نص تشريحي لقلب يحترف الرقص بقلم منى محمد سوريا


لقد خرجت من رحم أمي على شكل قلب مرتجف وصامت
حملتني بين ذراعيها قريباً من صدرها
وفي ذلك المكان تماماً تحولت إلى دمعة، وبكيت
كلما ضَمتني أمي أكثر أزداد حجماً ونبضات
وكلما ضَمني أبي كنت أزداد احمرار ولمعاناً لاينطفئ
بعد ذلك،
بعيوني المفتوحة دائماً كنت اكتشف مايدور حولي
عرفت أن ارتفاعي عن الأرض لم يكن بعيداً
وأن المسافة بين رأسي وأصابع قدماي ليست مسافة كبيرة
كان بإمكاني الانحناء والتقوّس بكل سهولة تاركة عظامي تتمايل كيفما تشاء الحكايات المعزوفة على أنفاسي
لم أخاف، ومشيت
عرفت الخطوات التي تشبه الخيوط الوهمية ولاحقتها بنشاط
وكنت أتقن الانسياب من كل مكان
مثل السيول
مثل المطر
تعلمت تشكيل عروقي بحجم تدفق دماء الحياة فيها
لم أكن أفكر بالوصول
كنت أرغب فقط بقطع المسافات والابتعاد عن الجدران الثابتة و المشاهد محدودة الرؤية
لم أكتفي بكمية الهواء المخصص لأوردتي
لقد أصبت بالكثير من نوبات الاختناق
لكنني نجوت….
ولازلت على شكل قلب،، لكن نبتت على ظهري الأجنحة
في البداية كانت أجنحتي صغيرة وقصيرة
ثم استطالت جداً حتى بدت أطول مني
وصرت أجرجرها خلفي فتُثقل كتفاي بحملها وينحني جسدي
هنا عرفت ماهو الألم….
أن لاتبرح نقطتكَ الضيقة رغم أنك تمتلك جميع وسائل الهرب
قلب بجناحين
كانت هذه الهيئة تحرجني كثيراً
لم أكن أشبه قريناتي من الفتيات الطويلات
بأنوفهم الدقيقة وأذرعهم الليّنة التي تصل لأعلى الغيمات
ولم أعرف كيف أبتسم بشكل سينمائي متقن وملفت
ابتسامتي العشوائية كانت تربكني
و قدماي الطرية كانت دائماً تؤلمني
لكنني كنت مُصرّة على المشي حافية
حيث ذلك المكان المرسوم في رأسي،
المكان الذي تقصده جميع الكائنات التي لاتمتلك صوتاً واحداً وملامحاً مرتبة
ثم اكتشفت عن طريق الصدفة، أن تلك الأجنحة يمكنها أن ترفعني كلما حركتها وأستسلمت لأوامرها
وارتفعت عن الأرض
وكلما ارتفعت أكثر كانت تظهر أمامي تفاصيل العالم الموجود خلف المنطق
مثل القفز من خلف جدار طويل
كل قفزة كنت ألتقط منها مشهداً جديداً
وكل محاولة للطيران كانت تُفقدني بعضاً من حجمي
فتضائل جسدي وتمددت روحي
………
بعد ذلك،
ومن خلال قفزاتي المستمرة تعرفت على قلب مصاب بجرح عميق
كان يطير وينزف ثم يستقر فوق شجرة تفاح كبيرة
كانت نقاط الدماء تسقط منه بشكل عكسي لتبلل غيمة معلقة على حبل السماء في أعلى الشجرة
نجحت بالوصول إليه
وكنت أقضي أجمل أوقاتي معه
ثم نصحني بأن لا أتجول عارية من جسدي
لأن الأرواح المكشوفة للمدى تتألم جداً (إنها سريعة العطب)
طِرنا معاً ووصلنا إلى مكان مزدحم حيث يبيعون الكثير من الأجساد والجلود السمكية والمتنوعة،
اخترت جسداً وارتديته
لم يعجبني الأمر، لكنه كان يساعدني على تغطية خفقاني ونزيفي.
لقد أخفيت الكثير من الجنون تحت جلدي وأغلقت أزرار جرياني الحالم
….
هناك في الأعلى.. عرفت أشياء جنونية
وتعلمت التحليق البهلواني المتجلي
كنت أصاب بحزن كبير كلما تَعبت أجنحتي وأجبرتني على الهبوط،
فأستريح قليلاً ثم أطير من جديد
هناك …
خلف الأسلاك الشائكة التي تفصلني عن ممارسة الرقص
كنت أصطدم أحياناً بالأغصان والشرفات والنوافذ المفتوحة
وأرتطم بأعمدة الإنارة ولافتات المحلات
في السماء
كانت الرياح تلفحني بشكل قوي حتى تتجمد ملامحي
و تتراكم طبقات من الصقيع فوق شغفي
كان علي أن أتمدد بعدها لمدة حزن كامل تحت أشعة الحب كي أذوب وتعود هيئتي من جديد إلى شكل قلب
قلباً دموياً نابضاً
بأوردة ظاهرة وشرايين نافرة
قلباً يمشي ويتدحرج باستمرار
…….
في الليل
كنت أتكوم حول نفسي وأنبض ببطء
و كلما أصابني الأرق أسحب نفسي بوهن شديد وأتجول داخل حجراتي الأربعة
أضخّ دمائي الحزينة دوائراً لاتهدأ ولاتستكين
…..
أنا ولدت على شكل قلب
لذلك كلما لَمَستَني تنغرس أصابعكَ في كياني الطري مثل خمسة سكاكين حادة
لا أتألم
فقط تتوهج أزهار حديقتي بالحُمرة
وتستعد أجنحتي للطيران بعيداً
بعيداً عنك…
نص تشريحي لقلب يحترف الرقص بقلم منى محمد سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 14 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.