و تبقى راما تُسطُّرُ أيَّامي بيدٍ منَ نخيل ..مروان خورشيد / سوريا



          و تبقى راما تُسطُّرُ أيَّامي بيدٍ منَ نخيل 


● المُقدِّمةُ : 


راما ..

تُقلِّدُ خُروجَها

لِجِدارٍ باكِرِ السُّقوطَ

تنزَعُ يَدَيَّ من دمِ أغانِيها

فتُصفِّقُ أغصاني لها مطراً

يُجيدُ سُقوطي في لَهْفَتِها

تسرُدُ الضَّوءِ الشَّـاردِ في خواتِمَها الفِضِّيَّةَ ..

تَميلُ على البحرِ 

لِتفتَحَ عليَّ أشرعةً رَحيلِها

ثمَّ تُغْلِقُني على هوائي فأنتشي .. 


راما ..

تُعبِّئُ أيَّامي لِطلْقَتِها

فأميلُ على إصبعِها ..

لا خاتمَ يُذكِّرُها بي

و لا حَوافَّ الدَّمِ يُطأطِئُ

فأنتشي لها . 


أُبعِدُ أسطورةَ الماءِ

عن ماءِ رَجْعَتِها

و أبدأُ بِعَدِّ أيَّامي .. ! 


● اليومُ الأوَّلُ​ 


اِقترَبَ دمي لِحافَّةِ ليلتِها

فراحَتْ تُرتِّبُ فوضايَ

و تقلِّبُ انتِشائي داخِلاً عَميقاً فيها

اِقتربَتْ ظِلالي منْ شجرتِها

فراحَتْ تُوزِّعُ سكاكرَها على أطفالِ الحيِّ . 


الذينَ مرُّوا منْ هُنا

لمْ يكونوا منها

كانوا يسرِقونَ السَّماءَ منْ أرضِها

و ينسُجونَ أحلامَهم

في مَواويلَ طويلةٍ ..

يحمِلونَ ظلامَهم على تِلالِهم ... نُجوماً ميِّتةً . 


و أنا .. أعُدُّ ما تبقَّى لي منْ ثِمارِها

أُمرِّرُ شارِعَها الطَّويلَ تحتَ قدميَّ

ثُمَّ أَعِدُ فمَها الصَّغيرَ ..

بقُبلةٍ طويلةٍ


هلْ كُنْتَ معي حينَ قُلْتُ : أحبُّكَ ؟

هلْ كانَ رعدُكَ يفضَحُ غيمتي و يَفيضُ بي ، و أنتَ نائمٌ تُخبِّئُ أحلامَكَ تحتَ ذِراعَيَّ ..؟

هل كُنْتَ أنتَ تفتَحُ رُؤاكَ في وردتي

لِتُسطِّرَني خُرافةً

و تكتُبَ رَيْحانةَ الأسرارِ

على دفتري الصَّغيرِ . 


أجل ، كُنْتُ أنا ..

الذي ألبسَكِ لِلغابةِ مطراً

فصفَّقَتْ لكِ أغصانُهُ ..

الذي عَدَّ شوارعَكِ

ثُمَّ نامَ في سَريرِ ضوئِكِ ..

الذي قتلَتْهُ المساءاتُ

بقمرٍ واحدٍ

و حينَ ماتَ نَبَتَ على كَتِفِهِ

" قطيعٌ منَ السُّنونواتِ " . 


قُلْتِ :

هلْ داهمَكَ جيشٌ منَ البلابلِ

حتّى تَجِيءَ إليَّ

و أنتَ الواحدُ الأحدُ ؟

تسكُنُ خافقَ اليدَينِ

كلَّما صفَّقَ البردُ لِخُطاكَ

فرَّتْ أيَّامُكَ إليَّ ..

و قُلْتِ لِبياضٍ

كانَ يُصلِّي جارِحاً تراتيلَهُ في كفَّيْنا :

أحبَّكَ ..

و لِوجهِ بُرْعُمِ الحُزْنِ في تفاصيلِهِ

قُلْتِ : أحبُّكَ ..

و قُلْتِ : الأحمرُ كانَ ياسَميناً

الأبيضُ كانَ دماً

و الأسودُ كانَ مَزيجاً منِّي و منكَ ..

قُلْتِ أيضاً :

هلْ عبَّأَكَ الأخضرُ فيَّ ، حتّى ينسى تفاصيلَ الوردةِ في إبريقٍ على هواءِ النَّافذةِ ؟ .. 


قُلْتُ ، ليسَ الضَّوءُ خُرافةً ..

هوَ الشُّرودُ القادِمُ منكِ إليَّ

يفتَحُ سروَ الجسدِ لِميراثٍ طويلٍ منَ الحُبِّ

يتغلغلُ ، تارِكاً سُخونةً تَقِيني منْ حُمَّى يَدَيْكِ

حينَ تمُرُّ فوقَ حُطامي ..

تارِكاً خُيولَ الهزيمةِ تصهَلُ

أو تهذي على صدى انكِساري .. 


أليسَ الضَّوءُ خُرافةً ؟

حينَ لا يأتي منكِ إليَّ و يأخُذُني 

حيثُ سُقوطي يتبرعَمُ ماءً أخضرَ

حيثُ سُقوطُكِ فيَّ

يكونُ في آخرِ اللَّيلِ ..

يعني الدَّمَ الذي يَحتويكِ أنْ يُغادِرَكِ ..

فيُدخِلُني خَلاياهُ ثُمَّ ينتشِرُ .. 


كانَ الضَّوءُ تَبْغَ البدايةِ

يَهذي تارِكاً دوائرَهُ ترسُمُ مُثلَّثاتٍ تُحاصِرُني

تُقلِّدُ زواياها لِنسياني

كانَ الضَّوءُ يُعيدُني إلى أُمِّي

فلا تراني

وأنا أراها روحاً منَ الصفصاف أو الزَّيتونِ تُعيدُني إليكِ ..

جَسَداً خاسِراً هَذيانُهُ في التُّرابِ . 


الذينَ باغَتونا ..

كانَ حُضورُهم قدْ أدخلَني إلى ضَجيجٍ

أربَكَ ذاكِرتي

فراحَ نسياني يُطارِدُ ظَلاماً ...

و يرسُمُ

لِوردةٍ

أبعادَها ..

             فــي الفَراغِ .. ! 


○ اليومُ الثَّاني​ 


مالَ دمي على مَجيئِهم

فأخذوني و اعتقلوني

جعلوني غابةً لِكائِناتٍ صُلْبةٍ

ثُمَّ رَمَوْني لِلهواءِ

تنفُّساً لرئاتٍ مُوحِلةٍ

الذينَ مِلْتُ على مَجيئِهم ..

أوغلوا في سُقوطي


قالوا : منْ أينَ جِئْتَ ؟

قُلْتُ ، و الضَّوءُ يُعيدُني إلى آخرِ أيَّامي :

منْ مَحارةِ إصبَعِها القَتيلِ ..

قالوا : و هلْ كانَ الخاتَمُ من حديدٍ أمْ ..  ؟

قُلْتُ : منَ الغِناءِ و المطرِ .. 

كانَ الخاتَمُ منْ ماءٍ قلَّدَني

و اعتقلَني برَشْفةٍ طويلةٍ ..


لمْ يَكُنْ غِنائي يُلائِمُ صُلْبانَهم فمرُّوا

منْ داخلي

أفرغوا الحبوبَ التي تناولْتُها إثرَ

سُقوطي في حُمَّى يدَيْكِ ..

أفرغوا أعوادَ المطرِ التي تناسَلَتْ

و أنا أُدخِلُكِ كُلَّما هَزَّني سماركِ .. 


جاؤُوا بأيَّامي و اتَّهَموني بها

سجَّلوا في دفاترِهِمْ

تاريخاً أسودَ عنِّي كي يُبعِدوني عنكِ ..

مطراً حامِضاً .. كي يُرشِقوكِ بهِ..

وطناً مُنكسِراً .. كي يتَّهِموني بهِ..


ثُمَّ قالوا : خُذْ ما تبقَّى منْ جسدِكَ

و غادِرْ صِدْقَكَ إلى كِذْبَتِنا الدائمة .. 


كانَ غِنائي يُلائِمُ حُزني

و أنا أشتدُّ انكِساراً

كُلَّمَا رأيتُكِ تهبِطينَ السُّلَّمَ الرُّخاميَّ

آخِذةً منِّي حَيائي و خَجَلي

تارِكةً دمَكِ يُطاردُ خَيبتي .. 


ثُمَّ قالوا : و إلى أينَ تذهَبُ بهذهِ القصيدةِ ؟

قُلْتُ : إلى شعبٍ يَلِدُ الغاباتِ

و لا يموتُ

إلَّا إذا انسلَّتِ الجِبالُ منْ ذاكرةِ السَّماءِ

إلى امرأةٍ ..

سأُسمِّيها راما

تعرِفُ كيفَ تُشكِّلُني دونَ أنْ تنسى ذاكِرتَها في الغُبارِ

إلى أمِّي التي اعتقلَتْني

وأنا طِفلٌ صغيرٌ

ثُمَّ رجلٌ صغيرٌ

ثُمَّ ميِّتٌ صغيرٌ ..


قالوا : و أيَّامُكَ ؟

قُلْتُ : لراما

التي كُلَّما هَزَّني الشَّوقُ إليها أعُدُّ أرصِفةَ شــــارِعِها

أحمِلُ لها عاموداً منَ الضَّوءِ على دمي

لِيراها النَّسيمُ وردةً فيُلاطِفُها

ثُمَّ يعودُ بي إليها

فلا أراها إِلَّا حينَ تهبِطُ السُّلَّمَ الرُّخاميَّ .. 

لراما التي ستجيءُ منْ هُناكَ 

سمراءُ

خضراءُ

زرقاء ..

فتُمطِرُني خَزَفاً يَطيرُ و رَعشةً بيضاءَ

لِراما التي لا تنكسِرُ أيَّامي لِرحيلِها . 


أدخلوني غُرفةً ، و قالوا :

إنْ كُنْتَ تعرِفُ كمْ وجهاً لِلحُرِّيَّةِ

فاعرِفْ كمْ سقفاً لهذا الظَّلامِ ؟ 

ثُمَّ غادروني

تارِكِينَ أيَّامي تُحصي

كمْ غُرفةً لهذا السَّقفِ

بينَما تركَتْ جسدي

يدخُلُ مُتَّكِئَاً على ضوءِ غُرفتِها

البعيدِ .. البعيدِ .. يوماً ثالِثاً .. !


○ اليومُ االثَّالثُ 


● النِّصفُ الأوَّل​ُ 


رأيْتُ البحرَ

منْ ثُقْبٍ في رملةٍ يُناديني

رأيْتُ ناراً تجزَعُ في خافيتي .. و تُنادِيْكِ

رأيْتُ ملحمةِ تُسطِّرُ سِـرَّ بَقائي

رأيْتُ عينَيْنِ ناعِسَتَيْنِ 

تسهرانِ على ضوئي

و رأيْتُ قصفاً منَ السُّـمِّ 

يُنادي على مُدُني .. فبكَيْتُ . 


بكيْتُ كي أرى السَّماءَ نحلةً

تلدَغُ غابةً و لا تطيرُ

و أرى بيوتاً 

يسكُنُها الطُّوفانُ

و جِبالاً تَطيرُ .. تَطيرُ ..

و أرى راما

بِيَدين منْ نخيل و زيتونٍ 

تُسطِّرُني أُسطورةً

و تدعوني لِلغيابِ الجَميلِ . 


هذا اليومُ ..

كانَ نصفَ اكتِمالي

لمْ يكتَمِلْ بعدُ

يُعِيدُني إلى دمٍ 

يَسيلُ حارَّاً في خَلايا راما ..

فتفيضُ سمرتها بوحلِ الوَصايا . 


هذا اليومَ ..

كانَتِ الأرضُ تَغيبُ في طُفولتِها

فلا نَهْدُها قدْ تكوَّرَ

لِتبتَلِعَهُ السَّماءُ

و لا خارطَتُها كانَتْ قدْ سقطَتْ في يَدِ الأعداءِ .

كانَ البحرُ يُنادي على نوارِسِـهِ

و النَّورَسُ لا يزالُ في طورِ الذُّبابةِ . 


هذا اليومَ .. 

