هذا بِيسُوَا* وهذا دَمُهِ الباقِي بقلم محمد خلاد المغرب


لِنصمُت قليلا
هذا مِحْرابُ ما لَمْ يُوجَد
ووقتُ العِشقِ والتَّعبُّدِ
يخرج بِيسُوَا من كهْف الحَمام*
مُلْتَحِفُاً بُرْنُساً أزرق
يقْتعِد صخرة
ويُصلِّي للممالك البَائِدة
وحرائِق اللُّغة
لاشيْءَ يملكه
قُبَّعاتٌ كثيرة وقصِيدة
وسلَّة قصب مبلَّلَةٌ
بخيوط شمس الصباح
في قعْرِها حباتُ رمل
تتلألأُ في ماء الرذاذ
يرمي شِباكَ الموج في الهواء
يصطاد النَّيازك الهاربة مِن لَشْبونة
يَشِي بها صدْرَ أَصِيلةَ النّائمة
على جِدارية بيضاء
في ساحَةِ البُرجِ
ويحلُمُ بِصَدْرِ أوفيليا*
كم دقَّتْ في هذا المكان
نواقيسُ الرهبان
وحوافرُ خيول الفرسان!
و صدَحَتْ ترانيمُ مواكِب النعوش
هنا كان حفْلُ العشاءِ الأخير
لِدُون سِيبستيَان ملك البرتغال
قبل أن يسير مثل يَسُوع
وراء نعْشِهِ إلى ليْلة النار
بِيسُوَا هُو الشاعرُ وليْس هُو
الُمتعدِّدُ كالكَوْن*
لم يكُن مَعَ الملِكِ هناك
لكن عثروا على جُثَّته
في مجرى اللُّوكُوس*
وهذا الورد في أصِيلة
من حُمْرةِ دَمِهِ البَاقِي
يتسلّق أسوارَ جُنون المَجْد
ويحْبسُ في أنفاسه
تَنَهُّداتِ أرواحِ العابرين
وآخر زفْرةٍ للمخلِّص الغائب*
الذي طرق الباب واختفى
و قد يعُود ذاتَ صباحٍ ضَبابِي
———
*كهف الحمام: من شواطئ مدينة أصيلة الجميلة به كهوف ومغارات صخرية .
* برج الساحة: برج برتغالي وسط مدينة أصيلة يعرف باسم برج القمرة.
* دون سبستيان Don Sebastián: الملك البرتغالي الذي سقط صريعا في معركة القصر الكبير(1578) آخرحملة صليبية كبرى على المغرب، وكان قد قضى ليلته الأخيرة قبل المعركة في برج أصيلة(البُرجِ البرتغالي) .
حاط بموته الكثير من الغموض ونشأت أسطورة شعبية تبلورت في تيار فكري عرف ب "سيباستيانيزم"sébastianisme (Sebastianismo) يقول إن سيباستيان هو المخلص الغائب الذي سيعود في صباح ضبابي لينقذ الفقراء من القهر والجوع.
* اللُّوكُوس : النهر الذي جرت معركة القصر الكبير على ضفاف أحد روافده المعروف بوادي المخازن.
* فرناندو بيسوا Fernando Pessoa (1888-1935): شاعر البرتغال الكبير وأحد أكبر أدباء العالم في القرن العشرين، كان متعدد القدرات الفكرية والإبداعية اشتغل بالفلسفة والنقد الأدبي والترجمة والمسرح. يعتبر من أنصار " السيباستيانيزم"وعبَّر عن حلمه بعودة المجد البرتغالي من خلال قصيدة عنونها ب" دون سيبستيان ملك البرتغال".
* من أقوال بيسوا: " كنْ متعدِّداً كالكوْن"وبالفعل كان هو يكتب متخفيا وراء عدة أسماء بديلة.
* : أوفيليا كيروس : المرأة التي عشقها بيسوا حد الجنون.
هذا بِيسُوَا* وهذا دَمُهِ الباقِي بقلم محمد خلاد المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 26 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.