الرّجل الأبكم ....بقلم هيثم الأمين / تونس



في المدينة، رجلٌ أبكمْ
يمشي بلا ظلٍّ
و ينتعلُ الرّصيفْ
و صدرهُ أطولْ
من سور المدينة و أعلى
عليه يدوّن العشّاق أسماء الأحبّة
و خيباتهم الثقيلة
و عليه يكتب الحالمون بوطن
مطالبهم
و آخر الشّعارات المأهولة بالغضبْ
كما يرسم، عليه، ببوله، حزن سكران، وجهه الضائع
و لا أحد يشكّ في صمته.
كلّ ليلة، يضحك الرّجل الأبكم
دون صوت و دون فرح
و يغمس رأسه في النّهر
لتغادر من رأسه زوارق ورقيّة محمّلة بالأسرار  و تسافر بعيدا إلى البحر
لتغرق هناك...
و البحر، مقبرة الأسرار، لن يفضح، أبدا، الرّجل الأبكم.
الرجل الأبكمْ الذي في المدينة
لديه عيب وحيد
و عيبه أنّه يحمل أصابعَ تكتبْ
أصابع، على أطرافها، تنمو ثرثرة غامضة
ثرثرة تُزهر كلّما غاب النّهر
و كلّما أزهرت الثرثرة انبعثت منها رائحة
رائحةُ رجلٍ غرق في الصمتْ فأكلته الدّموع
في البداية،
لا أحد فهم مصدر الرّائحة
إلى أن ذاعت الأسرار
و ضجّت المدينة بفضائح العشّاق
و بأحلام الثّوريّين
و لأنّ الحزن رجل جبان
و لأنّه يعلم سرّ الرّجل الأبكم
أعلمهم بمصدر الرائحة
و خوفا من تسرّب باقي الأسرار
جفّف أهل المدينة النهر
و قطعوا أصابع الرّجل الأبكم !
الآن، في المدينة رجل أبكم
يمشي دون ظلٍّ و دون أصابع
و يحلم أن يصير زورقا ورقيّا
ليغرق هناك
في آخر البحر
فيصير له صوت
و فرح و وطن.
الرّجل الأبكم ....بقلم هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 03 يناير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.