قراءة أدبية لنصّ "رئة ثالثة" للشاعرة السورية نوار الشاطر بقلم: هند الدليمي\العراق
(رئة ثالثة )
أكتب لأمشط شعث المشاعر،
لأصفف أجراس الخيبة التي ترن في ديجور الوحشة ،
لأرمم جدار ابتسامة صدعها الحزن،
لأصنع فرحاً ملوناً يعانق أفق الحلم .
أكتب لأجدني
فملامحي ضاعت عندما ابتلعتها أمواج العتمة .
أكتب لأحوك سماء ثامنة ،
و أطرزها بنجوم وضاءة الأقحوان.
أكتب لأقرأني فما عدت أعرفني بعد أن تفحمت ورود آمالي عندما أشعل الواقع حرائقه في أرجاء الأمنيات.
أكتب لأفرغ حقائب القلب المكتظة بضجيج العواطف ،
لألمّع أجنحتي الناصعة بالنقاء ،
لأنير قناديل الروح بنسيم المطر.
أكتب لأزيل غبار الشوق المتراكم في مسامات حكايا الأمس ،
لأمسح رائحة الأنين عن مرآة الظنون ،
لأكنس الحنين من أزقة الذاكرة ،
لأغسل أوجاع الغربة ،
لأنشر الأمل على حبل العمر ،
لأكوي الآهات الممتدة من فؤادي إلى دمشق .
لأصفف أجراس الخيبة التي ترن في ديجور الوحشة ،
لأرمم جدار ابتسامة صدعها الحزن،
لأصنع فرحاً ملوناً يعانق أفق الحلم .
أكتب لأجدني
فملامحي ضاعت عندما ابتلعتها أمواج العتمة .
أكتب لأحوك سماء ثامنة ،
و أطرزها بنجوم وضاءة الأقحوان.
أكتب لأقرأني فما عدت أعرفني بعد أن تفحمت ورود آمالي عندما أشعل الواقع حرائقه في أرجاء الأمنيات.
أكتب لأفرغ حقائب القلب المكتظة بضجيج العواطف ،
لألمّع أجنحتي الناصعة بالنقاء ،
لأنير قناديل الروح بنسيم المطر.
أكتب لأزيل غبار الشوق المتراكم في مسامات حكايا الأمس ،
لأمسح رائحة الأنين عن مرآة الظنون ،
لأكنس الحنين من أزقة الذاكرة ،
لأغسل أوجاع الغربة ،
لأنشر الأمل على حبل العمر ،
لأكوي الآهات الممتدة من فؤادي إلى دمشق .
أكتب لأطوي المسافات المبللة بالسهر ،
لأجفف سيل الدمعات ،
لأطهو السعادة في موقد القلب ،
لأعجن الحروف بماء الوجد وأخبزها في فرن المعاني فأتذوق حلاوة القصيدة على طبق وقتي ،
وألتهمها كلما دقّ ناقوس الوحدة أنغامه المخيفة على ضفاف الزمن ....
فأنا لست إلا بقايا حالمة طاعنة بالخيال ، تصادق الكلمات التي تعطر محبرة أثيرها وتربي القصيدة
في حِجر ضوئها حباً على حب! .
لأجفف سيل الدمعات ،
لأطهو السعادة في موقد القلب ،
لأعجن الحروف بماء الوجد وأخبزها في فرن المعاني فأتذوق حلاوة القصيدة على طبق وقتي ،
وألتهمها كلما دقّ ناقوس الوحدة أنغامه المخيفة على ضفاف الزمن ....
فأنا لست إلا بقايا حالمة طاعنة بالخيال ، تصادق الكلمات التي تعطر محبرة أثيرها وتربي القصيدة
في حِجر ضوئها حباً على حب! .
المقدمة:
إن للقارئ شعورا خاصاً ينجذب اتجاه العلاقة القائمة بين العنوان والمضمون الذي يحمله المضمون ورئة ثالثة عنوان يحمل عالمًا خياليا تتحول معه كل معطيات الواقع الى وسائل راحة تتقصدها الشاعرة , وقد أبدعت الشاعرة نوار الشاطر في التنسيق بين العنوان والمضمون ؛ إذ أثارت الشاعرة فوق سطورها التعبيرية فنيةً رائعة تجلت من خلالها الأساليب البلاغية والتي تفجرت من خلالها أرقى المشاهد المؤثرة عبر التصوير بالمفردات اللغوية .
