عشرة نصوص للشاعرة السورية ريم الصالح

 أريد أن ارحل

لا أحد سيعرف إلى أين

حتى أنا!
من أخمص القدمين
إلى عصرة الروح الأخيرة

سأمضي
نحو كتف الزمن العريض
ألوي رقبة الدقائق
لتنصرف نحو الماضي
وتدع ثمار الوقت
للغد.

سأجوب  أرضاً غير مخيطة
بجوازات سفر
وبلغةٍ واحدة
هي الموسيقى

سأقفل الأبواب المفتوحة على الدنيا
وسأبحر فيما يشي به السقف
من مطر الليلة الفائتة

قال العائد من الموت
أن مياه وشائع التدفئة
أنقذت حياته
لو كنت مكانه
لتركت العطش يسرق لحظاتي

هل يشبه الموت رحلة الاسراء إلى السماء
 دون عودة....

أريد هذا النوع من السفر
مجاني ومتحرر
يشبه الريح المجانية
والمطر المجاني
وجيوب السروايل المثقوبة

لقد حان وقت الرحيل
ثمّة صافرة في مكان ما
وثمّة دخان

انطلق أيها الحزن
ستموت
دون جواز سفر..!
-----------------------

أحيانا يكون اسوأ ايامي
هو أجملها

حين يقضمها الزمن
أو تحرفها صدفة..

حين لا أفكر في انقشاع الغيم
ولا في نشوة المطر
لا تعنيني الشمس
و لا لون عينيّ حمامة الدار
أنا فقط
أملك لوناً للوجود

لن أمشي مكبلة اليدين
فالأغلال صنعتُها من ماء
إن أنا لم أتقن السباحة
فجسدي في القاع
أنظف من أصابعي
 على القضبان

البارحة مشيت في الضباب
فرأيت كل شيء
متى يفصح الصبح أكثر
متى يدخل قلبي؟

اليوم كنت أصيخ السمع جيداً
ثرثارةٌ أنت أيتها العصافير
كفي عن الزقزقة
وسأجرح الصمت
بال آه!

أنا ابنة اليوم
مت البارحة
وسأموت اليوم
حين تعود السندريلا
حين تدق الثانية عشرة
سأنتظر قيامتي غدا
وإن لم يجدني أمير...

نحن هنا من أجل أن نربي الحمائم
 نغافلها تأكل البذور
ونرقد في عشها
نسأل الله
كيف تكورت الغصينات
إكليلا للصغار
دون غراء!

اليوم نمت حتى الليل
لم تساندني الشمس
كانت مشغولة بتجفيف ملابس سيدات الحي
 تركَتني أقطع مسافاتي وحيدة
في الظلام
 حتى وجدت قلبي..

سأركن كلماتي
قرب خزان ماء
وأشرب قصب السكر
وسط الزحام
سأخبركم كل شيء
 حين أغرق

 هم الحكام
ونحن المحكومون بالإذعان
 الحكام  يؤمنون كما جدتي
بالأمثال

في المثل الأخير ضربوني
وسبقوني إلى المحاكم
قالت الجدة
لا شيء جديد
"ضربني وبكى
وسبقني واشتكى!"

تعالي نحمص الخبز على التنور
 لقد أتى يوم جديد..
---------------------------

هل سئمتم حكاياتي الكاذبة
حين صعدتُ إلى السماء

أعرف أنكم لم تصدقوني
 حين قلت أنني عدت ببيضة ديناصور
من عشٍ ناجٍ وحيد
في السماء السابعة...

لم تقنعكم حكايات النسور التي حملتني على أجنحتها
وطارت..

لا تصدقوا أيضا حكاية سجادة السندباد
حاولت كثيراً أن اورطها في غواية
النهوض نحو السقف
لكنها ظلت ساكنةً على الأرض
تنثر الغبار..

انا مخلوقٌ بائسٌ صغير
على هذه الارض النائمة منذ دهور
فوق النار
وتحت الشعاع

كيف أغفو
والنور  يغمر جنبات الليل
يفتح عيوناً واسعةً على الحلم..

ينسى المساءُ أحلامه
حين يشرق الصباح

لكنني لا أنسى حكاياتي الخرافية
رغم مهارات النسيان

رغم  الوقت المليء بتلك الاشياء
التي ألمسها و أراها
دفاتري  مكتبي، الكنبة،  طبق الحساء...
يا إلهي  !
كثيرة أشيائي يا الله...

لكنني لا أجد بين كراكيبها
حكايةٌ صعدتُ فيها الى السماء

أريد أن أحلق..

هبني جناحين
يا الله!
-----------------

الفلاء
يغني صدى المدى العريض
يراقب صوف الخراف الآفلة
نحو المذابح
ونحو الأجساد المتعطشة للدفء

في القلب برد لا يغطيه جلد خروف
لا يتسع لأكثر من جمرة نبضة
توقظ الشريان، 
وتهدهد للموت البطيء

تزغرد الحياة
يردد الصدى
في جذوة القلب
ترتعش جفون اللحظة
ويتكسر الجليد

تحوم دوامات العطر
في المدى
في الفلاء
ويبحث الراعي عن الزهرة

أكل الخروف الزهرة
وظل العبير
دوامة عطر
يردد أغنية الراعي
سارحاً وحيداً
في الفلاء..
----------------------

اذهب
ثمة رحلة في مرمى النظر

امضِ مع المغادرين
فالضوء لا ينتظر
دبق اللحظات المتأنية

اسبق لهاث الغيم
وأمطر كل شغفك
نحو الوجهة

أنت ابن الكمان الحزين
وأب الرغبة الملفوفة بلحن

أيها الراحل
نحو الشفق
نحو الثلج
نحو أكواخ الخشب المهترئة

لا بأس أن ترطن بعربية
تشبه الموسيقى
ففي الرحلة
كلنا نفهم لغة الإشارة

من أجل ذلك تحبنا العصافير
فحديثها لحن

يا ابن الكمان الحزين
قف على روعة المساء
والماء المنسكب في الفخار
بارد كالليل
منعش كحبة فراولة

 أرقد قليلا تحت الشجرة...
 
كل الأنبياء فعلوا مثلك
فعرفوا الحكاية
منذ آدم
حتى أنت...

حتى أنت...

أكمل أنت  الحكاية
يا ابن الكمان الحزين...
------------------------------

لا تترك الوداع خلفك
سيتربص بك في النواصي
والساحات
وشهقات النفس
بين غرق وغرق

لا تضع النقطة الأخيرة البتة
إنها أحادية التكاثر
ستلد نقاطا لانهائية سوداء
في قلبك

لا تنم ناسياً
ففي الحلم تستيقظ الذكرى

لا تبقِ الأبواب موصدة
الصدأ سيأكل الاقفال
وستنفتح على الخراب الرؤية

لن تنام قرير العين
وأنت تملك عدسةً واحدة خلف الباب
أطمسها بأي لون تحب
عساك
لا تختلس من الماضي
الذكرى...
------------------------

الحبر
 يلطخ أصابع الفضول
على مقاس الرغبة
 في الوصول..

الورقة ترتجف
خوفاً من الكلمة

والكلمة تتردد
في ظل ريشة...

وهناك قلب
يمتحن النبضة
وينتظر الوعد
على أملٍ لا يموت

متى تفتح الأبواب
لعابري النور
الذاهلين
عن بشاشة الصبح
و أسرار الظلمة....

المحيط غارق
والأسماك وحدها تنجو
من وهج النهار....

وأنا بين ماءٍ وماء
أرتوي
أغرق
و أناجي مع الشوادر
والأشجار وأسقف التوتياء
صهيل المطر...

أنادم العاصفة
فتنمو الزوبعة في قلبي

أهدر بأسماء الباقين على وجه الأرض
أعدهم فرداً فرداً
حتى أتوه بين المرايا

و أعرف في النهاية
 أنني كل هؤلاء
-----------------------

* أي وهج تحمله الشمس
في قلوبٍ يافعات
تهمس لزهرات الاقحوان
فيتفتح الفجر نافضاً
بأطراف أصابعه
قطرات الندى
 وتغرق بالحب البلاد...

