتقدتُ في البدايةِ أنّ حسابي مخترَق بطريقة أو بأخرى ورحتُ أراقبُ ذلك بقلق شديد لأكتشفَ في النّهايةِ أنّ منشوراتي الّتي أكتبُها في النّهار أنا من يمحوها في اللّيل لخوفي الدائم من كلّ ما أكتب . 


وأمّا عن صوري الخاصّة فقد كنت أحذفها باستمرار لأنّها وفي كلّ مرّة كانت تقول لي دائماً وبكلّ صراحة أنّي وصلتُ إلى هذه المرحلة من العمر . 

*

أغلب الّذين يمرّون على صفحتي في الفيس بوك ويقرؤون منشوراتي يضعون إشارة أعجبني أو أحببته أو أدعمه وأحياناً أحزنني أو أغضبني وذلك على مقتضى الحال والمعنى في هذا المنشور أو ذاك ، ثم يمضون . 


البارحة ، وضعت إحداهنّ إشارة أحببته ووضعت تعليقاً خفيفاً جميلاً ترك انطباعاً خاصاً عندي ثم مضت . شاعر جميل وضع إعجاباً للمرّة الأولى على صفحتي ثمّ مضى . بعضهم، يقرأ ما أنشره بتؤدة وأناة وصبر ، ويمضي . وبعضهم ، يضع لايكاً هنا أو هنالك دون أن يعرف ما هو الفحوى أو المحتوى ، وبمضي أيضاً . 


في الفيس بوك، كما في الحياة تماماً . لا جديد سوى الزرقة البهيجة الممتعة في الافتراض بينما الأسود النبيل يعمم خصوصيته الهائلة على كل شيء من حولنا . 

أنا مثلكم أيها الأصدقاء . مثلكم. أضع منشوراً هنا على صفحتي في الفيس بوك صباحاً أو مساء ، ثمّ أمضي .

فكرة التخلّي عن الفيس فكرة جميلة . 

يعتقد صديقي الرسّام ذلك وقد أشار عليَّ ذات مرّة بأن أقتفي خطاه وأغلق صفختي الشّخصيّة في هذا الفضاء الأزرق الكبير وأتفرّغ لقراءة الكتب وأكتب على ورق أبيض حاف . فكّرت في الأمر وقد صارت تلاحقني الفكرة وتلحّ عليّ بعد أن أقنعتني حياة صديقي المزدحمة بالرسم والألوان والمعجبين. قلت في نفسي : ولم لا . فلأجد لي فسحة ما جميلة أملأ فيها الوقت مثلما يملأ صديقي الرسّام هذا أوقاته وحياته . 


ها أنا الآن ليس عندي صفحة على الفيس بوك . 

وما تقرأه السّابلةُ أو المارّةُ في هذا العالَمِ الأزرقِ الشّاسعِ ليس سوى وهمٍ من أوهام الذّاكرةِ الافتراضيّة الّتي أدمَنَتْها حالة نشطة لرجلٍ لا يُجيدُ أيّ أمل . أصغي إلى المَروِيّات المدهشة على أكمام الورد عاشقاً تلك المياسم البريّة المذهلة في حقل الشوفان التي لا يلتفت إليها أحد . 

هكذا ، يشغلني هذا العالم المليء بالمدوّنات والقصائد والنّصوص والكتب والرُّقُم الافتراضيّة كما لو أنّه وهمٌ من أوهام السّاعة . 


أبذل ما بوسعي كي ألاحق وهمي وأطارده من مكان إلى مكان ومن موقع إلى موقع ومن حانة إلى حانة ومن مدوّنة إلى مدوّنة وكأنّ الساعة آتية لا ريب فيها . 


أقرأ كما لو أنّي أعيش أبداً وأكتب كما لو أنّي أموت غداً . لا أكترث بكلِّ ما هو خارج الكلمات . فالكلمات ، في رأيِ خادمِ الوهم : هي العالَم . 


هكذا، ألهثُ وراء الكلمات وأنا أدفعُ عمري من أجل وهمٍ كبير ربّما ، كيْ أقع في النّهايةِ على ثلاث أو أربع جُمَلٍ عنِ الهاوية التي التهمت في الطريق كل شيء .

•••

.

*


وهم كبير ربما ...أيمن معروف / سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 14 نوفمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.