غِبْتُ فيهِ عنِ الذينَ اعتقلوني

في وردةٍ منْ سيانيد

غِبْتُ فيهِ عْن جِرارٍ

عبَّأْتُ هُطولي خمرةً تشيخُ في الحُلْمِ الذي أدخلَني إلى هَذَيانِ راما بي .. 


فما زِلْتُ .. 

أعُدُّ أسقُفَ الغُرفةِ

فلا سماءَ تطلُّ عليَّ 

منْ تحتِ أظفاري

أو منْ بينِ أنقاضِ السُّكْرِ

حينَ شربْتُ حتَّى الثُّمالةِ

منْ ماءِ عينَيْها الناعِسَتَيْنِ . 


و ما زِلْتُ أجيْءُ

مُصْغياً إلى أيَّامي تتهاطَلُ

أخرُجُ إلى باحةٍ 

يُصادِرُها القصفُ و السُّمُّ ..

أصعَدُ الجِبالَ التي تَطيرُ

منْ فوقِ البلادِ

لِتأسِرَ نارَها على موقِدٍ منْ سَحابٍ

ما زالَ في طورِ الجَليد .


● النِّصفُ الثَّاني​ 


رآني النَّسيمُ أقطُفُ وردةً .. فبكى

رآني السَّهرُ أَقُدُّ لهُ حَطَباً .. فنامَ

رآني الرَّصاصُ أهطِلُ جُثَثاً كثيرةً

فغابَ في الوردِ

ثُمَّ أطلقَ سراحَ الياسمينِ على وجهي

فتهاطلَ بُرْعُماً .. بُرْعُماً .. 


أكذِبُ .. لو أنَّني قُلْتُ : 

لمْ يَرَني الحُزْنُ

و هوَ يَسيرُ إليَّ على قدمَيْنِ من تُرابٍ 


أكذِبُ .. لو أنَّني قُلْتُ :

لمْ تَرَني النَّارُ

" أسرِقُها منَ الآلهةِ "

ثُمَّ أقلِّدُها لِشعبٍ كامِلِ الموتِ

كي ينهَضَ في قامةِ الماءِ و يدخُلَ الوردةَ 


أكذِبُ .. لو أنَّني قُلْتُ : 

لم تَرَني راما

و أنا أتنازَلُ لها عنْ أجزائي كُلِّها 


أكذِبُ .. لو أنَّني قُلْتُ : 

لم تَرَني أمِّي و أنا أسلِبُ منها

و لمْ تَرَني و هُمْ يُدْخِلونَني الغُرفةَ التي لا سقفَ لِظلامِها 


أكذِبُ .. لو أنَّني قُلْتُ : 

لمْ أكُنْ بكامِلِ الموتِ

حينَ غادرَوني إلى مدينةٍ

شَيَّدوها

           منْ غُبارٍ .. ! 


○ اليومُ الرَّابع​ُ 


جاؤُوا منْ جديدٍ

نفخوا في السِّياطِ

و قالوا : عُدْ حَيَّاً

لا نُريدُكَ ميِّتاً .. فتدومَ 


قالوا : سنُخرِجُكَ منَ الغُرفةِ

و نُدخِلُكَ الضَّوءَ منْ أعلى السَّماءِ

و نشُـدُّ على يدَيْكَ

كيْ تبتكِرَ وطناً جَديداً 


قُلْتُ : و مَنْ يضمَنُ موتي إذا بَقِيْتُ حَيَّاً ؟ 


قالوا : دَمُها الأُرجوانيُّ الذي صفقَتْ أغصانُكَ لهُ طوالَ حُضورِكَ معها في السَّريرِ .. 


قُلْتُ : و هلْ ستراني و أنا المَيِّتُ ؟

لا أجزاءَ لي كيْ تجمعَني

و لا عصافيرَ في قلبي 

كيْ تُغنِّيَ لها ..

و لا حتَّى الخردلُ و السَّيانيدُ

يجمَعُني معَها في هواءً واحداً

لِرئةٍ تتَّحِدُ 

كيْ تتنفَّسَ أجزاءَ الموتِ الجَميلِ .. 


قالوا : مَنْ غمرَتْهُ الأنقاضُ ينبُتُ أخضرَ منْ جديدٍ و يحتلُّ الشَّمسَ .. 


قُلْتُ : أدخِلوني إلى أيَّامي لِأعُدَّ أعضائي

هلْ بَقِيَتْ ؟ 

أمْ لا زِلْتُ بعدُ نِصفي القَتيلَ أجرَحَ الغابةَ من

ذِئابِها فقطْ ؟ 


و قُلْتُ : بأنني سأعودُ 

مُقْفِلاً السَّماءَ على دَمي

كيْ أتبرعَمَ نَصْلاً

يدخُلُ المعارِكَ بِلا هَذَيانٍ

يدخُلُ وردتَهُ ..

حافِياً .. يركُضُ في تنفُّسِـها

عارِياً .. يتشظَّى على كامِلِ أوراقِها 


و قُلْتُ : إنَّني لنْ أعودَ

إلَّا إذا رأتْني راما

تحمِلُ سمارها

مُستسلِمةً بينَ أعضائي ..كحمامةٍ ..! 


○ اليومُ االخامسُ 


لامسَ صدرَها دمي فاشتدَّ

و كقَصَبِ اللَّحظةِ انتصَبَ

شاهِراً سُكْرَهُ لِوردةِ السَّماءِ الحارَّةِ .. 


لامسَ قلبي حَوافَّ إبرتِها 

فانكسَرَ

و حينَ صَحَوْتُ

أدركَني الشَّـبَـهُ

و وجدْتُ كُلَّ شيءٍ فيها يُشبِهُني

المرأةُ الصَّغيرةُ

التي تُسطِّرُ أيَّامي بالجُنونِ

و تُوَدِّعُ حُضوري قبل اليوم السادس الذي لن يجيء . 


كانَ لِشَفَتَيْها كَرَزٌ منْ غابةِ الـلّٰـهِ 

التي لا تراها الأيدي و لا يلمُسُها الجَسَدُ .. 


سارَت بحاري على جبالِها 

شمالي إلى شمالها 

و غربي إلى غربِها 

و باسمِ الضَّوءِ البعيدِ اعتقلَتْني

لم أتحدَّثْ إليها عنْ امرأةٍ أُخرى

لا تُشْبِهُها

و لمْ تُحدِّثْني عنْ سُنونواتِ صدرِها الراحلةِ إليَّ . 


كانَ آخرُ أيَّامي يدخُلُها

فتدخُلُها بقدمَيْنِ منْ عاجٍ 


لا تهبِطُ السُّلَّمَ الرُّخاميَّ 

كعادتي حينَ أراها

و لا تُشعِلُ أيَّامي انتِهاكاً

يهدِرُ على حَوافِّ أسئلتِها الكثيرة


راما

وردةٌ تشمَخُ لها السَّماءُ

تصعَدُ إليها الأرضُ

وردةٌ ...

لا تمَسُّها ... إلَّا أصابعُ منْ مطرٍ

و لا يشُمُّها .. إلَّا جسدٌ منْ ضوءٍ 


لمْ أنَمْ ..

كيْ أصحوَ على حُضورِها

و لمْ أفتَحْ لها غاباتي

كيْ تدخُلَ بظِلالِ أشجارِها

و تصلِبَني كخريفٍ طالَ شُرودُهُ في السُّقوطِ . 


كُنْتُ لا أزالَ جَنيناً

يخضبُ في الدَّمِ

و حُزْناً يُنكِّسُ راياتِهِ 


كُنْتُ أشُمُّ رائِحةَ ثِمارِها

فأنتَعِشُ

أسرُدُ لها خَرافةَ الضَّوءِ

و أتذكَّرُ عنها أيَّامي

و منْ أيِّ السُّلالاتِ جِئْتُ : 


القصفُ السَّامُّ كانَ يحشو مُدُنَنا في عُلْبةِ كِبريتٍ ، تحوي عودَ ثِقابٍ واحداً ، فاشتعلْنا و لم نَمُتْ ، النَّملُ الزَّاحِفُ كانَ يُحرِّضُنا على العُبورِ ، فعبَرْنا إلى الجِبالِ ، جبالِنا التي كانَتْ تطيرُ ، كنَّا بينَ أجنحتِها سُـلالةً خذلَها اللّٰهُ حينَ جاءَ بنا

ليسَتْ لدينا أظافِرُ طويلةٌ

كيْ تَحُدَّ الإســــــمنتَ الذي سلَّحوهُ فينا .. 

مُدُنُنا تركُضُ تحتَ القصفِ ..

و أنا أتذكَّرُ صديقي عارف ، و هوَ يقولُ لنسرين :

" أُحِبُّكِ

يُناديني القصفُ ...

و الطَّائراتُ تُعلِّمُ وجهي درسَ الغِيابِ

و أنا في حِصَّةِ الـلّٰـهِ .. سأُحِبُّكِ " 


تضحَكُ نسرين 

و هيَ تزهَرُ في رِئَـةِ السُّـمِّ

تزهَرُ كشعبٍ ليسَ منْ عاداتِهِ أنْ يموتَ

شعبٌ إذا أدخلَهُ القرآنُ آياتِهِ

قالَ : كُنْ - فيكونُ ..

ليسَتْ لغاباتِنا مَخارِجُ

قمحُنا يُولَدُ إلى جِوارِ الخَرْدَلِ

أبوابُنا مفتوحةٌ لكُلِّ الصَّواعقِ

عُشَّـاقُنا في حِصَّةِ الـلّٰـهِ يتبادلونَ الرَّسائِلَ

أيَّامُنا تَجيءُ منْ شمسٍ تُشرِقُ منَ الشَّمالِ

و تركُضُ في قمرِ الجنوبِ

أسماؤُنا لِأشيائِنا ليسَتْ ضحايا

سَهَرُنا وردٌ و قتلٌ

و ليلُنا إنْ طالَ سيجيءُ النَّهارُ 

منْ طرفِ ثوبِ امرأةٍ صغيرةٍ ، تعرِفُ كيفَ تُطرِّزُ عينَيْها لِمُكوثٍ طويلٍ ..


أجلْ لمْ أَنَمْ

كيْ أصحوَ على حُضورِها

وردةُ الأبعادِ راما

تُوزِّعُ قامتَها في دَمي

و تَشطُرُني نِصْفَيْنِ

غَيمةً و غَيمةً

جَبلاً و جَبلاً .. 


أشرَبُ قهوتي

و أعتادُ لِلمرَّةِ البَرْدِ

الدُّخولَ لِأيَّامي فأشتعِلُ

أشتعلُ جزيرةً لِبحرٍ

لا يضبِطُ مُلوحتَهُ على ساعةِ لِقائي بها .. 


أعترِفُ أنَّني تقصَّدْتُ

أنْ أُقدِّمَ لها دفترَ اعتِرافاتي

و لمْ أتنكَّرْ بوجهٍ منْ غُبارٍ 


أعترِفُ أنَّ غاباتِها الخضراءَ ستتَّسِعُ لِانكِساراتي في

المرأةِ التي اسمُها راما .. 


و أعترِفُ أنَّ هذا اليومَ قد طالَ ، يتَّسِعُ ، و يمتدُّ ببَوْحِـهِ إليَّ 


النَّهرُ الذي رحلَ 

سيعودُ

و أَجُفُّ مكانَهُ

كيْ ينبُتَ مكاني التِفاتةٌ إليها .. 


هذا اليومُ

هوَ الذي حدَّثَني و قالَ : 


يا سيِّداً

دَعَتْهُ هزائِمُهُ إلى عرشِ الملكيَّةِ 


يا سيِّداً

جرحَـتْهُ الغاباتُ

فتعشَّبَتْ عندَ الكَتِفِ وردةٌ زرقاءُ 


يا سيِّداً هلْ رأيْتَ

و أدركْتَ أنَّ القصيدةَ لنْ تكتمِلَ ؟ 


البارودُ .. 

رِحلةٌ إلى النِّسيانِ 


الطَّلقةُ ..

ذاكِرةٌ لِزهرةِ المدينةِ 


الرِّحلةُ

ما زالَتْ إليكِ ماضيةً

ما زالَتْ إليكِ ماضيةً

ما زالَتْ إليكِ ماضيةً




و تبقى راما تُسطُّرُ أيَّامي بيدٍ منَ نخيل ..مروان خورشيد / سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 25 أكتوبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.