* اليوم ...
لفافةُ تبغ محترقة
في فم السماء
تهوي منها شهب عشق
وتتعرج فيها
 لواعج الحنين
صاعدةً إلى النور
ثم إلى الظلمة
ثم تقع في الحيرة
فهم لم يعلّموا القلوب
أن الأرض تدور
وأن الشمس لا تكفي يوما كاملا
  لنصف كرة...

* أنِستُ لنار المدفأة ذاك التشرين
 لهبها ناعمٌ
راقصٌ بهدوء أفعى
أمام مزمار

تنتهي النار
دوما تنتهي...
إلى النهاية أم إلى قلبي...

تفرقع نهاياتها الصفراء الصغيرة في الفراغ
أضع يدي فيها
فأحترق
ولا أمسك النار..

 أتذكر جيدا  أنني لم أمسك يوما الهواء
لم أمسك الماء...

* أيتها الحياة
أحضني أطفالك جيدا
خبئيهم في كهوف العتمة الرمادية
هناك حيث الماء والرطوبة
أغدقي عليهم كنوزك المطمورة
سيكبرون  بأمان
وبأجساد صغيرة..

و لا تخشي شيئاً
فهم إن حاولوا الفرار
سيقتلهم النور....

* أنا طيفٌ
حقيبةٌ فارغة
أو سلة طعام
لفتاة في الروضة
نسيتها في الحافلة...

* ماذا تقول الأشياء
 وهي تعيش في الحياة
 بغير حياة....

كيف يتكلم المقعد
والسرير
والطاولة..

سأسأل نفسي في المرة القادمة
حين أصير صندوق ألعاب...

*سأمسح وجه الأرض الباكية
وأدفن بذور الروح
في تراب يفوح بعطر المطر

في الربيع
ستحلق براعم الأرواح الصغيرة حولي
وسأضحك طوال الصيف...

حزينٌ أنت أيها الصديق

ثمة يوم للفرح
لن يختارك
إن أنت لم تختره
فانوسٌ
بأمنيةٍ واحدة

ثمة يومٌ للحب
للمروج الشاسعة
معها مفاتيحَ صدئة
لصناديق الحياة...

إذهب هناك
حيث تقطر الأشجار صمغاً حلواً
اجلس وحيدا
منعزلاً
مسكوناً وممتلئاً بك

صائماً عن الكلام

امنح اللحظات فرصة
كي تمر ببطءٍ أكثر

من المجحف أنك لم تجد بعدُ
قدرة اللحظة
في إهدائك فرحة
خلف رمش
وتحت دمعة
وفي موت اللحظة الماضية..

أنت حزينٌ الآن
و ستكون حزيناً غداً

لكن النافذة مفتوحة على الخواء اللطيف
استمع لخرير النسمة
لتفتق حبة القمح عن قشرتها
لآه أم كلثوم

بيت الجيران مرتفعٌ جداً
هل أحببت النوافذ المتراصة
بلمعانٍ خجول
لايغمض جفناً أمام الشعاع

ثمة عيونٌ تحدق بك خلف الستائر
طفلٌ فضولي
وصبيةٌ بجدائل
وثمة قلب

جِده يا صديقي
ولن تحزن...
-------------------

انقر وجه الماء
وألملم فتات الخبز
في الساحات المهجورة

أحيي الحمائم الرمادية
وأمضي
على وجهي لوحة
رسمتها منذ سنين
بوجه أبيض
وعيون بلورية
مازال يبتسم خلف دموعي

حين أهملتني الدروب
توقفت عن المشي
وحلقت
بغير جناحين

امتلكت خفة رمش
ونهضت فينيقية نحو السماء
ركبت على ظهري
السلاحف والجداجد
والنجوم

لم أدرك وجهتي
ففي السماء
لا إشارات مرور
هناك وقع الصدى

أصخت السمع جيداً
و حين سمعت
ضربة قلبٍ
عرفت أني وصلت
------------------------






عشرة نصوص للشاعرة السورية ريم الصالح Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 17 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.