قِراءةٌ في المجموعةِ القصصيَّةِ ( هو ) للكاتبِ السُّوريِّ فراس الحركه ..بقلم نصر محمد

 قِراءةٌ في المجموعةِ القصصيَّةِ ( هو ) للكاتبِ السُّوريِّ فراس الحركه . 


" في الحقيقةِ نجدُ تجاربَ سرديَّةً واقعيَّةً ، تُلامِسُ صميمَ الحياة ، وتنقلكَ إلى عوالمِها الساحرة ، و تُحرِّكُ ذهنكَ بالأسئلة ، و تُثري ساحةَ النقاشِ ، ممَّا يتركُ بصمةً واضحةً على الساحة الأدبيَّةِ المُتخمة بتجاربَ سرديَّةٍ غزيرةٍ ، سواءً أكانتْ مجموعاتٍ قصصيةً أو رواياتٍ ، و القليلُ منها ما نستطيعُ نعتَهُ بالناجحِ .. "


إنَّ القصَّةَ القصيرةَ الجيِّدةَ هي غالباً كائنٌ متوقِّدُ الذهن ، ولكنهُ لا يحبُّ التجوال إلا للضرورة ، لا يحبُّ الخروجَ من مكان للدخول في آخرَ .


قبلَ أنْ أدخلَ عالمَ القراءة من بابها الواسعِ ، عليَّ أن أتقدَّمَ للقارئ بلمحةٍ عن الكاتب فراس الحركه .

فارس الحركه ، يكتبُ القصَّةَ القصيرةَ بألقٍ وحبٍّ وافتنانٍ ، تدعمُهُ في ذلكَ موهبةٌ و دِرايةٌ ، وقراءاتٌ مكثَّفةٌ .


الحركه كاتبٌ سوريٌّ ، لهُ اسمهُ في خارطةِ السرد السوريِّ ، هادئٌ ، لا يتكلَّم كثيراً ، ولا يحبُّ الأضواءَ ، لكنهُ فيضٌ هادرٌ كلَّما أبدعَ .


فراس الحركه من مواليد عام ١٩٧٤م ، من مدينة السلميَّة ، حيثُ الجمالُ فيها أزليٌّ ، يعسكرُ في الدروب و الروابي ، و دفءِ المنازلِ ، و ألقِ الشرفاتِ المسكونة بالعشق و الشعر و الصباحاتِ ، كلُّ مَنْ مرَّ في السلميَّة أو سمعَ عنها ، فهي لا تعرفُ غيرَ الودِّ ، فهي مُزركشةٌ نقيَّةٌ طاهرةٌ ، كأماني الأطفال و ابتساماتهم و أغانيهم .


فِراس الحركه مسرحيٌّ و قاصٌّ و مُعِدُّ برامجَ إذاعيَّةٍ .


▪️حائزٌ على جائزة زكريا تامر للقصَّة القصيرة من وزارة الثقافة السورية عام ٢٠٠٨م ، عنِ مجموعتهِ القصصيَّة (عَصفُ الرُّؤى) .

▪️حائزٌ على جائزة اتِّحاد الكُتَّابِ العرب للنصوص المسرحيَّةِ ٢٠٠٩م ، عن مسرحيتهِ (صاحبُ النِّساءِ السَّبعِ).

▪️حائزٌ على الجائزة الدوليَّة لنصوصِ المونودراما في الفُجيرة في الإمارات العربيَّة المتَّحدة عام  ٢٠١١م ، عن نصِّ مونودراما ( أبو النُّور ).


◽ المسرحُ :

مسرحيٌّ و مُمثِّلٌ و مُخرِجٌ و مُؤلِّفٌ ، لهُ أربعُ مسرحيَّاتٍ غير مطبوعةٍ ، و ثلاثُ مسرحيَّات مونودراما غيرِ مطبوعةٍ .


◽المجموعاتُ القصصيَّةُ :

▪️(عَصفُ الرُّؤى _ ٢٠٠٨م) .

▪️(الآنَ و بعدُ) دارُ الفرقد ٢٠١٠م .

▪️(هُو ؟!) دارُ موزاييك للدراسات و النشر ٢٠٢٣م .


◽البرامجُ الإذاعيَّةُ :

▪️برنامجُ (مَنسيَّاتٌ.. حكاياتٌ شعبيَّةٌ) .

▪️برنامجُ ( ألعابٌ شعبيَّةٌ ) .

كلاهُما على صوتِ راية .


