الاضمحلالُ خجلاً .. ماجد ع محمد كاتب صحفي سوري
الاضمحلالُ خجلاً
ماجد ع محمد
في المدى الواقعِ بين المأوى ومضارب العِراك المجازي مع الأمواج، على أمل اِلتقاط بضعة أسماكٍ تؤمن له في خاتمة النهارِ قوتَ يومه، هذا بعد أن فَقَدَ العصاميُّ الخجول أسباب الإعالةِ إثرَ عراكٍ حقيقي مع المدير الجلف فيما مضى، ففي المسافة المدلاة بين نهاره وليله، ظل على جري عادته يومَ أمس كالخفاش الملتصق بسقف الكهف، ممسكاً بعزيمة حدادٍ جَلُودٍ بالمقبض البلاستيكي للأوتوبيس الذي يقوده لشاطئ اليم، وذلك من باب الاحتياط الزائدِ، لعله يتجنب الاصطدام بالأقرانِ أو الوقوع في فِخاخ لعنات أحد الجالسين حوله؛ وفي منعرجات الطريق الذي يسلكه كالعادة ذلك النهار، ومن غير استئذانٍ أو رغبةٍ أو انتباهٍ أو قدرةٍ على المنعِ، وبينما هو غارقٌ في أعماق الأفق، يرنو من نافذةٍ أرشق من خصر راقصةٍ في مكانٍ هلامي، سقطت عفو الخاطر من كوعه العاري قطرةً على حافةِ فستان فتاةٍ في المقعد الذي يطلُ عليه الراكب المنتصب كتمثالِ داود، فارتفعت صوبه على الفورِ بنظراتها الغاضبة كزوبعةٍ صاعدة من بحرٍ هائج، وصاحت بكامل استنفارها كآمرة سربٍ مسلَّح بقائد المركبة التي تبدو من تجاعيد جسدها المتآكل وكأنها عاشت جميع الحروب التي ابتلت بها البلاد:
ـ هلّا تفضلت بإشعال المبردات يا سائق العربة؟
ـ وهل الحرارة مرتفعة في مقعدك أكثر من الجوار يا آنسة؟ رد السائق
ـ اللهيب في ديار القائمين وليس الجالسين! ردت عليه بصوتٍ عالٍ
وأضافت لأنه بسبب ازدياد الحرارة في مركبتك بدأ القطب الذي فوقي بالذوبان!
ومع آخر كلمةٍ منها
لم يرَ أحدهم ذلك الراكب بعدها
وعند استفقاده والسؤال عنه من قِبل المتعودين على رؤيته متشبثاً بالقضبان أو بالمشانق المخصصة لاعتصام الواقفين، وعند تكرار الاستفسار عنه بعد اختفائه الأبدي
قال السائقُ ونبرات صوته أقربُ إلى نهاية سيمفونيةٍ خائبة:
مِن يوم الواقعةِ لم يعد له أثر، فقد ذوّبته حرارة الخجلِ، وتلاشى في مسامات الحياة، كما تضمحل الندفة في رمالها الحارقة.
(الجواهرجي )ماجد الذي يجيد وبحرفية عالية إلتقاط الصور الأليمة لواقع مرير لشخص معلق رزقه بين السماء والأرض والذي يذوب خجلاً من إحتجاج لعمل خارج إرادته.
ردحذفروعة أستاذ ماقدمته من لحظات لنا ونحن نمسك بالمقبض البلاستيكي وأفق التفكير كله يسبح مع حلم بسمكة نقايض بها خبزاً لسد رمق طفل من دائرة الجوع التي تحيط بعالم المعاناة الخاص بنا .. شكرا أستاذ ماجد ..