في المقهى الغريب .....بقلم هيثم الأمين / تونس





لا رائحة للورق الملوّن
الذي، و كإله بائس، يحاول نفخ الرّوح في شجرة الميلاد البلاستيكيّة
و هذا المقهى الغريب
لا يرّحب برجل، مثلي، لا يرتدي ربطة عنق
و لا يفوح، من حضوره، عبق امرأة طازجة !
قد لا يعجبُهُ النّادلُ
صوتي الباردَ كأيّام آخر السّنة
و علبةَ سجائري المحلّيّة الصنع من النّوع الرّخيص
و شجرة الميلاد البلاستيكيّة
لا يبدو أنّها تستسيغ جلوس وحدتي غير بعيد عنها
ربّما، وجهي الملائم لمراسم الدّفن أكثر يعكّر مزاج أشرطة الزّينة عليها
أو، ربّما، كرِهت أن أكون بلاستيكيّا مثلها !
أنا لا أنتظرُ أحدا، هنا.
لقد كنتُ هاربا منّي
حتّى سحبتني رائحة البنّ، من كمّ معطفي، إلى داخل المقهى !
لا شيء، هنا، يُشبهُني
أشرطة الزّينة، الموسيقى، التنّورات القصيرة
و كلّ أولئك الرّجال الذين تفوح منهم نساء طازجات و رائحة دخان سجائر مستوردة
و يبتسمون كفترينات محلات بيع الملابس السّينيي.
وحده كرسيّ،
مهملٌ في الزّاوية،
فقد رِجله الرّابعة و الكثير من لونه.. يشبهُني
حتّى أنّه الوحيد الذي ابتسم في وجهي
و لوّح لي، باحتشام، مرحّبا بي...
  أنا لا أنتظر أحدا، هنا
أرتشف قهوتي، العابسة، بقلق واضح
أعبّ أنفاسا متسارعة من سيجارتي
و ألتفتُ، في كلّ الاتّجاهات، بحثا عن ظلّ يطاردني منذ أربعين عاما
و لا أهتمّ لشجرة الميلاد البلاستيكيّة التي أصابتها حكّة بسبب دخان سجائري.
يقول طبيب، من بين الحضور، كشف عن ساقها:
إنّها تعاني من التسمّم !
يجب نقلها لخارج المقهى حتّى لا تعدي باقي أشجار عيد الميلاد.
يقول النّادل:
هي الشّجرة الوحيدة هنا !
ربّما، يجب إلغاء الاحتفال أو علاجها !
يقول رجل، بلكنة، غريبة:
هبيبتي لا تهبّ هدا
إفأل شايئا دكتور.
يغمزني الكرسيّ المهمل في الزاوية،
فأنسحب، ببطء، إلى الخارج
و أبدأ، من جديد، الهرب من ظلّ يطاردني منذ أربعين عاما...
في المقهى الغريب .....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 23 ديسمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.