كان مثلنا تماماً...محمد حبشي / مصر


 ¤  كان مثلنا تماماً ، 

     مجرد مواطن بسيط ..

                        

ابتسَمَ لهُ الحَظُ ، عندما صدمهُ حيوانٌ مَنَويٌّ أرعن ، 

يطارد ب عربتهِ الطائشة ، 

بويضةً حسناء ، 

تعدو شاردة ، رَحِمَ الطريق .. 

قفزَ عالياً في الهواءِ 

من الفرح ، 

ليحتضنَ بذراعيهِ الموت ، 

بعدَ انتظارٍ 

طالَ سنوات ، على هامشِ الحياة / قَيْدِ المَلَل ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

مواطن بسيط ، يتجاوزُ كل الإشارات الحمراء ، 

التي تُوقِفُ القلب ، عند تقاطع المشاعر ، 

مع رغبات النساء ..

يهربُ  

من الكمائن ، 

التي تمنع دون رخصة ، 

اصطحاب أنثى ، يثيرُ عطرها الشغب ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

مواطن بسيط ، يتوكأ حين يعبرُ ساقي امرأة ،

على 100 مجم من السيلدنافيل ..

امرأةٌ ، حين ينتصبُ الليل ، 

تُغلقُ جميعَ 

منافذها ، 

أنوارَ شهوتها ، رغبتها في العناق ..  

تُخْلِي شوارعها الخلفية

من المارة ..

تقذفُ 

في منتصف الحلم ، القمرَ والنجومَ بالحجارة ..

تفرضُ على المتسولين أحكامها العرفية ، 

وحين تخلع 

ملابسها ، 

على أصابعهم الطويلة حظر التجوال ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

مواطن بسيط ، يعمل طُوالَ النهارِ بلا جدوى  ،  

ويجلس على المقهى 

كل مساء ، 

يستمعُ إلى أغاني أم كلثوم القديمة ، 

ينفثُ أحزانَهُ ، 

مع الدخانِ في الهواء ..

يُلقي في تابوتٍ 

خشبيّْ ، 

بيدهِ المبتورة أحجارَ النرد ، 

وهو يضحك على الأحاديث المعادة ، 

والنكات البذيئة 

المكررة .. 

يُتابعُ الشوارع التي تزدحمُ بالصهيل ، 

حين ينزع نهدٌ متمرد ، 

عن فمها اللجام ..

المؤخرات ، التي تُزلزلُ أحجامها الأسفلت ، 

تقتلعُ الأشجارَ / بلاطَ الرصيف ، 

وتُسيلُ 

- حين تهتز -  

الضَوءَ من أعينِ أعمدةِ الإنارة ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

تمثالٌ حجري ، يتنقل بالريموتِ بين الميادين ، 

جثةٌ محنطة ، تشاهدُ طوال العمر ، 

نسخة وحيدة من الزمن ..

مواطنٌ لقيط ، 

وجدهُ علماء الآثار ، ملفوفاً بورقةِ بَردي ، 

أمام أحد متاحف 

التاريخ ..

كائنٌ عشوائي ، يؤمن بالخزعبلاتِ والأساطير ..

لم تعلمهُ العصافيرُ 

لغةَ الطَير ، 

وحين دعكَ المصباح ، لم يخرج منهُ عفريت ،   

ليطلبَ منهُ سكناً ، 

أو وظيفة ..

وحين شَقَّ بمركبِهِ البحر ، دون عصا موسى ، 

لم يمنحْهُ 

الرب ،

إعانة بطالة ، معاشاً إستثنائياً للموتى ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

مجرد مواطن بسيط ، تحسبهُ غبياً من التعفف ، 

لم يطلب يوماً 

من " چيف بيزوس " ، 

أن يجعلهُ أميناً على خزائن أمازون ..

أو من 

" بيل جيتس " ، 

حصة في أسهم مايكروسوفت ..

أو من " آل ساويرس " 

بطاقة دعوة ، 

لمشاهدة فيلم إباحي ، 

بمهرجان الجونة على السجادة الحمراء ..

كان مثلنا 

تماما ، 

يلتهمُ كل صباح رغيفين من الجوع ، 

يُنجبُ في العطلات 

الرسمية ، 

ما تيسر من أطفال الأنابيب ، 

نكايةً 

في الحكومة ، 

والمنظمات التي تدعو إلى تحديد النسل ..

مواطن بسيط ، يدورُ في الفراغِ حول نفسه ،  

يحملُ ك " سيزيف " ، 

أحزانَهُ فوق 

قهره ، 

أحلامه منتهية الصلاحية ، بضاعتهِ المغشوشة ، 

المفروشة على وجه الرصيف ..

ويطير كالحمام 

الزاجل ،

كلما شَمَّ ب أنفِ " بينوكيو " الطويل ، 

رائحة أمين 

شرطة ، 

أو لمحَ بحاستهِ السادسة ، 

ظل أحد موظفي البلدية المرتشين ..

مواطن بسيط ، 

يُصدقُ وعودَ الساسةِ الكاذبة ، 

يرقصُ في مواسم 

الانتخابات ،

ك الجان ، أمام اللجان .. 

يبني قصوراً من رمالِ على الشط ، 

ويسكنُ بيتاً من الطين ، 

يبحثُ في بحورِ 

الوهم ، 

أعماقِ الذاكرة ، 

عن سفينة تيتانيك ، أحلامهِ الغارقة ..

مواطن بسيط ، 

لم يكن يوماً من أغنياء الحرب ، 

أو سلالةِ الشياطين ، 

لم يصاهر 

إحدى عائلات الفامباير ، أو يشارك أحد المثليين ، 

من ذوي العلاقات 

الشاذة ،

برؤساءِ البنوك ، وأصحاب التوكيلات الأجنبية ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

يحبُ آلَ البيت ، ويعبدُ النساءَ والأصنام ..

يحضر حلقات 

الذِكر ، 

يزورُ في الموالد ، أولياءَ الله الصالحين ، 

لم يَدَّعِ النُبُوَّة ، 

ولم تكن له معجزات ، 

غير البقاء حياً ، في قبرِ هذا الوطن ..

كان مثلنا 

تماماً ، 

فلماذا يُكَافِئَهُ عزرائيلُ دوننا بالموت ؟..

ويتركنا كذراتِ الغبار ، 

عالقين 

في الخواء ، 

مصلوبين على جذوع الوقت ، 

ننتظر حيواناً منوياً أرعن ، 

يطاردُ بعربتهِ 

الطائشة ، 

بويضةً حسناء ، تعدو شاردةً رحم الطريق ..


محمد حبشي / مصر ..

( 10 - 11 -2020) — 5:45 صباحاً ..

كان مثلنا تماماً...محمد حبشي / مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 15 نوفمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.