التحليل النقدي:
إن عنوان القصيدة (رئة ثالثة) جاءت معه لفظة أكتب التي تكررت في عدة مواطن هي بمثابة هرب من الواقع المزري الذي تعيشه إن الكتابة هي متنفسها الوحيد لجأت الى هواء الكتابة حتى تتنفس وتتخلص من ضيق تنفسها من رئتين أُحْجِبَ عنهما الهواء بسبب واقع تجمد فيه كل شيء لكنها تفاجئنا بهربها الى خيالها الجامح الذي حوَّلت فيه كل معطيات الواقع من ألمها المجحف الى متنفساتمريحة,فقداستعارت لمشاعرها المبعثرة المتشابكة الملفوفة بكثير من المشاكل والصراعات صورة الشعر المشعث فراحت تستخدم المشط الذي اشعرتنا بأنه مشط بروح يحارب كل تلك الظروف ومما لا شك فيه ان الشاعرة استخدمت المشط لجذب انتباه القارئ نحوه والتساؤل عن ماهية ذلك المشط.
وما تزال الشاعرة نوار تؤسس للكتابة وتجعلها عالمها الخاص الذي تتصالح به مع ذاتها وتجدها بعد ضياعها بالواقع المؤلم بقولها:
(أكتب لأجدني)(1)
وتصنع من كتابتها سماءا ثامنة غير تلك السبع وهذا تأكيد ذو التفاتة مؤثرة تبث مشاهد حزنها الشرس .
وقد تخلل كل تلك الأحزان مشاهد التأملية والشجاعة التي تجلت من خلال قولها :
(وأطرزها بنجومٍ وضاءةِ الأقحوان)(2)
ووما لا شك فيه ان قصيدتها جاءت بلمسة شاعرة وربة بيت استلهمت بمعانيها كل ما تقوم به الأم لتنتج أمانا وسلاما لأبناءها وشريك حياتها وعندما شعرت بأن تلك المعطيات التي تعد من وسائل راحة أفراد أسرتها راحت تستعين بها لنشر النعيم في خيالها فقد انتشرت فوق نصها المفردات التي تدلل على هذه الملحوظة :
"لأصنع, لأطرزها ,لأفرع, لألمع ,لأنير ,لأزيل, لأمسح ,لأكنس,لأغسل ,لأنشر,لأكوي,لأطوي,لأجفف,لأطهو, لأعجن,"(3)
فهي سخرت تلك المعطيات لقتل ما يؤلمها فهي تغسل الأوجاع في محاولة رائعة مشبعة باللون الإنزياحي لتنظيف الأوجاع من سواداتها التي جلبتها الغربة
كما وإنها تكنس أي تزيل العوالق من ذاكرتها وتلك العوالق هي الحنين
وتكوي الآهات التي انغرست في قلبها في محاولة شرسة لحرق تلك الآهات والمفاجأة التي أحدثتها في كويها أن الكوي هنا ليس للترتيب فالمعهود على الكوي هو التعديل أو الترتيب مما أحث متعة للقارئ من خلال المفاجأة .
كذلك نجد معادلة رائعة اتزنت فيها المشاعر والأحاسيس ما بين ألم أمل فهي مثلما تقتل الألم نجدها تحيي بأملها ما قتله واقعا فنجدها تنير القناديل وترمم المتصدع وتصنع الفرح وتبحث عن نفسها وتحوك سماءًا ثامنة وتطرز النجوم لتطرد العتمة التي تلاحقها وتفرغ حقائبها من ضجيج العواطف التي تصارع من خلالها الألم والأمل الفرح والحزن القيادة والإحباط الشراسة والخوف ونجدها تزيل الغبار الشوق
وأن خير ما أبدعت به في هذه القصيدة إنها تصادقت مع قصيدتها ولونتها بحبها لطريقها رغم كل الظروف
بقولها: "فأنا لست إلا بقايا حالمة طاعنة بالخيال ,تصادق الكلمات التي تعطر مجرة أثيرها وتربي القصيدة في حِجرِ ضوئها حبًا على حب"(4) .
خاتمة:
لقد أبدعت الشاعرة نوار الشاطر في قصيدتها رئة ثالثة والتي بدت واضحة مشاعرها الصادقة المؤثرة والتي عجت بالعاطفة من خلال المفردات اللغوية الموحية وأبرز ما يجب ملاحظته هو تكرار لفظة (أكتب) والتي جاءت بشك متناسق بشدة مع العنوان (رئة ثالثة) أي إن الكتابة متنفسها الوحيد بسبب رئيتيها اللتين وقفتا جرّاء واقعٍ أخنقها بنكبات متوالية سطرتها فوق مسرح قصيدتها .
(1)ديوان هديل حمامة,نوار أحمد الشاطر,مؤسسةسوريانا , سوريا,ط1, 2018م,ص27
(2) المصدر نفسه:ص27
(3)المصدر نفسه:ص27 الى ص29
(4)المصدر نفسه,ص29.
قراءة أدبية لنصّ "رئة ثالثة" للشاعرة السورية نوار الشاطر بقلم: هند الدليمي\العراق
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
27 مارس
Rating:
ليست هناك تعليقات: