باب واحد إلى ألف مئذنة ولا مكان للرب بقلم رضا أحمد مصر


أقيم في القاهرةِ البعيدةِ ﻋﻦ خط الاستواء
وليست بمنأى عن الرحيل إلى ﺍلقطب الشماليّ،
البعيدةُ ﻋﻦ الكعبةِ ﻭﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ؛
أﻛﺸﺎﻙ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ المرخصة التي تطارد الفارين من الظلام
وكشارة على مكانها
هذا الوميض السحري لابتسامة عجوز
يغمر التردُّﺩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ لأنفاس الصبايا في فراش الرغبة.
البعيدةُ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ المستأنسة من أجل غصن زيتون
تجاعيدِ الزمنِ الورعة التي تعمل بطاقة الخطايا
وتصنع من نشيجها الخشن الحقائب الدبلوماسية للقدسيين.
البعيدةُ ﻋﻦ مجرى ﺍﻟﻨﻴﻞ في أصابع الحادي
حين تهادن ثقوب الناي
ﻭﻓﻴﻀﺎﻥ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ حين تطفئ التلفزيون ويمتلئ فمك بالصمت
وسط كومة عظام تبقت من قرية مجهولة.
البعيدةُ عن سكانِها
وﺑﻴﺘﻲ الملطخ بالبارود يزدرد حصته من النيران،
أهرب
ووجل خطواتي فوق الإسفلت
يقتفي ظل مسلةِ ﺃﺟﺪﺍﺩﻱ في الغربة،
أهرب
وﺟﺬﻭﺭﻱ تمنح الثقوب السوداء لقماش اﻟﺴﻤﺎﺀ
قميص عواصف
بدلا عن إغفاءة مصابيحها الزجاجية.
البعيدةُ ﻋﻦ "الحسين"؛
الجيوش هنا تدفن رؤوسها تحت المنح الخارجية
ولا مكان للأذرع الفولاذية للبنادق
في طلب حصص الخبز،
ليس علينا أن نقلق؛
في الأيقونات الذهبية نيافة الأزهر وفضيلة البابا
يفاوضون الرب في أيام أكثر فقرًا
ويرصدون بدقة نوبات غضب السماء.
البعيدةُ عن الخلاف الأبدي بين ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ
حول جدوى غرفة الضيوف،
ﺃﺷﺠﺎﺭ الحكمة وأكسير الحياة
ولافتات التحذير السماوية،
وتماما مثل إشارة على الحكمة أو العمى؛
لم تلجأ إلى وضع الستائر بين اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ
في نفس التابوت
ولكنها مهدت لعرش ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ المعمد في الشمس،
أطمئن
ليست في ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ.
البعيدةُ عن "ﺷﺎﺑﻠﻦ" بوجهه الذي يدمع
شأن النكات الغامضة
تقتلع أسنانك في شراك الضحك،
جلاديِّ ﺍﻟﺸﻌﺮ والكلمة التي تمضي مكبلة إلى المنفى
يعملون على أن نكون آمنين؛
يرفعون ﺳﻮﻁ ﺍﻟﻐﻮﺍﻳﺔ قبل أن تسقط قبلة في بطاقة الدعم.
البعيدةُ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ السوق والباعة الناجين من سهم البورصة،
ﺫﺋﺎﺏ الجوع تقطف الضوء من عين برج المراقبة
وﺛﻐﺎﺀ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ في الكمائن المرصودة قرب الديار
يفتح صنبور ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ذي الخيوط الأبدية للدماء،
مميتة ربما؛
لكن ﺳﺮﺍﺏ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ يلمع في عناوين الصحف اليومية
وﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻨﻜﺴﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮب الأسمنتية
ينتظرن مجيء نشارة الرجال الملطخين بالنفط
حيث الفراش يتسع لذاكرة أول قبلات الزفاف.
البعيدةُ ﻋﻦ ألعاب الفيديو التي تدور خارج باقات الإنترنت،
ما دام البيت محصنا ضد الرصاص والجوع
والشعر الذي يخرج المرء عن دين قومه
سنكون على ما يرام.
