أصابع قصيرة بقلم هيثم الأمين تونس

أولئك الذين لا أحد يتذكّرهم
الذين يمشون، على رصيف الحياة، على أطراف حضورهم
يجرّون خلفهم صمتهم الثّقيل جدا
و يخشون
أن يقع حضورهم الباهت
في ذاكرة مصابة بتضخّم النسيان
أولئك الغرباء المعروفون جدا
الذين يعرفهم الطريق الوحيد المؤدّي إلى خاتمة النّص
يعرفهم الحزن جيّدا
لهذا يصير صدرهم الثاني
و تعرفهم الوحدة
التي ينامون في حضنها كلّما أنقذهم النوم من كوابيس العمر
أولئك الذين لا يرتادون المحطّات
لأنّهم لا ينتظرون أحدا
و لا يسافرون
لأنّه لا أحد ينتظرهم في محطّة أو في ساحة وقت شاسعة اللقاء
أولئك الذين يثرثرون كثيرا
مع ظلالهم الخائفة
مع الكراسي، الطاولات، واجهات المحلّات، الأشجار
و مع اللاأشياء
و يمارسون اليوغا في المقاهي من فرط الصمت لا غيرْ
أولئك الذين يتعجبّون من سرعة الضوء
و يتساءلون:
لم كلّ هذه العجلة مادامت العتمة بطيئة جدا؟!
أولئك الذين يدحرجون أحلامهم المربّعة و المستطيلة
فيدهسم فشل مكوّر!
أولئك الفارغون جدا منهم
و الممتلئون بكلّ شيء سواهم
أولئك الذين لم يجرّبوا القفز من مكان عالٍ دون مظلات
و لم تكن لهم، يوما، أصابع طويلة جدا ليكتبوا نصوصا تستنزفهم بالكامل و تجعلهم ينامون كالشعراء المشهورين
أولئك
يضحكون بشدّة
يضحكون بصخب واضح
يضحكون حدّ البكاء
إذا لم يتذكّرهم أحد.