المسافرون في صمتهمْ...هيثم الأمين/ تونس

 المسافرون في صمتهمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسافرون في صمتهمْ

لا يرتكبون جرأة الجلوسِ.. بجانب النّوافذ !

يجلسونْ.. بجانب عيونهم الموصدة بشكل جيّد جدّا

ويحدّقونْ

في فراغاتهمْ...

لا غرباء يعبرون المسافرين في صمتهمْ

وحدها السّاعات التي 

درّبت عقاربها على الزّحف إلى الوراء

تعبرهمْ !

تَتَكَلَّمُهُم اللّغةُ، أحيانا

فتتلعثَمُ في نطق ندوبهم

ولا تجدُ، 

في كلّ قواميسها،

مفردات ترادف شفاههم المهزومة

فتنطِقُها بأبجديّة العواءْ !

المسافرون في صمتهمْ

لا يذهبون إلى الحانات

لأنّهم لا يجيدون المشي على حبالهم الصّوتيّة

ولأنّ الكؤوس، 

كرجال الشّرطة، 

تجيد استنطاق مرتكبي الصّمتْ..

لا يشربون الكثير من النّساءْ

حتّى لا يتبوّلوا أطفالا، في أسرّتهمْ

فالأطفال خدعة العَالَمِ

لاستدراج الصّامتين من حكاياتهمْ..

ولا يذهبون، أبدا، إلى البحرْ

حتّى لا يقشّر الملحُ طلاء حناجرهم

فتنفلت منها

قصصٌ

يثرثر بها البحّارة حين يسكرونْ...

المسافرون في صمتهمْ

يتبوّلون الكثير منهم، داخل رؤوسهم

و يضحكون !

يرسمون بما يبولونه منهم

انتصارات صغيرة

ويبكون !

وحين ينتهون من تبوّلهم

يتعلّقون بدخان سجائرهم

ويطيرونْ !!

المسافرون في صمتهمْ

يجيدون لعبة التّدلّي من السّقفْ،

يمتهنون مهنة "مقعد في محطّة"

و أحيانا، مهنة "تذكرة سفر"

وحين تموت نباتات الزّينة البلاستيكيّة التي يزيّنون بها قبورهم

يصيرون مطرا؛

مطرا يهطل داخلهم

فتصير أصابعهم أطول وطازجة

حينها

يلتهمونها بشراهة كلاب جائعة

فيكتبون الشّعر

أو يرسمون

وفي الغالب

لا يفعلون شيئا من كلّ هذا

بل

يواصلون سفرهم بجانب عيونهم الموصدة بشكل جيّد جدّا

و يحدّقون في فراغاتهم.



المسافرون في صمتهمْ...هيثم الأمين/ تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.