◽( هُوَ ) عنوانُ آخر أعماله في القصة القصيرة ، كلمةٌ خفيفةٌ على اللسان ، وثقيلةٌ في ميدان الإبداع .


( هو ) مجموعةٌ قصصيَّةٌ ، صُدرتْ عن دار موزاييك للدراسات و النشر عام ٢٠٢٢م في إسطنبول _ تركيا .


تحوي المجموعةُ بين دفَّتيهِ ثمانيةً و عشرينَ قصَّةً على امتداد مئةٍ و ثمانٍ و ثلاثينَ صفحةً من القطع المتوسط .


افتتحَ القاصُّ مجموعتهُ القصصيَّة بمقولةٍ للكاتب ميخائيل نعيمة ، يقولُ فيها : " لن يلقى الإنسانُ سلاحَهُ حتَّى تكونَ لهُ الغلبةُ ، وحتَّى تنساقَ غريزتهُ لإرادتهِ ، فيخلقُ عالَماً يليقُ بعظمتهِ ، و جمال الحريَّةِ التي يشتاقُها بكلِّ قلبهِ و فكرهِ وخيالهِ " .


فراسُ الحركه مَدينٌ للبيئة و المكان الذي ينتمي إليه في أغلبِ نصوصهِ ، حتَّى تلكَ التي لا تتحدَّثُ عن واقعٍ فِطريٍّ مُعيَّنٍ ؛ لأنَّ الكتابةَ لديه هي نتاجُ مُؤثِّراتٍ تتَّصلُ بالواقع ، و بيئةُ السلميَّة بيئةٌ خصبةٌ و حركيَّةٌ ، والشارعُ مليءٌ بالصراعات و المواقف الحيَّة والانفعالات المتنوِّعة ، وكاتبُنا يلتقطُ تلكَ الحياةَ . 


يقولُ في قصَّة ( الطَّريقُ ) :

" ذاتُها ، لا فرقَ ، وعرةً أو مُعبَّدةً ، شرقيَّةً أو غربيَّةً ، أو في أيِّ اتِّجاهٍ ، سوى غايةِ الوصول ، وللطريق يدانِ و أذُنانِ ، و عينانِ تُديمانِ النظرَ على قادمٍ يلهَجُ بها ، يتألَّمُ بوجهٍ صامتٍ حزينٍ ، و عيناهُ ترمُقانِ سمتَ البلوغِ و الأمنياتِ ، على جانبَيها أشجارٌ متنوِّعةٌ ، تهيجُ فيها دفائنُ النفوسِ العابرةِ ، تلفي تحتها كي تستفيءَ ، ثمَّ تسري على مسربِ طريقٍ مُثقلةً بالذكرياتِ ، تتواثبُ خفيفةً حشرجةُ الضوء فيها ، مُحدِثةً عالَماً من لفائفَ بصريَّةٍ لا تنتهي ، الكلُّ هُناكَ ، الكلُّ يسعى حافياً ، لاهياً ، عابثاً ، ثمَّ ذاهلاً بنشوةِ البداية ، أيَّةُ بدايةٍ ، وعلى الشفاه شهقةٌ مُرَّةٌ خافتةٌ ، عنوانُها إدراكُ الذات ، أمَّا مكافأةُ الطريق الشفيعة ، فتتقعَّرُ كفٌّ صغيرةٌ ، لكلِّ إصبع إشارةُ عبورٍ ، ستبقى ممدودةً كيما تتبدَّدَ الحقيقةُ ، غيرَ أنها تنحدرُ على بياض قلب كئيبٍ ، كلَّما انخرطَ العابرون في احتساب النهاية ، مُرتجِفةً ، مُزعنةً في حضرة المُكوثِ طويلاً أمامَ تراخي القادمين  ... إلخ "


و التعاملُ مع اللغة لدى الحركه ليسَ إرادياً ، فاللغةُ تحضرُ كالفكرة بشكلٍ عفويٍّ ، و لا يستطيعُ كاتبٌ أن يصفَ لغتَهُ بأنها مميِّزةٌ ، لأنَّ قربَهُ من نصِّهِ لا يتيحُ لهُ إصدارَ أحكامٍ موضوعيَّة .