الفراغات الكبيرة فوق رقعة الشطرنج
كانت لفرق جوَّالة تتقصى مجاعة الكترونية
من الجيد أن تعود إلى صوابها
وتشكر السادة المسئولين،
هنا ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ لا يتعثرون في خيوط الليزر
ﻭﻣﻨﺎﺳﻚ ذبح الجياد في الحكايات الشعبية
كانت ليحيا الملك
بيد طبيبه الشهير الذي يتاجر في أعضاء الجوعى.
البعيدةُ ﻋﻦ ﻫﻮﺍﺗﻒ ﺍﻟﻮﺣﻲ التي تتحرى الحياة في الفضاء؛
تمتدح السماء
بتقديم ﻗﺮﺍﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ حتى ينتهي اليوم.
ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ أسباب "ﺩﺍﺭﻭين" الشخصية
في الاهتداء إلى خلية واحدة تتدفق من نسر إلى فأر؛
ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻟﻘﺮﻭﺽ ﺑﺎﻟﻮﺭﺍﺛﺔ هذه
قريبة من قوانين ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﺍﻟﻔﻴﻔﺎ في القتل النظيف.
البعيدةُ ﻋﻦ الأحاديث ﺍﻟﺨﺎﺩﺷﺔ ﻟﻠﺴﺎﺳﺔ،
ﺍﻟﻔﺮﻭﺽ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﻟﻠﺘﺴﻮﻝ تحت مظلة الله
تتبُع التأويل الطبقي للكتب المقدسة،
ﺷﻬﻘﺔ الأنبياء ﻭﺑﺮﺩﻳﺔ إبليس
وﺷﺠﺎﺭ الملائكة حول كتاب وصف مِصْرَ
كاد أن يضعنا في مجموعة رفاق ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ
لولا ﻭﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﻬﺮﻡ في تأشيرة الهجرة.
البعيدةُ ﻋﻦ ﺣﻔﺮﻳﺎﺕ الأغنياء ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺑﺪ
وﺳﺠﻮﺩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺃﻣﺎﻡ ﻛﺮﺗﻮﻧﺔ ﺩﻋﻢ،
بتلات ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ تهرب بالأحلام خارج حدود الوطن
وﺣﺪﻭﺓ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ تقبض القلوب حين تعلق بباب،
تلك الأغنيات الوطنية؛
الفخاخ المرتقبة لخطى البنفسج ﺍﻟﻐﺎﻓﻞ
لا تكمل سيرتنا الناقصة فقط
ولكنها تفسر هذه الدماء
حين ترتفع ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮ عقب وﺛﺎﺋﻖ الخذلان.
البعيدةُ ﻋﻦ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻲ ﺍلطفوليّة وظلّي ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﺒﺮ،
فميّ ﺍﻹﺑﺮﻳﻖ ﺍﻟﺮمليّ ﻭﺯﻏﺐ ﺍﻟﺸﻮﻙ ﻓﻲ ﻳﺪﻱ،
ﻗﻠﺒﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﻮﻥ ﻓﻲ قلادة،
ﻣﺴﻘﻂ عيني ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺩﻭﺭﺍﻧﻪ ﺣﻮﻝ نهد الليل،
ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ في رأسي
تداوي ﺳﻌﺎﻝ ﺍﻟﻘﻤﺮ الرِّمَادِيّ،
ﺗﺂﺧﻲ الحرية والسجن في ضفيرتي
كالجري خلف شجرة برتقال في الظهيرة
تهرب من الوقوف الطويل تحت سلطة الطقس،
أﻗﻴﻢ ﻓﻲ القاهرةِ ﺍلبعيدةِ ﻋﻦ كلِّ ﻣﺎ ﺃﻣﻠﻚ
وكل ما أفتقد
البعيدةُ ﻋﻨﻲ ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ قبْر.
باب واحد إلى ألف مئذنة ولا مكان للرب بقلم رضا أحمد مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 17 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.