يقولُ في قصَّة ( العازِفُ ) :

" هو ذا صوتُهُ غيرَ أنكَ لم تقرأ اسمَهُ الحقيقي في الجرائد الرسميَّة ، أو غيرها ، أيعني لكَ هذا شيئاً ؟ هل تقرأ ؟ حتَّى المطعمُ الفاخرُ الذي يعملُ فيه لم ينوِّهْ عن اسمهِ ( أشهى وأفخر المأكولات الشرقيَّة والغربيَّة على أنغام العُود ) ، إنهُ يُداني الآنَ بينَ جفنيه ، وهو يعزفُ بهدوءٍ ، حتى أغمضتا قليلاً ، ثمَّ شرعَ ينتقلُ بعينيه بينَ الطاولات ، العيونُ والأجسادُ تتحدَّثُ إليه ، تسترفِدُهُ المعاني ، دفيقةً تنثالُ منها اللحظاتُ  ... إلخ " .


لعلَّ أهمَّ رافدٍ من روافد تشكُّلِ العالَم القصصي لدى فراس الحركه هو الواقعُ بتفاصيلهِ البسيطة و عفويَّتهِ ، و انعكاسُ ذلكَ على الذات المُرهفة باليقظة و الانتباه ، وفي قصَّة ( الأبوابُ ) انتقلَ فيها عبرَ أبوابٍ مُختلفةٍ في أزمنةٍ مُختلفةٍ ، وكأنَّكَ تقتحِمُها للمرَّة الأولى ، حتَّى تصلُ البابَ الأخيرَ ، لتستيقظَ من حُلم طويلٍ على صوت المِذياع ، حيثُ يقولُ : أخي المواطنَ ...

" بينَ كفَّي القَدَرِ ، والأيَّامُ حُبلى بالأمنيات ، انسربتْ إلى أعماقهِ فوضى الأحلام ، و كعادتهِ ينامُ دائماً ، بعدَ دوامهِ الرسمي ، ليتمكَّنَ من مُتابعة عملهِ الثاني ، الذي يمتدُّ إلى ما بعدَ مُنتصف الليل .

حاورتْهُ ذاتُهُ وهو يغفو ، و ربَّما غفا معَها مُذْ أضاعَ كيانَهُ ، وانسدلَ في حُلمهِ ، طويلٌ مُختلجٌ بأنينِ الأبوابِ .


البابُ الأولُ : 

محصورُ بينَ عمودَين شاهِقَين ، متَّصلين بجدار عريضٍ ، عندما فتحَ البابَ ، لم يجدْ سوى الريح ، و لم ينسَ أنْ يُغازِلَها بحُزنهِ ، صافحَتْها حينَ أترعتْهُ بالهمِّ ، و هفا  ...إلخ " .


الأنثى تجذبُ كاتبنا لِيُشاركَها في كلِّ شيءٍ ، يسعى للإشارة إلى الأماكن التي يمكنُ أن تنهضَ بها ، تضيءُ لها الطريقَ ، ربَّما لتحسنَ شروطَ كيانها و تستفزَّها للنهوض ، كي تصبحَ فاعلةً في مجتمعها .


يقولُ في قصَّة ( الهُروبُ ) :

" وقفَتْ بباب الغرفة امرأتان بكاملِ الأنوثةِ و الجمال أمامي ، لم أُخفِ ميولي في امتلاكِهما ، لكنَّ الحديثَ الذي سمعتُهُ سدَّ الطريقَ عليَّ ، قرَّرتُ إظهار قوامتي لمرَّةٍ واحدةٍ بعُنف وقسوةٍ ، تحدَّثتُ كثيراً ، وكأني أنبثِقُ من عوالِمَ مجهولةٍ ، أراقبُهما بزهوٍّ ، وهما تحشُرانِ قوَّتُهما ورائي .. ومضتْ في رأسي فرحةٌ خبيثةٌ ، كأني أعيدُ ترميمَ ذاتي ، عزمتُ على طردهما من رأسي ، بَكَتا ، اندفعتا نَحوي ، عانقتاني معاً ، ضمَّمْتُهما بشفقةٍ ، ثمَّ انسحبتْ ... إلخ " .


و في الخِتامِ ، يمكنُنا القولُ : إنَّ أسلوبَ القاصِّ فراس الحركه واضحٌ و بعيدٌ كلَّ البُعدِ عن التعقيد و الغُموض ، يحملُ في أعماقهِ هاجسَ الإبداع ، و يُحاولُ أن يأتيَ بالجديد المُدهشِ ، فهنيئاً للأستاذ فراس الحركه ، بهذا الجمال الأدبيِّ الرفيعِ .


✍️ نَـصــر مُـحـمَّــد / المانيا



فراس الحركه

                                
                          نصر محمد 


قِراءةٌ في المجموعةِ القصصيَّةِ ( هو ) للكاتبِ السُّوريِّ فراس الحركه ..بقلم نصر محمد Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 أكتوبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.